الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع السادس
في التراجيح الحاصلة بسبب مكان العلة
وهو إما الأصل، أو الفرع، أو مجموعهما:
أما الأصل: فبأن تشهد للعلة الواحدة أصول كثيرة؛ وذلك لأن شهادة الأصل دليل على كون تلك العلة معتبرة، وكل شهادةٍ دليل مستقل، فالترجيح بالشهادات الكثيرة ترجيح بكثرة الدلائل.
وأما الفرع: ففيه صور:
إحداها: أن العلة المتعدية أولى من القاصرة عند الأكثرين؛ خلافًا لبعض الشافعية.
لنا: أن المتعدية أكثر فائدة، ولأنها متفق عليها، والقاصرة مختلف فيها؛ فالأخذ بالمتفق عليه أولى؛ فكانت المتعدية أولى.
احتج المخالف بأن التعدية فرع الصحة، والفرع لا يقوى الأصل:
والجواب: لكنه يدل على قوته.
وثانيتها: إذا كانت فروع إحدى العلتين أكثر من الأخرى، قال بعضهم: هو أولى، وقال آخرون: لا يحصل به الرجحان.
حجة الأولين: أنها إذا كثرت فروعها، كثرت فوائدها، فكانت أولى.
فإن قلت: (إنما يكون إذا كثرت فوائدها الشرعية، وكثرة فروعها ترجع إلى كثرة ما خلق الله تعالى من ذلك النوع، وليس ذلك بأمرٍ شرعي):
قلت: كثرة وجود الفروع ليس بأمر شرعي؛ لكن الفروع، لما كثرت، لزم من جعل هذا الوصف علة - كثرة الأحكام؛ فكان أولى.
احتج الآخرون بوجوه:
الأول: لو كان أعم العلتين أولى من أخصهما، لكان العمل بأعم الخطابين أولى من أخصهما.
الثاني: التعدية فرع صحة العلة في الأصل، فلو توقفت صحتها على التعدية، لزم الدور.
الثالث: كثرة الفروع ترجع إلى كثرة ما خلق الله تعالى من ذلك النوع، وليس ذلك بأمر شرعي؛ بخلاف كثرة الأصول.
والجواب عن الأول: إنما لم يكن العمل بأعم الخطابين أولى؛ لأن فيه طرحًا لأخصهما، وليس كذلك العمل بأخصهما.
أما العلة: فإذا انتهي الأمر إلى الترجيح، وترجيح إحداهما يوجب طرح الأخرى؛ فكان طرح ما تقل فائدته أولى، وعن الثاني والثالث: ما تقدم.
وثالثتهما: العلة إذا كانت مثبتة للحكم في كل الفروع، فهي راجحة على ما تثبت الحكم في بعض الفروع.
وسبب الرجحان أن الدال على الحكم في كل الفروع يجري مجري الأدلة الكثيرة؛ لأن العلة تدل على كل واحد منها.
وأيضًا: دلالته على ثبوت الحكم في كل واحد من تلك الفروع يقتضي ثبوته في البواقي؛ ضرورة أن لا قائل بالفرق، فهذه العلة العامة قائمة مقام الأدلة
الكثيرة، وأما العلة الخاصة في الصورة الواحدة فهي دليل واحد فقط؛ فكان الأول أولى.
وأما الترجيح الراجع إلى الأصل والفرع معا: فهو أن تكون العلة يرد بها الفرع إلى ما هو من جنسه، والأخرى يرد بها الفرع إلى خلاف جنسه؛ مثاله: قياس الحنفية (الحلى) على (التبر) أولى من قياسه على سائر الأموال؛ لأن الاتحاد من حيث الجنسية ثابتة بينهما، وهذا آخر الكلام في التراجيح.
(القول في الترجيح بمكان العلة)
قال القرافي: قوله: (طرح ما قلت فائدته أولى):
تقريره: أن تقديم العلة القليلة الفروع يلزم منه ترك العلة الكثيرة الفروع، فلزم هاهنا من اعتبار الأخص أطراح الأعم، واعتبار الأخص في النصوص لا يلزم منه اطراح الأعم، بل يبقي معملاً به فيما عدا صور الأخص، فهذا هو المقصود بالفرق.
قوله: (العلة المثبتة الحكم في كمال الفروع راجحة على المثبتة في البعض):
تقريره: أن العلة الشرعية قد تشمل جميع صور ذلك الحكم المعلل بها، كما تقول: وجوب الزكاة معلل بشكر النعمة على الأغنياء، وسد خلة الفقراء، فلا زكاة إلا وفيها هذان الوصفان.
وأما تعليل إباحة الدم بالقتل العمد العدوان، فلم يعم صور الإباحة؛ فإن الإباحة تكون بعلة الردة، والزنا، وترك الصلاة، ونحو ذلك.
فالشاملة لجميع الصور أرجح؛ لكثرة الفائدة فيها.
قوله: (دلالة العلة الشاملة على ثبوت الحكم في كل واحد من تلك الفروع - يقتضي ثبوته في البواقي ضرورة ألا قائل بالفرق):