الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة السابعة
قال الرازي: قال قوم: يجب على المكلف الأخذ بأخف القولين؛ للنص والمعقول:
أما النص: فقوله تعالى:} يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر {وقوله تعالى:} وما جعل عليكم في الدين من حرجٍ {وقوله عليه الصلاة والسلام: (لا ضرر في الإسلام) وقوله: (بعثت بالحنيفية السهلة السمحة) وكل ذلك ينافي شرع الشاق الثقيل.
وأما القياس: فهو: أنه تعالى كريم غني، والعبد محتاج فقير، وإذا وقع التعارض بين هذين الجانبين، كان التحامل على جانب الكريم الغني أولى منه على جانب المحتاج الفقير، وربما قالوا:(الأخذ بالأخف أخذ بالأقل؛ فوجب العمل به).
واعلم أن هذا المذهب يرجع حاصله إلى أن الأصل في الملاذ: الإباحة، وفي الآلام: الحرمة، وقد تقدم الكلام فيه.
فأما قوله: (الأخذ بالأخف أخذ بالأقل):
قلنا: هذا ضعيف؛ لأنا إنما نوجب الأخذ بأقل ما قيل، إذا كان ذلك جزءًا من الأصل؛ كما ذكرناه في المثال؛ فإن الثلث جزء من النصف ومن الكل، والموجب للكل والنصف موجب للثلث؛ فيصير وجوب الثلث بهذا الطريق مجمعًا عليه.
أما إذا كان الأخف ليس جزءًا من ماهية الأصل، لم يصر الثلث مجمعًا عليه، فلا يجب الأخذ به.
وقال قوم: يجب الأخذ بأثقل القولين؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (الحق ثقيل قوى، والباطل خفيف وبي).
وهذه الدلالة ضعيفة؛ لأنه لا يلزم من قولنا: (كل حق ثقيل) أن يكون كل ثقيل حقا. ولا من قولنا: (الباطل خفيف) أن يكون كل خفيف باطلاً، وهاهنا طريقة أخرى يسمونها طريقة الاحتياط، وهي: إما الأخذ بأكثر ما قيل، أو بأثقل ما قيل، ولما تقدم الكلام فيها، فلا فائدة في الإعادة.
المسألة السابعة
(الأخذ بأخف القولين)
قال القرافي: قوله: (وأما القياس، والتحامل على المعنى أولى من الفقير):
قلنا: هذا ليس قياسًا؛ بل استدلال بالمناسبة المطلقة، والقياس لابد فيه من أصل يقاس عليه، ولا أصل هنا فلا قياس.
قوله: (يدل عليه قوله تعالى:} يريد الله بكم اليسر {،} وما جعل عليكم في الدين من حرجٍ {.
وقوله عليه السلام: (بعثت بالحنيفية السمحة)(لا ضرر ولا ضرار):
قلنا: الجواب عن الأول من وجهين:
أحدهما: أن هذه الآية لا يمكنكم العمل بظاهرها؛ لأن الله - تعالى - إنما أخبر عن نفي الإرادة، لا عن نفي المشروعية والحكم، والمشروعية عندكم غير الإرادة.
وثانيهما: أن الذي يصدق عليه أنه عسير لغة، وعرفًا، هو ما يثقل حمله، فقد يكون القولان يمكن حمل كل واحدٍ منهما من غير ضررٍ، ولا عسر، وإن كان أحدهما أخف، فلا تتناول الآية واحدًا منهما.
والجواب عن الثاني: أن الحرج هو نوع مخصوص من الأفعال، فقد يكون أخف، والخفيف من القولين ليس بحرجٍ؛ بل سهل على النفس، فلا تتناوله الآية، كما نقول: تحريك الإنسان أصابعه فقط أخف من تحريك يده بجملتها، ومع ذلك فليس في ذلك كله حرج لا عرفًا، ولا عادًة.
وهو الجواب عن قوله عليه السلام: (لا ضرر ولا ضرار)، (وبعثت بالحنيفية السهلة)؛ فتكون هذه الأدلة خاصة ببعض أنواع الثقل، والدعوى عامة، فلا تسمع عند النظار.
*********************