الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: (ظن المجتهد)، فيثبت لقوله عليه السلام:(ظن المؤمن لا يخطئ):
قلنا: تقدم في (باب العموم) أن العام في أفراده مطلق في أحواله، وأزمانه وبقاعه، ومتعلقاته، فالحديث يقتضي أنه لا يخطئ في بعض الصور.
ونحن نقول بموجبه؛ فإن بعض الظن يصيب قطعًا، ولا يلزم حصول المطلوب في محل النزاع.
قوله: (الحكم - هناك - إنما ثبت لحاجةٍ، وذلك المعنى قائم هاهنا):
قلنا: هذا ينقلب في الأصل المدعى، فتعين النفي في صورة، ونقول: إنما ورد النفي في تلك الصور لمصلحة هي قائمة هنا.
وهذه وجوه جدلية أجراها الجدليون، وأهل صناعة الخلاف، والتحقيق يأباها، ولكن من بحث مع قوم ينبغي أن يبحث باصطلاحهم، ويسلم ما سلموه، ويمنع ما منعوه، ولا يخالفهم في قواعدهم، وإلا بقى قوله منكرًا من القول وزورًا.
وإنما أوردت هذه الأسئلة على هذه الموضع؛ تنبيهًا على موضع التحقيق، وما يمكن أن يقال.
(تنبيه)
قال التبريزي: (الحكم الشرعي لابد له من دليل شرعي، وهو قول الشارع
، أو ما يقوم مقامه بنفسه، أو بدلالة الحال، فيدخل فيه الإجماع، والفعل، ومجمع ذلك يرجع للنقل، لكن النقل تارة يدل بالضرورة
على ثبوت ما يلازمه، وانتفاء ما يعانده، والملازمة والمعاندة قد تكون باعتبار نفس الذات، أو باعتبار النظر إلى أمر خارج.
والملازمه الذاتية: هي الملازمة بين الشيء وأجزاء ماهيته من الجنس، والفصل، وأعراضه، وتوابع وجوده الثابتة له من حيث هو ذلك الشيء، ويرجع ذلك إلى السبب، والشرط، ويدخل فيه الكل، والجملة، ودليل الحصر فيها وجوب ثبوت الحكم بتقدير استجماعهما لولا المعاند مع فرض عدم كل ما عداها، والتي هي بالنظر إلى أمر آخر هي التي لابد في جهة ملازمتها من توسط بعض اللوازم الذاتية، وإذا فهم هذا في طرف التلازم فهو في طرف التعاند.
أعني: الفرق بينهما هو بالذات، وبين ما هو بالتوسط.
ثم إذا كان النظم في ثبوت مثل حكم النقل في محل آخر، فلا يتصور ذلك إلا بثبوت ما هو مبناه في محل النقل فيه، وطريقة التفصيل للتوصل إلى معرفته عينًا، بما هو قيوده، وأوصافه، ثم معرفة وجوده في محل النظر.
والإجمالي: أن بين إنما هو الفارق بين الصورتين، لا أثر له في الفرق في الحكم، فيلزم منه الاشتراك في المبني، ومن ضرورته الاشتراك في الحكم، وأن بين له لازم آخر من أثره أو غيره، فيلزم من اشتراكهما من ذلك اللازم اشتراكهما في المبني، إذا أثبت اللازم في الحكمين، وجودًا، وعدمًا، فمن ضرورية التنافي بين وجود أحدهما، ونفي الآخر. وعند هذا يفرع التصرف المعنوي، وينتقل إلى صيغ التحرير، فيمكن أن يرد إلى نمط القياس، وإلى نمط التلازم، وإلى نمط التعاند، ثم لكل واحد من هذه الأقسام صيغة مخصوصة، ومعنية مخصوص.
فأما نمط القياس، فصيغته المصطلح عليها:
قتل عمد محض عدوان، فيلزم القصاص، كالمحدد.
وهو على وزانه.
ومعناه المخصوص أن نقول: ما باعتباره ثبت الحكم في الأصل موجود هاهنا أو اشترك المحلان في المبني، فيشتركان في الحكم، أو ما يؤدي إلى هذا المعني.
وأما نمط التلازم، فصيغته: لو ثبت في كذا لثبت في كذا، وقد ثبت في كذا، أعني المجعول لازمًا، أو ولم يثبت في كذا، فلا يثبت في كذا.
ومعناه: أن نقول: لازم الانتفاء منتفٍ، فينبغي، أعني: الانتفاء.
أو ملزوم الثبوت ثابت، فيثبت.
أو الحكم ثمت مع الحكم - هاهنا- متلازمان، وقد ثبت أحدهما، فيثبت الآخر، وما في معناه.
وأما نمط التعاند: فصيغته أن نقول: إما أن يثبت - هاهنا - أو ينتعي في الأصل، والثاني يمتنع؛ فيتغين الأول.
فيعاند بين الأصل والثبوت هنا - ليلزم الثبوت فيهما، أو الانتفاء فيهما، ثم إذا كان أحدهما خلاف الإجماع تعين الآخر، وكذلك نقول: إما أن يثبت فيهما، أو ينتفي عنهما.
والثاني: باطل، ويفيد هذا قولهم مطلقًا: إما أن يثبت، أو لا يثبت.
ومعناه: أن نقول: الثبوت - هنا - والانتفاء - ثم - مما لا يجتمعان، أو يتنافيان، أو الانتفاء - هنا - ينافي الثبوت ثم أولا يجامعه إلى غير ذلك مما يؤدي لهذا المعني، ثم نقول: وأحد المتنافين ثابت، فيلزم منه: انتفاء التالي.
ثم يعد ذلك يتفاوت النظار في حسن التلفظ في تخفيف مؤنه التقرير
بحسب تفاوتهم في الحذق، ودقة النظر في مراسم الجدل، فمن خائض في الفقه كاشف عن ماهيته يستفيد الملازمة - كما سبق - في مقام القياس.
ومن متطرق يوري متن الطريق، ويأخذ بأطراف الكلام متمسكًا بالظواهر من القواعد الجميلة، ويطالب بتخريج الأمور على وفق الأصول.
فنقول: دليل الملازمة هو أن تقدير اختصاص أحدهما بالثبوت مستلزم اختصاص محل الثبوت لمؤثر، إذ بتقدير عدمه دليل القياس يقتضي التسوية في الثبوت، والأصل وجوب العمل بالدليل، وإذا لزم اختصاص بتقدير فرض التخصيص في الحكم فبيان الاختصاص هو أن الاختصاص يستدعي تقدير أمر مخصص، وتقدير اعتباره، وكل واحد منهما على خلاف الظاهر، لأن مسبوق بالعدم، والأصل بقاء ما كان على ما كان.
فيتمسك به إلى أن يدل دليل على خلافه، وهو أيضًا - على خلاف الدليل؛ إذ الأصل عدمه، ولئلا يلزم منه التعارض، وإذا ثبتت الملازمة فهي مادة التعاند من كل واحد منهما، ونقيض الآخر.
فيتقرر به - أيضًا - نمط التعاند، هذا إذا كان النظر في ثبوت الحكم، فإن كان النظر في انتفاء الحكم، فلتلازم بين الثبوت في محل النظر والثبوت في محل الانتفاء، بالإجماع بناء على نفي اختصاص محل النظر مما يدخل في المؤثر بالطريق الذي ذكرناه إليه الخبرة في صناعة التصوير في أي نمط شاء، فهذان بالطريق حقيقيان يطردان في جميع أحكام الفروع نفيًا، وإثباتًا من الطرفين، وليس يرجع إلى اللعب، ولا إلى مناكرة الحبس، ولا مكابرة العقول، بل هو بلطف في إلجاء الخصم إلى طريق المعارضة؛ ليستريح هو إلى مجرد مؤنة التقرير فيها، ومن واجب هذا النظر أن يوضع حيث لا ينتشر على الخصم إظهار ما يخالف هذا الأصل تفصيلاً؛ فإنه إذا جاء التفصيل طاش هذا الإجمال. والله الموفق للصواب آمين.
كمل الجزء الثالث، وهو آخر (نفائس الأصول في شرح المحصول) تأليف الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين أحمد بن إدريس المالكي القرافي تغمده الله برحمته على يد العبد الفقير المعترف بالذنب والتقصير أصغر عبيد الله تعالى محمد بن أيوب بن وحش العلوي الشافعي - عرف بالسهيلي بلدًا، غفر الله له ولمالكه ولمن نظر فيه ودعا له بالمغفرة والغناء عن الناس، ووافق الفراغ من نسخه في ليلة بسفر صبيحتها السادس من رجب الفرد من شهور سنه تسع وسبعمائه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
*************