الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: لكن على هذا التقدير: يتوالى نسخان، وبالتقدير الأول: لا يحصل إلا نسخ واحد؛ وتقليل النسخ أولى.
واعلم أنا إنما جمعنا هذه الوجوه؛ لأن أكثر مناظرات أهل الزمان في الفقه دائرة على أمثال هذه الكلمات.
ولما وصلنا إلى هذا الموضع، فلنقطع الكلام حامدين الله تعالى، ومصلين على أنبيائه ورسله، ونسأل الله حسن العاقبة والخاتمة، وأن يجعل ما كتبنا حجة لنا، لا علينا؛ إنه هو الغفور الرحيم، الجواد الكريم.
المسألة الحادية عشرة
في وجوهٍ من الأدلة
قال
القرافي: قوفه: (المحكوم عليه كان معدومًا في الأزل، فلا يكون الحكم ثابتًا في الأزل؛ لأن ثبوت الحكم صفة الله - تعالى - وكلامه النفسي القديم
، بل هو كثبوت العلم في الأزل بدون المعلوم، والله - تعالى - يطلب من عباده في الأزل على تقدير وجودهم - ووجوب أسباب التكليف، وشرائطه في العقل المكلف به، وليس في ذلك عبث.
فإن قلت: انعقد الإجماع على أن الإنسان قبل بلوغه غير مكلف، وبعد البلوغ مكلف، والأسباب الموجبة للتكليف أيضًا حادثة.
قلت: مسلم، ولا يقتضي ذلك حدوث الحكم؛ لأنه تعلق من الأزل بالشخص المعين في الحالة المعينة.
ومقتضى هذا ألا يقال: الأصل عدم تعلق الحكم.
فضلاً عن الحكم؛ لأن التعليق قديم أيضًا؛ لأن كما يستحيل علم بغير معلوم، يستحيل أمر بلا مأمور، وإباحة بغير مباح، وتحريم بغير محرم، فالكلام والتعليق قديمان، ولابد في هذا المقام من مراجعة ما تقدم أول الكتاب من أن الله - تعالى - لا يجب عليه خلق العالم، فبخلقه من الجائزات، فعلى تقدير عدم خلق العالم، لا يكون هنالك شرائع، ولا تكاليف ألبتة، فصار كون الأحكام من جملة الكلام النفسي أمرًا جائزًا عليه، لا واجبًا، وهذا الجائز لابد له من مرجح، وهو إرادة الله - تعالى - التي تعلقت بإيجاد العالم، وأنه إذا وجد يكون مكلفًا على الأوضاع المخصوصة.
فينبغي أن يقول: الأصل عدم الحكم، وتعلقه بمعنى أن الأصل ألا يوجد العالم، وألا تتعلق به إرادة التكليف، ولا التكليف بالنظر إلى ذات الحكم، وذات العالم، لا بالنظر إلى تقدم علم سابق يستصحبه؛ فإن لم يتقدم في الأزل عدم الحكم ألبتة، بل هو بالنظر إلى ما يستحقه لذاته الحكم من عدم الاستحقاق.
فعلى هذا الوجه يصح أن يقال: الأصل عدم الحكم، أما يعني أن هنالك عدمًا سابقًا، هو الأصل، فلا.
قوله: (لا يثبت بالأمارة؛ لقوله تعالى:} إن الظن لا يغني من الحق شيئًا {).
قلنا: النص عام في الظن، والحق مطلق فيما فيه يقع العباد؛ فإنه لم ينطق به، فنحن نحمله على قواعد العقائد؛ فإن الظن لا يغني فيها، وإذا عمل بالمطلق في صورة سقط الاستدلال به فيما عداها.
قوله: (ثبوت الحكم لغير مصلحةٍ عبث غير جائز على الحكيم):
قلنا: هذا لا يصح إلا على قاعدة المعتزلة في الحسن، والقبح.
وأما على أصولنا، فلا يليق أن نقول إلا أنه على خلاف المعهود من عوائد الله - تعالى - في شرائعه؛ فإنها مصالح.
أو نقول: أحكام الله - تعالى - لا تعلل، فلا عبث، إلا حيث يجب التعليل، ولذلك إن خلق العالم في الوقت المعين، لا مرجح له، ولم يكن عبثًا.
قوله: (يستحيل عود المصلحة على الله تعالى):
قلنا: عند المعتزلة مراعاة المصلحة من الحكمه، وصفات الكمال، وصفة الكمال عائدة على الله - تعالى -، فبهذا التفسير يمتنع عودها على الله تعالى.
قوله: (يمكن إيصال المصلحة للعبد بدون هذه الوسائط):
قلنا: من قواعدهم - أعني المعتزلة - أن الإحسان لغير المحسن محال، فلابد من هذه الوسائط؛ لأن المستحيل لا يتعلق به القدرة، ولا يكون الإنسان محسنًا حتى يؤمر؛ فيمتثل.
وقيل: تعلق الأوامر لا إحسان، ولا إساءة.
قوله: (إن لم يكن معللاً بوصف مشترك لزم تعليل الحكمين المتماثلين بعلتين مختلفتين):
قلنا: لا نسلم، بل يجوز أن الفاروق علة تامة، والمشترك علة تامة، ويكون الحكم مضافًا لهما حيث اجتمعا، وإلى المشترك حيث افترقا، ولا يلزم إلغاء الوصف المناسب؛ لأجل اعتبار الفاروق مع المشترك.
قوله: (إن أضيف الحكم لذات الوصف، لزم ذلك فيما لا يلازمه، وإن كان لا لذاته ولا للوازم ذاته كان غنيًا عنه عقلاً، فهو لا يليه عقلاً):