الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الرابع
(في الترجيح الحاصلة بسبب دليل الحكم في الأصل)
قال الرازي: فنقول: هذا الطريق لاشك أنه يكون دالا، ثم ذلك الطريق: إما أن يكون في القياسين المتعارضين قطعيًا، أو ظنيًا، أو يكون في أحدها قطعيًا، وفي الآخر ظنيًا، فإن كان قطعيًا فيهما معًا، استحال الترجيح في ذلك؛ لما عرفت، وإن كانا ظنيين فالدليل الدال عليهما، إما أن يكون لفظًا، أو إجماعًا، أو قياسًا: فلنتكلم في تفاصيل هذه الأجناس، ثم في تفاصيل أنواع كل واحدٍ من هذه الأجناس:
أما البحث الأول فيشتمل على مسألتين:
إحداهما قالوا: القياس الذي ثبت الحكم في أصله بالإجماع، أقوى من الذي ثبت الحكم في أصله بالدلائل اللفظية؛ لأن الدلائل اللفظية تقبل التخصيص والتأويل، والإجماع لا يقبلهما، وهذا مشكل؛ لأنا حيث أثبتنا الإجماع؛ إنما أثبتناه بالدلائل اللفظية؛ والفرع، كيف يكون أقوى حالاً من الأصل؟!.
المسألة الثانية: قد تقدم في (كتاب القياس) أن الحكم في الأصل لا يجوز أن يكون مثبتًا بالقياس، وإن كان قد جوزه قوم، والمجوزون اتفقوا على أن القياس الذي ثبت الحكم في أصله بالنص - راجح على الذي ثبت الحكم في أصله بالقياس؛ لأن ذلك القياس لا يتفرع على قياس آخر إلى غير نهاية، بل لابد من الانتهاء إلى أصل ثبت حكمه بالنص، وإذا كان كذلك، فالنص أصل القياس، والأصل راجح على الفرع.
البحث الثاني: في تفاصيل أنواع كل واحدٍ من هذه الأجناس الثلاثة:
فنقول: أما الدلائل اللفظية: فإما أن تكون متواترة، أو آحادًا: فإن كانت متواترًة، لم يمكن ترجيح بعضها على بعضٍ إلا بما يرجع إلى المتن، وإن كانت آحادًا، أمكن ترجيح بعضها على بعض بما في المتن، وبما في الإسناد، وتلك الوجوه قد ذكرناها فيما تقدم؛ فلا فائدة في الإعادة. وبالجملة: فكلما كان ثبوت الحكم في الأصل أقوى، كان القياس أرجح.
فإن كان ثبوت الحكم في أحد القياسين مقطوعًا، وفي الآخر (مظنونًا) كان الأول أولى؛ لما تقدم أن القياس الذي بعض مقدماته مقطوع، والبعض مظنون -راجع على ما كل مقدماته مظنون.
وأيضًا: فإذا ثبت الحكم في أحد الأصلين بإيماء خبر متواترٍ - فهو راجح على ما ثبت بإيماء خبر الواحد؛ ولكن بشرط التعادل في الإيماءين، ولو ثبت الحكم في الأصل بخبر الواحد، فالذي هو مدلول حقيقة اللفظ - راجح على ما هو مدلول مجازه.
القول في التراجيح بسبب دليل الحكم
قال القرافي: (بينا أن مسائل أصول الفقه القطعية يستدل فيها بالظواهر، والمقصود تلك الظواهر معضود كل واحد منها بالاستقراء التام من نصوص الكتاب والسنة، وأقضية الصحابة رضي الله عنهم، وفتاويهم، ومناظراتهم، ومتى حصل الاستقراء التام حصل القطع ضرورة، ولا يعلم ذلك إلا من حصله، وغير المحصل له مقلد للمحصل.
وليس عجز العاجز حجة على المحصل، ولا مخلا بحصول العلم له،
وقد تقدم كلام التبريزي في ذلك، وليس المقصود كل ظاهر على حياله من غير إضافة الاستقراء إليه.
فالإجماع في الحقيقة فرع مجموع الاستقراء، وهو قطع، فلم يكن الفرع أقوى من أصله، بل القطع فرع القطع.
**************