الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلام في الاجتهاد
قال الرازي: والنظر في ماهية الاجتهاد، والمجتهد، والمجتهد فيه، وحكم الاجتهاد.
الركن الأول في الاجتهاد
وهو في اللغة عبارة: عن استفراغ الوسع في أي فعلٍ كان؛ يقال: استفرغ وسعه في حمل الثقيل، ولا يقال: استفرغ وسعه في حمل النواة، وأما في عرف الفقهاء، فهو:(استفراغ الوسع في النظر فيما لا يلحقه فيه لوم، مع استفراغ الوسع فيه).
وهذا سبيل مسائل الفروع؛ ولذلك تسمي هذه المسائل مسائل الاجتهاد، والناظر فيها مجتهد، وليس هذا حال الأصول.
قال القرافي: قلت: فرقت العرب بين الجهد: بفتح الجيم، وضمها، فبالفتح: استفراغ الوسع، واستيفاء القدرة في السعي، وبالضم: الطاقة.
قال صاحب (المجمل): (الجهد: بالفتح، المشقة، يقال: جهدت، نفسي، وأجهدت، وبالضم: الطاقة.
قال الله - تعالى:} والذين لا يجدون إلا جهدهم {، و (التاء) في لسان العرب في (اجتهد) لفرط المعاناة، وهي تدل أبدًا على تعاطي الشيء بعلاجٍ، وإقبال شديد عليه، نحو (اقتلع)، و (اقترع)، و (اكتسب) هو أبلغ من (كسب)؛ لأجل التاء.
قوله: (في عرف الفقهاء: استفراغ الوسع في النظر، فما لا يلحقه فيه لوم، مع استفراغ الوسع فيه):
تقريره: أن الضمير في قوله: (فيما لا يلحق فيه):
إن أعدناه: على (استفراغ الوسع) فيكون: معناه: أن الاجتهاد ليس يأثم فاعله، وهو صحيح؛ لأن الواجب لا إثم فيه، ويشمل كلامه المندوب من الاجتهاد، والمباح؛ فإن المجتهد قد لا يتعين عليه الاجتهاد، فندب إليه، أو يعارضه مصلحة مساوية، فيباح له؛ لأن الحكم عند التساوي التخيير، والإباحة والقدر المشترك بين الجميع عدم اللوم الشرعي.
وإن أعدنا الضمير على لفظ (ما): وهو المجتهد فيه، فالاجتهاد قد يقع في الواجب والمندوب، والمباح، والمكروه، والأربعة اشتركت في عدم اللوم، وأما المحرم ففيه اللوم.
فيكون الضمير - على هذا التقدير - يوجب خللاً في الحد - بكونه يصيره غير جامع، مع أن عوده على لفظ (ما) هو الظاهر من كلامه، فيكون - على هذا - ظاهر كلامه البطلان، وعبارة الجماعة أحسن.
قال التبريزي: (هو بذل الجهد في تعرف الأحكام الفروعية التي هي مجاري الظنون)، فلهذا لا يسمى الناظر في الأصول مجتهدًا، فهذا كلام لا يرد عليه ذلك السؤال، ويوجب سؤالاً على المصنف من جهة أن حده يتضمن دخول الاجتهاد في الأصلين في حده، وليس هو مقصودًا عرفًا، وهو إنما تعرض لبيان الاجتهاد في العرف.
ويندرج أيضًا في حد المصنف الاجتهاد في قيم المتلفات، وأورش الجنايات، والأواني، والثياب في الطهارة، وفي الكعبة في تعيين أحد الجهات، وتعيين الزوج من بين الأكفاء، وغيرهم في الزوجات، وتعيين خليفةٍ، أو قاضٍ، أو غير ذلك من أرباب الولايات؛ وفنون التصرفات، وكل ذلك لا يسمى الناظر فيه مجتهدًا بالوضع العرفي الفقهي الذي تعرض المصنف لتحديده؛ بل بالوضع اللغوي.
وكلام التبريزي يرد عليه بعضها؛ لأن الأواني، والثياب، والأئمة، والنواب للحكم، وغيره، وقيم المتلفات ترد عليه؛ لأنها أحكام فرعية.
وقال سيف الدين: (هو استفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من
الأحكام الشرعية على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد فيه) فقولنا: (في طلب الظن) ليخرج القطعية.
وقولنا: (الشرعية) ليخرج المعقولات والمحسوسات وغيرها.
وقولنا: (بحيث يحس من النفس العجز عن المزيد فيه).
ليخرج المقصر؛ فإنه لا يعد في عرف الأصوليين اجتهادًا.
قلت: هذا القيد الأخير، يكفي عنه القيد الأول، وهو استفراغ الوسع فإن المقصد غير مستفرغ.
ويرد عليه ما ورد على التبريزي.
وقال الغزالي في (المستصفى): (هو بذل الجهد في طلب العلم في الأحكام الشرعية).
قلت: إن أراد بالعلم العلم الحاصل من الإجماع بأنه ما أدى إليه اجتهاده، فهو حكم الله في حقه، وحق من قلده، إذا قام سببه، كما تقرر أول الكتاب، فهذا العلم هو متقرر في الشريعة لكل مجتهد لا يتأتي طلبه لتقريره؛ بل المطلوب ما هو شرط في حصوله، وهو الحاصل بعد الاجتهاد التام من ظن، أو علم حتى يحكم الإجماع حينئذ.
وقد يقول الغزالي: السعي في تحصيل الوسيلة سعى في تحصيل المقصد، فطلب شرط العلم الإجماعي سعى في ذلك العلم، وعلى هذا فليس بينه وبين سيف الدين خلاف؛ بل مقصود سيف الدين: الوسيلة، ومقصود الغزالي: القصد.
ثم إن الاقتصار على الظن لا سبيل إليه؛ فإن المجتهد يطلب أحد الأمرين فأيهما ظفر به أفتى به.
فتقييده بالظن يقتضي عدم الجميع، فيبطل، فالذي أراه أنه (بذل الوسع في الأحكام الفروعية الكلية ممن حصلت له شرائط الاجتهاد.
فقولنا: (الفروعية) لإخراج الأصلين.
(والكلية) لإخراج قيم المتلفات وما ذكر معها؛ فإنها أمور جزئية لا تتعدى تلك الصور المعينة، بخلاف الفتاوى؛ فإنها عامة على الخلق إلى يوم القيامة.
والقيد الآخر: ليخرج اجتهاد العام، ونحوه.
********