المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القول في التراجيح الحاصلة بسبب الطرق الدالةعلى علية الوصف في الأصل - نفائس الأصول في شرح المحصول - جـ ٩

[القرافي]

فهرس الكتاب

- ‌سؤال"قال النقشواني:قوله: (التعليل بالحكمة أولى من التعليل بالإضافي

- ‌سؤال"قال النقشواني: التعليل بالعدم إنما يعلل به إذا اشتمل على حكمة

- ‌جوابه"أنا نعلل عدم المعلول بعدم العلة

- ‌النوع الثانيقال الرازي: (القول في التراجيح العائدة إلى ما يدل على أن ذات العلة موجودة

- ‌القول في التراجيح الحاصلة بسبب الطرق الدالةعلى علية الوصف في الأصل

- ‌مسألة: الدوران الحاصل في صورة واحدة - راجح على الحاصل في صورتين

- ‌(مسألة)الدوران الحاصل في صورة راجح على الحاصل في صورتين:

- ‌النوع الرابع(في الترجيح الحاصلة بسبب دليل الحكم في الأصل)

- ‌النوع الخامسالقول في التراجيح الحاصلة بسبب كيفية الحكم

- ‌(سؤال)قال النقشواني: في قوله هاهنا: لو قدرنا تقديم العلة المثبتة للحكم الشرعي لزم النسخ مرتين، يناقضه ما تقدم له في تعارض خبرين:

- ‌النوع السادسفي التراجيح الحاصلة بسبب مكان العلة

- ‌(سؤال)وقع له في هذا الباب ترجيح المتعدية على القاصرة، مع أن القاصرة لا قياس فيها، ولا تعدية

- ‌(فائدة)قال إمام الحرمين في (البرهان): في ذلك ثلاثة مذاهب:

- ‌(سؤال)قال النقشواني: ترجيحة العلة للأكثر فروعًا على الأقل - يقتضي ترجيح التعليل بالمشترك على الفاروق، وهو باطل

- ‌(جوابه)أن إضافة الحكم للفاروق تكون إضافة له، وللمشترك، فلم يلزم إلغاء أحد المناسبتين

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: في ترجيح الأقيسة ترجيحات:

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: من الترجيحات ترجيح الحدود، وذلك من وجوه:

- ‌(فائدة)قال إمام الحرمين في (البرهان): إذا عضد أحد القياسين قول صحابي، إن علمنا مذهب الصحابي حجة كان ذلك انضمام دليلٍ إلى دليل

- ‌الكلام في الاجتهاد

- ‌الركن الأول في الاجتهاد

- ‌الركن الثاني في المجتهد

- ‌قوله: (يجوز أن يكون في أحكام الرسول عليه السلام ما صدر عن اجتهاد):

- ‌(سؤال)قوله: (إنه عليه السلام قادر على الوحي):

- ‌(سؤال)قوله: (مخالف الرسول عليه السلام كافر):

- ‌(سؤال)لو قلنا: إن الله - تعالى - جعل لجبريل عليه السلام الاجتهاد، كما جعله للنبي عليه السلام لم يلزم منه مفسدة

- ‌(سؤال)قوله: (لو جاز عليه الخطأ، لكنا مأمورين بالخطأ):

- ‌(تنبيه)

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (يدل على اجتهاده عليه السلام قوله تعالى:} وشاورهم في الأمر

- ‌(مسألة)في الاجتهاد لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(سؤال)هذا الكلام مشكل؛ فإنه حكى المنع من الوقوع مطلقًا، ثم قال: وأجازه قوم بشرط الإذن

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: الأكثرون على جواز الاجتهاد لمن عاصره صلى الله عليه وسلم ومنعه الأقلون

- ‌(مسألة)في شرائط المجتهد

- ‌(تنبيه)قال التبريزي: يكفي من النحو واللغة الذي يحصل الفهم من مقاصد الكلام دون التغلغل في مشكلات سرائره

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: وشرط المجتهد أن يكون عالمًا بوجود الله - تعالى - وما يجب له من الصفات

- ‌الركن الثالثالمجتهد فيه

- ‌الركن الرابعحكم الاجتهاد

- ‌(سؤال)الآيات الواردة في ذم الظن يرد عليها أن الاعتقاد الجازم، وإن لم يطابق، فصاحبه لا يجوز خلافه

- ‌(تنبيه)قال التبريزى على قوله: (إن الله - تعالى - نصب على هذه المطالب أدلة قطعية): إنه ضعيف

- ‌(فائدة)قال الغزالي في (المستصفى): مسائل أصول الفقه نحو كون الإجماع حجة

- ‌(مسألة)اختلفوا في تصويب المجتهدين

- ‌(تنبيه)مذهب القياسين والفقهاء أن الراجح مصالح

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (وافق بشر المريسي على التأثيم ابن علية، وأبو بكر الأصم، ونفاة القياس كالظاهرية، والإمامية

- ‌(مسألة)

- ‌(فائدة)قال بعض المشايخ: إن السيف الآمدي قال: (الدليل على أن المصيب واحد، أن بعض المجتهدين أداه اجتهاده إلى أنه ليس كل مجتهد مصيبًا

- ‌(فائدة)قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله: (معنى قوله عليه السلام: (إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران) - أن الخطأ محمول على الخطأ في الأسباب

- ‌(مسألة)في نقض الاجتهاد

- ‌(تنبيه)قال التبريزي: (يجب على المجتهد ترك موجب اجتهاده لأجل حكم الحاكم في الظاهر، وفيما يحل له في الباطن)

- ‌(تنبيه)وقع في (التنبيه) للشيخ أبي إسحاق ما يشير إلى إمكان النقض

- ‌(تنبيه)الفرق بين ما يحدث من الحكم بالنذر، وبين ما يحدث بحكم الحاكم

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (اتفقوا على أن حكم الحاكم لا يجوز نقضه في المسائل الاجتهادية، لمصلحة الحكم

- ‌الكلام في المفتي والمستفتي

- ‌القسم الأولفي المفتي، وفيه مسائل:

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: التقليد هو العمل بقول الغير من غير حجةٍ ملزمة

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (يشترط في المفتى شروط الاجتهاد مع العدالة حتى يوثق به

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (اختلفوا في جواز الاستفتاء والتقليد في المسائل العلمية الأصولية في العقائد

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (إذا أفتى، ثم حدث مثل تلك الواقعة اختلفوا

- ‌(مسألة)(هل يجوز لغير المجتهد الفتوى بما يحكيه)

- ‌(سؤال)الموجب لاعتبار قول الميت، والاعتماد عليه صدوره عمن اتصف بأهلية الاجتهاد، وذلك لا يضاد طريان الغفلة

- ‌(سؤال)قال النقشواني: (علي رضي الله عنه مجتهد، ورواية المقداد له من باب روايات الأخبار للمجتهدين، وذلك ليس من باب الفتوى)

- ‌(تنبيه)قال التبريزى: قد يحتج في المجتهد

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (من ليس بمجتهد، هل يجوز له الفتوى بمذهب الجمهور كما في زماننا)

- ‌(فائدة)ينبغي أن يحذر مما وقع في زماننا من تساهل بعض الفقهاء بالفتوى من الكتب الغريبة التي ليس فيها رواية المفتى عن المجتهد بالسند الصحيح

- ‌القسم الثانيفي المستفتي

- ‌(تنبيه)قال التبريزى: (الشيعة هم الذين قالوا بحصر كل مدرك إلا الدليل السمعي القاطع

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (العامي، ومن ليس له أهلية الاجتهاد إذا كان محصلاً لبعض العلوم المعتبرة في الاجتهاد يلزمه اتباع قول المجتهد

- ‌القسم الثالثفيما فيه الاستفتاء

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (اتفقوا على جواز تقليد العامي لمن عرفه بالعلم، وأهلية الاجتهاد، وعلى امتناع اتباعه لمن عرفه بالضد، واختلفوا في جواز استفتاء من لم يعرفه بعلم، ولا جهالة)

- ‌(مسألة)الرجل الذي تنزل به الواقعة إما أن يكون عاميا صرفًا

- ‌(سؤال)على استدلالهم بقوله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم} [

- ‌(سؤال)على قوله: (الآيات دالة على الوجوب)

- ‌(تنبيه)زاد التبريزى: فقال: (المجتهد لو جوز أن يكون عند غيره نص يل على حكم الواقعة، وجب عليه طلبه، ولم يجز له الاجتهاد

- ‌(مسألة)(لا يجوز التقليد في أصول الدين)

- ‌(تنبيه)قال التبريزى: استدلال المصنف باطل من وجهين:

- ‌(مسألة)قال سيف الدين: إذا اتبع العامي مجتهدًا في حكم صلاته، وعمل بقوله، اتفقوا على أن ليس له الرجوع عنه في ذلك الحكم

- ‌(فائدة)كان الشيخ عز الدين يقول: (حيث قلنا بجواز التقليد، والانتقال في المذاهب؛ فإنما نقول به فيما لا ينقض فيه قضاء القاضي

- ‌(فائدة)إذا لم نجعله شرعًا، وكان في المسألة قولان: هل يصير القول الأخير مجمعًا عليه

- ‌‌‌(فائدة)قال بعض العلماء: (لا يجوز اتباع رخص المذاهب، بل يجوز الانتقال إلى مذهب بكماله)

- ‌(فائدة)

- ‌(مسألة)قال إمام الحرمين في (البرهان): (أجمع المحققون على أن العوام ليس لهم أن يتعلقوا بمذهب أعيان الصحابة رضي الله عنهم -بل عليهم أن يتبعوا مذاهب الأئمة

- ‌(مسألة)قال سيف الدين: (اختلفوا هل يجوز خلو عصر من الأعصار عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه

- ‌(مسألة)قال الشيخ أبو إسحاق في (اللمع): من اجتمعت فيه شرائط الفتوى؛ فإن كان في الإقليم غيره، لم يتعين عليه الفتيا، والتعليم؛ بل هو فرض كفاية

- ‌(مسألة)قال الشيخ: أبو إسحاق في (اللمع): (لا يجوز للمستفتى أن يستفتى كل من يتزيا بزى أهل العلم

- ‌(مسألة)قال أبو الخطاب الحنبلي في (التمهيد): (لله -تعالى -على الأحكام أدلة من الكتاب، أو السنة، أو القياس، خلاف لمن قال: لا دليل على الحكم سوى ظن المجتهد

- ‌(مسألة)قال أبو الخطاب الحنبلي في (التمهيد): (إذا أفتاه، ولم يعمل بفتواه حتى مات المفتى، فهل يجوز له العمل بما أفتاه

- ‌(مسألة)قال العالمي الحنفي في كتابه: إذا اعتدل القولان عن المفتى اختلفوا فيه:

- ‌(مسألة)قال ابن برهان في كتاب (الأوسط): (إذا استفتى العامي في حادثة، ثم حدثت تلك الحادثة مرة أخرى، هل يجوز له الاكتفاء بتلك الفتوى

- ‌(مسألة)قال ابن برهان في كتاب (الأوسط): (لا يجوز تقليد المجتهد الميت، مع وجود المجتهد الحى؛ لأن الحى أولى)

- ‌(مسألة)قال ابن برهان: (من كان مقلدًا لصاحب مذهب، وقد أحاط بنصوص ذلك المذهب، وكان مجتهدًا بالقياس، كان مجتهدًا في ذلك المذهب

- ‌(مسألة)قال ابن برهان في كتاب (الأوسط): لا شك أن أهل العترة من أهل الاجتهاد

- ‌الكلام فيما اختلف فيه المجتهدون من أدلة الشرع

- ‌المسألة الأولى: في حكم الأفعال:

- ‌(سؤال)على استدلاله بالآية

- ‌(سؤال)على قوله: (تلك الحكمة إما عود النفع إليه، أو إلينا):

- ‌(تنبيه)قياسه -في هذه المسألة -في قوله: (انتفاع لا ضرر فيه على المالك قطعًا، ولا على المنتفع ظاهرًا، فيباح، كالاستصباح بسراج الغير):

- ‌(سؤال)على الاستدلال بالحديث:

- ‌(تنبيه)قال التبريزى: (النفع هو الزيادة من الوجه الموافق للمصلحة

- ‌المسألة الثانيةفي استصحاب الحال

- ‌(سؤال)

- ‌(تنبيه)قال التبريزى: (الاستصحاب ينقسم إلى:

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (في الاستصحاب مذهب ثالث، وهو الترجيح به دون كونه دليلاً)

- ‌(فرع)قال في (المحصول): (النافي لا دليل عليه):

- ‌المسألة الثالثةفي الاستحسان

- ‌ القرافي: قال النقشواني: أما ترتيبه كما ذكره أبو الحسين، ففيه نظر

- ‌(تنبيه)قال التبريزي: الكلام في صحة الاستحسان وفساده ينبني على فهم حقيقته

- ‌المسألة الرابعةقال الرازي: الحق أن قول الصحابي ليس بحجة، وقال قوم: إنه حجة مطلقًا

- ‌ القرافي: قوله: (أمر الله -تعالى -بالاعتبار، وذلك ينافى التقليد):

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (اتفقوا على أن مذهب الصحابي -في مسائل الاجتهاد -لا يكون حجة على غيره من الصحابة المجتهدين

- ‌(فائدة)قال الشيخ موفق الدين الحنبلي في كتاب (الروضة): (إذا اختلف الصحابة على قولين، لم يجز للمجتهد الأخذ بقول بعضهم من غير دليل

- ‌المسألة الخامسةقال الرازي: اختلفوا في أنه، هل يجوز أن يقول الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم أو للعالم: (احكم، فإنك لا تحكم إلا بالصواب

- ‌(فائدة)قال أبو يعلى الحنبلي في (العمدة): هذه المسألة مبنية على أنه عليه السلام هل له أن يجتهد أم لا

- ‌المسألة السادسةمذهب الشافعي رضي الله عنه: أنه يجوز الاعتماد في إثبات الأحكام على الأخذ بأقل ما قيل

- ‌(فائدة)قال القاضي عبد الوهاب المالكي في (الملخص): (صورة هذه المسألة أن يجني رجل على سلعة، فيختلف المقومون في تقويمها

- ‌المسألة السابعةقال الرازي: قال قوم: يجب على المكلف الأخذ بأخف القولين؛ للنص والمعقول:

- ‌المسألة الثامنةالاستقراء المظنون: هو إثبات الحكم في كلى؛ لثبوته في بعض جزئياته

- ‌(سؤال)الاستدلال على عدم وجوب الوتر بكونه صلى الله عليه وسلم كان يؤديه على الراحلة مشكل

- ‌المسألة التاسعةفي المصالح المرسلة

- ‌(سؤال)قال بعض علماء العصر: إذا قلتم بالمصلحة المرسلة، فكيف تصنعون في العمومات، والأدلة

- ‌(سؤال)ما الفرق بين المصلحة المرسلة، والاستحسان

- ‌المسألة العاشرةالاستدلال بعدم ما يدل على الحكم؛ على عدم الحكم - طريقة عول عليها بعض الفقهاء

- ‌المسألة الحادية عشرةفي تقرير وجوهٍ من الأدلة التي يمكنالتمسك بها في المسائل الفقهية

- ‌ القرافي: قوفه: (المحكوم عليه كان معدومًا في الأزل، فلا يكون الحكم ثابتًا في الأزل؛ لأن ثبوت الحكم صفة الله - تعالى - وكلامه النفسي القديم

- ‌(تنبيه)قال التبريزي: (الحكم الشرعي لابد له من دليل شرعي، وهو قول الشارع

الفصل: ‌القول في التراجيح الحاصلة بسبب الطرق الدالةعلى علية الوصف في الأصل

النوع الثالث

"‌

‌القول في التراجيح الحاصلة بسبب الطرق الدالة

على علية الوصف في الأصل

"

وقد ذكرنا في كتاب القياس: أن الطرق الدالة على علية الوصف في الأصل: إما الدليل النقلي، أو العقلي: أما الدليل النقلي: فإما أن يكون نصا أو إيماء:

أما النص: فقد يكون بحيث لا يحتمل غير العلية، وهو ألفاظ ثلاثة، وهي قوله: (لعلة كذا"، أو لسبب كذا، أو لأجل كذا" فهذا مقدم على جميع الطرق النقلية، وأما الذي يحتمل غير العلية، ولكنه ظاهر جدا فألفاظ ثلاثة، وهي: اللام، وإن، والباء" وحرف اللام مقدم على (إن والباء"؛ لأن (اللام" ظاهر جدًا في التعليل، وأما لفظ (إن" فقد يكون للتأكيد، ولفظ (الباء" قد يكون للإلصاق؛ كقولك: (كتبت بالقلم"، وقد يفيد كونه محكومًا به؛ كقوله عليه الصلاة والسلام: (أنا أقضى بالظاهر".

أما حيث تأتي لا للألة، ولا لأن تكون محكومًا به - كان مرادفًا لـ"اللام" فإنه لا فرق بين أن يقال: (قتلته لجنايته" و (قتلته بجنايته".

وأما (الباء" و"إن" أيهما المقدم؟ ففيه احتمال.

وأما الإيماءات، ففيها أبحاث:

أحدها: أنا بينا أن دلالة الإيماء على علية الوصف في الأصل لا تتوقف على كونه مناسبًا، ولكن الوصف الذي يكون مناسبًا راجح على ما لا يكون كذلك.

ص: 3755

وثانيها: أن إيماء الدلالة اليقينية راجح على إيماء الدلالة الظنية، لما عرفت: أن الدليل الذي بعض مقدماته بقيني، والبعض ظني - راجح على ما يكون كل مقدماته ظنيًا، وأما إذا ثبتت عليه الوصفين بإيماء خبر الواحد، فوجوه الترجيح فيه ما ذكرناه في باب (خبر الواحد".

وثالثها: أن الجمهور اتفقوا على أن ما ظهرت عليته بالإيماء - راجح على ما ظهرت عليته بالوجوه العقلية؛ من المناسبة، والدوران، والسير.

وهذا فيه نظر؛ وذلك لأن الإماء لما لم يوجد فيه لفظ يدل على العلية، فلابد وأن يكون الدال على عليته أمرًا آخر سوى اللفظ، ولما بحثنا، لم نجد شيئًا يدل على عليتها إلا أحد أمور ثلاثة: المناسبة، والدوران، والسير؛ على ما مر ذلك في (باب الإيماءات"، وإذا ثبت أن الإيماءات لا تدل إلا بواسطة أحد هذه الطرق الثلاثة - كان الأصل لا محالة أقوى من الفرع، فكان كل واحدٍ من هذه الثلاثة أقوى من الإيماءات.

ورابعها: أنا قد ذكرنا أن أقسام الإيماءات خمسة، وكل واحد من تلك الأقسام يندرج تحته أقسام كثيرة، واستيفاء القول في هذا يقتضي أن نتكلم في تفاصيل كل واحد من أقسام تلك الأقسام، مع ما يشاركه في جنسه، ومع ما هو خارج من جنسه؛ لأنه لا يبعد أن يكون أحد الجنسين أقوى من الجنس الآخر، ويكون بعض أنواع الضعيف أقوى من بعض أنواع القوى؛ لكنا تركنا هذا؛ لطولها وكثرتها.

أما الطرق العقلية، فقد ذكرنا منها ستة؛ وهي: المناسب، والمؤثر، والشبه، والدوران، والطرد، والسير، فلنتكلم في تفاصيل هذه الأجناس، ثم في تفاصيل أنواع كل واحدٍ من هذه الأجناس، أما تفاصيل هذه الأجناس: ففيها أبحاث.

ص: 3756

أحدها: أن المناسبة أقوى من الدوران، وقال قوم: الدوران أقوى، وعبروا عن ذلك بأن العلة المطردة المنعكسة أقوى مما لا يكون كذلك.

لنا: أن الوصف إنما يؤثر في الحكم لمناسبته، فالمناسبة علة لعلية العلة، وليس تأثير الوصف في الحكم لدورانه معه؛ لأن الدوران في الحقيقة ليس من لوازم العلية؛ لأن العلة إذا كانت أخص من المعلول كانت العلية متفكة هناك عن الدوران، وقد ينفك الدوران عن العلية؛ كما في الصور التي عددناها في باب الدوران، وإذا كان كذلك، كان الاستدلال بالمناسبة على العلية، أقوى من الاستدلال بالدوران عليها.

احتج المخالف بوجهين:

الأول: أن العلة المطردة المنعكسة أشبه بالعلل العقلية، فتكون أقوى.

الثاني: أنهم أجمعوا على صحة المطرد المنعكس، ومن الناس من أنكر العلة التي لا تكون منعكسة.

والجواب عن الأول: لا نسلم أن العكس واجب في العلل العقلية، وقد بيناه في كتبنا العقلية.

سلمناه؛ لكن لا نسلم أن الأشبه بالعلل العقلية أولى.

وعن الثاني: أن ذلك يقتضي ترجيح المناسب المطرد المنعكس، على المناسب الذي لا يكون مطردًا منعكسًا، ولا نزاع فيه، أما أنا لا نقضي بترجيح الدوران المنفك عن المناسبة، على المناسب المنفك عن الدوران: فلأنه إذا وجد الدوران بدون المناسبة، فقد لا تحصل العلة؛ كرائحة الخمر، مع حرمتها.

ص: 3757

وثانيها: أن المناسبة أقوى من التأثير؛ لأنه لا معنى للتأثير إلا أنه عرف تأثير هذا الوصف في نوع هذا الحكم، وفي جنسه، وكون الشيء مؤثرًا في شيء لا يوجب كونه مؤثرًا فيما يشاركه في جنسه، أما كونه مناسبًا: فهو الذي لأجله صار الوصف مؤثرًا في الحكم؛ فكان الاستدلال بالمناسبة على العلية أقوى من الاستدلال بالتأثير عليها.

وثالثها: أن السير: إما أن يكون قاطعًا في مقدماته، أو مظنونًا في مقدماته، أو قاطعًا في بعض مقدماته، ومظنونًا في البعض: فإن كان قاطعًا في كل مقدماته، كان العمل به متعينًا، وليس هذا بترجيح، أما إذا كان مظنونًا في كل مقدماته؛ مثل أن يدل دليل ظني على أن الحكم معلل، ودليل آخر ظني على أن العلة: إما هذا الوصف، أو ذاك، ودليل آخر ظني على أن العلة ليست ذلك الوصف: فيحصل ها هنا ظن أن العلة ليست إلا هذا الوصف، فهاهنا: العمل بالمناسبة أولى من العمل بهذا السبر، وذلك لأن الدليل الدال على هذه المقدمات الثلاث التي لابد منها في السبر: إما النص، أو الإيماء، أو الطرق العقلية.

فإن كان هو النص: صارت تلك المقدمات يقينية، وقد فرضناها ظنية؛ هذا خلف، وإن كان إيماًء: فقد عرفت أن الإيماء مرجوح بالنسبة إلى المناسبة، وأما الطرق العقلية: فالمناسبة أولى من غيرها؛ لأن المناسبة مستقلة بإنتاج العلية، والسبر لا ينتج العلية إلا بعد مقدماتٍ كثيرةٍ، والمثبت لتلك المقدمات: إما المناسبة، أو غيرها:

فإن كان الأول: كانت المناسبة أولى من السبر؛ لأن في إثبات الحكم بالمناسبة تكفي المناسبة الواحدة في الإنتاج، وفي السبر لابد من ثلاث مقدمات، والكثرة دليل المرجوحية.

ص: 3758

وإن كان الثاني: كانت المناسبة أولى؛ لأن المناسبة علة لعلية العلة، وغير المناسبة ليس كذلك؛ فالاستدلال بالمناسبة على العلية أولى، وأما إن كان السبر مظنونًا في بعض المقدمات، مقطوعًا في البعض: عاد الترجيح المذكور في تلك المقدمات المظنونة.

ورابعها: أن المناسبة أقوى من الشبه والطرد، وذلك واضح؛ لا حاجة به إلى الدليل.

فهذا هو الكلام في تراجيح هذه الطرق الستة العقلية؛ بحسب الجنس، ولنتكلم الآن في أنواع كل واحدٍ منها، وفيه مسائل:

المسألة الأولي: ترجيح بعض المناسبات على بعضٍ: إما أن يكون بأمورٍ عائدةٍ إلى ماهياتها، أو بأمورٍ خارجةٍ عنها:

أما القسم الأول: فتقريره أنك قد عرفت أن كون الوصف مناسبًا: إما أن يكون لأجل مصلحة دنيوية، أو دينية: والمصلحة الدنيوية: إما أن تكون في محل الضرورة، أو في محل الحاجة، أو في محل الزينة والتتمة: وظاهر أن لمناسبة التي من باب الضرورة راجحة على التي من باب الحاجة، والتي من باب الحاجة مقدمة على التي من باب الزينة، ثم قد عرفت أن المناسبة التي من باب الضرورة خمسة: وهي مصلحة النفوس، والعقول، والأديان والأموال والأنساب؛ فلابد من بيان كيفية ترجح بعض هذه الأقسام على بعضٍ، ثم عرفت أن الوصف المناسب للحكم قد يكون نوعه مناسبًا لنوع الحكم، وقد يناسب جنسه نوع الحكم، وقد يناسب نوعه جنس الحكم، وقد يناسب جنسه جنس الحكم، ولا شك في تقدم الأول على الثلاثة الأخيرة، والثاني والثالث.

ص: 3759

وأما الثاني والثالث: فهما كالمتعارضين، ولاشك في تقدمهما على الرابع.

ثم الجنس: قد يكون قريبًا، وقد يكون بعيدًا، والمناسبة المتولدة من الجنس القريب تقدم على المناسبة المتولدة من الجنس البعيد، ثم المناسبة في كل قسمٍ من هذه الأقسام قد تكون جلية، وقد تكون خفية:

أما الجلي: فهو: الذي يلتفت الذهن إليه في أول سماع الحكم؛ كقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يقضي القاضي، وهو غضبان) فإنه يلتفت الذهن عند سماع هذا الكلام إلى أن الغضب إنما منع من الحكم؛ لكونه مانعًا من استيفاء الفكر.

وأما الخفي: فهو: الذي لا يكون كذلك، ولا شك في تقدم الجلي على الخفي.

وأما القسم الثاني: وهو ترجيح بعض المناسبات على بعضٍ، بأمورٍ خارجةٍ عنها، فذلك على وجوهٍ:

أحدها: أن المناسبة المتأيدة بسائر الطرق؛ أعني: الإيماء، والدوران، والسبر - راجحة على ما لا يكون كذلك، ويرجع حاصله إلى الترجيح بكثرة الأدلة.

وثانيها: المناسبة الخالية عن المعارض - راجحة على ما لا يكون كذلك؛ فإن المناسبة، وإن كانت لا تبطل بالمعارضة - لكنها مرجوحة بالنسبة إلى ما لا تكون معارضة.

وثالثها: الذي يناسب الحكم من وجهين - راجح على ما لا يناسب إلا من وجه واحدٍ؛ وعلته ظاهرة، وأيضًا: كلما كانت الجهات أكثر، كانت أرجح.

ص: 3760