الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مشعورًا، فلا يمتنع طلبها، أو غير مشعور بها، فيمتنع طلبها - كما تقدم -وإذا كانت التصورات غير مكتسبة، كان لزوم التصديقات عنها غير مكتسبة أيضًا؛ لأنه إما أن يكون مشعورًا، فلا يمكن كسبه؛ لئلا يلزم تحصيل الحاصل، أو غير مشعور به، فيمتنع طلبه -لما تقدم -وإذا كانت التصورات والتصديقات غير مكتسبة كان الدليل غير مكتسب، ولا يكون العلم ممكن التحصيل، فلا يجب.
وذكر -أيضًا -أمورًا أخرى لا أطول بذكرها -هاهنا -لأنه ليس موضعها.
قوله: (الأول الاعتماد على وجه واحد، وهو أن القرآن ذم التقليد، وثبت جوازه في الشرعيات، فيتعين صرفه إلى الأصول):
قلنا: هذا المدرك لا بد فيه من الجواب -عما تقدم - من كونه عليه السلام كان لا يسأل الناس عن العلم بالعقائد؛ بل يكتفي بالشهادة.
وكذلك ما تقدم من الأسئلة للخصم، فما لم يحصل الجواب عنها لا يتم هذا الدليل، بل يحصل التعارض، فلا يحصل المقصود؛ بل وقوف النفس، وسكونها إلى ما حكى الخصم، ثم عن سيرته عليه السلام -وسيرة السلف أقوى نم سكونها إلى هذه النكتة.
(تنبيه)
قال التبريزى: استدلال المصنف باطل من وجهين:
أحدهما: أن الآية نفسها إعلام بالتوحيد، وأمر بالتثبيت عليه؛ لا أنه تكليف بالتوصل إليه؛ لقول القائل: اعلم أنى أخوك، واعلم أنى قادر عليك.
وبيانه من وجهين:
أحدهما: أن فهم الكلية يتوقف على العمل بالتكليف، وعم حصول المكلف به، وهما يتحدان هاهنا.
والثاني: هو أنه يلزم منه أن النبي عليه السلام -لم يكن عالمًا بالتوحيد، وهو محال.
الثاني: هو أنه وإن سلم -جدلاً -فما الدليل على وجوبه على غيره؟
قوله تعالى: {واتبعوه} [الأعراف: 158] دلالته على وجوب التقليد له أقرب من دلالته - على وجوب مساواته في التصدي لمنصب النظر والاجتهاد، ولهذا لو قال لواحد من الجمع: أوجبت عليك طلب القبلة بالنظر، والاجتهاد، وقال لمن عداه: أوجبت عليكم اتباعه، كان السابق منه إلى الفهم وجوب الأخذ بقوله، والتوجه إلى حيث يتوجه هو باجتهاده.
قال: والجواب عما استدل به الفقهاء على عدم وجوب العلم بذلك أن القناعة بنفس الكلمة من غير مطالبة باعتقاد هذه القضايا، وإن كانت من الجلف الجافي وضع السيف عنه، لا يدل على عدم وجوب تحصيل المعارف حقيقة؛ فإنه لا خلاف في وجوب موافقة القلب لمقتضى الكلمة، واعتقاد صحة مضمونها مع القناعة بنفس الكلمة في عصمة الدم، وثبوت أحكام الدنيا مع العلم بانتفاء العقيدة، كما في حق المنافقين، أو الجهل بثبوتها كما في حق من أسلم تحت ظلال السيوف.
فإن قيل: ولكن نبه على وجوب الاعتقاد، وذم النفاق، وأوعد المنافقين أشد العقاب.
قلنا: وكذلك نبه؛ بل صرح بوجوب تحصيل هذه المعارف بالنظر. قال تعالى: {قل انظروا ماذا في السموات والأرض} [يونس: 101]، {قل سيروا في الأرض} [الأنعام: 11]، {أفلم يسيروا في الأرض} [غافر: 82]، أي: بالاعتبار والفكر في القرون الماضية، {الله الذي خلق سبع سموات، ومن الأرض مثلهن} [الطلاق: 12] إلى آخر السورة.
{أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت} [الغاشية: 17]، {أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء} [الروم: 37]، {أو لم يعلموا أن الله يبسط الرزق} [الرمز: 52]، {ذلك لتعلموا أن الله يعلم} [المائدة: 97]، {وما خلقت الجن، والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: 56] أي: يعرفون.
(كنت كنزًا مخفيا لم أعرف، فأحببت أن أعرف، فخلفت خلقًا ليعرفوني). وشواهد ذلك لا تحصى في الكتاب والسنة.
قلت: قوله: (الآية إعلام بالتوحيد، لا يكلف به) -لا يتم؛ لأن الأمر ظاهر في الوجوب.
وكذلك نقول في قول القائل: (اعلم أني أخوك): اقتضاء لتحصيل العلم بذلك، وكونها دالة على التوحيد، لا ينافى أنها دالة على وجوب تحصيل العلم به، كما إذا قلنا: اعلم أن زيدًا في الدار؛ فإنه أمر بتحصيل العلم بذلك، هو إعلام بكونه في الدار؛ فإن العلم لا يحصل بوقوع الشيء في نفس الأمر، إلا إذا كان واقعًا فيه.
قوله: (ذلك يتوقف على معرفة المكلف، وعدم حصول المكلف به) -ممنوع؛ لأن المكلف الذي هو الأمر يكون معلومًا إجمالاً -كما تقدم -في المثال بالمجهول، غيره.
وأما عدم المكلف به، فإن أراد عدم نوعه فممنوع؛ لأن نوعه، قد يكون حاصلاً في الحال، والمطلوب إفراد ذلك النوع في المستقبل -كما تقدم -في الإيمان.
وإن أراد شخصه فمسلم، لكن لا يحصل مقصوده من جهة أن الآية لم تدل على وجوب.
وقوله: (وهما متحدان هاهنا) -ممنوع، بل المكلف هو الله -تعالى -