الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة
في الاستحسان
المحكي عن الحنفية القول بالاستحسان.
.........................
.........................
.........................
.........................
ومخالفوهم: أنكروا ذلك عليهم؛ لظنهم أنهم يعنون به الحكم من غير دليل، والذي حصله المتأخرون في تحديده وجهان:
الأول: قال الكرخى: الاستحسان هو أن يعدل الإنسان عن أن يحكم في المسألة بمثل ما حكم في نظائرها إلى خلافه لوجه أقوى يقتضى العدول عن الأول، وهذا يلزم عليه أن يكون العدول عن العموم إلى التخصيص، وعن المنسوخ إلى الناسخ -استحسانًا.
الثاني: قال أبو الحسين: (الاستحسان: ترك وجه من وجوه الاجتهاد غير شامل شمول الألفاظ؛ لوجه أقوى منه، وهو في حكم الطارئ على الأول).
قال: ولا يلزم عليه العدول عن العموم إلى القياس المخصص؛ لأن العموم لفظ شامل، ولا يلزم عليه أن يكون أقوى القياس استحسانًا؛ لأن الأقوى ليس في حكم الطارئ على الأضعف، فإن كان طارئًا، فهو استحسان.
فإن قلت: فقد قال محمد بن الحسن في غير موضع من كتبه: تركنا الاستحسان؛ للقياس؛ كما لو قرأ آية السجدة في آخر السورة، فالقياس يقتضي أن يجتزئ بالركوع، والاستحسان ألا يجزئ به، بل يسجد لها، ثم إنه قال بالمقياس.
فهذا الاستحسان، إن كان أقوى من القياس، فكيف تركه؟ وإن لم يكن أقوى منه، فقد بطل حدكم):
قلت: ذلك المتروك إنما يسمى استحسانًا؛ لأنه وإن كان الاستحسان وحده أقوى من القياس وحده، لكن اتصل بالقياس شيء آخر، صار ذلك المجموع أقوى من الاستحسان؛ كما في المسألة التي ذكرتموها؛ فإن الله -تعالى -أقام الركوع مقام السجود في قوله تعالى:{وخر راكعًا وأناب} [سورة ص: 24].
فهذا تقرير هذا الحد الذي ذكره أبو الحسين رحمه الله.
واعلم: أن هذا يقتضى أن تكون الشريعة كلها استحسانًا؛ لأن مقتضى العقل هو البراءة الأصلية، وإنما يترك ذلك؛ لدليل أقوى منه، وهو نص، أو إجماع، أو قياس، وهذا الأقوى في حكم الطارئ لأول؛ فيلزم أن يكون الكل استحسانًا، وهم لا يقولون به؛ لأنهم يقولون: تركنا القياس للاستحسان، وهذا يقتضى أن يكون القياس مغايرًا للاستحسان، فالواجب أن يزاد في الحد قيد آخر؛ فيقال:(ترك وجه من وجوه الاجتهاد مغاير للبراءة الأصلية، والعمومات اللفظية، لوجه أقوى منه، وهو في حكم الطارئ على الأول).
إذا عرفت هذا، فنقول: اتفق أصحابنا على إنكار الاستحسان، وهذا الخلاف: إما أن يكون في اللفظ، أو في المعنى: لا يجوز أن يكون في اللفظ؛ لأنه قد ورد في القرآن، والسنة، وألفاظ سائر المجتهدين: هذه اللفظة.
أما القرآن: فقوله تعالى: {وأمر قومك يأخذوا بأحسنها} [الأعراف: 172]، {فيتبعون أحسنه} [الرمز: 18].
وأما السنة: فقوله عليه الصلاة والسلام: (ما رآه المسلمون حسنًا، فهو عند الله حسن).
وأما ألفاظ سائر المجتهدين: فلأن الشافعي رضي الله عنه -قال في باب المتعة: (أستحسن أن تكون ثلاثين درهمًا) وفي باب الشفعة: (أستحسن أن يثبت للشفيع الشفعة إلى ثلاث أيام)؛ وقال في المكاتب: (أستحسن أن يترك عليه شيء).
فثبت بهذا: أن الخلاف ليس في اللفظ، وإنما الخلاف في المعنى؛ وهو أن