الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الرابعة
قال الرازي: الحق أن قول الصحابي ليس بحجة، وقال قوم: إنه حجة مطلقًا
، ومنهم من فصل، وذكروا فيه وجوهًا:
أحدها: أنه حجة، إن خالف القياس.
وثانيها: أن قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: حجة فقط.
وثالثها: أن قول الخلفاء الأربعة، إذا اتفقوا: حجة.
لنا: النص، والإجماع، والقياس:
أما النص: فقوله تعالى: {فاعتبروا يا أولى الأبصار} [الحشر: 2] أمر بالاعتبار؛ وذلك ينافى جواز التقليد.
وأما الإجماع: فهو أن الصحابة أجمعوا على جواز مخالفة كل واحد من آحاد الصحابة؛ فلم ينكر أبو بكر وعمر على من خالفهما، ولا كل واحد منهما على صاحبه فيما فيه اختلفا.
وأما القياس: فهو أنه متمكن من إدراك الحكم بطريقه؛ فوجب أن يحرم عليه التقليد؛ كما في الأصول.
واحتج المخالف بوجوه:
أحدها: قوله عليه الصلاة والسلام: (أصحابي كالنجوم؛ بأيهم اقتديتم، اهتديتم) جعل الاهتداء لازمًا للاقتداء بأي واحد كان منهم، وذلك يقتضي أن يكون قوله حجة.
وثانيها: إن لم يجز اتباع كل واحد منهم؛ فيجب اتباع أبى بكر وعمر رضي الله عنهما -للخبر والإجماع.
أما الخبر: فقوله عليه الصلاة والسلام: (اقتدوا باللذين من بعدى، أبى بكر وعمر).
وأما الإجماع: فقد ولى عبد الرحمن عثمان الخلافة؛ بشرط الاقتداء بسيرة الشيخين، فقبل، ولم ينكر ذلك على عثمان، وكان ذلك بمحضر من أكابر الصحابة؛ فكان إجماعًا.
وثالثها: إن لم يجب اتباع أبي بكر وعمر وحدهما، وجب اتباع الخلفاء الأربعة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدى) وقوله: (عليكم) للإيجاب؛ وهو عام.
ورابعها: أن الصحابي، إذا قال ما يخالف القياس، فلا محمل له إلا أنه اتبع الخبر.
والجواب عن الأول: أن قوله عليه الصلاة والسلام: (بأيهم اقتديتم، اهتديتم) خطاب مشافهة؛ فلعل ذلك كان خطابًا للعوام.
وعن الثاني: أن السنة هي الطريقة، وهي عبارة عن الأمر الذي يواظب الإنسان عليه؛ فلا تتناول ما يقوله الإنسان مرة واحدة.
وعن الثالث: أنا نقول بموجبه؛ فيجوز الاقتداء بهما في تجويزهما لغيرهما مخالفتهما بموجب الاجتهاد.
وأيضًا: لو اختلفا كما اختلفا في التسوية في العطاء؛ فأيهما يتبع؟.
وعن الإجماع: أن قول عثمان معارض بقول علي رضي الله عنهما.
وعن الرابع: أن الصحابي لعلة قال بما يخالف القياس؛ لنص ظنه دليلاً، مع أنه في الحقيقة ما كان دليلاً.
نعم: لو تعارض قياسان، والصحابي مع أحدهما، فيجوز الترجيح بقول الصحابي، فأما جعله حجة، فلا.
فرعان:
الأول: اختلف قول الشافعي رضي الله عنه -في تقليد الصحابي؛ فقال في القديم: (يجوز تقليده، إذا قال قولاً، وانتشر، ولم يخالف) وقال في موضع آخر: (يقلد، وإن لم ينتشر).
وقال في الجديد: (لا يقلد العالم صحابيا؛ كما لا يقلد عالمًا آخر) وهو الحق المختار؛ لأن الدلائل المذكورة مطردة في الكل.
فإن قلت: (كيف لا نفرق بينهم، وبين غيرهم مع ثناء الله تعالى، وثناء رسوله صلى الله عليه وسلم عليهم؛ حيث قال الله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين} [الفتح: 18] وقال: {السابقون الأولون من المهاجرين} .. إلى قوله: {رضي الله عنهم} [التوبة: 100] وقال عليه الصلاة والسلام:- (خير القرون قرني):
قلت: هذا كله ثناء يوجب حسن الاعتقاد فيهم، ولا يوجب تقليدهم؛ بدليل أنه ورد أمثالها في حق آحاد الصحابة، مع إجماع الصحابة على جواز مخالفتهم؛ قال عليه الصلاة والسلام:(لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان العالمين لرجح) وقال: (إن الله ضرب بالحق على لسان عمر). وقال: (والله، ما سلكت فجا، إلا سلك الشيطان فجا غير فجك).
وقال في حق علي: (اللهم؛ أدر الحق مع على حيث دار) وقال: (رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عب) وقال أبي بكر وعمر: (لو اجتمعتما على شيء، ما خالقتكما) وكل ذلك ثناء لا يوجب الاقتداء.
الثاني: في تفاريع القول القديم للشافعي رضي الله عنه -وهي سبعة.
أحدها: قال الشافعي رضي الله عنه -في كتاب (اختلف الحديث): (روى عن على: (أنه صلى في ليلة ست ركعات، في كل ركعة ست سجدات) قال: لو ثبت ذلك عن على؛ لقلت به؛ فإنه لا مجال للقياس فيه، فالظاهر أنه فعله توفيقًا).
وثانيها: قال في موضع: (قول الصحابي، إذا انتشر، ولم يخالف، فهو حجة) قال الغزالي رحمه الله: (وهو ضعيف؛ لأن السكوت ليس بقول؛ فأي فرق بين أن ينتشر، أو لا ينتشر؟) والعجب من الغزالي: أنه تمسك بمثل هذا الإجماع على أن خبر الواحد حجة، والقياس حجة.
وثالثها: نص الشافعي رضي الله عنه -على أنه إذا اختلفت الصحابة، فالأئمة الأربعة أولى، فإن اختلف الأئمة، فقول أبى بكر وعمر أولى) وكل ذلك للأحاديث المذكورة.
ورابعهما: نص في موضع آخر: (أنه يجب الترجيح بقول الأعلم، والأكثر قياسًا؛ لأن زيادة علمه تقوى اجتهاده، وتبعده عن التقصير).
وخامسها: إن اختلف الحكم والفتوى عن الصحابة، فقد اختلف قول الشافعي رضي الله عنه-فقال مرة:(الحكم أولى؛ لأن العناية به أشد) ونقال مرة: (الفتوى أولى؛ لأن سكوتهم عن الحكم محمول على الطاعة).