الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القياس إذا كان قائمًا في صورة الاستحسان في سائر الصور، ثم ترك العمل به في صورة الاستحسان، وبقى معمولاً به في غير تلك الصورة -فهذا هو القول بتخصيص العلة، وهو عند الشافعي وجمهور المحققين باطل، وقد تقدمت هذه المسألة؛ فظهر أن القول بالاستحسان باطل.
المسألة الثالثة
في الاستحسان
قال
القرافي: قال النقشواني: أما ترتيبه كما ذكره أبو الحسين، ففيه نظر
؛ لأن البراءة الأصلية ليست من وجوه الاجتهاد، ولا يعد العمل بها من العمل بالاجتهاد؛ بل يرد عليه وجوه أخر.
وهو أن قوله: (من وجوه الاجتهاد)، إما أن يندرج فيها التمسك بالنص، أو يخص بالقياس، ونحوه، فإن اندرج حسن منه ذكر هذا القيد، وهو قوله:(غير شامل شمول الألفاظ): -لكن يجب أن يقيد هذا القيد في قوله: (لوجه أقوى منه): لأن الاجتهاد إذا كان فيما يشمل النص، فمن ترك العمل بالقياس لنص يعارضه يجب أن يكون مستحسنًا، وهم لا يسمون ذلك استحسانًا.
وإن اختص الاجتهاد بغير النصوص، فقوله:(غير شامل شمول الألفاظ) يصير زائدًا في الحد.
والإشكال الثاني: هو أن هذا الحد يقتضى أن الاستحسان معمول به أبدًا، ويكون ما يعارضه -أبدًا -متروكًا؛ لأن ترك المعارض مأخوذ في الحد، فمتى انتفى واحد من هذين القيدين بطل الحد، والمحدود.
ثم ما نقله عن محمد بن المحسن يرد إشكالاً على هذا الحد؛ لأنه اشتمل على العمل بالاستحسان وعلى العمل بالمعارض، فقد انتفى فيه القيدان، ومع ذلك سماه استحسانًا.
والجواب الذي ذكره ضعيف؛ لأن القياس إذا اقترن به ما يقتضى تقويته، لا يخرج عن كونه عملاً بالقياس؛ لأن ما اقترن بالقياس لا يمكن أن يكون لفظًا على ما ذكر أن اللفظ لا يكون مقابله الاستحسان على ما ذكره في الحد؛ لأنه اشترط ألا يكون لفظًا؛ وإن لم يكن لفظًا فإنما يتحقق الاستحسان على هذا الحد أن ل كان أقوى من القياس مع تقاربه، وتقويته.
وأما مجرد كونه أقوى من القياس بمجرد النظر إليه لا يجعله استحسانًا، وإذا كان الاستحسان أقوى من القياس مع ما يقترن به يجب العمل به، فلا يصير الاستحسان متروكًا لأجل القياس.
ولئن قال: يترك القياس أولاً لأجل الاستحسان، ثم بعد ذلك ورد ما يقوى العمل بالقياس، فترك العمل بالاستحسان لا لأجل القياس وحده؛ بل لأجل المجموع.
أو يقال: القياس مع الاستحسان هما بحيث لو نظر إليهما على مجردهما لكان الاستحسان أقوى، فكان يجب ترك القياس لأجله، لكن إنما يترك الاستحسان لا لأجل القياس، بل بالنظر إلى المجموع، والمعنى الأول يكفى في تحقيق معنى الاستحسان.
قلنا: أما الأول فيناقض ما ذكره، حيث شرط في الاستحسان أن يكون في حكم الطارئ على المعارض، وما ذكره يقتضى طريان المعارض عليه.
وأما الثاني: فلا يصح عذرًا؛ لأنه شرط ترك المعارض، والعمل بالاستحسان بالفعل لا بالتقدير.
وأما اختيار المصنف ففيه تكرير لقوله: ترك وجه من وجوه لاجتهاد، فقد خرج عن المنصوص؛ لأن المنصوص دلائل مقطوعة المتن، وقد شرط ألا يوجد فيه دليل مقطوع مغاير للعمومات اللفظية.
وقوله: (هذا الخلاف راجع إلى القول بتخصيص العلة) فيه نظر؛ لأن تخصيص العلة هو العمل بالمانع، وترك المقتضى.
وهاهنا -وجد ما سموه استحسانًا عملاً بالدليل الشرعي مثل: نص، أو إجماع، أو قياس.
فأنكر عليهم تسميته بالاستحسان -خاصة -في هذا الموضع.
وتارة وجد ما سموه استحسانًا لم يساعد عليه دليل شرعي، بل جرى ذلك الاستحسان مجرى اتباع الهوى.
وتارة وجد دليل شرعي غير معارض بدليل، وقياس.
وهم سموه استحسانًا، وكونه على خلاف القياس.
مثلا الأول: قولهم: إنا نحكم بأن من سبقه الحدث يتوضأ، ويبنى على صلاته، بخلاف المتعمد للحدث، وهذا على خلاف قياس الأحداث؛ لأن فيها يقتضى التسوية بين العمد والسبق.
فقل المنكرون: أما أولاً: فهذا عمل بالحديث بأن من سبقه الحدث يتوضأ ويبنى، فيخصص اسم الاستحسان بالعمل في هذا الموضع خاصة؛ دون غيره لا معنى له، ولا يسلم أنه على خلاف قياس الأحداث؛ لأن قياسها يقتضى عدم التفرقة في انتفاض الطهارة، وحصول الحدث بين العمد، والسبق، وذلك حاصل معمول به، وعدم البناء في العمد لم يقع على خلاف القياس، وإن ادعوا القياس في عدم البناء في السبق، والعمد، فذلك ممنوع.
والفرق: أن المسبوق معذور دون التعمد.
ومثال الثاني: قولهم في شهود الزنى: وجب الرجم استحسانًا، والقياس يقتضى وجوب الحد، فلم يساعدهم دليل شرعي؛ لأنه تعذر إيراد شهاداتهم على زينة واحدة، فصار كما لو شهدوا على الزنى في بيوت؛ فإنه