المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الركن الثاني في المجتهد - نفائس الأصول في شرح المحصول - جـ ٩

[القرافي]

فهرس الكتاب

- ‌سؤال"قال النقشواني:قوله: (التعليل بالحكمة أولى من التعليل بالإضافي

- ‌سؤال"قال النقشواني: التعليل بالعدم إنما يعلل به إذا اشتمل على حكمة

- ‌جوابه"أنا نعلل عدم المعلول بعدم العلة

- ‌النوع الثانيقال الرازي: (القول في التراجيح العائدة إلى ما يدل على أن ذات العلة موجودة

- ‌القول في التراجيح الحاصلة بسبب الطرق الدالةعلى علية الوصف في الأصل

- ‌مسألة: الدوران الحاصل في صورة واحدة - راجح على الحاصل في صورتين

- ‌(مسألة)الدوران الحاصل في صورة راجح على الحاصل في صورتين:

- ‌النوع الرابع(في الترجيح الحاصلة بسبب دليل الحكم في الأصل)

- ‌النوع الخامسالقول في التراجيح الحاصلة بسبب كيفية الحكم

- ‌(سؤال)قال النقشواني: في قوله هاهنا: لو قدرنا تقديم العلة المثبتة للحكم الشرعي لزم النسخ مرتين، يناقضه ما تقدم له في تعارض خبرين:

- ‌النوع السادسفي التراجيح الحاصلة بسبب مكان العلة

- ‌(سؤال)وقع له في هذا الباب ترجيح المتعدية على القاصرة، مع أن القاصرة لا قياس فيها، ولا تعدية

- ‌(فائدة)قال إمام الحرمين في (البرهان): في ذلك ثلاثة مذاهب:

- ‌(سؤال)قال النقشواني: ترجيحة العلة للأكثر فروعًا على الأقل - يقتضي ترجيح التعليل بالمشترك على الفاروق، وهو باطل

- ‌(جوابه)أن إضافة الحكم للفاروق تكون إضافة له، وللمشترك، فلم يلزم إلغاء أحد المناسبتين

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: في ترجيح الأقيسة ترجيحات:

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: من الترجيحات ترجيح الحدود، وذلك من وجوه:

- ‌(فائدة)قال إمام الحرمين في (البرهان): إذا عضد أحد القياسين قول صحابي، إن علمنا مذهب الصحابي حجة كان ذلك انضمام دليلٍ إلى دليل

- ‌الكلام في الاجتهاد

- ‌الركن الأول في الاجتهاد

- ‌الركن الثاني في المجتهد

- ‌قوله: (يجوز أن يكون في أحكام الرسول عليه السلام ما صدر عن اجتهاد):

- ‌(سؤال)قوله: (إنه عليه السلام قادر على الوحي):

- ‌(سؤال)قوله: (مخالف الرسول عليه السلام كافر):

- ‌(سؤال)لو قلنا: إن الله - تعالى - جعل لجبريل عليه السلام الاجتهاد، كما جعله للنبي عليه السلام لم يلزم منه مفسدة

- ‌(سؤال)قوله: (لو جاز عليه الخطأ، لكنا مأمورين بالخطأ):

- ‌(تنبيه)

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (يدل على اجتهاده عليه السلام قوله تعالى:} وشاورهم في الأمر

- ‌(مسألة)في الاجتهاد لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(سؤال)هذا الكلام مشكل؛ فإنه حكى المنع من الوقوع مطلقًا، ثم قال: وأجازه قوم بشرط الإذن

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: الأكثرون على جواز الاجتهاد لمن عاصره صلى الله عليه وسلم ومنعه الأقلون

- ‌(مسألة)في شرائط المجتهد

- ‌(تنبيه)قال التبريزي: يكفي من النحو واللغة الذي يحصل الفهم من مقاصد الكلام دون التغلغل في مشكلات سرائره

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: وشرط المجتهد أن يكون عالمًا بوجود الله - تعالى - وما يجب له من الصفات

- ‌الركن الثالثالمجتهد فيه

- ‌الركن الرابعحكم الاجتهاد

- ‌(سؤال)الآيات الواردة في ذم الظن يرد عليها أن الاعتقاد الجازم، وإن لم يطابق، فصاحبه لا يجوز خلافه

- ‌(تنبيه)قال التبريزى على قوله: (إن الله - تعالى - نصب على هذه المطالب أدلة قطعية): إنه ضعيف

- ‌(فائدة)قال الغزالي في (المستصفى): مسائل أصول الفقه نحو كون الإجماع حجة

- ‌(مسألة)اختلفوا في تصويب المجتهدين

- ‌(تنبيه)مذهب القياسين والفقهاء أن الراجح مصالح

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (وافق بشر المريسي على التأثيم ابن علية، وأبو بكر الأصم، ونفاة القياس كالظاهرية، والإمامية

- ‌(مسألة)

- ‌(فائدة)قال بعض المشايخ: إن السيف الآمدي قال: (الدليل على أن المصيب واحد، أن بعض المجتهدين أداه اجتهاده إلى أنه ليس كل مجتهد مصيبًا

- ‌(فائدة)قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله: (معنى قوله عليه السلام: (إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران) - أن الخطأ محمول على الخطأ في الأسباب

- ‌(مسألة)في نقض الاجتهاد

- ‌(تنبيه)قال التبريزي: (يجب على المجتهد ترك موجب اجتهاده لأجل حكم الحاكم في الظاهر، وفيما يحل له في الباطن)

- ‌(تنبيه)وقع في (التنبيه) للشيخ أبي إسحاق ما يشير إلى إمكان النقض

- ‌(تنبيه)الفرق بين ما يحدث من الحكم بالنذر، وبين ما يحدث بحكم الحاكم

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (اتفقوا على أن حكم الحاكم لا يجوز نقضه في المسائل الاجتهادية، لمصلحة الحكم

- ‌الكلام في المفتي والمستفتي

- ‌القسم الأولفي المفتي، وفيه مسائل:

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: التقليد هو العمل بقول الغير من غير حجةٍ ملزمة

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (يشترط في المفتى شروط الاجتهاد مع العدالة حتى يوثق به

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (اختلفوا في جواز الاستفتاء والتقليد في المسائل العلمية الأصولية في العقائد

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (إذا أفتى، ثم حدث مثل تلك الواقعة اختلفوا

- ‌(مسألة)(هل يجوز لغير المجتهد الفتوى بما يحكيه)

- ‌(سؤال)الموجب لاعتبار قول الميت، والاعتماد عليه صدوره عمن اتصف بأهلية الاجتهاد، وذلك لا يضاد طريان الغفلة

- ‌(سؤال)قال النقشواني: (علي رضي الله عنه مجتهد، ورواية المقداد له من باب روايات الأخبار للمجتهدين، وذلك ليس من باب الفتوى)

- ‌(تنبيه)قال التبريزى: قد يحتج في المجتهد

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (من ليس بمجتهد، هل يجوز له الفتوى بمذهب الجمهور كما في زماننا)

- ‌(فائدة)ينبغي أن يحذر مما وقع في زماننا من تساهل بعض الفقهاء بالفتوى من الكتب الغريبة التي ليس فيها رواية المفتى عن المجتهد بالسند الصحيح

- ‌القسم الثانيفي المستفتي

- ‌(تنبيه)قال التبريزى: (الشيعة هم الذين قالوا بحصر كل مدرك إلا الدليل السمعي القاطع

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (العامي، ومن ليس له أهلية الاجتهاد إذا كان محصلاً لبعض العلوم المعتبرة في الاجتهاد يلزمه اتباع قول المجتهد

- ‌القسم الثالثفيما فيه الاستفتاء

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (اتفقوا على جواز تقليد العامي لمن عرفه بالعلم، وأهلية الاجتهاد، وعلى امتناع اتباعه لمن عرفه بالضد، واختلفوا في جواز استفتاء من لم يعرفه بعلم، ولا جهالة)

- ‌(مسألة)الرجل الذي تنزل به الواقعة إما أن يكون عاميا صرفًا

- ‌(سؤال)على استدلالهم بقوله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم} [

- ‌(سؤال)على قوله: (الآيات دالة على الوجوب)

- ‌(تنبيه)زاد التبريزى: فقال: (المجتهد لو جوز أن يكون عند غيره نص يل على حكم الواقعة، وجب عليه طلبه، ولم يجز له الاجتهاد

- ‌(مسألة)(لا يجوز التقليد في أصول الدين)

- ‌(تنبيه)قال التبريزى: استدلال المصنف باطل من وجهين:

- ‌(مسألة)قال سيف الدين: إذا اتبع العامي مجتهدًا في حكم صلاته، وعمل بقوله، اتفقوا على أن ليس له الرجوع عنه في ذلك الحكم

- ‌(فائدة)كان الشيخ عز الدين يقول: (حيث قلنا بجواز التقليد، والانتقال في المذاهب؛ فإنما نقول به فيما لا ينقض فيه قضاء القاضي

- ‌(فائدة)إذا لم نجعله شرعًا، وكان في المسألة قولان: هل يصير القول الأخير مجمعًا عليه

- ‌‌‌(فائدة)قال بعض العلماء: (لا يجوز اتباع رخص المذاهب، بل يجوز الانتقال إلى مذهب بكماله)

- ‌(فائدة)

- ‌(مسألة)قال إمام الحرمين في (البرهان): (أجمع المحققون على أن العوام ليس لهم أن يتعلقوا بمذهب أعيان الصحابة رضي الله عنهم -بل عليهم أن يتبعوا مذاهب الأئمة

- ‌(مسألة)قال سيف الدين: (اختلفوا هل يجوز خلو عصر من الأعصار عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه

- ‌(مسألة)قال الشيخ أبو إسحاق في (اللمع): من اجتمعت فيه شرائط الفتوى؛ فإن كان في الإقليم غيره، لم يتعين عليه الفتيا، والتعليم؛ بل هو فرض كفاية

- ‌(مسألة)قال الشيخ: أبو إسحاق في (اللمع): (لا يجوز للمستفتى أن يستفتى كل من يتزيا بزى أهل العلم

- ‌(مسألة)قال أبو الخطاب الحنبلي في (التمهيد): (لله -تعالى -على الأحكام أدلة من الكتاب، أو السنة، أو القياس، خلاف لمن قال: لا دليل على الحكم سوى ظن المجتهد

- ‌(مسألة)قال أبو الخطاب الحنبلي في (التمهيد): (إذا أفتاه، ولم يعمل بفتواه حتى مات المفتى، فهل يجوز له العمل بما أفتاه

- ‌(مسألة)قال العالمي الحنفي في كتابه: إذا اعتدل القولان عن المفتى اختلفوا فيه:

- ‌(مسألة)قال ابن برهان في كتاب (الأوسط): (إذا استفتى العامي في حادثة، ثم حدثت تلك الحادثة مرة أخرى، هل يجوز له الاكتفاء بتلك الفتوى

- ‌(مسألة)قال ابن برهان في كتاب (الأوسط): (لا يجوز تقليد المجتهد الميت، مع وجود المجتهد الحى؛ لأن الحى أولى)

- ‌(مسألة)قال ابن برهان: (من كان مقلدًا لصاحب مذهب، وقد أحاط بنصوص ذلك المذهب، وكان مجتهدًا بالقياس، كان مجتهدًا في ذلك المذهب

- ‌(مسألة)قال ابن برهان في كتاب (الأوسط): لا شك أن أهل العترة من أهل الاجتهاد

- ‌الكلام فيما اختلف فيه المجتهدون من أدلة الشرع

- ‌المسألة الأولى: في حكم الأفعال:

- ‌(سؤال)على استدلاله بالآية

- ‌(سؤال)على قوله: (تلك الحكمة إما عود النفع إليه، أو إلينا):

- ‌(تنبيه)قياسه -في هذه المسألة -في قوله: (انتفاع لا ضرر فيه على المالك قطعًا، ولا على المنتفع ظاهرًا، فيباح، كالاستصباح بسراج الغير):

- ‌(سؤال)على الاستدلال بالحديث:

- ‌(تنبيه)قال التبريزى: (النفع هو الزيادة من الوجه الموافق للمصلحة

- ‌المسألة الثانيةفي استصحاب الحال

- ‌(سؤال)

- ‌(تنبيه)قال التبريزى: (الاستصحاب ينقسم إلى:

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (في الاستصحاب مذهب ثالث، وهو الترجيح به دون كونه دليلاً)

- ‌(فرع)قال في (المحصول): (النافي لا دليل عليه):

- ‌المسألة الثالثةفي الاستحسان

- ‌ القرافي: قال النقشواني: أما ترتيبه كما ذكره أبو الحسين، ففيه نظر

- ‌(تنبيه)قال التبريزي: الكلام في صحة الاستحسان وفساده ينبني على فهم حقيقته

- ‌المسألة الرابعةقال الرازي: الحق أن قول الصحابي ليس بحجة، وقال قوم: إنه حجة مطلقًا

- ‌ القرافي: قوله: (أمر الله -تعالى -بالاعتبار، وذلك ينافى التقليد):

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (اتفقوا على أن مذهب الصحابي -في مسائل الاجتهاد -لا يكون حجة على غيره من الصحابة المجتهدين

- ‌(فائدة)قال الشيخ موفق الدين الحنبلي في كتاب (الروضة): (إذا اختلف الصحابة على قولين، لم يجز للمجتهد الأخذ بقول بعضهم من غير دليل

- ‌المسألة الخامسةقال الرازي: اختلفوا في أنه، هل يجوز أن يقول الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم أو للعالم: (احكم، فإنك لا تحكم إلا بالصواب

- ‌(فائدة)قال أبو يعلى الحنبلي في (العمدة): هذه المسألة مبنية على أنه عليه السلام هل له أن يجتهد أم لا

- ‌المسألة السادسةمذهب الشافعي رضي الله عنه: أنه يجوز الاعتماد في إثبات الأحكام على الأخذ بأقل ما قيل

- ‌(فائدة)قال القاضي عبد الوهاب المالكي في (الملخص): (صورة هذه المسألة أن يجني رجل على سلعة، فيختلف المقومون في تقويمها

- ‌المسألة السابعةقال الرازي: قال قوم: يجب على المكلف الأخذ بأخف القولين؛ للنص والمعقول:

- ‌المسألة الثامنةالاستقراء المظنون: هو إثبات الحكم في كلى؛ لثبوته في بعض جزئياته

- ‌(سؤال)الاستدلال على عدم وجوب الوتر بكونه صلى الله عليه وسلم كان يؤديه على الراحلة مشكل

- ‌المسألة التاسعةفي المصالح المرسلة

- ‌(سؤال)قال بعض علماء العصر: إذا قلتم بالمصلحة المرسلة، فكيف تصنعون في العمومات، والأدلة

- ‌(سؤال)ما الفرق بين المصلحة المرسلة، والاستحسان

- ‌المسألة العاشرةالاستدلال بعدم ما يدل على الحكم؛ على عدم الحكم - طريقة عول عليها بعض الفقهاء

- ‌المسألة الحادية عشرةفي تقرير وجوهٍ من الأدلة التي يمكنالتمسك بها في المسائل الفقهية

- ‌ القرافي: قوفه: (المحكوم عليه كان معدومًا في الأزل، فلا يكون الحكم ثابتًا في الأزل؛ لأن ثبوت الحكم صفة الله - تعالى - وكلامه النفسي القديم

- ‌(تنبيه)قال التبريزي: (الحكم الشرعي لابد له من دليل شرعي، وهو قول الشارع

الفصل: ‌الركن الثاني في المجتهد

‌الركن الثاني في المجتهد

قال الرازي: وفيه مسائل:

مسألة: قال الشافعي رضي الله عنه يجوز أن يكون في أحكام الرسول صلى الله عليه وسلم ما صدر عن الاجتهاد، وهو قول أبي يوسف رحمه الله.

ص: 3793

...............................................................

ص: 3794

..................................................................

ص: 3795

وقال أبو على وأبو هاشمٍ: إنه لم يكن متعبدًا به، وقال بعضهم: كان له أن يجتهد في الحروب، وأما في أحكام الدين، فلا، وتوقف أكثر المحققين في ذلك.

أما المثبتون فقد احتجوا بأمورٍ:

أحدها: عموم قوله تعالى:} فاعتبروا يا أولي الأبصار {وكان عليه الصلاة والسلام أعلى الناس بصيرة، وأكثرهم اطلاعًا على شرائط القياس، وما يجب ويجوز فيها؛ وذلك إن لم يرجح دخوله في هذا الأمر على دخول غيره، فلا أقل من المساواة؛ فيكون مندرجًا تحت الآية، فكان مأمورًا بالقياس، فكان فاعلاً له، وإلا قدح في عصمته.

وثانيها: أنه إذا غلب على ظنه كون الحكم في الأصل معللاً بوصف، ثم علم أو ظن حصول ذلك الوصف في صورةٍ أخرى - فلابد أن يظن أن حكم الله تعالى في الفرع مثل حكمه في الأصل، وترجيح على المرجوح من مقتضيات بدائه العقول؛ على ما قررناه في (كتاب القياس) وهذا يقتضي أن يجب عليه العمل بالقياس.

وثالثها: أن العمل بالاجتهاد أشق من العمل بالنص، فيكون أكثر ثوابًا؛ لقوله عليه الصلاة والسلام (أفضل العبادات أحمزها) أي: أشقها؛ ولو لم يعمل الرسول عليه الصلاة والسلام بالاجتهاد، مع أن أمته عملوا به - كانت الأمة أفضل منه في هذا الباب وإنه غير جائزٍ.

فإن قلت: (فهذا يقتضي ألا يعمل الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بالاجتهاد؛ لأن ذلك أفضل):

ص: 3796

وأيضًا: فإنما يجب اتصافه بهذا المنصب، لو لم يجد منصبًا أعلى منه؛ لكنه وجده؛ لأنه يستدرك الأحكام وحيًا، وهذا المنصب أعلى من الاجتهاد).

قلت: الجواب عن الأول: أن ذلك غير ممكنٍ؛ لأن العمل بالاجتهاد مشروط بالنص على أحكام الأصول، وإذا كان كذلك، تعذر العمل في كل الشرع بالاجتهاد.

وعن الثاني: أن الوحي، وإن كان أعلى درجة من الاجتهاد، لكن ليس فيه تحمل المشقة في استدراك الحكم، ولا يظهر فيه أثر دقة الخاطر، وجودة القريحة، وإذا كان هذا نوعًا مفردًا من الفضيلة، لم يجز خلو الرسول عنه بالكلية.

ورابعها: قوله عليه الصلاة والسلام: (العلماء ورثة الأنبياء) وهذا يوجب أن تثبت له درجة الاجتهاد؛ ليرثوه عنه؛ إذ لو ثبت لهم ذلك ابتداءً، لم يكونوا وارثين عنه.

فإن قلت: (أراد به في إثبات أركان الشرع):

قلت: إنه تقييد من غير دليلٍ.

وخامسها: أن بعض السنن مضافة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو كان الكل بالوحي، لم يبق لتلك الإضافة مزيد فائدة، كما أن الشافعي رضي الله عنه إذا أثبت حكمًا بالنص الظاهر الجلي الذي لا يفتقر فيه ألبتة إلى اجتهاد، لا يقال:(إن ذلك مذهب الشافعي) فلا يقال: مذهب الشافعي رضي الله عنه وجوب الصلوات الخمس) وأما الذي يثبته بضربٍ من اجتهادٍ، فإنه يضاف إليه، فكذا ها هنا.

ص: 3797

وأما الذي يدل على أنه كان مجتهدًا في أمر الحروب: أنه اجتهد في أخذ الفداء عن أساري بدرٍ، بعدما كان راجعهم في تلك الحال) وذلك لا يمكن إلا مع الاجتهاد.

واحتج المانعون بأمورٍ:

أحدها: قوله تعالى:} وما ينطق عن الهوى {.

وثانيها: أن بعض الصحابة راجعه في منزلٍ نزله، وقال:(إن كان هذا بوجي الله تعالى، فالسمع والطاعة، وإلا فليس هو بمنزل مكيدة) فدل هذا على جواز مراجعته في اجتهاد، ولا تجوز مراجعته في أحكام الشرع؛ فيلزم ألا يكون فيها ما هو باجتهاده.

وثالثها: أن الاجتهاد لا يفيد إلا الظن، وأنه عليه الصلاة والسلام كان قادرًا على تلقيه من الوحي، والقادر على تحصيل العلم لا يجوز له الاكتفاء بالظن؛ كالمعاين للقبلة؛ لا يجوز له أن يغمض عينيه، ويجتهد فيها.

ورابعها: أن مخالفه عليه الصلاة والسلام في الحكم يكفر؛ لقوله تعالى:} فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم {والمخالف في هذه المسائل الشرعية لا يكفر؛ لأن الرجل إذا اجتهد وأخطأ فيها، فله أجر واحد، والمستوجب للأجر لا يمكن تكفيره.

وخامسها: لو جاز له العمل بالاجتهاد، لما توقف في شيءٍ من الأحكام الشرعية على الوحي؛ لأن حكم الوحي في الكل كان معلومًا له، وطرق الاجتهاد كانت مظنونًة له، فعند وقوع الواقعة التي ما أنزل عليه فيها وحي، كان مأمورًا بالاجتهاد، فكان ينبغي ألا يتوقف إلى نزول الوحي؛ لكنه توقف كما في مسألة الظهار، واللعان.

ص: 3798

وسادسها: لو جاز له الاجتهاد، لجاز لجبريل عليه السلام وحينئذٍ: لا يعرف أن هذا الشرع الذي جاء به إلى محمدٍ صلى الله عليه وسلم من نص الله تعالى، أو من اجتهاد جبريل عليه السلام.

والجواب عن الأول:

أن الله تعالى، متى قال له:(مهما ظننت كذا، فاعلم أن حكمي كذا) فها هنا العمل بالظن عمل بالوحي، لا بالهوى.

وعن الثاني: أنه يدل على جواز مراجعته في الآراء والحروب، والأحكام خارجة عن ذلك.

وعن الثالث: أنا إنما نجوز الاجتهاد فيما لم يوجد فيه نص من الله تعالى، ولم يكن متمكنًا من معرفة الحكم بالنص.

وعن الرابع: أنه لا يمتنع أن يقال: الحكم، وإن كان مظنونًا أولاً، إلا أنه عليه الصلاة والسلام لما أفتى به، وجب القطع به؛ كما قلنا في الإجماع الصادر عن الاجتهاد.

وعن الخامس: أن العمل بالاجتهاد مشروط بالعجز عن وجدان النص، فلعله عليه الصلاة والسلام كان يصبر مقدار ما يعرف به أن الله - تعالى - لا ينزل فيه وحيًا.

وعن السادس: أن ذلك الاحتمال مدفوع بالإجماع.

مسألة: إذا جوزنا له صلى الله عليه وسلم الاجتهاد، فالحق عندنا أنه لا يجوز أن يخطئ.

ص: 3799

وقال قوم: يجوز بشرط ألا يقر عليه.

لنا: أنا مأمورون باتباعه في الحكم؛ لقوله تعالى:} فلا وربك، لا يؤمنون؛ حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت {فلو جاز عليه الخطأ، لكنا مأمورين بالخطأ، وذلك ينافي كونه خطأ.

واحتج المخالف بقوله تعالى:} عفا الله عنك؛ لم أذنت لهم {فهذا يدل على أنه أخطأ فيما أذن لهم، وقال تعالى في (أساري بدرٍ):} لولا كتاب من الله سبق، لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم {فقال عليه الصلاة والسلام:(لو نزل عذاب من الله، لما نجا إلا ابن الخطاب) وهذا يدل على أنه أخطأ في أخذ الفداء، ولأنه تعالى قال:} قل إنما أنا بشر مثلكم {فلما جاز الخطأ على غيره، جاز أيضًا عليه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إنكم تختصمون لدي، ولعل بعضكم ألحن بحجته من غيره، فمن قضيت له بشيءٍ من حق أخيه، فلا يأخذنه إنما أقطع له قطعة من النار) فلو لم يجز أن يقضي لأحد إلا بحقه، لم يقل هذا، ولأنه يجوز أن يغلط في أفعاله، فيجوز أن يغلط في أقواله؛ كغيره من المجتهدين.

والجواب عن هذه الوجوه مذكور في الكتاب الذي صنفناه في (عصمة الأنبياء) فلا فائدة في الإعادة.

مسألة: اتفقوا على جواز الاجتهاد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما في زمان الرسول عليه الصلاة والسلام فالخوض فيه قليل الفائدة؛ لأنه لا ثمرة له في الفقه.

ثم نقول: المجتهد: إما أن يكون بحضرة الرسول عليه الصلاة والسلام أو يكون غائبًا عنه: أما إن كان بحضرته، فيجوز تعبده بالاجتهاد عقلاً؛ لأنه لا

ص: 3800

يمتنع أن يقول الرسول عليه الصلاة والسلام له: (لقد أوحي إلى بأنك مأمور بأن تجتهد، أو مأمور بأن تعمل على وفق ظنك).

ومنهم من أحاله عقلاً، واحتج عليه: بأن الاجتهاد في معرض الخطأ، والنص آمن منه، وسلوك السبيل المخوف، مع القدرة على سلوك السبيل الآمن قبيح عقلاً.

وجوابه: أن الشرع لما قال له: (أنت مأمور بأن تجتهد، وتعمل على وفق ظنك) كان آمنًا من الغلط؛ لأنه بعد الاجتهاد، يكون آتيًا بما أمر به.

وأما وقوع التعبد به، فمنعه أبو علي وأبو هاشمٍ، وأجازه قوم بشرط الإذن، وتوقف فيه الأكثرون.

احتج المانعون بوجهين:

الأول: أن الصحابة، لو اجتهدوا في عصره، كما اجتهدوا بعده، لنقل؛ كما نقل اجتهادهم بعده.

الثاني: أن الصحابة كانت تفزع في الحوادث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو كانوا مأمورين بالاجتهاد، لما فزعوا إليه.

واحتج القائلون بالوقوع بأمورٍ:

الأول: أنه عليه الصلاة والسلام حكم سعد بن معاذ في بني قريظة، فحكم بقتل مقاتليهم، وسبي ذراريهم، فقال عليه الصلاة والسلام:(لقد حكمت بحكم الله - تعالى من فوق سبعة أرقعةٍ).

الثاني: أنه عليه الصلاة والسلام قال لعمرو بن العاص، وعقبة بن عامرٍ

ص: 3801

الجهني، لما أمرهما أن يحكما بين خمصين:(إن أصبتما، فلكما عشر حسناتٍ، وإن أخطأتم، فلكما حسنة واحدة).

الثالث: أنه عليه الصلاة والسلام كان مأمورًا بالمشاورة؛ لقوله تعالى:} وشاورهم في الأمر {ولا فائدة في ذلك إلا جواز الحكم على حسب اجتهادهم.

والجواب عن الأول: لعلة قل اجتهادهم في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم ينقل؛ لقتله.

وأيضًا: فقد نقل اجتهاد سعد بن معاذٍ، وعمرو بن العاص.

وعن الثاني: لعلهم فزعوا إليه فيما لم يظهر لهم فيه وجه الاجتهاد، ولعلهم تركوه؛ لصعوبته، وسهولة وجدان النص.

وعن الثالث: وهو خبر سعد وعمرو: أنه خبر واحدٍ؛ فلا يجوز التمسك به إلا في مسألة عملية، وهذه المسألة لا تعلق لها بالعمل.

وعن الرابع: أن ذلك في الحروب ومصالح الدنيا، لا في أحكام الشرع.

وأما الغائب عن حضرة الرسول عليه الصلاة والسلام فلا شك في جواز أن يتعبده الله تعالى بالاجتهاد، لا سيما عند تعذر الرجوع، وضيق الوقت.

وأما وقوع التعبد به، فقال به الأكثرون؛ والاعتماد فيه على خبر معاذٍ.

مسألة في شرائط المجتهد:

اعلم: أن شرط الاجتهاد أن يكون المكلف بحيث يمكنه الاستدلال بالدلائل الشرعية على الأحكام، وهذه المكنة مشروطة بأمورٍ:

ص: 3802

أحدها: أن يكون عارفًا بمقتضى اللفظ ومعناه؛ لأنه لو لم يكن كذلك، لم يفهم منه شيئًا، ولما كان اللفظ قد يفيد معناه - لغةً، وعرفًا، وشرعًا - وجب أن يعرف اللغة، والألفاظ العرفية والشرعية.

وثانيها: أن يعرف من حال المخاطب: أنه يعني باللفظ ما يقتضيه ظاهره، إن تجرد، أو ما يقتضيه مع قرينة، إن وجدت معه قرينه؛ لأنه لولا ذلك، لما حصل الوثوق بخطابه؛ لجواز أن يكون عنى به غير ظاهره، مع أنه لم يبينه.

قالت المعتزلة: وذلك إنما يعرف بحكمة المتكلم، أو بعصمته، والحكم بحكمة الله تعالى مبني على العلم بأنه تعالى عالم بقبح القبيح، وعالم بغناه عنه.

وأما أصحابنا: فإنهم قالوا: الشيء، وإن كان جائز الوقوع قطعًا، لكنه قد نقطع بأنه لا يقع، فإنا نجوز انقلاب ماء جيحون دمًا، وانقلاب الجدران ذهبًا، وتولد الإنسان لا من الأبوين دفعةً واحدةً، ومع ذلك نقطع بأنه لا يقع، فكذا هاهنا نحن، وإن جوزنا من الله تعالى كل شيء؛ لكنه تعالى خلق فينا علمًا بديهيًا؛ بأنه لا يعني بهذه الألفاظ إلا ظواهرها؛ فلذلك أمنا من وقوع التلبيس.

وثالثها: أن يعرف مجرد اللفظ، إن كان مجردًا، وقرينته إن كان مع قرينة؛ لأنا لو لم نعرف ذلك، لجوزنا في المجرد أن تكون معه قرينة تصرفه عن ظاهره، ثم القرينة قد تكون عقلية، وقد تكون سمعية:

وأما القرينة العقلية: فإنها تبين ما يجوز أن يراد باللفظ مما لا يجوز.

وأما السمعية: فهي الأدلة التي تقتضي تخصيص العموم في الأعيان، وهو المسمي بالتخصيص، أو في الأزمان، وهو النسخ.

ص: 3803

والذي يقتضي تعميم الخاص، وهو القياس؛ وحينئذٍ: يجب أن يكون عارفًا بشرائط القياس؛ ليميز ما يجوز عما لا يجوز.

ثم هذه الأدلة السمعية غائبة عنا، فلابد من نقلها، والنقل: إما تواتر أو آحاد، فلابد وأن يكون عارفًا بشرائط كل واحد مننهما، ثم عند الإحاطة بأنواع الأدلة، لابد وأن يكون عارفًا بالجهات المعتبرة في التراجيح.

فإن قال قائل: (فصلوا العلوم التي يحتاج المجتهد إليها):

قلنا: قال الغزالي رحمه الله: مدارك الأحكام أربعة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل: فلابد من العلم بهذه الأربعة، ولابد معها من أربعةٍ أخرى: اثنان مقدمان، واثنان مؤخران، فهذه ثمانية لابد من شرحها:

أما كتاب الله تعالى: فلابد من معرفته، وفيه تحقيقان:

أحدهما: أنه لا يشترط معرفة جميعه، بل ما يتعلق منه بالأحكام، وهو خمسمائة آية.

والثاني: أنه لا يشترط حفظها، بل أن يكون عالمًا بمواقعها؛ حتى يطلب منها الآية المحتاج إليها عند الحاجة.

وأما السنة: فلابد من معرفة الأحاديث التي تتعلق بها الأحكام، وهي، مع كثرتها، مضبوطة في الكتب، وفيها التحقيقان المذكوران؛ إذ لا يلزمه معرفة ما يتعلق من الأخبار بالمواعظ، وأحكام الآخرة.

والثاني: أنه لا يلزمه حفظها؛ بل أن يكون عنده أصل مصحح مشتمل على الأحاديث المتعلقة بالأحكام.

ص: 3804

وأما الإجماع: فينبغي أن يكون عالمًا بمواقع الإجماع؛ حتى لا يفتي بخلاف الإجماع.

وطريق ذلك: ألا يفتي إلا بشيءٍ يوافق قول واحد من العلماء المتقدمين، أو يغلب على ظنه: أنه واقعة متولدة في هذا العصر، ولم يكن لأهل الإجماع فيها خوض.

وأما العقل: فيعرف البراءة الأصلية، ويعرف أنا مكلفون بالتمسك بها، إلا إذا ورد يصرفنا عنه، وهو نص، أو إجماع، أو قياس؛ على شرائط الصحة، فهذه هي العلوم الأربعة.

وأما العلمان المقدمان: فأحدهما: علم شرائط الحد والبرهان على الإطلاق، وثانيهما: معرفة النحو، واللغة، والتصريف؛ لأن شرعنا عربي، فلا يمكن التوسل إليه إلا بفهم كلام العرب، وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب، ولابد في هذه العلوم من القدر الذي يتمكن المجتهد به من معرفة الكتاب والسنة.

وأما العلمان المتمان فأحدهما: يتعلق بالكتاب، وهو علم الناسخ والمنسوخ، والآخر: بالسنة، وهو علم الجرح والتعديل، ومعرفة أحوال الرجال.

واعلم: أن البحث عن أحوال الرجال في زماننا هذا مع طول المدة، وكثرة الوسائط - أمر كالمتعذر، فالأولي: الاكتفاء بتعديل الأئمة الذين اتفق الخلق على عدالتهم؛ كالبخاري، ومسلم، وأمثالهما.

وقد ظهر مما ذكرنا: أن أهم العلوم للمجتهد علم أصول الفقه، وأما سائر العلوم، فغير مهمة في ذلك؛ أما الكلام: فغير معتبر؛ لأنا لو فرضنا إنسانًا جازمًا بالإسلام تقليدًا، لأمكنه الاستدلال بالدلائل الشرعية على الأحكام.

ص: 3805