الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة: الدوران الحاصل في صورة واحدة - راجح على الحاصل في صورتين
؛ لأن احتمال الخطأ في الدوران الحاصل في الصورة الواحدة أقل من احتماله في الدوران الحاصل في صورتين، ومتى كان احتمال الخطأ أقل، كان الظن أقوى.
بيان الأول: أن العصير، لما لم يكن مسكرًا في الزمان الأول، فلم يكن محرمًا، ثم صار مسكرًا بعد ذلك، فصار محرمًا، ثم لما زالت المسكرية مرة أخرى، زالت الحرمة؛ فهاهنا نقطع بأن شيئًا من الصفات الباقية في الأحوال الثلاثة لا يصلح لعلية هذا الحكم؛ وإلا لزم وجود العلة بدون الحكم، وأما الدوران في صورتين: فهو كما يقول الحنفي في مسألة الحلي: (كونه ذهبًا موجب للزكاة؛ لأن (التبر) لما كان ذهبًا، وجبت الزكاة فيه، والثياب لما لم تكن ذهبًا، لم تجب الزكاة فيها) فهاهنا لا يمكن القدح في علية الصفات الباقية، بمثل ما ذكرناه في الصورة الأولي؛ فثبت أن احتمال المعارض في الصورة الأولي أقل؛ فكان الظن فيها أقوى.
مسألة: قد ذكرنا أن الشبه قد يكون شبهًا في الحكم الشرعي، وقد يكون شبهًا في الصفة، واختلفوا في الراجح، والأظهر أن الشبة في الصفة أولى؛ لأنها أشبه بالعلل العقلية.
القسم الثالث
(في الترجيح بالدال على علية الصوف)
قال القرافي: قوله: (النص الذي لا يحتمل قوله لعلة أو بسبب كذا، أو لأجل كذا):
قلنا: هذه محتملة أنواعًا من المجاز، فلا يكون نصًا غير محتمل؛ لأنه قد يسمي علة الفعل علة، وجزء العلة علة من باب إطلاق الكل على الجزء، أو يسمي اللازم المسوي علة؛ للزوم وجود الحكم عند وجوده، وعدم الحكم عند عدمه من باب الاستعارة لأجل المشابهة.
وكذلك القول في السبب، وكذلك قوله:(لأجل كذا) قد يكون قوله: (كذا) من هذه المجازات الثلاثة، وقد يكون مانعًا من الحكم في الألفاظ الثلاثة، وأطلق عليه لفظ العلة، وغيره من باب إطلاق لفظ أحد الضدين على الآخر، وإذا استقرئت أنواع المجاز الأثني عشر احتملت هذه الألفاظ كثيرًا منها، فلا نص حينئذ فيها، غير أن ظهورها قوى جدًا، أما النص فلا.
قوله: (اللام) أظهر؛ فإن (الباء) قد تكون للإلصاق، والتأكيد):
قلنا: لا يتم أنها أظهر منها حتى يستقرأ جميع موارد كل واحد منها، وتكون "اللام" أقل.
أما مجرد احتمال في كل واحد منها، فلا يفيد ظهورها؛ لأن (اللام) أيضًا قد تستعمل في أنواع غير التعليل، بل للاختصاص المطلق، نحو: الملك لله، والتشريف المطلق، نحو قوله - تعالى - في الحديث:(إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به).
والاستحقاق المطلق نحو: هذا السرج للدابة.
والعاقبة المطلقة التي لا تعليل فيها - كقوله تعالى:} ليكون لهم عدوا وحزنًا {.
وللملك الشرعي نحو: المال لزيد. وهذه الاحتمالات كلها ليست في (أن) ولا (الباء)، فلا يستقيم الترجيح إلا باستقراء الجميع في محاملها.
ويكون الأول أقوى ظهورًا.
قوله: (اتفق الجمهور على أن ما ظهرت عليته بالإيماء راجح على ما ظهرت عليته بالوجوه العقلية):
تقريره: أن مراده هاهنا بالوجوه العقلية ما أدرك العقل على سبيل النظر من المناسبة وغيرها، لا ما هو قطعي، والقطعي هو المتبادر للفهم من الأدلة العقلية ولم يرده، وأما وجه التقديم أن الإيماء دلالة منسوبة إلى السمع، والمناسبة العقلية ونحوها هي اجتهاد من العقل في قواعد الشرع الكلية، ورعاية الصالح وغيرها من السمعيات مقدمة في الأحكام الشرعية على اجتهادات العقول، ولذلك يقدم الخبر الواحد على القياس على قول ربما هو قول الجمهور أيضًا، فهذا هو مدرك الترجيح.
وقوله: (فيه نظر؛ لأن الإيماء إنما يدل بواسطة المناسبة وغيرها، والأصل مقدم على الفرع):
يرد عليه أن الدال هو المجموع، وما دل عليه مجموع أمرين أولى من الذي يدل عليه أحدهما فقط، مع أنا نمنع توقف الإيماء على المناسبة؛ فإنه قد قال: إن ترتيب الحكم على الوصف لا يتوقف على مناسبة الوصف. قاله في القياس.
وإذا اكتفى بمجرد الترتيب كان الإيماء وحده كافيًا.
قوله: (إذا كانت العلة أخص من المعلول، كانت العلية منفكة عن الدوران):
قلنا: كون العلة أخص معناه أن الحكم قد يوجد بدونها، ولو في صورة، ويكون معللاً بعلتين فصاعدًا، والعلل الشرعية يخلف بعضها بعضًا.
وهذا لا يمنع من وجود الدوران مع تلك العلة الأخص؛ فإن الدوران يكفي فيه صورة واحدة يقترن فيها الوجود بالوجود، والعدم بالعدم، فيتحقق
الدوران بتلك الصورة، ويكون الحكم بوجه في صورة أخرى غير تلك الصورة بغير تلك العلة، فيتحقق أيضًا عموم الحكم، كما تقول: الحياة علة طهارة الحيوان لدورانها مع الحياة وجودًا في الأنعام الحية، وعدمها في الأنعام الميتة حتف أنفها، فهذا دوران، مع أن الحكم الذي هو الطهارة ثبت في أنواع الجهاد، والثبات مع عدم الحياة لعلة أخرى، وهي عدم علة التنجيس.
فإن القاعدة أن النجاسة حكم شرعي راجع للتحريم، وعلة التحريم أبدًا عدمها علة الإباحة، والطهارة إباحة، فكانت معللة بعدم علة التحريم، واستقر ذلك في الفروع الفقهية، فلا نطول بهذا الباب في غير موضعه:
قوله: (لا نسلم لزوم العكس في العلل العقلية).
تقريره: أن الحركة بسبب عقلي في حصول ذلك الجسم في ذلك الحيز، بعد أن كان في غيره.
وقد تقدم هذه العلة، ويحصل في ذلك الحيز بأن يعدمه الله - تعالى - من هاهنا، ويوجده هنالك، فلم يلزم من عدم العلة العقلية عدم حكمها.
وكذلك التضاد والاختلاف، والتماثل والتناقض معلل في أحد الضدين بذلك الضد، وفي الضد الآخر بالضد الآخر، وهو غير ضده، وما لزم من عدم أحدهما عدم ذلك الحكم، فضدية السواد معللة في السواد بالسواد، وليس السواد في البياض، والضدية حاصلة فيه معللة بالبياض.
وكذلك القول في جميع هذه الموارد المتقدم ذكرها من التناقض [وغيرها].
قوله: (المناسبة أولى من السبر: لكثرة مقدمات السبر في الإثبات والنفي):
قال سيف الدين: السبر أولى؛ لأنه مشتمل على ثبوت المقتضي، ونفي المعارض في الأصل.