الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(تنبيه)
مذهب القياسين والفقهاء أن الراجح مصالح
، وأن الله - تعالى - إنما يثبت حكمًا لمصلحة خالصة، أو راجحة، أو مفسدة خالصة، أو راجحة إن كان الحكم مساويًا.
القاعدة الشرعية: أن الراجح يستحيل أن يكون هو النقيضين؛ بل متى كان أحدهما راجحًا، كان الآخر مرجوحًا، وهذه القاعدة تقتضي أن يكون المصيب واحدًا فقط، وهو من أفتى بالراجح، وغيره يتعين أنه إنما أفتى بالمرجوح، فيكون مخطئًا بحكم الله؛ لأنه بالراجح ليس إلا.
وعلى هذا تتناقض قاعدة القائل بأن كل مجتهد مصيب، مع القول بالقياس، وأن الراجح تابعه المصالح الخالصة الراجحة.
سمعت الشيخ عز الدين رحمه الله يذكر هذا السؤال، ثم يقول عقيبه: يتعين على هؤلاء أن يقولوا: هذه القاعدة إنما تكون في الأحكام الإجماعية، أما في مواطن الخلاف فلم يكن الصادر عن الله - تعالى - أن الحكم تابع للراجح في نفس الأمر من المصالح، بل ما في الظنون فقط كان راجحًا في نفس الأمر، أو مرجوحًا، فقاعدة التصويب تأبي قاعدة مراعاة المصالح؛ لتعين الراجح.
وكان رحمه الله يقول: والقائل بتصويب الجميع يتعين عليه أن يصرف الخطأ الوارد في حديث الحاكم إلى الأسباب - كما تقدم بيانه - ويكون أرجح بما قاله الخصم؛ لأنه متفق عليه.
أعني: اتفق على أن الخطأ يقع في الأسباب، وحمل كلام الشارع على المتفق عليه أولى.
(تنبيه)
قال التبريزي: نلزم المصوبة، فنقول: إن المصوبة إذا أجمعوا على
تصويب كل مجتهد، اعترفوا بإصابتنا في أن الحق متعين، فيصير مجمعًا عليه، وخلاف المجمع عليه باطل إجماعًا.
ثم نقول: إذا عينا حكمًا، واعتقدنا أنه حكم الله - تعالى - بموجب اجتهادنا، وأنه الذي وجب طلبه على كل مجتهد.
فهم بين أمرين: إما أن يصوبونا، أو لا؟ وعلى التقديرين يبطل قولهم بتصويب كل مجتهد.
فإن قيل: الإلزام يندفع لأوجه:
الأول: أنا إذا قلنا بتصويب كل مجتهد في الفروع التي هي مسألة اجتهادية عملية، وهل لله - تعالى - في الواقعة حكم معين؟ مسألة عملية أصولية، والمصيب فيها واحد.
وهذا هو الاعتراض على التفصيل؛ فإنه إذا اعتقد في الحكم المعين أنه حكم الله - تعالى - فإنما نصوبه في أصله، ووجوب العمل بموجبه في الجملة لا نفس هذا الاعتقاد بخصوصه؛ لأنه من باب العلم، لا من باب العمل.
الثاني: هو أنا وإن صوبناه في عين هذا الاعتقاد، لكن بالإضافة إليه، أو في أصل كونه حقًا، وهو أعم من كونه في نفسه حقا، أو بالإضافة إليه، ولا يلزم من التصويب في الأعم التصويب في الأخص.
وتحقيقه: أنا إنما نصوبه فيما يأتي به من الاجتهاد، وحكمه حكم الاجتهاد المعين، كون ما أدى إليه حقا.
أما أنه حق في نفسه وغيره لا يجوز أن يكون حقا معه، فهو موجب نظر آخر.
الثالث: أن تصويبه في ذلك الاجتهاد على التفصيل خلاف الإجماع، أو
مقتضاه تعين الحكم فيه، وهو خلاف الإجماع، فإن من يقول: الحق متعين يجوز أن يكون غيره.
والجواب عن الأول: هو أنكم سلمتم تعين الحق في مسألة التصويب، فلا يخلو إما أن يعتقدوا أن عليه دليلاً أولا؟.
ومحال ألا يكون عليه دليل مع تعينيه، والتكليف بإصابة عينه، فإذا كان عليه دليل، فإما مقطوع، أو مظنون، ومحال أن يكون مقطوعًا مع نفي التأثيم، والتبديع؛ لمخالفته كما في الأصول.
وإن كان مقطوعًا فقد سلمتم المسألة؛ لأن النزاع في جواز التكليف بالحق المعين حيث لا قاطع يدل عليه، وقد سلمتموه.
وقولهم: نتيجة الإجماع، وهو مقطوع به، وليس بموجب اجتهاده، وإنما موجب اجتهاده كون ذلك المعتقد حقا، وحكمًا لله - تعالى - فيجب أن تصويره فيه، وبه يندفع الوجه الثاني؛ فإن موجب اجتهاده كونه حقًا في نفسه؛ لأنه تبع للأمارات الدالة عليه، ولا يفسد في مقدمات تلك الأمارات.
وقولهم: (اعتقاد كونه حقا على التعيين خلاف الإجماع):
قلنا: خلاف الإجماع اعتقاد كونه حقًا على التعيين، أما على الظاهر فلا.
والتحقيق: أن نقول: لنا وجوه:
الأول: أن الاجتهاد طلب، وهو مكلف به، وطلب ما لا وجود له في حق العالم به محال.
قال: فإن قيل: هو مكلف بتحصيل غلبة الظن؟
قلنا: تحصيل غلبة الظن بما لا وجود له محال، ولا يتصور في حق العالم إلا أن يتسلط الوهم والخيال عليه، مع علمه بأنه كاذب.
الثاني: أن معنى الاجتهاد كد الخاطر في التنبيه لوجه دلالة الدليل، وهو
لابد أن يكون قبل نظر الناظر، بحيث إذا نظر فيه أفضى به إلى العلم بشيءٍ، أو الظن به؛ ليتميز عما ليس بمدركه؛ فإن النظر لا يكسب المنظور فيه صفة، بل يطلعه منه على ما منه يدل، فلابد أن يكون مقدمًا على نفس النظر، ولابد أن يرتبط ذلك الوجه بمتعين؛ ليتميز مدلوله عما ليس بمدلوله
الثالث: أن المجتهد إنما يعلل حكم النص، أو الإجماع، وهو حق متعين في حق كل أحد، فإذا أضافه إلى وصف، فإنما يضيفه إليه لصلاحية يعتقدها فيه، تقتضي الإضافة، وإذا وجد ذلك الوصف في موضع آخر، فإنما يعتقد ثبوت ذلك الحكم لثبوت تلك العلة.
ويعتقد لزوم ذلك الحكم لثبوت تلك العلة؛ لوجود الصلاحية المقتضية للعلية، فيكون المؤثر في الثبوت - أعني ثبوت الحكم الثبوت أعني ثبوت العلة - وفي الاعتقاد - أعني اعتقاد الحكم، واعتقاد العلة.
فعلى هذا إن كانت العلة متحققة في الفرع، فالحكم ثابت، وإلا فلا؟.
وإن كانت الصلاحية متحققة، كما ظن، فهو علة، وإلا فلا شك أن الأمر منحصر في أن تكون العلة موجودة، أو لا تكون؟ فيكون الحق واحدًا أبدًا. ولهذا لا يجد المجتهد لنفسه قصد إناطة الحكم به في حق نفسه على الخصوص، بل يسترسل في إضافة الحكم للوصف بما هو حكم في نفس الأمر منزل من الله تعالى.
وأما أن عليه دليلاً ظنيًا أن المجتهد ليس مأمورًا بالظفر به كيف كان، بل بطريقة حتى لو حاد عن الطريق، فظفر به اتفاقًا لم تعتبر إصابته. ولهذا لو أصاب القبلة لا عن نظرٍ في دليلها، بطلت صلاته، ولو أصاب الجاهل في الحكم نقض قضاؤه، ولا يجوز الاعتماد على فتواه.