المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الثانيةفي استصحاب الحال - نفائس الأصول في شرح المحصول - جـ ٩

[القرافي]

فهرس الكتاب

- ‌سؤال"قال النقشواني:قوله: (التعليل بالحكمة أولى من التعليل بالإضافي

- ‌سؤال"قال النقشواني: التعليل بالعدم إنما يعلل به إذا اشتمل على حكمة

- ‌جوابه"أنا نعلل عدم المعلول بعدم العلة

- ‌النوع الثانيقال الرازي: (القول في التراجيح العائدة إلى ما يدل على أن ذات العلة موجودة

- ‌القول في التراجيح الحاصلة بسبب الطرق الدالةعلى علية الوصف في الأصل

- ‌مسألة: الدوران الحاصل في صورة واحدة - راجح على الحاصل في صورتين

- ‌(مسألة)الدوران الحاصل في صورة راجح على الحاصل في صورتين:

- ‌النوع الرابع(في الترجيح الحاصلة بسبب دليل الحكم في الأصل)

- ‌النوع الخامسالقول في التراجيح الحاصلة بسبب كيفية الحكم

- ‌(سؤال)قال النقشواني: في قوله هاهنا: لو قدرنا تقديم العلة المثبتة للحكم الشرعي لزم النسخ مرتين، يناقضه ما تقدم له في تعارض خبرين:

- ‌النوع السادسفي التراجيح الحاصلة بسبب مكان العلة

- ‌(سؤال)وقع له في هذا الباب ترجيح المتعدية على القاصرة، مع أن القاصرة لا قياس فيها، ولا تعدية

- ‌(فائدة)قال إمام الحرمين في (البرهان): في ذلك ثلاثة مذاهب:

- ‌(سؤال)قال النقشواني: ترجيحة العلة للأكثر فروعًا على الأقل - يقتضي ترجيح التعليل بالمشترك على الفاروق، وهو باطل

- ‌(جوابه)أن إضافة الحكم للفاروق تكون إضافة له، وللمشترك، فلم يلزم إلغاء أحد المناسبتين

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: في ترجيح الأقيسة ترجيحات:

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: من الترجيحات ترجيح الحدود، وذلك من وجوه:

- ‌(فائدة)قال إمام الحرمين في (البرهان): إذا عضد أحد القياسين قول صحابي، إن علمنا مذهب الصحابي حجة كان ذلك انضمام دليلٍ إلى دليل

- ‌الكلام في الاجتهاد

- ‌الركن الأول في الاجتهاد

- ‌الركن الثاني في المجتهد

- ‌قوله: (يجوز أن يكون في أحكام الرسول عليه السلام ما صدر عن اجتهاد):

- ‌(سؤال)قوله: (إنه عليه السلام قادر على الوحي):

- ‌(سؤال)قوله: (مخالف الرسول عليه السلام كافر):

- ‌(سؤال)لو قلنا: إن الله - تعالى - جعل لجبريل عليه السلام الاجتهاد، كما جعله للنبي عليه السلام لم يلزم منه مفسدة

- ‌(سؤال)قوله: (لو جاز عليه الخطأ، لكنا مأمورين بالخطأ):

- ‌(تنبيه)

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (يدل على اجتهاده عليه السلام قوله تعالى:} وشاورهم في الأمر

- ‌(مسألة)في الاجتهاد لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(سؤال)هذا الكلام مشكل؛ فإنه حكى المنع من الوقوع مطلقًا، ثم قال: وأجازه قوم بشرط الإذن

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: الأكثرون على جواز الاجتهاد لمن عاصره صلى الله عليه وسلم ومنعه الأقلون

- ‌(مسألة)في شرائط المجتهد

- ‌(تنبيه)قال التبريزي: يكفي من النحو واللغة الذي يحصل الفهم من مقاصد الكلام دون التغلغل في مشكلات سرائره

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: وشرط المجتهد أن يكون عالمًا بوجود الله - تعالى - وما يجب له من الصفات

- ‌الركن الثالثالمجتهد فيه

- ‌الركن الرابعحكم الاجتهاد

- ‌(سؤال)الآيات الواردة في ذم الظن يرد عليها أن الاعتقاد الجازم، وإن لم يطابق، فصاحبه لا يجوز خلافه

- ‌(تنبيه)قال التبريزى على قوله: (إن الله - تعالى - نصب على هذه المطالب أدلة قطعية): إنه ضعيف

- ‌(فائدة)قال الغزالي في (المستصفى): مسائل أصول الفقه نحو كون الإجماع حجة

- ‌(مسألة)اختلفوا في تصويب المجتهدين

- ‌(تنبيه)مذهب القياسين والفقهاء أن الراجح مصالح

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (وافق بشر المريسي على التأثيم ابن علية، وأبو بكر الأصم، ونفاة القياس كالظاهرية، والإمامية

- ‌(مسألة)

- ‌(فائدة)قال بعض المشايخ: إن السيف الآمدي قال: (الدليل على أن المصيب واحد، أن بعض المجتهدين أداه اجتهاده إلى أنه ليس كل مجتهد مصيبًا

- ‌(فائدة)قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله: (معنى قوله عليه السلام: (إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران) - أن الخطأ محمول على الخطأ في الأسباب

- ‌(مسألة)في نقض الاجتهاد

- ‌(تنبيه)قال التبريزي: (يجب على المجتهد ترك موجب اجتهاده لأجل حكم الحاكم في الظاهر، وفيما يحل له في الباطن)

- ‌(تنبيه)وقع في (التنبيه) للشيخ أبي إسحاق ما يشير إلى إمكان النقض

- ‌(تنبيه)الفرق بين ما يحدث من الحكم بالنذر، وبين ما يحدث بحكم الحاكم

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (اتفقوا على أن حكم الحاكم لا يجوز نقضه في المسائل الاجتهادية، لمصلحة الحكم

- ‌الكلام في المفتي والمستفتي

- ‌القسم الأولفي المفتي، وفيه مسائل:

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: التقليد هو العمل بقول الغير من غير حجةٍ ملزمة

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (يشترط في المفتى شروط الاجتهاد مع العدالة حتى يوثق به

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (اختلفوا في جواز الاستفتاء والتقليد في المسائل العلمية الأصولية في العقائد

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (إذا أفتى، ثم حدث مثل تلك الواقعة اختلفوا

- ‌(مسألة)(هل يجوز لغير المجتهد الفتوى بما يحكيه)

- ‌(سؤال)الموجب لاعتبار قول الميت، والاعتماد عليه صدوره عمن اتصف بأهلية الاجتهاد، وذلك لا يضاد طريان الغفلة

- ‌(سؤال)قال النقشواني: (علي رضي الله عنه مجتهد، ورواية المقداد له من باب روايات الأخبار للمجتهدين، وذلك ليس من باب الفتوى)

- ‌(تنبيه)قال التبريزى: قد يحتج في المجتهد

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (من ليس بمجتهد، هل يجوز له الفتوى بمذهب الجمهور كما في زماننا)

- ‌(فائدة)ينبغي أن يحذر مما وقع في زماننا من تساهل بعض الفقهاء بالفتوى من الكتب الغريبة التي ليس فيها رواية المفتى عن المجتهد بالسند الصحيح

- ‌القسم الثانيفي المستفتي

- ‌(تنبيه)قال التبريزى: (الشيعة هم الذين قالوا بحصر كل مدرك إلا الدليل السمعي القاطع

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (العامي، ومن ليس له أهلية الاجتهاد إذا كان محصلاً لبعض العلوم المعتبرة في الاجتهاد يلزمه اتباع قول المجتهد

- ‌القسم الثالثفيما فيه الاستفتاء

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (اتفقوا على جواز تقليد العامي لمن عرفه بالعلم، وأهلية الاجتهاد، وعلى امتناع اتباعه لمن عرفه بالضد، واختلفوا في جواز استفتاء من لم يعرفه بعلم، ولا جهالة)

- ‌(مسألة)الرجل الذي تنزل به الواقعة إما أن يكون عاميا صرفًا

- ‌(سؤال)على استدلالهم بقوله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم} [

- ‌(سؤال)على قوله: (الآيات دالة على الوجوب)

- ‌(تنبيه)زاد التبريزى: فقال: (المجتهد لو جوز أن يكون عند غيره نص يل على حكم الواقعة، وجب عليه طلبه، ولم يجز له الاجتهاد

- ‌(مسألة)(لا يجوز التقليد في أصول الدين)

- ‌(تنبيه)قال التبريزى: استدلال المصنف باطل من وجهين:

- ‌(مسألة)قال سيف الدين: إذا اتبع العامي مجتهدًا في حكم صلاته، وعمل بقوله، اتفقوا على أن ليس له الرجوع عنه في ذلك الحكم

- ‌(فائدة)كان الشيخ عز الدين يقول: (حيث قلنا بجواز التقليد، والانتقال في المذاهب؛ فإنما نقول به فيما لا ينقض فيه قضاء القاضي

- ‌(فائدة)إذا لم نجعله شرعًا، وكان في المسألة قولان: هل يصير القول الأخير مجمعًا عليه

- ‌‌‌(فائدة)قال بعض العلماء: (لا يجوز اتباع رخص المذاهب، بل يجوز الانتقال إلى مذهب بكماله)

- ‌(فائدة)

- ‌(مسألة)قال إمام الحرمين في (البرهان): (أجمع المحققون على أن العوام ليس لهم أن يتعلقوا بمذهب أعيان الصحابة رضي الله عنهم -بل عليهم أن يتبعوا مذاهب الأئمة

- ‌(مسألة)قال سيف الدين: (اختلفوا هل يجوز خلو عصر من الأعصار عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه

- ‌(مسألة)قال الشيخ أبو إسحاق في (اللمع): من اجتمعت فيه شرائط الفتوى؛ فإن كان في الإقليم غيره، لم يتعين عليه الفتيا، والتعليم؛ بل هو فرض كفاية

- ‌(مسألة)قال الشيخ: أبو إسحاق في (اللمع): (لا يجوز للمستفتى أن يستفتى كل من يتزيا بزى أهل العلم

- ‌(مسألة)قال أبو الخطاب الحنبلي في (التمهيد): (لله -تعالى -على الأحكام أدلة من الكتاب، أو السنة، أو القياس، خلاف لمن قال: لا دليل على الحكم سوى ظن المجتهد

- ‌(مسألة)قال أبو الخطاب الحنبلي في (التمهيد): (إذا أفتاه، ولم يعمل بفتواه حتى مات المفتى، فهل يجوز له العمل بما أفتاه

- ‌(مسألة)قال العالمي الحنفي في كتابه: إذا اعتدل القولان عن المفتى اختلفوا فيه:

- ‌(مسألة)قال ابن برهان في كتاب (الأوسط): (إذا استفتى العامي في حادثة، ثم حدثت تلك الحادثة مرة أخرى، هل يجوز له الاكتفاء بتلك الفتوى

- ‌(مسألة)قال ابن برهان في كتاب (الأوسط): (لا يجوز تقليد المجتهد الميت، مع وجود المجتهد الحى؛ لأن الحى أولى)

- ‌(مسألة)قال ابن برهان: (من كان مقلدًا لصاحب مذهب، وقد أحاط بنصوص ذلك المذهب، وكان مجتهدًا بالقياس، كان مجتهدًا في ذلك المذهب

- ‌(مسألة)قال ابن برهان في كتاب (الأوسط): لا شك أن أهل العترة من أهل الاجتهاد

- ‌الكلام فيما اختلف فيه المجتهدون من أدلة الشرع

- ‌المسألة الأولى: في حكم الأفعال:

- ‌(سؤال)على استدلاله بالآية

- ‌(سؤال)على قوله: (تلك الحكمة إما عود النفع إليه، أو إلينا):

- ‌(تنبيه)قياسه -في هذه المسألة -في قوله: (انتفاع لا ضرر فيه على المالك قطعًا، ولا على المنتفع ظاهرًا، فيباح، كالاستصباح بسراج الغير):

- ‌(سؤال)على الاستدلال بالحديث:

- ‌(تنبيه)قال التبريزى: (النفع هو الزيادة من الوجه الموافق للمصلحة

- ‌المسألة الثانيةفي استصحاب الحال

- ‌(سؤال)

- ‌(تنبيه)قال التبريزى: (الاستصحاب ينقسم إلى:

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (في الاستصحاب مذهب ثالث، وهو الترجيح به دون كونه دليلاً)

- ‌(فرع)قال في (المحصول): (النافي لا دليل عليه):

- ‌المسألة الثالثةفي الاستحسان

- ‌ القرافي: قال النقشواني: أما ترتيبه كما ذكره أبو الحسين، ففيه نظر

- ‌(تنبيه)قال التبريزي: الكلام في صحة الاستحسان وفساده ينبني على فهم حقيقته

- ‌المسألة الرابعةقال الرازي: الحق أن قول الصحابي ليس بحجة، وقال قوم: إنه حجة مطلقًا

- ‌ القرافي: قوله: (أمر الله -تعالى -بالاعتبار، وذلك ينافى التقليد):

- ‌(فائدة)قال سيف الدين: (اتفقوا على أن مذهب الصحابي -في مسائل الاجتهاد -لا يكون حجة على غيره من الصحابة المجتهدين

- ‌(فائدة)قال الشيخ موفق الدين الحنبلي في كتاب (الروضة): (إذا اختلف الصحابة على قولين، لم يجز للمجتهد الأخذ بقول بعضهم من غير دليل

- ‌المسألة الخامسةقال الرازي: اختلفوا في أنه، هل يجوز أن يقول الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم أو للعالم: (احكم، فإنك لا تحكم إلا بالصواب

- ‌(فائدة)قال أبو يعلى الحنبلي في (العمدة): هذه المسألة مبنية على أنه عليه السلام هل له أن يجتهد أم لا

- ‌المسألة السادسةمذهب الشافعي رضي الله عنه: أنه يجوز الاعتماد في إثبات الأحكام على الأخذ بأقل ما قيل

- ‌(فائدة)قال القاضي عبد الوهاب المالكي في (الملخص): (صورة هذه المسألة أن يجني رجل على سلعة، فيختلف المقومون في تقويمها

- ‌المسألة السابعةقال الرازي: قال قوم: يجب على المكلف الأخذ بأخف القولين؛ للنص والمعقول:

- ‌المسألة الثامنةالاستقراء المظنون: هو إثبات الحكم في كلى؛ لثبوته في بعض جزئياته

- ‌(سؤال)الاستدلال على عدم وجوب الوتر بكونه صلى الله عليه وسلم كان يؤديه على الراحلة مشكل

- ‌المسألة التاسعةفي المصالح المرسلة

- ‌(سؤال)قال بعض علماء العصر: إذا قلتم بالمصلحة المرسلة، فكيف تصنعون في العمومات، والأدلة

- ‌(سؤال)ما الفرق بين المصلحة المرسلة، والاستحسان

- ‌المسألة العاشرةالاستدلال بعدم ما يدل على الحكم؛ على عدم الحكم - طريقة عول عليها بعض الفقهاء

- ‌المسألة الحادية عشرةفي تقرير وجوهٍ من الأدلة التي يمكنالتمسك بها في المسائل الفقهية

- ‌ القرافي: قوفه: (المحكوم عليه كان معدومًا في الأزل، فلا يكون الحكم ثابتًا في الأزل؛ لأن ثبوت الحكم صفة الله - تعالى - وكلامه النفسي القديم

- ‌(تنبيه)قال التبريزي: (الحكم الشرعي لابد له من دليل شرعي، وهو قول الشارع

الفصل: ‌المسألة الثانيةفي استصحاب الحال

‌المسألة الثانية

في استصحاب الحال

المختار عندنا: أنه حجة، وهو قول المزني وأبى بكر الصيرفي من فقهائنا؛ خلافًا للجمهور من الحنفية والمتكلمين.

ص: 4002

لنا: أن العلم بتحقق أمر في الحال يقتضى ظن بقائه في الاستقبال، والعمل بالظن واجب، ولا معنى لكونه حجة إلا ذلك؛ إنما قلنا:(إن العلم بتحقق أمر في الحال يقتضى ظن بقائه في الاستقبال) لأن الباقي مستغن عن المؤثر، والحادث مفتقر إليه، والمستغنى عن المؤثر راجح الوجود بالنسبة إلى المفتقر إليه.

إنما قلنا: (إن الباقي مستغن عن المؤثر) لأنا لو فرضنا له مؤثرًا، فذلك المؤثر: إما أن يقال إنه: صدر عنه أثر، أو ما صدر عنه أثر:

والثاني محال؛ لأن فرض المؤثر بدون الأثر متناقض.

وأما الأول، فأثره: إما أن يكون شيئًا، ما كان موجودًا، أو كان موجودًا، فإن قلنا: إنه ما كان موجودًا كان الأثر حادثًا، لا باقيًا، وإن قلنا: إنه كان موجودًا كان ذلك تحصيلاً للحاصل؛ وهو محال؛ فثبت أن الباقي مستغن عن المؤثر.

ص: 4003

وإنما قلنا: (إن الحادث مفتقر إليه) لأن إجماع المسلمين، بل إجماع جمهور العقلاء منعقد عليه، والاستقصاء فيه مذكور في كتابنا المسمى بـ (الخلق والبعث).

وإنما قلنا: (إن المستغنى عن المؤثر راجح بالنسبة إلى المفتقر إليه) لوجهين:

الأول: وهو أن المستغنى عن المؤثر لابد أن يكون الوجود به أولى؛ إذ لو كان الوجود مساويًا للعدم، لاستحال الرجحان إلا بمنفصل، وكان يلزم افتقاره إلى المؤثر؛ لكنا فرضناه مستغنيًا عنه؛ هذا خلف.

فإذن: وجود الباقي راجح على عدمه، وأما الحادث، فليس أحد طرفيه راجحًا على الآخر؛ إذ لو كان راجحًا، لاستحال افتقاره إلى المرجح، وإلا لكان ذلك المرجح مرجحًا لما هو في نفسه مترجح؛ فكان ذلك تحصيلاً للحاصل؛ وهو محال.

فثبت أن الباقي أولى بالوجود، وأن الحادث ليس أولى بالوجود، ولا معنى لظن وجوده إلا اعتقاد أن وجوده أولى؛ فثبت أن الباقي راجح الوجود؛ بالنسبة إلى الحادث.

الثاني: وهو أن الباقي لا يعدم إلا عند وجود المانع، والمفتقر إلى المؤثر كما يعدم عند وجود المانع، فقد يعدم أيضًا عند عدم المقتضى، وما لا يعدم إلا بطريق واحد، يكون أولى بالوجود مما يعدم بطريقين، ولا معنى للظن إلا اعتقاد أنه أولى بالوجود.

وإنما قلنا: (إن العمل بالظن واجب) لقوله عليه الصلاة والسلام -: (نحن نحكم بالظاهر).

ص: 4004

ولأنه لو لم يجب، لزم جواز ترجيح المرجوح على الراجح، وإنه غير جائز في بديهة العقل، ولأن العمل بالقياس، وخبر الواحد، والشهادة، والفتوى، وسائر الظنون المعتبرة؛ إنما وجب ترجيحًا للأقوى على الأضعف.

وهذا المعنى قائم هاهنا؛ فيلزم ثبوت الحكم هاهنا أيضًا، وهو وجوب العمل به.

فإن قيل: (لا نسلم أن العلم بتحقق أمر في الحال يقتضى ظن بقائه في الاستقبال):

قوله: (لأن الباقي مستغن عن المؤثر):

'ن عنيتم به: أن كونه: باقيًا مستغن عن المؤثر، فهذا ممنوع.

وأيضًا: فهو مناقض لقولكم: _الحادث مفتقر إلى المؤثر؛ لأن كونه باقيًا، لم يكن حاصلاً حال حدوثه، ثم حصل بعد أن لم يكن؛ فيكون حادثًا، وأنتم قد اعترفتم أن الحادث لابد له من مؤثر.

وإن عنيتم بقولكم: (الباقي مستغن عن المؤثر) شيئًا آخر، فبينوه؛ لننظر فيه، نزلنا عن الاستفسار؛ فلم لا يجوز أن يقال: الباقي له مؤثر؛ ولذلك المؤثر أثر؟.

قوله: (ذلك الأثر: إما أن يكون شيئًا، ما كان حاصلاً، أو كان حاصلاً):

قلنا: لم لا يجوز أن يقال: ما كان حاصلاً؟ وذلك لأنه لا معنى لبقائه إلا حصوله في هذا الزمان بعد أن كان حاصلاً في زمان آخر قبله؛ لكن حصوله في هذا الزمان ما كان حاصلاً قبل حصول هذا الزمان؛ فإذن: كونه باقيًا أمر حادث، فأثر المبقى هو ذلك الأثر.

ص: 4005

فإن قلت: (فعلى هذا التقدير: يكون أثر المبقى أمرًا حادثًا؛ فلا يكون مبقيًا، بل محدثًا):

قلت: مرادنا من قولنا: (الباقي يفتقر إلى المبقى): أن حصوله في الزمان الثاني لابد فيه من شيء آخر، وقد ثبت أنه لا يكون باقيًا ما لم يحصل في الزمان الثاني، وحصوله في الزمان الثاني مفتقر إلى مؤثر؛ فإذن: يمتنع أن يصدق عليه كونه باقيًا إلا لمؤثر.

فيعد ذلك البحث عن الواقع بذلك المؤثر، وكونه أمرًا مستمرًا، أو جديدًا -بحثًا عن شيء خارج عن المقصود.

سلمنا فساد هذا القسم؛ فلم لا يجوز أن يقال: (أثره شيء كان حاصلاً؟):

قوله: (تحصيل الحاصل محال):

قلنا: إن عنيت بتحصيل الحاصل: أن يجعل عين الشيء الذي كان موجودًا في الزمان الأول حادثًا في الزمان الثاني؛ فلا نزاع في أن ذلك محال؛ لكن لم قلت: إن إسناد الباقي إلى المؤثر يوجب ذلك؟ وإن عنيت به: أن الوجود الذي صدق عليه في الزمان الأول: أنه إنما ترجح لهذا المؤثر صدق عليه في الزمان الثاني أيضًا: أنه ترجح لهذا المؤثر؛ فلم قلت: إن ذلك محال؟.

سلمنا أن ما ذكرتموه يدل على استغناء الشيء حال بقائه عن المؤثر؛ لكن هاهنا ما يعارضه، وذلك لأن هذا الباقي كان بقاؤه ممكنًا، وكل ممكن، فله مؤثر؛ فالباقي حال بقائه له مؤثر.

وإنما قلنا: (إنه ممكن) لأنه في زمان حدوثه ممكن، وإلا لم يفتقر إلى

ص: 4006

المؤثر، وإمكانه من لوازم ماهيته، وما كان من لوازم الماهية، فهو واجب الحصول في جميع زمان تحقق الماهية، فكان الإمكان حاصلاً في زمان البقاء؛ وإنما قلنا: إن الممكن مفتقر إلى المؤثر؛ لأن الممكن قد استوي طرفاه، وما كان كذلك، افتقر إلى المرجح.

فإن قلت: لم لا يجوز أن يقال: (الإمكان إنما يحوج إلى المقتضى؛ بشرط الحدوث، وهذا الشرط فائت في زمان البقاء؛ فلا يتحقق الافتقار؟):

قلت: لا يجوز جعل الحدوث مؤثرًا في تحقق الاحتياج؛ لأن الحدوث عبارة عن مسبوقية وجود الشيء بالعدم، ومسبوقية الوجود بالعدم صفة ونعت له، وصفة الشيء متوقفة على الشيء، فالحدوث متوقف على الوجود المتأخر عن التأثير المؤثر فيه، المتأخر عن احتياج المؤثر إليه، المتأخر عن علة احتياجه إليه، فلو كان الحدوث مؤثرًا في ذلك الاحتياج: إما بأن يكون علة، أو جزء علة، أو شرط علة -لزم الدور؛ وهو محال.

سلمنا استغناء الباقي عن المؤثر، وافتقار الحادث إليه؛ قلم قلت:(إن المستغنى راجح عن المفتقر؟):

قوله في الوجه الأول: (إن الباقي أولى بالوجود، والحادث ليس أولى، ولا معنى للظن إلا اعتقاد أنه أولى):

قلنا: إن عنيت بهذه الأولوية: أن العم عليه ممتنع، فهذا باطل؛ لأن هذا الباقي يقبل العدم، وإن عنيت به أمرًا آخر فلابد من بيانه.

فإن قلت: (المراد منها درجة متوسطة بين الاستواء، الذي هو مسمى الإمكان، والتعيين المانع من النقيض الذي هو مسمى الضرر):

ص: 4007

قلت: هذا محال؛ لأن مع ذلك القدر من الأولوية، إن امتنع النقيض، فهو الضرورة؛ وقد فرضنا أنه ليس كذلك.

وإن لم يمتنع، فمع ذلك القدر من لأولوية يصح عليه الوجود تارة، والعدم أخرى، فحصول أحدهما بدلاً عن الآخر: إن توقف على انضمام قيد إليه لم يكن الحاصل قبله كافيًا في تحقق الأولوية، وإن لم يتوقف، كانت نسبة ذلك القدر من الأولوية إلى طرفي الوجود والعدم؛ على السوية، فترجيح أحدهما على الآخر، لا لمرجح زائد -يكون ترجيحًا لأحد طرفي الممكن على الآخر، لا لمرجح؛ وهو محال.

وأما الوجه الثاني: فغاية ما في الباب: أنه يمكن تحقق عدم الحادث بطريقين، ولا يمكن تحقق عدم الباقي إلا بطريق واحد؛ فلم قلت: إن هذا القدر يقتضى أن يكون الباقي راجحًا في الوجود على الحادث؟.

سلمنا أن ما ذكرتموه يقتضى رجحان الباقي على الحادث من ذلك الوجه؛ لكنه يقتضى عدم الرجحان من وجه آخر.

بيانه: أن الباقي لا يصدق عليه كونه باقيًا، إلا إذا حصل في الزمان الثاني، فحصوله في الزمان الثاني أمر حادث، فإذا لم يكن وجود الحادث راجحًا، فالمتوقف على ما لا يكون راجح الوجود، لم يكن هو أيضًا راجح الوجود؛ فيلزم ألا يكون الباقي راجح الوجود.

سلمنا أن الباقي راجح الوجود؛ ولكن ما لم يتحقق كونه باقيًا، لا يتحقق كونه راجح الوجود، وهو إنما يصدق عليه كونه باقيًا، إذا حصل في الزمان الثاني، فالحاصل أنا ما لم نعرف وجوده في الزمان الثاني، لا نعرف كونه

ص: 4008

راجح الوجود، وأنتم جعلتم رجحان وجوده دليلاً على وجوده في الزمان الثاني؛ فيكون دورًا.

سلمنا أن الباقي راجح في الوجود الخارجي على الحادث؛ فلم قلت: يجب أن يكون راجحًا عليه في الظن؟ ولابد لهذا من دليل.

سلمنا حصول هذا الظن وأن العمل به واجب؛ ولكنه معارض بدليل آخر يمنع من التمسك بالاستصحاب، وهو أن من سوى بين الوقتين في الحكم: فإما أن يقال: إنما سوى بينهما؛ لاشتراكهما فيما يقتضي ذلك الحكم، أو ليس الأمر كذلك:

فإن كان الأول: فهو قياس، وإن كان الثاني: كان ذلك تسوية بين الوقتين، في الحكم، من غير دليل؛ وإنه باطل بالإجماع.

والجواب: قوله: (ما المراد من قولكم: (الباقي مستغن عن المؤثر؟):

قلنا: لاشك في أن الباقي: هو الذي حصل في زمان، بعد أن كان بعينه حاصلاً في زمان آخر قبله، وهذا يقتضي أن تكون الذات الحاصلة في هذا الزمان عين الذات الحاصلة في ذلك الزمان الآخر.

إذا ثبت هذا، فنقول: هذه الذات التي صدق عليها أنها حصلت بعينها في الزمانين: إما أن يقال: حصل فيها في الزمان الثاني أمر لم يكن حاصلاً في الزمان الأول، أو لم يحصل.

فإن كان الأول: كان الأمر المتجدد متغايرًا للذات الباقية؛ فيكون الباقي في الحقيقة هو الذات، لا هذه الكيفية المتجددة، فنحن ندعى أن ذلك الشيء الذي

ص: 4009

هو الباقي يستحيل إسناده إلى المؤثر، حال بقائه؛ وعلى هذا التقدير: لا يكون إسناد تلك الكيفية المتجددة قادحًا في قولنا: (الباقي غير مستند إلى المؤثر؛ لأن أحدهما غير الآخر).

وإن قلنا: إنه لم يحدث في الزمان الثاني أمر متجدد؛ بل الحاصل في الزمان الثاني ليس إلا الذات التي كانت حاصلة في الزمان الأول -فعلى هذا التقدير بطل قولهم: (إن كونه باقيًا كيفية حادثة، وإنها مفتقرة إلى المؤثر).

فثبت: أن على التقديرين السؤال ساقط.

قوله: (حصوله في الزمان الثاني كيفية زائدة على الذات، وهي مفتقرة إلى المؤثر):

قلنا: هذا باطل، وبتقدير ثبوته فهو غير قادح في دليلنا: أما أنه باطل؛ فلأن حصوله في الزمان الثاني، لو كان كيفية زائدة على الذات، لكان حصول ذلك الزائد في ذلك الزمان كيفية أخرى؛ فلزم التسلسل؛ وهو محال.

ولأن العدم قد يصدق عليه أنه باق، فلو كان تحققه في الزمان الثاني كيفية ثبوته، لزم قيام الصفة الموجودة بالموصوف الذي ونفى محض؛ وإنه محال، وأما أن بتقدير ثبوته، فالمقصود حاصل؛ فذلك لأن حصوله في الزمان الثاني، لما كان أمرًا حادثًا، كان إسناده إلى المؤثر إسنادًا للحادث إلى المؤثر، لا إسنادًا للباقي؛ وكلامنا ليس إلا في لباقي.

قوله: (ما الذي تعنى بتحصيل الحاصل؟):

قلنا: نعنى به أن الشيء الذي حكم العقل عليه بأنه كان حاصلاً قبل ذلك

ص: 4010

يحكم عليه بأن حصوله الآن لأجل هذا الشيء، وهذا محال بالبديهة؛ لأنه لما كان حاصلاً قبل ذلك، فلو أعطاه الآن هذا المؤثر حصولاً، لكان قد حصل نفس ما كن حاصلاً؛ وإنه محال.

قوله: (الباقي حل بقائه ممكن، والممكن مفتقر):

قلنا: لا نسلم أن الممكن؛ إنما يفتقر إلى المؤثر بشرط كونه حادثًا.

قوله: الحدوث متأخر):

قلنا: لا نريد به أن كونه حادثًا -للافتقار؛ بل نريد به أن كونه بحيث لو وقع بالمؤثر، لكان حادثًا؛ بشرط افتقار الأثر إلى المؤثر، وكونه بهذه الصفة أمر متقدم.

قوله: (ما المراد من الأولوية):

قلنا: درجة متوسطة بين التساوي والتعيين المانع من النقيض.

قوله: (هذا محال؛ لأنه يقتضى ترجيح أحد المتساويين على الآخر، لا لمرجح):

قلنا: لا نسلم أن ذلك ممتنع مطلقًا؛ بل ذلك إنما يمتنع بشرط الحدوث.

قوله على الوجه الثاني: (لم قلت: (إنه لما أمكن حصول عم الحادث بطريقين، وعدم الباقي لا يحصل إلا بطريق -كان وجود الحادث مرجوحًا):

قلنا: لأن عدم حصول الحادث أكثر من عدم الباقي؛ لأنه يصدق على ما لا نهاية له: أنه لم يحدث، وأما عدم الباقي بعد حدوثه، فمشروط بوجوده، فإذا كان الوجود متناهيًا، كان العدم بعد الوجود متناهيًا، وإذا كان عدم حدوث

ص: 4011

الحادث أكثر من عم الباقي بعد وجوده، والكثرة موجبة للظن -ثبت أن عدم حدوث الحادث غالب على عدم الشيء، ولا معنى للظن إلا ذلك.

واعلم: أنه يمكن الاستدلال بهذه النكتة ابتداء.

قوله: (كونه باقيًا يتوقف على حدوث حصوله في الزمان الثاني، فكونه باقيًا يتوقف على الحدوث الذي ليس براجح، والموقوف على ما لا يكون راجحًا ليس براجح):

قلنا: هذا إنما يلزم لو كان حصوله في الزمان الثاني كيفية وجودية؛ وقد دللنا على أن ذلك محال؛ لأنه يوجب التسلسل، ثم إن سلمنا صحة ذلك، لكنا نقول: لما ثبت أن الحدوث مرجوح، فالذات إذا كانت حاثة، فهناك أمران حادثان: أحدهما: الذات، والآخر: حصول الذات في ذلك الزمان.

وأما إذا كانت الذات باقية، الحادث أمر واحد؛ وهو حصوله في ذلك الزمان، أما الذات، فهي ليست بحادثة في نفسها؛ فإذن: الحادث مرجوح من وجهين، والباقي من وجه واحد؛ فوجب أن يكون الباقي راجحًا على الحادث من هذا الوجه.

قوله: (ما لم يعرف كونه باقيًا، لا يثبت رجحانه):

قلنا: لا حاجة إلى ذلك؛ بل نقل: هذا الذي وج لا يمتنع عقلاً أن يوجد في الزمان الثاني، وأن يعدم، لكن احتمال الوجود راجح على احتمال العدم من الوجه الذي ذكرناه؛ فالعالم بوجوده في الحال يقتضي اعتقاد رجحان وجوده على عدمه قي ثاني الحال.

ص: 4012

فإذن: العلم بالأولوية مستفاد من العلم بوجوده في الحال، وعلى هذا التقدير: يسقط الدور.

قوله: (هب أنت الباقي راجح على الحادث في الوجود الخارجي؛ فلم قلت: (يجب أن يكون راجحًا عليه في الذهن؟):

قلنا: لأن الاعتبار الذهني مطابق للاعتبار الخارجي، وإلا كان جهلاً.

قوله: (التسوية بين الزمانين، إن لم يكن بالقياس، كان ذلك تسوية بين الزمانين من غير دليل):

قلنا: القياس دليل واحد من أدلة الشرع، وليس يلزم من عدم دليل معين عدم الدليل بالكلية، بل نحن سوينا بين الزمانين في الحكم؛ بناًء على ما ذكرنا من أن العلم بثبوته في الحال يقتضي ظن ثبوته على ذلك الوجه في الزمان الثاني، والعمل بالظن واجب.

واعلم أن القول باستصحاب الحال أمر لابد منه في الدين، والشرع، والعرف.

أما في الدين: فلأنه ل يتم الدين إلا بالاعتراف بالنبوة، ولا سبيل إليه إلا بواسطة المعجزة، ولا معنى للمعجزة إلا فعل خارق للعادة، ولا يحصل فعل خارق للعادة إلا عند تقرر العادة، ولا معنى للعادة إلا أن العلم بوقوعه على وجه مخصوص في الحال، يقتضى اعتقاد أنه لو وقع، لما وقع إلا على ذلك الوجه؛ وهذا عين الاستصحاب.

وأما في الشرع: فلأنا إذا عرفنا أن الشرع تعبدنا بالإجماع، أو بالقياس، أو بحكم من الأحكام -فلا يمكننا العمل به إلا إذا علمنا، أو ظننا عدم طريان الناسخ.

ص: 4013

فإن علمنا ذلك بلفظ آخر، افتقرنا فيه إلى اعتقاد عدم النسخ أيضًا، فإن كان ذلك بلفظ آخر أيضًا، تسلسل إلى غير النهاية؛ وهو محال؛ فلابد أن ينتهي آخر الأمر إلى التمسك بالاستصحاب؛ وهو أن علمنا بثبوته في الحال يقتضي ظن وجوده في الزمان الثاني.

وأيضًا: فالفقهاء بأسرهم، على كثرة اختلافهم اتفقوا على أنا متى تيقنا حصول شيء، وشككنا في حدوث المزيل -أخذنا بالمتيقن؛ وهذا عين الاستصحاب؛ لأنهم رجحوا بقاء الباقي على حدوث الحادث.

وأما العرف: فلأن من خرج من داره، وترك أولاده فيها على حالة مخصوصة، كان اعتقاده لبقائهم على تلك الحالة التي تركهم عليها -راجحًا على اعتقاده لتغير. تلك الحالة، ومن غاب عن بلده، فإنه يكتب إلى أحبابه وأصدقائه عادة في الأمور التي كانت موجودة حال حضوره؛ وما ذاك إلا لأن اعتقاده في بقاء تلك الأمور راجح على اعتقاده في تغيرها، بل لو تأملنا، لقطعنا بأن أكثر مصالح العالم، ومعاملات الخلق مبنى على القول بالاستصحاب.

فرع:

من قال: (النافي لا دليل عليه): إن أراد: أن العلم بذلك العدم الأصلي يوجب ظن دوامه في المستقبل، فهذا حق؛ كما بيناه.

وإن أراد به غيره، فهو باطل؛ لأن العلم بالنفي، أو الظن به -لا يحصل إلا لمؤثر.

المسألة الثانية في الاستصحاب

قال القرافى: الاستصحاب استفعال، وأصل لطلب الفعل، كالاستسقاء لطلب السقي، والاستفهام لطلب الفهم.

ص: 4014

فالاستصحاب: لطلب الصحبة، فما في الماضي يطلب صحبته في الحال، وما في الحال يطلب صحبته في الاستقبال، حتى يدل دليل على رفعه.

قوله: (لو لم يجب لزم جواز ترجيح المرجوح على الراجح):

قلنا: لا نسلم؛ فإنه قد لا يتعين الراجح، ولا يجوز ترجيح المرجوح عليه، بل يلغيان معًا، كما في الشاهد العدل، إذا لم تستقل الحجة به؛ فإنا لا نحكم بموجب صدقه، ولا بكذبه، فألغينا الراجح والمرجوح معًا.

وكذلك كل ظاهر ألغاه الشارع عنه: شهادة النسوان، والصبيان، والكفار، والفساق.

قوله: (العمل بخبر الواحد، ونحوه إنما وجب؛ لكونه ترجيحًا للأقوى على الأضعف، وهذا المعنى قائم هاهنا):

قلنا: لا نسلم، بل بخصوص تلك الرتبة من الظن؛ صونًا للمدرك الشرعي عن النقض؛ فإنه لو كان مطلق الراجح، أو الظن مدركًا شرعيًا -لزم انتفاضه بجميع هذه الوجوه المتقدمة، وغيرها.

أما إذا قلنا: الشرع إنما اعتبر مراتب خاصة لم يلزم انتفاضها، فكان أولى.

قوله: (إن كون الباقي مستغنيًا عن المؤثر مناقض لقولكم: الحادث مفتقر للمؤثر؛ لأن البقاء حادث):

قلنا: لا ينتقض؛ لأنا لا نعنى باحتياج الحادث للمؤثر الحادث الوجودي بالأزمان، والاقتران نسبة وإضافة بين الوجود والأزمنة، والنسبة عدمية، لا وجود لها في الأعيان.

وما لا وجود له في الأعيان لا يفتقر إلى مؤثر؛ فإن المؤثر لابد له من أثر في الخارج.

ص: 4015

ولهذه القاعدة قال المتكلمون: (لله -تعالى -باق بلا بقاء، وإن كان عالمًا بعلم؛ أي: ليس البقاء زائدًا على الذات في الخارج.

وعلى هذا التقدير لا نقض.

واتضح قولنا: الباقي مستغن عن المؤثر، واندفع قول السائل: إن عنيتم بأن الباقي مستغنٍ عن المؤثر شيئًا آخر، فبينوه، وقد بيناه.

ويمكن أن يقال: المؤثر يحتاج إليه الباقي من وجه آخر لا من جهة كونه باقيًا، كما نقول الأعراض شرط في بقاء الجواهر، والأعراض لا تبقى زمانين، فيفتقر بقاء الجواهر لمؤثر يؤثر في تجدد الأعراض، حتى يحصل شرط بقائها، فتبقى، وهذا وجه وجودي يصح إسناده إلى المؤثر، يتوقف عليه الباقي، ويصدق بطريقه أن الباقي مفتقر إلى المؤثر من حيث الجملة.

فهذا هو روح البحث في هذه النكتة، فخرج بقيتها عليه.

قوله: (الباقي كان ممكنًا، والإمكان لازم له، فكل ممكن مفتقر للمؤثر):

قلنا: كل ممكن مفتقر إلى المؤثر، معناه: أن الاستواء في الوجود والعدم، من ضرورته ألا يترجح أحد طرفه إلا لمرجح، والإمكان ثابت حالة البقاء، وكن الرجحان يفتقر إلى المؤثر حاصل؛ لأن الطرف الراجح حالة البقاء الذي هو الوجود لم يكن إلا لمؤثر رجحه، لكن ترجيحه كان حالة الحدوث، واستمر ذلك الحكم.

وإنما يلزم ما قاله الخصم أن لو صدق أن كل ممكن مفتقر؛ ليحصل الترجيح من المؤثر في كل زمان صدق فيه الإمكان، حتى يلزم دوام التأثير بدوام الأثر، ونحن نمنع ذلك.

بل نقول: الإمكان إنما يقتضى أن الترجيح لا يحصل إلا بمرجح مؤثر في الوجود إن كان الراجح هو الوجود، أو بمرجح مؤثر إن كان الراجح هو

ص: 4016

العدم، بأن يكون ذلك المرجح هو الإدارة، فاللام للإمكان أصل الترجيح لا دوامه، فإذا حصل أصله صدق ما هو اللازم للإمكان، أما دوام التأثير، والترجيح، فليس بلازم -عندنا -فيمنعه الخصم إذا ادعاه.

وكما نقول في الشرعيات: إن من لوازم الصلاة فعل الطهارة، والستارة، والنية، أما دوامها فلا.

ومن لوازم عصمة الدماء والأموال: الإيمان، أما أنه دائمًا نفس الإيمان في كل زمان صدقت فيه العصمة فلا.

فالشرط واللازم عقلاً وشعًا، قد يكون لازمًا لأصل الشيء، دون دوامه، وقد يكون لازمًا لهما، كالحياة شرط في أصل العلم دون دوامه.

وتقدم العدم شرط لتأثير المؤثر للفاعل المختار دون دوام أثره.

فالفاعل المختار لا يمكن أن يقصد إلى إيجاد أثره إلا حالة عدمه، فتقدم العدم شرط في أصل التأثير لا في دوام الأثر.

فالعالم مسبوق بعدمه، وذلك السبق لما صدق اكتفى بذلك، ولم يشترط دوام العدم، وكذلك الأول شرط تقدمه من حيث الجملة في التأثير، ولا يشترط أن يصدق الأزل في جملة أزمنة وجود العالم؛ بل الأزل من المحال وجوده فيما لا يزال، وكذلك الأزل شرط في الأبد، ولا يوجد الأزل مع الأبد.

ولبعثة شرط في التكاليف، ولا يشترط دوام البعثة.

والإرسال شرط في أن المكلف رسول، ثم يستمر وصف كونه رسولاً، وإنشاء الرسالة لا يتكرر، بل يقع أولاً فقط.

والتقدم شرط في التأخر، ولا يوجد مع المتأخر.

والبقاء مع المؤثر -عندنا -هكذا يشترط ابتداءًا لا دوامًا، والإمكان يحوج

ص: 4017

لهذا لابتداء فقط، وفي جميع الأزمنة ذلك الحكم الصادق، وهو أنه إنما يرجح لمرجح فيما فات لازم الإمكان.

قوله: (إن صح مع الأولوية الوجود والعدم، إن توقف إلصاق الوجود إليها إلى ضميمة، فلا يكون الحاصل أولاً هو الكافي في تحقق الأولوية):

قلنا: تحقيق القول في هذه الأولوية أن سبب الوجود محقق، فيتحقق الوجود، وذلك الوجود قابل للاندفاع بالمانع الطارئ.

فمن جهة أنه قابل للاندفاع لا يكون ضروريًا، ومن جهة أنه تحقق لتحقق سببه يكون وجوده راجحًا، فالوجود لا يتوقف حصوله على ضميمة شيء، بل العدم هو المحتاج؛ لطريان المانع.

والأولوية -أيضًا -غير محتاجة لشيء، بل هي حاصلة لتحقق سبب الوجود.

قوله: (المتوقف على ما لا يكون راجح الوجود لم يكن هو أيضًا راجح الوجود):

قلنا: لا يلزم من كون النافي متوقفًا على ما لا يكون راجح الوجود ألا يكون راجح الوجود؛ لأن ما لا يكون راجحًا في نفسه قد يفيد الرجحان لغيره، وليس من شرط إفادة الشيء لمعنى أن يكون هو موصوفًا به.

فإن المانع يفيد العدم، وهو ليس موصوفًا بالعدم في نفسه، والقذف يوجد الحد، وليس هو حدا، والردة توجب القتل، وليست قتلاً في نفسها، والقدرة القديمة تحدث الجماد، والحيوان، والنبات، وليست واحدًا منها.

فجاز أن يكون هذا الحادث الذي هو البقاء ليس راجحًا في نفسه، وهو يوجب الرجحان الباقي، ولا تناقض في ذلك.

ص: 4018

قوله: (سلمنا رجحان الباقي في نفس الأمر، فلم قلتم: إنه يجب رجحانه في الظن؟):

تقريره: أن الراجح في نفس الأمر قد لا يكون راجحًا في الظن، كما نقول: الراجح في الغيم الرطب في الشتاء الأمطار، وقد لا يظن الجاهل ذلك؛ لعدم دربته بالسحب، والغالب على العقرب الأذى، وقد يظن ذلك من لم يرها قط.

فصحت المطالبة بأن الراجح -في نفس الأمر -قد لا يكون راجحًا في الظن؛ فيحتاج ذلك لدليل.

قوله: (الباقي -في الحقيقة -الذات لا هذه الكيفية المتجددة):

قلنا: الباقي هو الذات الموصوفة بالبقاء، والبقاء هو مقارنة وجودها للزمان الثاني، فحينئذ لا يصدق الباقي على الصفة المتجددة، ولا على الذات، بل المجموع، فبطل قولكم الباقي هو الذات التي كانت في الزمان الأول.

قوله: (الحصول في الزمان لو كان كيفية لزم التسلسل):

قلنا: يشكل عليكم الحصول في الحيز؛ فإنه وجودي، وهو المسمى بالكون، وهو ينقسم إلى الحركة، والسكون، والاجتماع، والافتراق.

مع أنا يمكننا أن نقول: لو كان وجوديًا لكان حصوله في الحيز وجوديًا، ولزم التسلسل بعين ما ذكرتم، فما الفرق؟

فإن قلت: حصول الحصول غير حصول الجوهر، ومخالف له، والمختلفان لا يجب اشتراكهما في اللوازم، فجاز أن يكون حصول الجوهر وجوديًا، وحصول حصوله ليس زائدًا عليه، بل عدميًا، فلا يلزم التسلسل.

ص: 4019

قلت: هذا بعينه ينقله إلى الحصول في الزمان، ونقول: الجسم في الزمان وجودي، وحصول حصوله عدمى مخالف، والمختلفان لا يجب اشتراكهما في الزمان، وتبقى المطالبة بالفرق قائمة.

بل الفرق المحقق أن الزمان أمر خارج عن الجسم؛ لأنه قرار حادث بحادث، أو ذوات الأملاك على ما تقرر في موضعه، فالنسبة بينه وبين الجوهر إضافة لأمر خارج، نحو: كون الجسم تحت السماء، أو محاذيًا للجبل، ونحو ذلك، والنسب والإضافات عدمية، أما حلول الجسم في الحيز، فهو شيء دون نسبته، لا أنه نسبة.

والفرق بينهما: أن العلم، والإرادة، وأنواع الإدراكات أمور ذوات نسبة لا تضاف إلى متعلقاتها المخصوصة، وتلك الإضافة نسبة، والإدراكات وجودية بالضرورة.

والنسبة الصرفة مثل البنوة، والتقدم، والتأخر، فهي نسب صرفة، ونحن نقطع بالضرورة أن الحركة وجودية.

إنما الوهم، والخلاف في السكون، هل هو وجودي، أو عدم الحركة؟ ولا معنى للحركة إلا مجموع حصولين في حيزين، فلو كان الحصول في الحيز عدميًا كانت الحركة عدمية صرفية، وهو خلاف الضرورة، ولذلك نحملها على المعدوم، والمستحيل، والعدم لا يستحيل أن يكون صفة للعدم، ومروج الفرق يرجع إلى الفرق بين النسبة، وبين الأمر الذي هو ذو نسبة، وقد اتضح الجمع، فاندفع السؤال.

قوله: (الاعتبار الذهني مطابق للاعتبار الخارجي، وإلا كان جهلاً): قلنا: لا يضره ذلك؛ لأنه غير قابل به، وخصمه عنده حاصل في القول، والاستصحاب.

(سؤال)

على قوله: (الحادث مفتقر للمؤثر) -أن نقول: الحادث مستغن عن

ص: 4020