الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سُورَةُ الَّليْل
(1)
(خ م)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ:(كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ (2)" فَأَتَانَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَعَدَ " وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ، " وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ (3) فَنَكَّسَ (4) فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ (5) ثُمَّ قَالَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ) (6)(إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنْ الْجَنَّةِ ، وَمَقْعَدُهُ مِنْ النَّارِ ")(7)(فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ ، أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟)(8)(فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ ، فَسَيَصِيرُ إِلَى السَّعَادَةِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى الشَّقَاوَةِ (9) فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " بَلْ اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ (10) أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ ، فَإِنَّهُ يُيَسَّرُ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ ، فَإِنَّهُ يُيَسَّرُ لِعَمَلِ الشَّقَاوَةِ (11) ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى (12) وَاتَّقَى (13) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (14) فَسَنُيَسِّرُهُ (15) لِلْيُسْرَى (16) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ (17) وَاسْتَغْنَى (18) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (19) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (20)} (21) ") (22)
الشرح (23)
(1)[الليل/5 - 10]
(2)
الْبَقِيع: مَقْبَرَة الْمُسْلِمِينَ بالمدينة.
(3)
المِخْصَرَة: عَصًا أَوْ قَضِيبٌ ، يُمْسِكهُ الرَّئِيسُ لِيَتَوَكَّأَ عَلَيْهِ ، وَيَدْفَعَ بِهِ عَنْهُ ، وَيُشِيرَ بِهِ لِمَا يُرِيدُ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُحْمَلُ تَحْتَ الْخِصْرِ غَالِبًا لِلِاتِّكَاءِ عَلَيْهَا. (فتح) - (ج 18 / ص 449)
(4)
أَيْ: خَفَضَ رَأسَهُ وَطَأطَأَ إِلَى الْأَرْضِ عَلَى هَيْئَة الْمَهْمُوم. النووي (8/ 494)
(5)
أَيْ: يَضْرِبُ الْأَرْضَ بِطَرَفِهِ ، فِعْلَ الْمُتَفَكِّرِ فِي شَيْءٍ مُهِمٍّ. تحفة (8/ 228)
(6)
(خ) 1296
(7)
(خ) 4661
(8)
(خ) 1296
(9)
أَيْ: أَلَّا نَتْرُكُ مَشَقَّةَ الْعَمَلِ؟ ، فَإِنَّا سَنُصَيَّرُ إِلَى مَا قُدِّرَ عَلَيْنَا. عون (10/ 214)
(10)
أَيْ: لِمَا خُلِقَ لَهُ. عون المعبود - (ج 10 / ص 214)
(11)
قَالَ الطِّيبِيُّ: الْجَوَابُ مِنْ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيم ، فَمَنَعَهُمْ عَنْ تَرْكِ الْعَمَلِ ، وَأَمَرَهُمْ بِالْتِزَامِ مَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ الْعُبُودِيَّة ، وَزَجَرَهُمْ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الْأُمُورِ الْمُغَيَّبَةِ ، فَلَا يَجْعَلُوا الْعِبَادَةَ وَتَرْكَهَا سَبَبًا مُسْتَقِلًّا لِدُخُولِ الْجَنَّة وَالنَّار ، بَلْ هِيَ عَلَامَاتٌ فَقَطْ. عون المعبود - (ج 10 / ص 214)
(12)
أَيْ: حَقَّ اللهِ ، وَبَذْلَ مَالَهُ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ. تحفة الأحوذي (ج 8 / ص 228)
(13)
أَيْ: اتقَى اللهَ ، فَاجْتَنَبَ مَحَارِمَهُ. تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 228)
(14)
أَيْ: صَدَّقَ بِالْجَنَّةِ، وَقِيلَ: صَدَّقَ بِمَوْعِدِ اللهِ الَّذِي وَعَدَهُ أَنْ يُثِيبَهُ. تحفة (8/ 228)
(15)
أَيْ: نُهَيِّئُهُ فِي الدُّنْيَا. تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 228)
(16)
أَيْ: لِلْخَلَّةِ الْيُسْرَى ، وَهِيَ الْعَمَلُ بِمَا يَرْضَاهُ رَبُّهُ. تحفة الأحوذي (8/ 228)
(17)
أَيْ: بِحَقِّ اللهِ. تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 228)
(18)
أَيْ: بِشَهَوَاتِ الدُّنْيَا عَنْ ثَوَابِ اللهِ تَعَالَى ، فَلَمْ يَرْغَبْ فِيهِ. تحفة (8/ 228)
(19)
أَيْ: كَذَّبَ بِمَا وَعَدَهُ اللهُ عز وجل مِنْ الْجَنَّةِ وَالثَّوَابِ. تحفة الأحوذي (8/ 228)
(20)
أَيْ: لِلْخَلَّةِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى النَّارِ ، فَتَكُونُ الطَّاعَةُ أَعْسَرَ شَيْءٍ عَلَيْهِ وَأَشَدَّ.
وَسَمَّى طَرِيقَةَ الْخَيْرِ بِالْيُسْرَى لِأَنَّ عَاقِبَتَهَا الْيُسْرُ ، وَطَرِيقَةَ الشَّرِّ بِالْعُسْرَى لِأَنَّ عَاقِبَتَهَا الْعُسْرُ. تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 228)
(21)
[الليل/5 - 10]
(22)
(حم) 1067 ، (خ) 1296 ، (م) 2647 ، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح.
(23)
فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا دَلَالَاتٌ ظَاهِرَةٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي إِثْبَاتِ الْقَدَرِ، وَأَنَّ جَمِيعَ الْوَاقِعَاتِ بِقَضَاءِ اللهِ تَعَالَى وَقَدَرِه؛ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا، وَنَفْعِهَا وَضَرِّهَا، قَالَ الله تَعَالَى:{لَا يُسْأَل عَمَّا يَفْعَل وَهُمْ يُسْأَلُونَ} فَهُوَ مُلْكٌ للهِ تَعَالَى ، يَفْعَل مَا يَشَاء، وَلَا اِعْتِرَاضَ عَلَى الْمَالِكِ فِي مُلْكِهِ، وَلِأَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا عِلَّةَ لِأَفْعَالِهِ.
قَالَ الْإِمَام أَبُو الْمُظَفَّر السَّمْعَانِيّ: سَبِيل مَعْرِفَة هَذَا الْبَاب: التَّوْقِيفُ مِنْ الْكِتَاِب وَالسُّنَّةِ ، دُونَ مَحْض الْقِيَاسِ ، وَمُجَرَّدِ الْعُقُول، فَمَنْ عَدَلَ عَنْ التَّوْقِيف فِيهِ ضَلَّ ، وَتَاهَ فِي بِحَارِ الْحَيْرَةِ، وَلَمْ يَبْلُغْ شِفَاءَ النَّفْسِ، وَلَا يَصِلُ إِلَى مَا يَطْمَئِنُّ بِهِ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّ الْقَدَرَ سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ اللهِ تَعَالَى الَّتِي ضُرِبَتْ مِنْ دُونهَا الْأَسْتَارِ، وَاخْتَصَّ اللهُ بِهِ وَحَجَبَهُ عَنْ عُقُولِ الْخَلْقِ وَمَعَارِفِهِمْ؛ لِمَا عَلِمَهُ مِنْ الْحِكْمَة ، وَوَاجِبُنَا أَنْ نَقِفَ حَيْثُ حَدَّ لَنَا، وَلَا نَتَجَاوَزَهُ، وَقَدْ طَوَى اللهُ تَعَالَى عِلْمَ الْقَدَر عَلَى الْعَالَمِ، فَلَمْ يَعْلَمْهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَلَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ.
وَقِيلَ: إِنَّ سِرّ الْقَدَرِ يَنْكَشِفُ لَهُمْ إِذَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ، وَلَا يَنْكَشِفُ قَبْل دُخُولِهَا ، وَالله أَعْلَم.
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث النَّهْيُ عَنْ تَرْكِ الْعَمَلِ وَالِاتِّكَالِ عَلَى مَا سَبَقَ بِهِ الْقَدَرُ، بَلْ تَجِبُ الْأَعْمَالُ وَالتَّكَالِيفُ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْع بِهَا، وَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ ، لَا يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِه، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْل السَّعَادَةِ ، يَسَّرَهُ الله لِعَمَلِ السَّعَادَة، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ ، يَسَّرَهُ اللهُ لِعَمَلِهِمْ ، كَمَا قَالَ:(فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَلِلْعُسْرَى)، وَكَمَا صَرَّحَتْ بِهِ هَذِهِ الْأَحَادِيث. شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 494)