الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حُكْمُ جُزْءِ الْمَصِيدِ
إِذَا رَمَى صَيْدًا فَأَبَانَ مِنْهُ عُضْوًا، وَبَقِيَ الصَّيْدُ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً يَحْرُمُ الْعُضْوُ الْمُبَانُ بِلا خِلافٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" مَا قُطِعَ مِنَ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَمَا قُطِعَ مِنْهَا فَهُوَ مَيْتَةٌ ".
أَمَّا الْمَقْطُوعُ مِنْهُ، وَهُوَ الْحَيَوَانُ الْحَيُّ، فَلا بُدَّ فِيهِ مِنْ ذَكَاةٍ، وَإِلا يَحْرُمُ - أَيْضًا - بِاتِّفَاقٍ.
وَإِذَا رَمَاهُ فَقَطَعَ رَأسَهُ، أَوْ قَدَّهُ نِصْفَيْنِ أَوْ أَثْلاثًا - وَالأَكْثَرُ مِمَّا يَلِي الْعَجُزَ - حَلَّ كُلُّهُ، لأَنَّ الْمُبَانَ مِنْهُ حَيٌّ صُورَةً لا حُكْمًا، إِذْ لا يُتَوَهَّمُ سَلامَتُهُ وَبَقَاؤُهُ حَيًّا بَعْدَ هَذِهِ الْجِرَاحَةِ، فَوَقَعَ ذَكَاةً فِي الْحَالِ فَحَلَّ كُلُّهُ. (1)
أَمَّا إِذَا قَطَعَ مِنْهُ يَدًا أَوْ رِجْلا أَوْ فَخِذًا، أَوْ نَحْوَهَا وَلَمْ تَبْقَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الآتِي:
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا قَطَعَ يَدًا أَوْ رِجْلا أَوْ فَخِذًا أَوْ ثُلُثَهُ مِمَّا يَلِي الْقَوَائِمَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الرَّأسِ يَحْرُمُ الْمُبَانُ مِنْهُ، لأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ فِي الْبَاقِي. (2)
وَلَوْ ضَرَبَ صَيْدًا فَقَطَعَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ وَلَمْ يَنْفَصِلْ، ثُمَّ مَاتَ، إِنْ كَانَ يُتَوَهَّمُ الْتِئَامُهُ وَانْدِمَالُهُ حَلَّ أَكْلُهُ، لأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ أَجْزَائِهِ، وَإِنْ كَانَ لا يُتَوَهَّمُ، بِأَنْ بَقِيَ مُتَعَلِّقًا بِجِلْدٍ حَلَّ مَا سِوَاهُ دُونَهُ، لِوُجُودِ الإِبَانَةِ مَعْنًى، وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي. (3)
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا كَانَ الْمَقْطُوعُ النِّصْفَ فَأَكْثَرَ جَازَ أَكْلُ الْجَمِيعِ، وَلَوْ قَطَعَ الْجَارِحُ دُونَ النِّصْفِ كَيَدٍ أَوْ رِجْلٍ فَهُوَ مَيْتَةٌ، وَيُؤْكَلُ مَا سِوَاهُ، إِلا أَنْ يَحْصُلَ بِالْقَطْعِ إِنْفَاذُ مَقْتَلٍ كَالرَّأسِ فَلَيْسَ بِمَيْتَةٍ فَيُؤْكَلَ كَالْبَاقِي. (4)
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ: بِأَنَّهُ لَوْ أَبَانَ مِنَ الصَّيْدِ عُضْوًا كَيَدِهِ بِجُرْحٍ مُذَفِّفٍ (أَيْ مُسْرِعٍ لِلْقَتْلِ) فَمَاتَ حَلَّ الْعُضْوُ وَالْبَدَنُ كُلُّهُ. (5)
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ: أَشْهَرُهُمَا عَنْ أَحْمَدَ إِبَاحَتُهُمَا.
قَالَ أَحْمَدُ: إِنَّمَا حَدِيثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " مَا قَطَعْتَ مِنَ الْحَيِّ مَيْتَةٌ ". إِذَا قَطَعْتَ وَهِيَ حَيَّةٌ تَمْشِي وَتَذْهَبُ، أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْبَيْنُونَةُ وَالْمَوْتُ جَمِيعًا أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ إِذَا كَانَ فِي عِلاجِ الْمَوْتِ فَلا بَأسَ بِهِ، أَلا تَرَى الَّذِي يَذْبَحُ رُبَّمَا مَكَثَ سَاعَةً، وَرُبَّمَا مَشَى حَتَّى يَمُوتَ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لا يُبَاحُ مَا بَانَ مِنْهُ، عَمَلا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ ".
وَلأَنَّ هَذِهِ الْبَيْنُونَةَ لا تَمْنَعُ بَقَاءَ الْحَيَوَانِ فِي الْعَادَةِ فَلَمْ يُبَحْ أَكْلُ الْبَائِنِ. (6)
وَهَذِهِ الشُّرُوطُ كُلُّهَا إِنَّمَا تُشْتَرَطُ فِي الْمَصِيدِ الْبَرِّيِّ، إِذَا عَقَرَتْهُ الْجَوَارِحُ أَوِ السِّلاحُ أَوْ أَنْفَذَتْ مَقَاتِلَهُ، فَإِنْ أَدْرَكَهُ حَيًّا غَيْرَ مَنْفُوذِ الْمَقَاتِلِ ذُكِّيَ، وَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ مَا يُشْتَرَطُ فِي الذَّبْحِ.
أَمَّا الْمَصِيدُ الْبَحْرِيُّ فَلا تُشْتَرَطُ فِيهِ هَذِهِ الشُّرُوطُ.
أَمَّا الْعُضْوُ الْمُبَانُ مِنَ الْحَيَوَانِ غَيْرِ مَأكُولِ اللَّحْمِ أَوْ مِنَ الْمَيْتَةِ فَهُوَ حَرَامٌ بِلا خِلافٍ.
(1) تبيين الحقائق للزيلعي 6/ 59، والقوانين الفقهية ص 183، ومغني المحتاج 4/ 270، والمغني لابن قدامة 8/ 556.
(2)
الزيلعي 6/ 59.
(3)
الزيلعي 6/ 59، 60.
(4)
القوانين الفقهية لابن جزي 183، والشرح الصغير 1/ 317.
(5)
مغني المحتاج 4/ 170.
(6)
المغني لابن قدامة 8/ 557.