الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَيْتَةُ الْبَحْر
قَالَ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} (1)
قَال الْبُخَارِيُّ ج7ص89: قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: صَيْدُهُ: مَا اصْطِيدَ ، {وَطَعَامُهُ}: مَا رَمَى بِهِ. (2)
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: الطَّافِي حَلَالٌ. (3)
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَعَامُهُ: مَيْتَتُهُ، إِلَّا مَا قَذِرْتَ مِنْهَا، وَالجِرِّيُّ (4) لَا تَأكُلُهُ اليَهُودُ، وَنَحْنُ نَأكُلُهُ.
وَقَالَ شُرَيْحٌ صَاحِبُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: كُلُّ شَيْءٍ فِي البَحْرِ مَذْبُوحٌ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: أَمَّا الطَّيْرُ ، فَأَرَى أَنْ يَذْبَحَهُ.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: صَيْدُ الأَنْهَارِ وَقِلَاتِ السَّيْلِ (5) أَصَيْدُ بَحْرٍ هُوَ؟ ، قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ تَلَا:{هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ ، وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ، وَمِنْ كُلٍّ تَأكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} (6)
وَرَكِبَ الحَسَنُ عليه السلام عَلَى سَرْجٍ مِنْ جُلُودِ كِلَابِ المَاءِ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَوْ أَنَّ أَهْلِي أَكَلُوا الضَّفَادِعَ لَأَطْعَمْتُهُم (7).
وَلَمْ يَرَ الحَسَنُ بِالسُّلَحْفَاةِ بَأسًا.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلْ مِنْ صَيْدِ البَحْرِ ، نَصْرَانِيٍّ ، أَوْ يَهُودِيٍّ ،
أَوْ مَجُوسِيٍّ. (8)
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فِي المُرِي: ذَبَحَ الخَمْرَ النِّينَانُ وَالشَّمْسُ. (9)
(1)[المائدة/96]
(2)
وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّارِيخِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. فتح5493
(3)
وَصَلَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّحَاوِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أبي بشير عَن عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ السَّمَكَةُ الطَّافِيَةُ حَلَالٌ زَادَ الطَّحَاوِيُّ لِمَنْ أَرَادَ أَكْلَهُ. فتح5493
(4)
الجِرِّي: بِفَتْح الْجِيم ، قَالَ ابن التِّينِ: وَفِي نُسْخَةٍ بِالْكَسْرِ ، وَهُوَ ضَبْطُ الصِّحَاحِ ، وَكَسْرِ الرَّاءِ الثَّقِيلَةِ ، قَالَ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا الجريت وَهُوَ مَا لَا قِشْرَ لَهُ قَالَ وَقَالَ بن حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَا أَكْرَهُهُ لِأَنَّهُ يُقَالُ أَنه من الممسوخ وَقَالَ الْأَزْهَرِي الجريت نَوْعٌ مِنَ السَّمَكِ يُشْبِهُ الْحَيَّاتِ وَقِيلَ سَمَكٌ لَا قِشْرَ لَهُ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا الْمَرْمَاهِي وَالسِّلَّوْرُ مِثْلُهُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ ضَرْبٌ مِنَ السَّمَكِ يُشْبِهُ الْحَيَّاتِ وَقَالَ غَيْرُهُ نَوْعٌ عَرِيضُ الْوَسَطِ دَقِيقُ الطَّرَفَيْنِ. فتح5493
(5)
قِلَاتٌ بِكَسْرِ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَآخِرُهُ مُثَنَّاةٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ مُثَلَّثَةٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ جَمْعُ قَلْتٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِثْلُ بَحْرٍ وَبِحَارٍ هُوَ النُّقْرَةُ فِي الصَّخْرَةِ يَسْتَنْقِعُ فِيهَا الْمَاءُ. فتح5493
(6)
[فاطر: 12]
(7)
قَالَ بن التِّينِ لَمْ يُبَيِّنِ الشَّعْبِيُّ هَلْ تُذَكَّى أَمْ لَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهَا تُؤْكَلُ بِغَيْرِ تَذْكِيَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ مَا مَأوَاهُ الْمَاءُ وَغَيْرِهِ وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ لَا بُدَّ مِنَ التَّذْكِيَةِ. فتح5493
(8)
وَهَذَا التَّعْلِيقُ وَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ كُلْ مَا أَلْقَى الْبَحْرُ وَمَا صِيدَ مِنْهُ صَادَهُ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَو مَجُوسِيّ ، قَالَ بن التِّينِ مَفْهُومُهُ أَنَّ صَيْدَ الْبَحْرِ لَا يُؤْكَلُ إِنْ صَادَهُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ قوم. فتح5493
(9)
قَالَ الْحَرْبِيُّ هَذَا مُرْيٌ يُعْمَلُ بِالشَّامِ يُؤْخَذُ الْخَمْرُ فَيُجْعَلُ فِيهِ الْمِلْحُ وَالسَّمَكُ وَيُوضَعُ فِي الشَّمْسِ فَيَتَغَيَّرُ عَنْ طَعْمِ الْخَمْرِ ، وَالنِّينَانُ: جَمْعُ نُونٍ وَهُوَ الْحُوتُ.
ومعنى قوله: أن الشمس طهَّرت الخمر ، وأذهبت خواصها ، وكذلك السمك والملح ، أزالا شدتها ، وأثَّرا على ضراوتها وتخليلها ، فأصبحت بذلك حلالا ، كما أحل الذبح الذبيحة.
وَأَدْخَلَهُ الْبُخَارِيُّ فِي طَهَارَةِ صَيْدِ الْبَحْرِ يُرِيدُ أَنَّ السَّمَكَ طَاهِرٌ حَلَالٌ وَأَنَّ طَهَارَتَهُ وَحِلَّهُ يَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِهِ كَالْمِلْحِ حَتَّى يَصِيرَ الْحَرَامُ النَّجِسُ بِإِضَافَتِهَا إِلَيْهِ طَاهِرًا حَلَالًا وَهَذَا رَأيُ مَنْ يُجَوِّزُ تَحْلِيلَ الْخَمْرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الدَّرْدَاء وَجَمَاعَة ، وَقَالَ بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ اسْتَعَارَ الذَّبْحَ لِلْإِحْلَالِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ كَمَا أَنَّ الذَّبْحَ يُحِلُّ أَكْلَ الْمَذْبُوحَةِ دُونَ الْمَيْتَةِ فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ إِذَا وُضِعَتْ فِي الْخَمْرِ قَامَتْ مَقَامَ الذَّبْحِ فَأَحَلَّتْهَا ، وَقَالَ غَيْرُهُ مَعْنَى ذَبَحَتْهَا أَبْطَلَتْ فِعْلَهَا ، عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ اجْتَنِبُوا الْخمر فَإِنَّهَا أم الْخَبَائِث قَالَ بن شِهَابٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ لَا خَيْرَ فِي الْخَمْرِ وَأَنَّهَا إِذَا أُفْسِدَتْ لَا خَيْرَ فِيهَا حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يُفْسِدُهَا فيطيب حِينَئِذٍ الْخلّ قَالَ بن وهب وَسمعت مَالِكًا يَقُول سَمِعت بن شهَاب يسئل عَنْ خَمْرٍ جُعِلَتْ فِي قُلَّةٍ وَجُعِلَ مَعَهَا مِلْحٌ وَأَخْلَاطٌ كَثِيرَةٌ ثُمَّ تُجْعَلُ فِي الشَّمْسِ حَتَّى تعود مريا فَقَالَ بن شِهَابٍ شَهِدْتُ قَبِيصَةَ يَنْهَى أَنْ يُجْعَلَ الْخَمْرُ مُرْيًا إِذَا أُخِذَ وَهُوَ خَمْرٌ قُلْتُ وَقَبِيصَةُ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ وَوُلِدَ هُوَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذُكِرَ فِي الصَّحَابَةِ لِذَلِكَ وَهَذَا يُعَارِضُ أَثَرَ أَبِي الدَّرْدَاءِ الْمَذْكُورَ وَيُفَسِّرُ الْمُرَادَ بِهِ. فتح5493
(ت)، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ "(1)
الشَّرْح:
(وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ) وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يوما فَجَاءَ صَيَّادٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَنْطَلِقُ فِي الْبَحْرِ نُرِيدُ الصَّيْدَ فَيَحْمِلُ أَحَدُنَا مَعَهُ الْإِدَاوَةَ وَهُوَ يَرْجُو أَنْ يَأخُذَ الصَّيْدَ قَرِيبًا فَرُبَّمَا وَجَدَهُ كَذَلِكَ وَرُبَّمَا لَمْ يَجِدْ الصَّيْدَ حَتَّى يَبْلُغَ مِنَ الْبَحْرِ مَكَانًا لَمْ يَظُنَّ أَنْ يَبْلُغَهُ فَلَعَلَّهُ يَحْتَلِمُ أَوْ يَتَوَضَّأُ فَإِنْ اغْتَسَلَ أَوْ تَوَضَّأَ بِهَذَا الْمَاءِ فَلَعَلَّ أَحَدُنَا يُهْلِكُهُ الْعَطَشُ فَهَلْ تَرَى فِي مَاءِ الْبَحْرِ أَنْ نَغْتَسِلَ بِهِ أَوْ نَتَوَضَّأَ إِذَا خِفْنَا ذَلِكَ. تحفة69
(هُوَ الطَّهُورُ) بفتح الطاء أي المطهر قال بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ الْمَجْدُ فِي الْقَامُوسِ الطَّهُورُ الْمَصْدَرُ وَاسْمُ مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ أَوْ الطاهر المطهر انتهى
قلت المراد ها هنا هُوَ الْمَعْنَى الْأَخِيرُ قَالَ الزُّرْقَانِيُّ أَيْ الْبَالِغُ فِي الطَّهَارَةِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَأَنْزَلْنَا مِنَ السماء ماء طهورا أَيْ طَاهِرًا فِي ذَاتِهِ مُطَهِّرًا لِغَيْرِهِ قَالَ وَلَمْ يَقُلْ فِي جَوَابِهِ نَعَمْ مَعَ حُصُولِ الْغَرَضِ بِهِ لِيَقْرُنَ الْحُكْمَ بِعِلَّتِهِ وَهِيَ الطَّهُورِيَّةُ الْمُتَنَاهِيَةُ فِي بَابِهَا انْتَهَى
قَوْلُهُ (مَاؤُهُ) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ الطَّهُورُ (الْحِلُّ) أَيْ الْحَلَالُ كَمَا فِي رواية الدارقطني عن جابر وأنس وبن عَمْرٍو. تحفة69
(مَيْتَتُهُ) مَا مَاتَ فِيهِ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ. عون83
قَالَ الرَّافِعِيُّ لَمَّا عَرَفَ صلى الله عليه وسلم اشْتِبَاهَ الْأَمْرِ عَلَى السَّائِلِ فِي مَاءِ الْبَحْرِ أَشْفَقَ أَنْ يَشْتَبِهَ عَلَيْهِ حُكْمُ مَيْتَتِهِ وَقَدْ يُبْتَلَى بِهَا رَاكِبُ الْبَحْرِ فَعَقَّبَ الْجَوَابَ عَنْ سُؤَالِهِ بِبَيَانِ حُكْمِ الْمَيْتَةِ
وَقَالَ غَيْرُهُ سَأَلَهُ عَنْ مَائِهِ فَأَجَابَهُ عَنْ مَائِهِ وَطَعَامِهِ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ قَدْ يُعْوِزُهُمْ الزَّادُ فِيهِ كَمَا يُعْوِزُهُمْ الْمَاءُ فَلَمَّا جَمَعَتْهُمْ الْحَاجَةُ انْتَظَمَ الْجَوَابُ بِهِمَا
وقال ابن الْعَرَبِيِّ وَذَلِكَ مِنْ مَحَاسِنِ الْفَتْوَى أَنْ يُجَاءَ في الجواب بأكثر مما يسئل عَنْهُ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ وَإِفَادَةً لِعِلْمٍ آخَرَ غَيْرِ مسؤول عَنْهُ وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ عِنْدَ ظُهُورِ الْحَاجَةِ إِلَى الْحُكْمِ كَمَا هُنَا لِأَنَّ مَنْ تَوَقَّفَ فِي طهورية ماء البحر فهو عن العلم يحل مَيْتَتِهِ مَعَ تَقَدُّمِ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ أَشَدَّ تَوَقُّفًا قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرُ فِي السُّبُلِ الْمُرَادُ بِالْمَيْتَةِ مَا مَاتَ فِيهِ مِنْ دَوَابِّهِ مِمَّا لَا يَعِيشُ إِلَّا فِيهِ لَا مَا مَاتَ فِيهِ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ لُغَةً أَنَّهُ مَيْتَةُ بَحْرٍ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُرَادُ إِلَّا مَا ذَكَرْنَا قَالَ وَظَاهِرُهُ حِلُّ كُلِّ مَا مَاتَ فِيهِ وَلَوْ كَانَ كَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ انْتَهَى
قُلْتُ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حِلِّ غَيْرِ السَّمَكِ مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ
فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ يَحْرُمُ أَكْلُ مَا سِوَى السَّمَكِ
وَقَالَ أَحْمَدُ يُؤْكَلُ كُلُّ مَا فِي الْبَحْرِ إلا الضفدع والتمساح
وقال بن أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٌ يُبَاحُ كُلُّ مَا فِي البحر
وذهب جماعة إلى أن ماله نَظِيرٌ مِنَ الْبَرِّ يُؤْكَلُ نَظِيرُهُ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ مِثْلَ بَقَرِ الْمَاءِ وَنَحْوِهِ وَلَا يُؤْكَلُ مَا لَا يُؤْكَلُ نَظِيرُهُ فِي الْبَرِّ مِثْلَ كَلْبِ الْمَاءِ وَخِنْزِيرِ الْمَاءِ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ
وَعَنِ الشَّافِعِيَّةِ أَقْوَالٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي حِلِّ السَّمَكِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ وَإِنَّمَا اخْتُلِفَ فِيمَا كَانَ عَلَى صُورَةِ حَيَوَانِ الْبَرِّ كَالْآدَمِيِّ وَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالثُّعْبَانِ فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ يَحْرُمُ مَا عَدَا السَّمَكِ وَعَنِ الشَّافِعِيَّةِ الْحِلُّ مُطْلَقًا عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ إِلَّا الْخِنْزِيرَ فِي رِوَايَةٍ
وَحُجَّتُهُمْ قَوْلُهُ تَعَالَى أُحِلَّ لكم صيد البحر وَحَدِيثُ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ أَخْرَجَهُ مالك وأصحاب السنن وصححه بن خزيمة وبن حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ
وَعَنِ الشَّافِعِيَّةِ مَا يُؤْكَلُ نَظِيرُهُ فِي الْبَرِّ حَلَالٌ وَمَا لَا فَلَا وَاسْتَثْنَوْا عَلَى الْأَصَحِّ مَا يَعِيشُ فِي الْبَحْرِ وَالْبَرِّ وَهُوَ نَوْعَانِ
النَّوْعُ الْأَوَّلُ مَا وَرَدَ فِي مَنْعِ أَكْلِهِ شَيْءٌ يَخُصُّهُ كَالضُّفْدَعِ وَكَذَا اسْتَثْنَاهُ أَحْمَدُ لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِ وَمِنَ الْمُسْتَثْنَى أَيْضًا التِّمْسَاحُ لِكَوْنِهِ يَعْدُو بِنَابِهِ وَمِثْلُهُ الْقِرْشُ فِي الْبَحْرِ الْمِلْحِ خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَالثُّعْبَانُ وَالْعَقْرَبُ وَالسَّرَطَانُ وَالسُّلَحْفَاةُ لِلِاسْتِخْبَاثِ وَالضَّرَرِ اللَّاحِقِ مِنَ السُّمِّ
النَّوْعُ الثَّانِي مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ مَانِعٌ فَيَحِلُّ أَكْلُهُ بِشَرْطِ التَّذْكِيَةِ كَالْبَطِّ وَطَيْرِ الْمَاءِ. انْتَهَى كَلَامُ الحافظ باختصار. تحفة69
وقال العيني في عمدة القارىء ص 03 ج 1 وَعِنْدَنَا يُكْرَهُ أَكْلُ مَا سِوَى السمك من دواب البحر كالسلحفاة والضفدع وخنزير الماء
واحتجوا بقوله تعالى يحرم عليهم الخبائث وَمَا سِوَى السَّمَكِ خَبِيثٌ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ
وَأَجَابَ الْحَنَفِيَّةُ عَنْ قَوْلِهِ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْمَيْتَةِ السَّمَكُ لَا غَيْرُهُ بِدَلِيلِ حديث بن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالْجَرَادُ وَالْحُوتُ وَأَمَّا الدمان فالطحال والكبد أخرجه أحمد وبن مَاجَهْ
وَقَالُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ إِنَّ الْمُرَادَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ مَصِيدَاتُ الْبَحْرِ مِمَّا يُؤْكَلُ وَمِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَالْمُرَادُ مِنْ طَعَامِهِ مَا يُطْعَمُ مِنْ صَيْدِهِ وَالْمَعْنَى أُحِلَّ لَكُمْ الِانْتِفَاعُ بِجَمِيعِ مَا يُصَادُ فِي الْبَحْرِ وَأُحِلَّ لَكُمْ أَكْلُ الْمَأكُولِ مِنْهُ وَهُوَ السَّمَكُ وَحْدُهُ
وَقَالَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى حِلِّ جَمِيعِ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ دَوَابِّهِ مُطْلَقًا أَوْ مُسْتَثْنِيًا بَعْضَهَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى هَذَا إِنَّ الْمُرَادَ بِصَيْدِ الْبَحْرِ مَا صِيدَ مِنَ الْبَحْرِ وَالْمُرَادَ مِنْ طَعَامِهِ مَا قَذَفَهُ الْبَحْرُ وَرَمَاهُ إِلَى السَّاحِلِ وَالْمَعْنَى أُحِلَّ لَكُمْ أَكْلُ جَمِيعِ مَا صِدْتُمْ مِنَ الْبَحْرِ وَمَا قَذَفَهُ الْبَحْرُ قَالَ الْخَازِنُ فِي تَفْسِيرِهِ الْمُرَادُ بِالصَّيْدِ مَا صِيدَ مِنَ الْبَحْرِ فَأَمَّا طَعَامُهُ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَقِيلَ مَا قَذَفَهُ الْبَحْرُ وَرَمَى بِهِ إِلَى السَّاحِلِ وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وعمرو بن عُمَرَ وَأَيُّوبَ وَقَتَادَةَ
وَقِيلَ صَيْدُ الْبَحْرِ طَرِيُّهُ وَطَعَامُهُ مَالِحُهُ وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالسُّدِّيِّ وَيُرْوَى عَنِ بن عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ كَالْقَوْلَيْنِ انْتَهَى. تحفة69
وَقَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ عُمَرُ صَيْدُهُ مَا اصْطِيدَ وَطَعَامُهُ مَا رَمَى بِهِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّارِيخِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا قَدِمْتُ الْبَحْرَيْنِ سَأَلَنِي أَهْلُهَا عَمَّا قَذَفَ الْبَحْرُ فَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يَأكُلُوهُ فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ فَذَكَرَ قِصَّةً قَالَ فَقَالَ عُمَرُ قَالَ اللَّهُ عز وجل فِي كِتَابِهِ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وطعامه فصيده ما صيد وطعامه ما قذف فَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا كُلَّهُ فَاعْلَمْ أَنَّ السَّمَكَ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ حَلَالٌ بِلَا شَكٍّ وَأَمَّا غَيْرُ السَّمَكِ مِنْ سَائِرِ دَوَابِّ الْبَحْرِ فَمَا كَانَ مِنْهُ ضَارًّا يَضُرُّ أَكْلُهُ أَوْ مُسْتَخْبَثًا أَوْ وَرَدَ نَصٌّ فِي مَنْعِ أَكْلِهِ فَهُوَ حَرَامٌ
وَأَمَّا مَا لَمْ يَثْبُتْ بِنَصٍّ صَرِيحٍ أَكْلُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ عَنِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مَعَ وُجُودِهِ فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ فَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ فِي عَدَمِ الْأَكْلِ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ هَذَا مَا عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
تَنْبِيهٌ قال صاحب العرف الشذي ما لفظ قَالَ مَوْلَانَا مَحْمُودُ حَسَنٍ إِنَّ الْحِلَّ أَيْ فِي قَوْلِهِ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ بِمَعْنَى الطَّاهِرِ وَثَبَتَ الْحِلُّ بِمَعْنَى الطَّهَارَةِ كَمَا فِي قِصَّةِ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ حَلَّتْ بِالصَّهْبَاءِ أَيْ طَهُرَتْ مِنَ الْحَيْضِ انْتَهَى
قُلْتُ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْحِلِّ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم الْحِلُّ مَيْتَتُهُ بِمَعْنَى الطَّاهِرِ غَيْرُ مَحْمُودٍ بَلْ هُوَ بَاطِلٌ جِدًّا أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِمَّنْ قَبْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ الِاعْتِمَادُ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْحِلِّ حَشْوًا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ فَإِنَّهُ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ وَمَيْتَتُهُ
وَأَمَّا ثَالِثًا فلأن بن عُمَرَ أَحَدُ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدْ فَهِمَ هُوَ مِنْ لَفْظِ الْحِلِّ الْحَلَالَ دُونَ الطَّهَارَةِ
فَفِي التَّلْخِيصِ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ الرحمن بن أبي هريرة أنه سأل بن عمر آكل ما طفى عَلَى الْمَاءِ قَالَ إِنَّ طَافِيَهُ مَيْتَتُهُ وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِنَّ مَاءَهُ طهور وميتته حل فانظر أن بن عُمَرَ أَرَادَ مِنْ لَفْظِ الْحَلَالِ ضِدَّ الْحَرَامِ دُونَ مَعْنَى الطَّاهِرِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ رَاوِيَ الْحَدِيثِ أَدْرَى بِمَعْنَاهُ
وَقَالَ أَيْضًا وَالْمُرَادُ بِالْمَيْتَةِ غَيْرُ الْمَذْبُوحِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى حِلِّ الطَّافِي قَالَ وَأَثَرُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي الطَّافِي مُضْطَرِبُ اللَّفْظِ انْتَهَى. تحفة69
قُلْتُ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَيْتَةِ غَيْرُ الْمَذْبُوحِ لِئَلَّا يَدُلُّ عَلَى حِلِّ الطَّافِي مِمَّا لَا يُصْغَى إِلَيْهِ فَإِنَّ الطَّافِيَ حَلَالٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ يَدُلُّ عَلَى حِلِّهِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَمْرٍو أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ غَزَوْنَا جَيْشَ الْخَبْطِ وَأُمِّرَ عَلَيْنَا أَبُو عُبَيْدَةَ فَجُعْنَا جُوعًا شَدِيدًا فَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ يُقَالُ لَهُ الْعَنْبَرُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَهُمَا فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ كُلُوا رِزْقًا أَخْرَجَهُ اللَّهُ أَطْعِمُونَا إِنْ كَانَ مَعَكُمْ فَأَتَاهُ بَعْضُهُمْ بِعُضْوٍ فَأَكَلَهُ قَالَ الْحَافِظُ يُسْتَفَادُ مِنْهُ إِبَاحَةُ مَيْتَةِ الْبَحْرِ سَوَاءٌ مَاتَ بِنَفْسِهِ أَوْ مَاتَ بِالِاصْطِيَادِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ انْتَهَى
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ عُمَرَ صَيْدُهُ مَا اصْطِيدَ وَطَعَامُهُ مَا رَمَى
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الطَّافِي حَلَالٌ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا قَالَ الْحَافِظُ وَصَلَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّحَاوِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَشِيرٍ عَنْ عكرمة عن بن عَبَّاسٍ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ السَّمَكَةُ الطَّافِيَةُ حَلَالٌ زَادَ الطَّحَاوِيُّ لِمَنْ أَرَادَ أَكْلَهُ وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ بن عباس من أَبِي بَكْرٍ إِنَّ اللَّهَ ذَبَحَ لَكُمْ مَا فِي الْبَحْرِ فَكُلُوهُ كُلَّهُ فَإِنَّهُ ذَكِيٌّ
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ مَا أَلْقَاهُ الْبَحْرُ أَوْ جَزَرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ وَمَا مَاتَ فِيهِ فَطَفَا فَلَا تَأكُلُوهُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ كَمَا حَقَّقَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ إِلَّا مَوْقُوفًا فَقَدْ عَارَضَهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي حِلَّهُ لِأَنَّهُ سَمَكٌ لَوْ مَاتَ فِي الْبَرِّ لَأُكِلَ بِغَيْرِ تَذْكِيَةٍ وَلَوْ نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ أَوْ قَتَلَتْهُ سَمَكَةٌ أُخْرَى فَمَاتَ لَأُكِلَ فَكَذَلِكَ إِذَا مَاتَ وَهُوَ فِي الْبَحْرِ انْتَهَى
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَأَثَرُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ مُضْطَرِبُ اللَّفْظِ فَعَجِيبٌ جِدًّا فَإِنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ أَثَرٌ خِلَافُ قَوْلِهِ الطَّافِي حَلَالٌ أَلْبَتَةَ وَأَمَّا أَثَرُهُ بِلَفْظِ إِنَّ اللَّهَ ذَبَحَ لَكُمْ مَا فِي الْبَحْرِ إِلَخْ فَهُوَ لَيْسَ يُنَافِي أَثَرَهُ الْأَوَّلَ. تحفة69
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ شَكُّوا فِي جَوَازِ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ قُلْنَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم لَا تَرْكَبْ الْبَحْرَ إِلَّا حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنِ بن عُمَرَ مَرْفُوعًا ظَنُّوا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ التَّطَهُّرُ به وقد روي موقوفا على بن عُمَرَ بِلَفْظِ مَاءُ الْبَحْرِ لَا يُجْزِئُ مِنْ وُضُوءٍ وَلَا جَنَابَةٍ إِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا ثُمَّ مَاءً ثُمَّ نَارًا حَتَّى عَدَّ سَبْعَةَ أبحر وسبع أنيار وروى أيضا عن بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ التَّطَهُّرُ بِهِ وَلَا حُجَّةَ فِي أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ لَا سيما إذا عارضت المرفوع والإجماع وحديث بن عُمَرَ الْمَرْفُوعُ قَالَ أَبُو دَاوُدَ رُوَاتُهُ مَجْهُولُونَ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ ضَعَّفُوا إِسْنَادَهُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ بِصَحِيحٍ وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عِنْدَ الْبَزَّارِ وَفِيهَا لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ
قَالَ فِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ فِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الطَّهَارَةِ بِمَاءِ الْبَحْرِ وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ العلماء إلا بن عبد البر وبن عُمَرَ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرِوَايَتُهُ تَرُدُّهُ وَكَذَا رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَتَعْرِيفُ الطَّهُورِ بِلَامِ الْجِنْسِيَّةِ الْمُفِيدَةِ لِلْحَصْرِ لَا يَنْفِي طَهُورِيَّةَ غَيْرِهِ مِنَ الْمِيَاهِ لِوُقُوعِ ذَلِكَ جَوَابًا لِسُؤَالِ مَنْ شَكَّ فِي طَهُورِيَّةِ مَاءِ الْبَحْرِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِلْحَصْرِ وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّهُ لَا تَخْصِيصَ بِالسَّبَبِ وَلَا يُقْصَرُ الْخِطَابُ الْعَامُّ عَلَيْهِ فَمَفْهُومُ الْحَصْرِ الْمُفِيدِ لِنَفْيِ الطَّهُورِيَّةِ عَنْ غَيْرِ مَائِهِ عُمُومٌ مُخَصَّصٌ بِالْمَنْطُوقَاتِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الْقَاضِيَةِ بِاتِّصَافِ غيره بها انتهى وقال بن قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَقَوْلُهُمْ هُوَ نَارٌ إِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ نَارٌ فِي الْحَالِ فَهُوَ خِلَافُ الْحِسِّ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ يَصِيرُ نَارًا لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الْوُضُوءَ بِهِ حَالَ كَوْنِهِ مَاءً انْتَهَى. تحفة69
قال الحافظ بن الْمُلَقِّنِ إِنَّهُ حَدِيثٌ عَظِيمٌ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الطَّهَارَةِ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ وَقَوَاعِدَ مُهِمَّةٍ
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي قَالَ الْحُمَيْدِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ نِصْفُ عِلْمِ الطَّهَارَةِ. عون83
(1)(ت) 69 ، (س) 59 ، (د) 83 ، (جة) 388 ، صحيح الجامع: 7048 ، والصحيحة: 480
(حم)، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ: فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ ، وَأَمَّا الدَّمَانِ: فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ "(1)
الْحُوتُ: اسْمُ جِنْسٍ لِجَمِيعِ السَّمَكِ ، وَقِيلَ: هُوَ مَخْصُوصٌ بِمَا عَظُمَ مِنْهَا. فتح4360
(1)(حم) 5723 ، (جة) 3314 ، (قط) ج4ص272 ح25 ، وصححه الألباني في الإرواء: 2526
(خ م)، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ:(" بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مِائَةِ رَاكِبٍ ، أَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ رضي الله عنه نَرْصُدُ عِيرَ قُرَيْشٍ (1)) (2)(وَزَوَّدَنَا جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ ، لَمْ يَجِدْ لَنَا غَيْرَهُ " ، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً ، قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: فَقُلْتُ لِجَابِرٍ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا؟ ، قَالَ: نَمَصُّهَا كَمَا يَمَصُّ الصَّبِيُّ ، ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا مِنْ الْمَاءِ ، فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إِلَى اللَّيْلِ)(3)(فَأُقْسِمُ ، أُخْطِئَهَا رَجُلٌ مِنَّا يَوْمًا ، فَانْطَلَقْنَا بِهِ نُنْعِشُهُ ، فَشَهِدْنَا أَنَّهُ لَمْ يُعْطَهَا ، فَأُعْطِيَهَا ، فَقَامَ فَأَخَذَهَا)(4)(فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ ، وَأَيْنَ تَقَعُ التَّمْرَةُ مِنْ الرَّجُلِ؟ ، فَقَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَقَدْنَاهَا)(5)(فَأَقَمْنَا بِالسَّاحِلِ نِصْفَ شَهْرٍ ، فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ)(6)(فَكُنَّا نَضْرِبُ بِعِصِيِّنَا الْخَبَطَ (7) ثُمَّ نَبُلُّهُ بِالْمَاءِ فَنَأكُلُهُ) (8)(حَتَّى قَرِحَت أَشْدَاقُنَا (9)) (10)(فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْجَيْشُ: جَيْشَ الْخَبَطِ)(11)(قَالَ جَابِرٌ: وَكَانَ فِينَا رَجُلٌ ، فَلَمَّا اشْتَدَّ الْجُوعُ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ (12)) (13)(ثُمَّ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ، ثُمَّ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ نَهَاهُ)(14)(قَالَ: فَرُفِعَ لَنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ كَهَيْئَةِ الْكَثِيبِ (15) الضَّخْمِ ، فَأَتَيْنَاهُ ، فَإِذَا) (16)(حُوتٌ مَيِّتٌ ، لَمْ نَرَ مِثْلَهُ ، يُقَالُ لَهُ: الْعَنْبَرُ (17)) (18)(فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَيْتَةٌ ، ثُمَّ قَالَ: لَا ، بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي سَبِيلِ اللهِ ، وَقَدْ اضْطُرِرْتُمْ ، فَكُلُوا ، قَالَ: فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْرًا - وَنَحْنُ ثَلَاثُ مِائَةٍ - حَتَّى سَمِنَّا ، قَالَ: وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نَغْتَرِفُ الدُّهْنَ مِنْ وَقْبِ (19) عَيْنِهِ بِالْقِلَالِ (20) وَنَقْتَطِعُ مِنْهُ الْفِدَرَ (21) كَقَدْرِ الثَّوْرِ ، وَلَقَدْ أَخَذَ مِنَّا أَبُو عُبَيْدَةَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا ، فَأَقْعَدَهُمْ فِي وَقْبِ عَيْنِهِ ، وَأَخَذَ ضِلَعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ فَأَقَامَهَا) (22)(ثُمَّ نَظَرَ إِلَى أَطْوَلِ رَجُلٍ فِي الْجَيْشِ ، وَأَطْوَلِ جَمَلٍ ، فَحَمَلَهُ عَلَيْهِ)(23)(فَمَرَّ مِنْ تَحْتِهَا ، وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَ (24) فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ، أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ:" هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللهُ لَكُمْ ، فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ فَتُطْعِمُونَا؟ " قَالَ: فَأَرْسَلْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ " فَأَكَلَهُ ") (25)
(1) العِير: كل ما جُلِبَ عليه المتاع والتجارة من قوافل الإبل والبغال والحمير.
(2)
(خ) 4103 ، (م) 17 - (1935)
(3)
(م) 17 - (1935)
(4)
(م) 3011
(5)
(ت) 2475 ، (خ) 2821
(6)
(خ) 4103
(7)
الخَبَط: ما سقط من ورق الشجر ، بالخَبْط والنَّفْض.
(8)
(م) 17 - (1935)
(9)
أَيْ: صَارَ فِيهَا قُرُوحٌ وَجِرَاحٌ ، مِنْ خُشُونَةِ الْوَرَق الَّذِي نَأكُلهُ ، وَحَرَارَتِه. شرح النووي (ج 9 / ص 353)
(10)
(م) 3011
(11)
(خ) 4103
(12)
الجزائر: جمع جَزُور ، وهي البَعِير ذكرا كان أو أنثى.
(13)
(خ) 5175
(14)
(خ) 4103 ، (م) 19 - (1935)
(15)
(الكَثِيبُ): التَّلُّ مِنَ الرَّمْلِ.
(16)
(م) 17 - (1935)
(17)
العنبر: نوع من الحيتان ، يُفْرِز مادة العنبر ، وهو الطيب المعروف.
(18)
(خ) 4104 ، (م) 17 - (1935)
(19)
الوَقْب: التجويف والنقرة التي تكون فيها العين.
(20)
القلال: جمع قُلَّة ، وهي الجرة الكبيرة.
(21)
(الفِدَرُ): القِطَعُ.
(22)
(م) 17 - (1935)
(23)
(م) 18 - (1935) ، (خ) 2351
(24)
الوشائق: جمع وشيقة ، وهي أن يؤخَذ اللحم ، فيُغْلَى قليلاً ولا يُنْضَج، ويُحْمل في الأسفار ، وقيل: هي القَديدُ.
(25)
(م) 17 - (1935) ، (خ) 4104 ، (س) 4354 ، (د) 3840 ، (ت) 2475
الشَّرْح:
(" بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مِائَةِ رَاكِبٍ ، أَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ رضي الله عنه) فِيهِ أَنَّ الْجُيُوشَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ أَمِيرٍ يَضْبِطُهَا وَيَنْقَادُونَ لِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَمِيرُ أَفْضَلَهُمْ أَوْ مِنْ أَفْضَلِهِمْ قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ لِلرُّفْقَةِ مِنَ النَّاسِ وَإِنْ قَلُّوا أَنْ يُؤَمِّرُوا بَعْضَهُمْ عَلَيْهِمْ وَيَنْقَادُوا لَهُ. النووي (17 - 1935)
نَرْصُدُ عِيرَ قُرَيْشٍ) العِير: كل ما جُلِبَ عليه المتاع والتجارة من قوافل الإبل والبغال والحمير.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ صَدِّ أَهْلِ الْحَرْبِ وَاغْتِيَالِهِمْ وَالْخُرُوجِ لِأَخْذِ مَالِهِمْ وَاغْتِنَامِهِ. النووي (17 - 1935)
(وَزَوَّدَنَا جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ ، لَمْ يَجِدْ لَنَا غَيْرَهُ " ، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً ، قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: فَقُلْتُ لِجَابِرٍ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا؟ ، قَالَ: نَمَصُّهَا كَمَا يَمَصُّ الصَّبِيُّ ، ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا مِنْ الْمَاءِ ، فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إِلَى اللَّيْلِ)
(فَأُقْسِمُ) أَيْ: أَحْلِفُ. النووي (3011)
(أُخْطِئَهَا رَجُلٌ مِنَّا يَوْمًا) أَيْ: فَاتَتْهُ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ لِلتَّمْرِ قَاسِمٌ يَقْسِمُهُ بَيْنَهُمْ فَيُعْطِي كُلَّ إِنْسَانٍ تَمْرَةً كُلَّ يَوْمٍ فَقَسَمَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ وَنَسِيَ إِنْسَانًا فَلَمْ يُعْطِهِ تَمْرَتَهُ وَظَنَّ أَنَّهُ أَعْطَاهُ فَتَنَازَعَا فِي ذَلِكَ. النووي (3011)
(فَانْطَلَقْنَا بِهِ نُنْعِشُهُ) أَيْ: نَرْفَعُهُ وَنُقِيمُهُ مِنْ شِدَّةِ الضَّعْفِ وَالْجَهْدِ وَقَالَ الْقَاضِي الْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنَّ مَعْنَاهُ نَشُدُّ جَانِبَهُ فِي دَعْوَاهُ وَنَشْهَدُ لَهُ. النووي (3011)
(فَشَهِدْنَا أَنَّهُ لَمْ يُعْطَهَا ، فَأُعْطِيَهَا ، فَقَامَ فَأَخَذَهَا)(فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ): هِيَ كُنْيَةُ جَابِرٍ. فتح4360
(وَأَيْنَ تَقَعُ التَّمْرَةُ مِنْ الرَّجُلِ؟) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ (4360): " فَقُلْتُ: مَا تُغْنِي عَنْكُمْ تَمْرَةٌ؟ "
(لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَقَدْنَاهَا) أَيْ: فقدوا التمرة ووجدوا أَلَمًا لِفَقْدِهَا. النووي (17 - 1935)
(فَأَقَمْنَا بِالسَّاحِلِ) أَيْ: سَاحِلِ الْبَحْرِ.
نِصْفَ شَهْرٍ ، فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ)
(فَكُنَّا نَضْرِبُ بِعِصِيِّنَا): جَمْعُ عَصًا.
(الْخَبَطَ) وَرَقُ الشَّجَرِ السَّاقِطُ ، بِمَعْنَى: الْمَخْبُوطِ. عون3840
وقيل: هُوَ وَرَقُ السَّلَمِ. فتح4360
(ثُمَّ نَبُلُّهُ بِالْمَاءِ فَنَأكُلُهُ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَابِسًا بِخِلَافِ مَا جَزَمَ بِهِ الدَّاوُدِيُّ أَنَّهُ كَانَ أَخْضَرَ رَطْبًا. فتح4360
(حَتَّى قَرِحَت أَشْدَاقُنَا) أَيْ: صَارَ فِيهَا قُرُوحٌ وَجِرَاحٌ ، مِنْ خُشُونَةِ الْوَرَق الَّذِي نَأكُلهُ ، وَحَرَارَتِه. النووي (14 - (2967)
(فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْجَيْشُ: جَيْشَ الْخَبَطِ) وَفِي هَذَا بَيَانُ مَا كَانَ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم عَلَيْهِ مِنَ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَالتَّقَلُّلِ مِنْهَا وَالصَّبْرِ عَلَى الْجُوعِ وَخُشُونَةِ الْعَيْشِ وَإِقْدَامِهِمْ عَلَى الْغَزْوِ مع هذا الْحَالِ. النووي (17 - 1935)
(قَالَ جَابِرٌ: وَكَانَ فِينَا رَجُلٌ ، فَلَمَّا اشْتَدَّ الْجُوعُ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ) الجزائر: جمع جَزُور ، وهي البَعِير ذكرا كان أو أنثى.
(ثُمَّ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ، ثُمَّ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ،
ثُمَّ إِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ نَهَاهُ) وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ نَهْيِ أَبِي عُبَيْدَةَ قَيْسًا أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى إِطْعَامِ الْجَيْشِ فَقِيلَ لِخَشْيَةِ أَنْ تَفْنَى حَمُولَتُهُمْ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْقِصَّةَ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ غَيْرِ الْعَسْكَرِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ يَسْتَدِينُ عَلَى ذِمَّتِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ فَأُرِيدَ الرِّفْقُ بِهِ وَهَذَا أظهر. فتح4361
وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ بِإِسْنَادٍ لَهُ أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ لَمَّا رَأَى مَا بِالنَّاسِ قَالَ مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي تَمْرًا بِالْمَدِينَةِ بِجَزُورٍ هُنَا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ مَنْ أَنْتَ فَانْتَسَبَ لَهُ فَقَالَ عَرَفْتُ نَسَبَكَ فَابْتَاعَ مِنْهُ خَمْسَ جَزَائِرَ بِخَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَأَشْهَدَ لَهُ نَفَرًا مِنَ الصَّحَابَةِ ، فَامْتَنَعَ عُمَرُ لِكَوْنِ قَيْسٍ لَا مَالَ لَهُ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ مَا كَانَ سَعْدٌ لِيَجْنِيَ بِابْنِهِ فِي أَوَسُقِ تَمْرٍ. فتح4361
فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ ذَلِكَ وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ سَأَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ أَنْ يَنْهَى قَيْسًا عَنِ النَّحْرِ ، فَعَزَمَ عَلَيْهِ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنْ يَنْتَهِيَ عَنْ ذَلِكَ فَأَطَاعَهُ. فتح5493
فَبَلَغَ ذَلِكَ سَعْدًا فَغَضِبَ وَوَهَبَ لِقَيْسٍ أَرْبَعَ حَوَائِطَ أَقَلُّهَا يَجُذُّ خَمْسِينَ وسْقا. فتح4361
(قَالَ: فَرُفِعَ لَنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ كَهَيْئَةِ الْكَثِيبِ الضَّخْمِ) هو: التَّلُّ مِنَ الرَّمْلِ ، الْمُسْتَطِيلُ الْمُحْدَوْدَبُ. النووي (17 - 1935)
(فَأَتَيْنَاهُ ، فَإِذَا)(حُوتٌ مَيِّتٌ ، لَمْ نَرَ مِثْلَهُ ، يُقَالُ لَهُ: الْعَنْبَرُ) هو نوع من الحيتان ، يُفْرِز مادة العنبر ، وهو الطيب المعروف.
(فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَيْتَةٌ) أَيْ: هَذِهِ مَيْتَةٌ.
(ثُمَّ قَالَ: لَا ، بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي سَبِيلِ اللهِ ، وَقَدْ اضْطُرِرْتُمْ ، فَكُلُوا) مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ أَوَّلًا بِاجْتِهَادِهِ إِنَّ هَذَا مَيْتَةٌ وَالْمَيْتَةُ حَرَامٌ فَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَكْلُهَا ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فَقَالَ بَلْ هُوَ حَلَالٌ لَكُمْ وَإِنْ كَانَ مَيْتَةً لِأَنَّكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ وَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَيْتَةَ لِمَنْ كَانَ مُضْطَرًّا غَيْرَ بَاغٍ ولاعاد فَكُلُوا فَأَكَلُوا مِنْهُ. النووي (17 - 1935)
قَالَ: فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْرًا - وَنَحْنُ ثَلَاثُ مِائَةٍ - حَتَّى سَمِنَّا ، قَالَ:
(وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نَغْتَرِفُ الدُّهْنَ مِنْ وَقْبِ عَيْنِهِ) الوَقْب: هُوَ حُفْرَةُ الْعَيْنِ فِي عَظْمِ الْوَجْهِ وَأَصْلُهُ نُقْرَةٌ فِي الصَّخْرَةِ يَجْتَمِعُ فِيهَا الْمَاءُ. فتح4360
(بِالْقِلَالِ) جَمْعُ قُلَّةٍ بِضَمِّهَا وَهِيَ الْجَرَّةُ الْكَبِيرَةُ الَّتِي يُقِلُّهَا الرَّجُلُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَيْ يحملها. النووي (17 - 1935)
(وَنَقْتَطِعُ مِنْهُ الْفِدَرَ ، كَقَدْرِ الثَّوْرِ)(الفِدَرُ): القِطَعُ.
(وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَ) جمع وشيقة ، وهي أن يؤخَذ اللحم ، فيُغْلَى قليلاً ولا يُنْضَج، وَيُحْمَلُ فِي الْأَسْفَارِ ، وقيل: هي القَديدُ. النووي (17 - 1935)
فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ، أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ:" هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللهُ لَكُمْ ، فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ فَتُطْعِمُونَا؟ " قَالَ: فَأَرْسَلْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ " فَأَكَلَهُ ")
وَالْغَرَضُ مِنْ إِيرَادِهِ هُنَا قِصَّةُ الْحُوتِ فَإِنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْهَا جَوَازُ أَكْلِ مَيْتَةِ الْبَحْرِ لِتَصْرِيحِهِ فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ فَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ يُقَالُ لَهُ الْعَنْبَرُ وَتَقَدَّمَ فِي الْمَغَازِي أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ مِنْهُ وَبِهَذَا تَتِمُّ الدَّلَالَةُ وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ أَكْلِ الصَّحَابَةِ مِنْهُ وَهُمْ فِي حَالَةِ الْمَجَاعَةِ قَدْ يُقَالُ إِنَّهُ لِلِاضْطِرَارِ وَلَا سِيَّمَا وَفِيهِ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ مَيْتَةٌ ثُمَّ قَالَ لَا بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا.
وَحَاصِلُ قَوْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّهُ بَنَاهُ أَوَّلًا عَلَى عُمُومِ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ تَخْصِيصَ الْمُضْطَرِّ بِإِبَاحَةِ أَكْلِهَا إِذَا كَانَ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ وَهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِأَنَّهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي طَاعَةِ رَسُولِهِ وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ آخِرِ الْحَدِيثِ أَنَّ جِهَةَ كَوْنِهَا حَلَالًا لَيْسَتْ سَبَبَ الِاضْطِرَارِ بَلْ كَوْنُهَا مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ فَفِي آخِرِهِ عِنْدَهُمَا جَمِيعًا فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ كُلُوا رِزْقًا أَخْرَجَهُ اللَّهُ أَطْعِمُونَا إِنْ كَانَ مَعَكُمْ فَأَتَاهُ بَعْضُهُمْ بِعُضْوٍ فَأَكَلَهُ فَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ حَلَالٌ مُطْلَقًا وَبَالَغَ فِي الْبَيَانِ بِأَكْلِهِ مِنْهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ إِبَاحَةُ مَيْتَةِ الْبَحْرِ سَوَاءً مَاتَ بِنَفْسِهِ أَو مَاتَ بِالِاصْطِيَادِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ يُكْرَهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَ مَا لَفَظَهُ فَمَاتَ وَبَيْنَ مَا مَاتَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ آفَةٍ وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَا أَلْقَاهُ الْبَحْرُ أَوْ جَزَرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ وَمَا مَاتَ فِيهِ فَطَفَا فَلَا تَأكُلُوهُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مَرْفُوعًا .. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ وَيُرْوَى عَنْ جَابِرٍ خِلَافُهُ انتهى كلام البخاري. فتح5493
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا أَلْقَاهُ الْبَحْرُ وَجَزَرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ وما مات فيه فطفا فلا تأكلوا فحديث ضيعف بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لو لم يعارضه شئ كيف وهو معارض بما ذكرنا وَقَدْ أَوْضَحْتُ ضَعْفَ رِجَالِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ. النووي (17 - 1935)
وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي حِلَّهُ لِأَنَّهُ سَمَكٌ لَوْ مَاتَ فِي الْبَرِّ لَأُكِلَ بِغَيْرِ تَذْكِيَةٍ وَلَوْ نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ أَوْ قَتَلَتْهُ سَمَكَةٌ أُخْرَى فَمَاتَ لَأُكِلَ فَكَذَلِكَ إِذَا مَاتَ وَهُوَ فِي الْبَحْرِ. فتح5493
أَوْ أَنَّهُ قَصَدَ التَّبَرُّكَ بِهِ لِكَوْنِهِ طُعْمَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى خَارِقَةً لِلْعَادَةِ أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ بِهَا وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأسَ بِسُؤَالِ الْإِنْسَانِ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ وَمَتَاعِهِ إِدْلَالًا عَلَيْهِ وَلَيْسَ هُوَ مِنَ السُّؤَالِ الْمَنْهِيِّ عنه انما ذلك فى حق الأجانب للتمول ونحو وَأَمَّا هَذِهِ فَلِلْمُؤَانَسَةِ وَالْمُلَاطَفَةِ وَالْإِدْلَالِ. النووي (17 - 1935)
وَيُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ (فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْرًا)(1) جَوَازُ أَكْلِ اللَّحْمِ وَلَوْ أَنْتَنَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَكَلَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَاللَّحْمُ لَا يَبْقَى غَالِبًا بِلَا نَتْنٍ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ لَا سِيَّمَا فِي الْحِجَازِ مَعَ شِدَّةِ الْحَرِّ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا ملحوه وقدوه فَلَمْ يَدْخُلْهُ نَتْنٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا قَوْلُ النَّوَوِيِّ إِنَّ النَّهْيَ عَنْ أَكْلِ اللَّحْمِ إِذَا أَنْتَنَ لِلتَّنْزِيهِ إِلَّا إِنْ خِيفَ مِنْهُ الضَّرَرُ فَيَحْرُمُ وَهَذَا الْجَوَابُ عَلَى مَذْهَبِهِ وَلَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ حَمَلُوهُ عَلَى التَّحْرِيمِ مُطْلَقًا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيَأتِي فِي الطَّافِي نَظِيرُ مَا قَالَهُ فِي النَّتِنِ إِذَا خُشِيَ مِنْهُ الضَّرَرُ وَفِيهِ جَوَازُ أَكْلِ حَيَوَانِ الْبَحْرِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الصَّحَابَةِ نَصٌّ يَخُصُّ الْعَنْبَرَ وَقَدْ أَكَلُوا مِنْهُ كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَيَخْدِشُ فِيهِ أَنَّهُمْ أَوَّلًا إِنَّمَا أَقْدَمُوا عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الِاضْطِرَارِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُمْ أَقْدَمُوا عَلَيْهِ مُطْلَقًا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ صَيْدَ الْبَحْرِ ثُمَّ تَوَقَّفُوا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَيْتَةً فَدَلَّ عَلَى إِبَاحَةِ الْإِقْدَامِ عَلَى أَكْلِ مَا صِيدَ مِنَ الْبَحْرِ وَبَيَّنَ لَهُمُ الشَّارِعُ آخِرًا أَنْ مَيْتَتَهُ أَيْضًا حَلَالٌ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ طَافٍ وَلَا غَيْرِهِ وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّهُمْ أَقَامُوا يَأكُلُونَ مِنْهُ أَيَّامًا فَلَوْ كَانُوا أَكَلُوا مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ مَيْتَةٌ بِطَرِيقِ الِاضْطِرَارِ مَا دَاوَمُوا عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُضْطَرَّ إِذَا أَكَلَ الْمَيْتَةَ يَأكُلُ مِنْهَا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ لِطَلَبِ الْمُبَاحِ غَيْرِهَا وَجَمَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ مُخْتَلِفِ الْأَخْبَارِ فِي ذَلِكَ بِحَمْلِ النَّهْيِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى الْجَوَازِ. فتح5493
وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَيْضًا مَشْرُوعِيَّةُ الْمُوَاسَاةِ بَيْنَ الْجَيْشِ عِنْدَ وُقُوعِ الْمَجَاعَةِ وَأَنَّ الِاجْتِمَاعَ عَلَى الطَّعَامِ يَسْتَدْعِي الْبَرَكَةَ فِيهِ. فتح4361
وَكَمَا كَانَ الْأَشْعَرِيُّونَ يَفْعَلُونَ وَأَثْنَى عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ يُسْتَحَبُّ لِلرُّفْقَةِ مِنَ الْمُسَافِرِينَ خَلْطُ أَزْوَادِهِمْ لِيَكُونَ أبرك وأحسن فى العشرة وأن لا يَخْتَصَّ بَعْضُهُمْ بِأَكْلٍ دُونَ بَعْضٍ. النووي (17 - 1935)
وَفِيهِ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِي الْأَحْكَامِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا يَجُوزُ بَعْدَهُ وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُفْتِي أَنْ يَتَعَاطَى بَعْضَ الْمُبَاحَاتِ الَّتِي يَشُكُّ فِيهَا الْمُسْتَفْتِي إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَشَقَّةٌ عَلَى الْمُفْتِي وَكَانَ فِيهِ طُمَأنِينَةٌ لِلْمُسْتَفْتِي. النووي (17 - 1935)
مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَة:
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى إِبَاحَةِ مَيْتَةِ الْبَحْرِ، سَوَاءٌ كَانَتْ سَمَكًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ "، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ دَابَّةٍ تَمُوتُ فِي الْبَحْرِ فَقَدْ ذَكَّاهَا اللَّهُ لَكُمْ.
وَلَمْ يُبِحِ الْحَنَفِيَّةُ إِلا مَيْتَةَ السَّمَكِ الَّذِي مَاتَ بِآفَةٍ، وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، وَكَانَ غَيْرَ طَافٍ، فَلَيْسَ بِمُبَاحٍ. وَحَدُّ الطَّافِي عِنْدَهُمْ: مَا كَانَ بَطْنُهُ مِنْ فَوْقُ، فَلَوْ كَانَ ظَهْرُهُ مِنْ فَوْقُ، فَلَيْسَ بِطَافٍ فَيُؤْكَلُ. (2)
قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي حِلِّ السَّمَكِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ وَإِنَّمَا اخْتُلِفَ فِيمَا كَانَ عَلَى صُورَةِ حَيَوَانِ الْبَرِّ كَالْآدَمِيِّ وَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالثُّعْبَانِ فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ يَحْرُمُ مَا عَدَا السَّمَكَ وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ الْحُوتَ الْمَذْكُورَ لَا يُسَمَّى سَمَكًا وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ فِي الْحُوتِ نَصًّا وَعَنِ الشَّافِعِيَّةِ الْحِلَّ مُطْلَقًا عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ إِلَّا الْخِنْزِيرَ فِي رِوَايَةٍ وَحُجَّتُهُمْ قَوْلُهُ تَعَالَى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْر وَحَدِيثُ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ أَخْرَجَهُ مَالك وَأَصْحَاب السّنَن وَصَححهُ بن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ وَعَنِ الشَّافِعِيَّةِ مَا يُؤْكَلُ نَظِيرُهُ فِي الْبر حَلَال ومالا فَلَا وَاسْتَثْنَوْا عَلَى الْأَصَحِّ مَا يَعِيشُ فِي الْبَحْرِ وَالْبَرِّ وَهُوَ نَوْعَانِ النَّوْعُ الْأَوَّلُ مَا وَرَدَ فِي مَنْعِ أَكْلِهِ شَيْءٌ يَخُصُّهُ كَالضِّفْدَعِ وَكَذَا اسْتَثْنَاهُ أَحْمَدُ لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِ وَرَدَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ وَالْحَاكِمُ وَله شَاهد من حَدِيث بن عمر عِنْد بن أَبِي عَاصِمٍ وَآخَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَزَادَ فَإِنَّ نَقِيقَهَا تَسْبِيحٌ وَذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ أَنَّ الضِّفْدَعَ نَوْعَانِ بَرِّيٌّ وَبَحْرِيٌّ فَالْبَرِّيُّ يَقْتُلُ آكِلَهُ وَالْبَحْرِيُّ يَضُرُّهُ وَمِنَ الْمُسْتَثْنَى أَيْضًا التِّمْسَاحُ لِكَوْنِهِ يَعْدُو بِنَابِهِ وَعِنْدَ أَحْمَدَ فِيهِ رِوَايَةٍ وَمِثْلُهُ الْقِرْشُ فِي الْبَحْرِ الْمِلْحِ خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَالثُّعْبَانُ وَالْعَقْرَبُ وَالسَّرَطَانُ وَالسُّلَحْفَاةُ لِلِاسْتِخْبَاثِ وَالضَّرَرِ اللَّاحِقِ مِنَ السُّمِّ وَدنيلسُ قِيلَ إِنَّ أَصْلَهُ السَّرَطَانُ فَإِنْ ثَبَتَ حَرُمَ النَّوْعُ الثَّانِي مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ مَانِعٌ فَيَحِلُّ لَكِنْ بِشَرْطِ التَّذْكِيَةِ كَالْبَطِّ وَطَيْرِ الْمَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فتح5493
وقال بن وَهْبٍ سَأَلْتُ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ عَنْ أَكْلِ خِنْزِيرِ الْمَاءِ وَكَلْبِ الْمَاءِ وَإِنْسَانِ الْمَاءِ وَدَوَابِّ الْمَاءِ كُلِّهَا فَقَالَ أَمَّا إِنْسَانُ الْمَاءِ فَلَا يُؤْكَلُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْحَالَاتِ وَالْخِنْزِيرُ إِذَا سَمَّاهُ النَّاسُ خِنْزِيرًا فَلَا يُؤْكَلُ وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْخِنْزِيرَ وَأَمَّا الْكِلَابُ فَلَيْسَ بِهَا بَأسٌ فِي الْبَحْرِ وَالْبَرِّ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَمْ يختلفوا أن المارما هي مُبَاحٌ أَكْلُهُ وَهُوَ يُشْبِهُ الْحَيَّاتِ وَتُسَمَّى أَيْضًا حَيَّةَ الْبَحْرِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى بُطْلَانِ اعْتِبَارِ مَعْنَى الْأَسْمَاءِ وَالْأَشْبَاهِ فِي حَيَوَانِ الْبَحْرِ وَإِنَّمَا هِيَ كُلُّهَا سُمُوكٌ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَشْكَالُهَا وَصُوَرُهَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى أُحِلَّ لَكُمْ صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة فَدَخَلَ فِيهِ مَا يُصَادُ مِنْ حَيَوَانِهِ لِأَنَّهُ لَا يُخَصُّ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا بِدَلِيلٍ
وَسُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ طَهُورٌ مَاؤُهُ حَلَالٌ مَيْتَتُهُ فَلَمْ يَسْتَثْنِ شَيْئًا مِنْهَا دُونَ شَيْءٍ فَقَضِيَّةُ الْعُمُومِ تُوجِبُ فِيهَا الْإِبَاحَةَ إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الدَّلِيلُ انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيُّ. عون3840
(1) على اختلاف بين الروايات ، فبعضها ورد أنهم أكلوا منه نصف شهر (خ) 4361
وفي بعضها (ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً)(خ) 2483
وفي بعضها: (فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْرًا)(م) 17 - (1935)
(2)
حاشية ابن عابدين 5/ 194 وما بعدها، وحاشية الدسوقي 2/ 115، ومغني المحتاج 4/ 297 وما بعدها، وكشاف القناع 6/ 193، والإنصاف 10/ 384.