الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَابُ الْخَامِس:
الْأَعْيَان الطَّاهِرَة
طَهَارَةُ الْآدَمِيّ
(خ م ت حم) ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:(" لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم)(1)(فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ)(2)(وَأَنَا جُنُبٌ ، فَأَخَذَ بِيَدِي " فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى قَعَدَ ، فَانْسَلَلْتُ)(3)(فَذَهَبْتُ فَاغْتَسَلْتُ)(4)(" فَتَفَقَّدَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " ، فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ: " أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ " ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ)(5)(كُنْتَ لَقِيتَنِي وَأَنَا جُنُبٌ)(6)(فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ)(7)(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " سُبْحَانَ اللهِ ، إِنَّ الْمُسْلِمَ وفي رواية: (الْمُؤْمِنَ)(8) لَا يَنْجُسُ ") (9)
الشَّرْح:
(" لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ ، وَأَنَا جُنُبٌ ، فَأَخَذَ بِيَدِي " فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى قَعَدَ ،
فَانْسَلَلْتُ) وفي رواية: (فَانْخَنَسْتُ) أَيْ: مَضَيْتُ عَنْهُ مُسْتَخْفِيًا ، وَلِذَلِكَ وُصِفَ الشَّيْطَانُ بِالْخَنَّاسِ. فتح283
(فَذَهَبْتُ فَاغْتَسَلْتُ)(" فَتَفَقَّدَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم) أَيْ: أنه لم يجد أبا هريرة بعدما ابصره عنده ، لكونه ذهب يغتسل عن جنابته ، لاعتقاده أنه نجس بسببها. ذخيرة269
(فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ: " أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ " ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ)(كُنْتَ لَقِيتَنِي وَأَنَا جُنُبٌ)
(فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ)
(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: سُبْحَانَ اللهِ) تَعَجَّبَ مِنِ اعْتِقَادِ أَبِي هُرَيْرَةَ التَّنَجُّسَ بِالْجَنَابَةِ أَيْ كَيْفَ يخفي عليه هذا الظاهر وفي اسْتِحْبَابُ تَنْبِيهِ الْمَتْبُوعِ لِتَابِعِهِ عَلَى الصَّوَابِ وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ. عون231
(إِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ) أَيْ: بِالْحَدَثِ ، سَوَاءٌ كَانَ أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ إِذِ الْمَقَامُ مَقَامُ الْحَدَثِ فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِالنَّجَاسَةِ وَقَدْ يُقَالُ إِنَّ الْمُرَادَ نَفْسُهُ لَا يَصِيرُ نَجَسًا لِأَنَّهُ إِنْ صَحِبَهُ شَيْءٌ مِنَ النَّجَاسَةِ فَنَجَاسَتُهُ بِسَبَبِ صُحْبَتِهِ بِذَلِكَ لَا أَنَّ ذَاتَهُ صَارَ نَجَسًا فَإِذَا زَالَ مَا كَانَ مَعَهُ مِنَ النَّجَاسَةِ فَالْمُؤْمِنُ عَلَى حَالِهِ مِنَ الطَّهَارَةِ فَصَدَقَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ أَصْلًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُقْتَضَى مَا فَعَلَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَصِيرُ نجسا بحيث يحترز عن صحبته حالة الجناية فَرَدَّهُ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَصِيرُ كَذَلِكَ أَصْلًا وَذَلِكَ لَا يُنَافِي أَنَّ الْمُؤْمِنَ قَدْ يُحْتَرَزُ عَنْهُ بِالنَّظَرِ إِلَى مَا يَصْحَبُهُ مِنْ بَعْضِ الْأَنْجَاسِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَعْلُومٌ مِنْ خَارِجٍ. عون231
ويستفاد من هذا الحديث ما ترجم له النسائي باب مماسة الجنب ومجالسته. ذخيرة269
تَمَسَّكَ بِمَفْهُومِهِ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ فَقَالَ إِنَّ الْكَافِرَ نَجِسُ الْعَيْنِ وَقَوَّاهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ طَاهِرُ الْأَعْضَاءِ لِاعْتِيَادِهِ مُجَانَبَةَ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِ لِعَدَمِ تَحَفُّظِهِ عَنِ النَّجَاسَةِ وَعَنِ الْآيَةِ بَان المُرَاد أَنه نَجَسٌ فِي الِاعْتِقَادِ وَالِاسْتِقْذَارِ وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ نِكَاحَ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَرَقَهُنَّ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ مَنْ يُضَاجِعُهُنَّ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يُجِبْ عَلَيْهِ مِنْ غُسْلِ الْكِتَابِيَّةِ إِلَّا مِثْلَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ غُسْلِ الْمُسْلِمَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآدَمِيَّ الْحَيَّ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ وَأَغْرَبَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْجَنَائِزِ مِنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ فَنَسَبَ الْقَوْلَ بِنَجَاسَةِ الْكَافِرِ إِلَى الشَّافِعِيِّ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ الطَّهَارَةِ عِنْدَ مُلَابَسَةِ الْأُمُورِ الْمُعَظَّمَةِ وَاسْتِحْبَابُ احْتِرَامِ أَهْلِ الْفَضْلِ وَتَوْقِيرِهِمْ وَمُصَاحَبَتِهِمْ عَلَى أَكْمَلِ الْهَيْئَاتِ وَكَانَ سَبَبُ ذَهَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا لَقِيَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ ماسحه ودعا لَهُ (10) هَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ (267) وابن حِبَّانَ (1370) مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ فَلَمَّا ظَنَّ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ الْجُنُبَ يَنْجُسُ بِالْحَدَثِ خَشِيَ أَنْ يُمَاسِحَهُ صلى الله عليه وسلم كَعَادَتِهِ فَبَادَرَ إِلَى الِاغْتِسَالِ وَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَوْلَهُ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ وَقَوْلُهُ سُبْحَانَ اللَّهِ تَعَجَّبَ مِنِ اعْتِقَادِ أَبِي هُرَيْرَةَ التَّنَجُّسَ بِالْجَنَابَةِ أَيْ كَيْفَ يَخْفَى عَلَيْهِ هَذَا الظَّاهِرُ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ اسْتِئْذَانِ التَّابِعِ لِلْمَتْبُوعِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُفَارِقَهُ لِقَوْلِهِ أَيْنَ كُنْتَ فَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ حَتَّى يُعْلِمَهُ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَنْبِيهِ الْمَتْبُوعِ لِتَابِعِهِ عَلَى الصَّوَابِ وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ وَفِيهِ جَوَازُ تَأخِيرِ الِاغْتِسَالِ عَنْ أَوَّلِ وَقت وُجُوبه وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بن حِبَّانَ الرَّدَّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْجُنُبَ إِذَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ فَنَوَى الِاغْتِسَالَ أَنَّ مَاءَ الْبِئْرِ يَنْجُسُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَلَى طَهَارَةِ عَرَقِ الْجُنُبِ لِأَنَّ بَدَنَهُ لَا يَنْجُسُ بِالْجَنَابَةِ فَكَذَلِكَ مَا تَحَلَّبَ مِنْهُ وَعَلَى جَوَازِ تَصَرُّفِ الْجُنُبِ فِي حَوَائِجِهِ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ فَقَالَ بَابُ الْجُنُبِ يَخْرُجُ وَيَمْشِي فِي السُّوقِ. فتح283
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَأخِيرِ الِاغْتِسَالِ لِلْجُنُبِ وَأَنْ يَسْعَى فِي حَوَائِجِهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ. تحفة121
قال القارىء نقلا عن بن الملك وما روي عن بن عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّ أَعْيَانَهُمْ نَجِسَةٌ كَالْخِنْزِيرِ وَعَنِ الْحَسَنِ مَنْ صَافَحَهُمْ فَلْيَتَوَضَّأ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي التَّبَعُّدِ عَنْهُمْ وَالِاحْتِرَازِ مِنْهُمْ انْتَهَى. تحفة121
وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي طَهَارَةِ الْمُسْلِمِ حَيًّا وَمَيِّتًا فَأَمَّا الْحَيُّ فَطَاهِرٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى الْجَنِينُ وَكَذَلِكَ الصِّبْيَانُ أَبْدَانُهُمْ وَثِيَابُهُمْ مَحْمُولَةٌ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى تُتَيَقَّنَ النَّجَاسَةُ فَيَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي ثِيَابِهِمْ وَالْأَكْلُ مَعَهُمْ مِنَ الْمَائِعِ إِذَا غَمَسُوا أَيْدِيَهُمْ فِيهِ وَدَلَائِلُ هَذَا كُلِّهِ مِنَ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ مَشْهُورَةٌ
وَأَمَّا الْمَيِّتُ فَفِيهِ خِلَافٌ لِلْعُلَمَاءِ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عن بن عَبَّاسٍ تَعْلِيقًا الْمُسْلِمُ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا. عون230
قال الصنعاني في العدة (ج1ص364): ذهب قوم إلى أنه (يعني الميت) ينجس بالموت ، ويطهر بالغسل ، وآخرون إلى أنه لا يطهره الغسل ، بل الغسل مجرد تعبد ، وآخرون على أنه لا ينجس بالموت ، بل هو طاهر ، وهذا الأخير أظهر الأقول ، وألصقها بالصواب ، لعدم الأدلة على خلافه ، إلا عمومات تحريم أكل الميتة ، ولا ملازمة بين تحريم الأكل والنجاسة ، فإنه يحرم أكله حيًّا ، وهو طاهر الذات اتفاقا ، والأصل بقاؤه بعد الموت على ما كان عليه قبله. أ. هـ
وفيه استحباب استئذان التابع للمتبوع إذا أراد أن يفارقه ، لقوله (أين كنت) فأشار إلى أنه كان ينبغي له أن لا يفارقه حتى يعلمه. ذخيرة269
(1)(خ) 281 ، (حم) 7210
(2)
(خ) 279 ، (م) 371
(3)
(خ) 281 ، (حم) 7210
(4)
(د) 231 ، (م) 371 ، (حم) 10087
(5)
(م) 371 ، (س) 269
(6)
(حم) 10087 ، (م) 371 ، (س) 269
(7)
(خ) 279 ، (م) 371 ، (حم) 10087
(8)
(خ) 281 ، (م) 371
(9)
(خ) 279 ، (م) 116 - (372) ، (ت) 121
(10)
أَيْ: مسح ذلك الرجلَ ، ومسح الرجل جسدَه الشريف ، وإنما يفعل ذلك إيناسا له ، وإظهارا لمحبته إياه ، وهذا من كريم أخلاقه وحسن معاشرته لأصحابه ، ويفعل ذلك الرجل لقصد أن ينال بركة جسده الشريف ، فقد كان الصحابة يتسابقون إلى ذلك ، كما في صلح الحديبية. ذخيرة267