الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَبَن الْمَيْتَة وَإِنْفَحَتهَا
لَبَنُ مَيْتَةِ مَأكُولِ اللَّحْمِ مِنَ الْحَيَوَانِ نَجِسٌ وَذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَذَلِكَ لأَنَّ اللَّبَنَ مَائِعٌ فِي وِعَاءٍ نَجِسٍ فَكَانَ نَجِسًا كَمَا لَوْ حُلِبَ فِي وِعَاءٍ نَجِسٍ. وَعِنْدَ أبي حَنِيفَةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لَبَنُ مَيْتَةِ مَأكُولِ اللَّحْمِ طَاهِرٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} "، وَصَفَ اللَّبَنَ مُطْلَقًا بِالْخُلُوصِ وَالسُّيُوغِ مَعَ خُرُوجِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ، وَهَذَا آيَةُ الطَّهَارَةِ، وَكَذَا الآيَةُ خَرَجَتْ مَخْرَجَ الامْتِنَانِ، وَالْمِنَّةُ فِي مَوْضِعِ النِّعْمَةِ تَدُلُّ عَلَى الطَّهَارَةِ، وَالصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَكَلُوا الْجُبْنَ لَمَّا دَخَلُوا الْمَدَائِنَ، وَهُوَ يُعْمَلُ بِالإِنْفَحَةِ، وَهِيَ تُؤْخَذُ مِنْ صِغَارِ الْمَعْزِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اللَّبَنِ، وَذَبَائِحُهُمْ مَيْتَةٌ. (1)
مَا سَبَقَ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَيَوَانِ الْحَيِّ الْمَأكُولِ اللَّحْمِ وَمَيْتَتِهِ،
وَذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ لَبَنَ الْحَيَوَانَاتِ الْمُتَّفَقِ عَلَى حُرْمَةِ أَكْلِهَا نَجِسٌ حَيَّةً كَانَتْ أَوْ مَيِّتَةً، يَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ: حُكْمُ الأَلْبَانِ حُكْمُ اللُّحْمَانِ. (2)
وَفِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ: لَبَنُ مَا لا يُؤْكَلُ كَلَبَنِ الأَتَانِ نَجِسٌ لِكَوْنِهِ مِنَ الْمُسْتَحِيلاتِ فِي الْبَاطِنِ فَهُوَ نَجِسٌ (3)
وَفِي جَوَاهِرِ الإِكْلِيلِ: لَبَنُ غَيْرِ الآدَمِيِّ الْمَحْلُوبِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ تَابِعٌ لِلَحْمِهِ فِي الطَّهَارَةِ وَعَدَمِهَا، (4)
وَفِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: الْحِمَارُ الأَهْلِيُّ لَحْمُهُ حَرَامٌ فَكَذَلِكَ لَبَنُهُ. (5)
الإِنْفَحَةُ: مَادَّةٌ بَيْضَاءُ صَفْرَاوِيَّةٌ فِي وِعَاءٍ جِلْدِيٍّ يُسْتَخْرَجُ مِنْ بَطْنِ الْجَدْيِ أَوِ الْحَمَلِ الرَّضِيعِ يُوضَعُ مِنْهَا قَلِيلٌ فِي اللَّبَنِ الْحَلِيبِ فَيَنْعَقِدُ وَيَتَكَاثَفُ وَيَصِيرُ جُبْنًا، وَجِلْدَةُ الإِنْفَحَةِ هِيَ الَّتِي تُسَمَّى كَرِشًا إِذَا رَعَى الْحَيَوَانُ الْعُشْبَ. (6)
وَالإِنْفَحَةُ إِنْ أُخِذَتْ مِنْ مُذَكًّى ذَكَاةً شَرْعِيَّةً فَهِيَ طَاهِرَةٌ مَأكُولَةٌ بِالاتِّفَاقِ، وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ ذَلِكَ بِأَلا يُطْعَمَ الْمُذَكَّى غَيْرُ اللَّبَنِ.
وَإِنْ أُخِذَتْ مِنْ مَيِّتٍ، أَوْ مِنْ مُذَكًّى ذَكَاةً غَيْرَ شَرْعِيَّةٍ فَهِيَ نَجِسَةٌ غَيْرُ مَأكُولَةٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَطَاهِرَةٌ مَأكُولَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ صُلْبَةً أَمْ مَائِعَةً قِيَاسًا عَلَى اللَّبَنِ.
وَقَالَ الصَّاحِبَانِ: إِنْ كَانَتْ صُلْبَةً يُغْسَلُ ظَاهِرُهَا وَتُؤْكَلُ، وَإِنْ كَانَتْ مَائِعَةً فَهِيَ نَجِسَةٌ لِنَجَاسَةِ وِعَائِهَا بِالْمَوْتِ فَلا تُؤْكَلُ. (7)
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْحُكْمِ بِنَجَاسَةِ إِنْفَحَةِ الْمَيْتَةِ مِنَ الْحَيَوَانِ الْمَأكُولِ اللَّحْمِ، حَيْثُ إِنَّهَا قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي صِنَاعَةِ الْجُبْنِ، وَذَلِكَ عَلَى ثَلاثَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ أَنَّهَا نَجِسَةٌ، وَالْجُبْنُ الْمَعْقُودُ بِهَا مُتَنَجِّسٌ، لا يَحِلُّ أَكْلُهُ، لأَنَّ تَحْرِيمَ الْمَيْتَةِ تَحْرِيمٌ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا، وَمِنْهَا الإِنْفَحَةُ.
وَالثَّانِي: لأَبِيْ يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ صَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ مَائِعَةً فَهِيَ نَجِسَةٌ لِنَجَاسَةِ وِعَائِهَا، وَإِنْ كَانَتْ صُلْبَةً يُغْسَلُ ظَاهِرُهَا وَتُؤْكَلُ.
وَالثَّالِثُ: لأَبِيْ حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ رَجَّحَهَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَهُوَ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ، لأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم لَمَّا دَخَلُوا الْمَدَائِنَ أَكَلُوا الْجُبْنَ، وَهُوَ يُعْمَلُ بِالإِنْفَحَةِ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْ صِغَارِ الْمَعْزِ، وَذَبَائِحُهُمْ مَيْتَةٌ. (8)
(1) بدائع الصنائع 1/ 63، والكافي لابن عبد البر 1/ 440، ونهاية المحتاج 1/ 227، ومغني المحتاج 1/ 80، والمغني 1/ 74.
(2)
المغني 8/ 587.
(3)
نهاية المحتاج 1/ 227.
(4)
جواهر الإكليل 1/ 9.
(5)
الفتاوى الهندية 5/ 290.
(6)
المصباح المنير، والقاموس المحيط.
(7)
البدائع 5/ 43، والخرشي على خليل 1/ 85، ونهاية المحتاج 1/ 227، والمغني مع الشرح الكبير 11/ 89.
(8)
بدائع الصنائع 1/ 63، 5/ 43، وتبيين الحقائق 1/ 26، والبحر الرائق 1/ 112، وتفسير الفخر الرازي 5/ 19، وأحكام القرآن للجصاص 1/ 147، والخرشي 1/ 85، ولباب اللباب ص 75، ونهاية المحتاج 1/ 227، وأحكام القرآن للكيا الهراس 1/ 72، المغني لابن قدامة 1/ 100، والمبدع 9/ 209، 1/ 147، والفتاوى الكبرى لابن تيمية 1/ 480، ومجموع فتاوى ابن تيمية 21/ 532.