الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَابُ الرَّابِع:
شُرُوطُ صِحَّةِ الطَّهَارَة
مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الطَّهَارَةِ النِّيَّةُ وَمَحَلُّهَا الْقَلْب
(خ م د)، عَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ (1) وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى (2) "(3)
الشَّرْح:
(إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) كَذَا أُورِدَ هُنَا وَهُوَ مِنْ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ ، أَيْ: كُلُّ عَمَلٍ بِنِيَّتِهِ.
وَقَالَ الْحَرْبِيُّ: كَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ النِّيَّةَ تَتَنَوَّعُ كَمَا تَتَنَوَّعُ الْأَعْمَالُ ، كَمَنْ قَصَدَ بِعَمَلِهِ وَجْهَ اللهِ ، أَوْ تَحْصِيلَ مَوْعُودِهِ ، أَوْ الِاتِّقَاءَ لِوَعِيدِهِ ، وَوَقَعَ فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ بِإِفْرَادِ النِّيَّةِ ، وَوَجْهُهُ أَنَّ مَحَلَّ النِّيَّةِ الْقَلْبُ ، وَهُوَ مُتَّحِدٌ فَنَاسَبَ إِفْرَادَهَا بِخِلَافِ الْأَعْمَالِ ، فَإِنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالظَّوَاهِرِ ، وَهِيَ مُتَعَدِّدَةٌ فَنَاسَبَ جَمْعَهَا ، وَلِأَنَّ النِّيَّةَ تَرْجِعُ إِلَى الْإِخْلَاصِ ، وَهُوَ وَاحِدٌ لِلْوَاحِدِ الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ. فتح1
فَتَقْدِيرُ هَذَا الْحَدِيثِ: إِنَّ الْأَعْمَالَ تُحْسَبُ بِنِيَّةٍ، وَلَا تُحْسَبُ إِذَا كَانَتْ بِلَا نِيَّة. النووي (155 - 1907)
والْحَدِيث مَتْرُوك الظَّاهِر ، لِأَنَّ الذَّوَاتَ غَيْرُ مُنْتَفِيَة، إِذْ التَّقْدِيرُ: لَا عَمَل إِلَّا بِالنِّيَّةِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ ذَاتِ الْعَمَل ، لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ بِغَيْرِ نِيَّة، بَلْ الْمُرَاد: نَفْيُ أَحْكَامِهَا ، كَالصِّحَّةِ وَالْكَمَال، لَكِنَّ الْحَمْلَ عَلَى نَفْيِ الصِّحَّة أَوْلَى ، لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِنَفْيِ الشَّيْءِ نَفْسِهِ ..
وَقَالَ اِبْن السَّمْعَانِيّ فِي أَمَالِيهِ: أَفَادَتْ أَنَّ الْأَعْمَالَ الْخَارِجَةَ عَنْ الْعِبَادَةِ لَا تُفِيدُ الثَّوَاب إِلَّا إِذَا نَوَى بِهَا فَاعِلُهَا الْقُرْبَةَ، كَالْأَكْلِ ، إِذَا نَوَى بِهِ الْقُوَّةَ عَلَى الطَّاعَة. فتح1
ويُستَثنَى مِن عُمُومِ الخَبَرِ ما يَحصُلُ مِن جِهَةِ الفَضلِ الإِلَهِيِّ بِالقَصدِ مِن غَيرِ عَمَلٍ ، كالأَجرِ الحاصِلِ لِلمَرِيضِ بِسَبَبِ مَرَضِهِ عَلَى الصَّبرِ ، لِثُبُوتِ الأخْبارِ بِذَلِكَ ، خِلافًا لِمَن قالَ: إِنَّما يَقَعُ الأَجرُ عَلَى الصَّبرِ وحُصُولِ الأَجرِ بِالوعْدِ الصّادِقِ لِمَن قَصَدَ العِبادَةَ ، فَعاقَهُ عَنْها عائِقٌ بِغَيرِ إِرادَتِهِ ، وكَمَن لَهُ أَورادٌ فَعَجَزَ عَن فِعلِها لِمَرَضٍ مَثَلاً ، فَإِنَّهُ يُكتَبُ لَهُ أَجرُها كَمَنْ عَمِلَها. فتح6953
(وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِيهِ تَحْقِيقٌ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ ، وَالْإِخْلَاصِ فِي الْأَعْمَالِ ، فَجَنَحَ إِلَى أَنَّهَا مُؤَكَّدَةٌ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ تُفِيدُ غَيْرَ مَا أَفَادَتْهُ الْأُولَى ، لِأَنَّ الْأُولَى نَبَّهَتْ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ يَتْبَعُ النِّيَّةَ وَيُصَاحِبُهَا ، فَيَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَى ذَلِكَ ، وَالثَّانِيَةُ أَفَادَتْ أَنَّ الْعَامِلَ لَا يَحْصُلُ لَهُ الا مَا نَوَاه.
وَقَالَ ابن دَقِيقِ الْعِيدِ: الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ تَقْتَضِي أَنَّ مَنْ نَوَى شَيْئًا يَحْصُلُ لَهُ ، يَعْنِي إِذَا عَمِلَهُ بِشَرَائِطِهِ ، أَوْ حَالَ دُونَ عَمَلِهِ لَهُ مَا يُعْذَرُ شَرْعًا بِعَدَمِ عَمَلِهِ ، وَكُلُّ مَا لَمْ يَنْوِهِ ، لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ، وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ:" مَا لَمْ يَنْوِهِ "، أَيْ: لَا خُصُوصًا ، وَلَا عُمُومًا ..
وَقَالَ اِبْن عَبْد السَّلَام: الْجُمْلَة الْأُولَى: لِبَيَانِ مَا يُعْتَبَرُ مِنْ الْأَعْمَال،
وَالثَّانِيَة: لِبَيَانِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا. فتح1
فَمَنْ نَوَى بِعَقْدِ الْبَيْعِ الرِّبَا ، وَقَعَ فِي الرِّبَا ، وَلَا يُخَلِّصُهُ مِنَ الْإِثْمِ صُورَةُ الْبَيْعِ ، وَمَنْ نَوَى بِعَقْدِ النِّكَاحِ التَّحْلِيلَ ، كَانَ مُحَلِّلًا ، وَدَخَلَ فِي الْوَعِيدِ عَلَى ذَلِكَ بِاللَّعْنِ ، وَلَا يُخَلِّصُهُ مِنْ ذَلِكَ صُورَةُ النِّكَاحِ ، وَكُلُّ شَيْءٍ قَصَدَ بِهِ تَحْرِيمَ مَا أَحَلَّ اللهُ ، أَوْ تَحْلِيلَ مَا حَرَّمَ اللهُ ، كَانَ إِثْمًا ، وَلَا فَرْقَ فِي حُصُولِ الْإِثْمِ فِي التَّحَيُّلِ عَلَى الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ بَيْنَ الْفِعْلِ الْمَوْضُوعِ لَهُ ، وَالْفِعْلِ الْمَوْضُوعِ لِغَيْرِهِ ، إِذَا جُعِلَ ذَرِيعَةً لَهُ ..
وَفِي الْجُمْلَةِ ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ فِي الظَّاهِرِ ، رَفْعُ الْحَرَجِ عَمَّنْ يَتَعَاطَى الْحِيلَةَ الْبَاطِلَةَ فِي الْبَاطِنِ ، وَاللهُ أَعْلَمُ. فتح6953
(1) قَالَ النَّوَوِيّ: النِّيَّة الْقَصْد، وَهِيَ عَزِيمَة الْقَلْب ، والتَّقْدِير: لَا عَمَل إِلَّا بِالنِّيَّةِ ، قَالَ الْخُوبِيّ: كَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ النِّيَّة تَتَنَوَّع كَمَا تَتَنَوَّع الْأَعْمَال. (فتح الباري - ح1)
(2)
قَالَ الْقُرْطُبِيّ: فِيهِ تَحْقِيقٌ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّة وَالْإِخْلَاص فِي الْأَعْمَال.
(3)
(د) 2201 ، (خ) 1 ، (م) 1907