الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَسُّ الْمُحْدِثِ كُتُبَ الْفِقْهِ وَغَيْرِهَا:
قَال الْبُخَارِيُّ ج1ص46: وَقَالَ مَنْصُورٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ:«لَا بَأسَ بِالقِرَاءَةِ فِي الحَمَّامِ، وَبِكَتْبِ الرِّسَالَةِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ»
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مَنْصُورٌ) أَيِ: ابْنُ الْمُعْتَمِرِ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) أَيِ: النَّخَعِيِّ، وَأَثَرُهُ هَذَا وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ مِثْلِهِ، وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ: سَأَلْتُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْقِرَاءَةِ فِي الْحَمَّامِ فَقَالَ: لَمْ يُبْنَ لِلْقِرَاءَةِ فِيهِ. قُلْتُ: وَهَذَا لَا يُخَالِفُ رِوَايَةَ أَبِي عَوَانَةَ، فَإِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِمُطْلَقِ الْجَوَازِ وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: سَأَلْتُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْقِرَاءَةِ فِي الْحَمَّامِ فَقَالَ يُكْرَهُ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَالْإِسْنَادُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ.
وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: بِئْسَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ يُنْزَعُ فِيهِ الْحَيَاءُ، وَلَا يُقْرَأُ فِيهِ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ بِمَا هُوَ الْوَاقِعُ بِأَنَّ شَانَ مَنْ يَكُونُ فِي الْحَمَّامِ أَنْ يَلْتَهِيَ عَنِ الْقِرَاءَةِ.
وَحُكِيَتِ الْكَرَاهَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَخَالَفَهُ صَاحِبُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَمَالِكٌ فَقَالَا لَا تُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ خَاصٌّ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي التِّبْيَانِ عَنِ الْأَصْحَابِ: لَا تُكْرَهُ، فَأَطْلَقَ. لَكِنْ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ لِلصَّيْمَرِيِّ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ. وَسَوَّى الْحَلِيمِيُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ حَالَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ. وَرَجَّحَ السُّبْكِيُّ الْكَبِيرُ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْقِرَاءَةَ مَطْلُوبَةٌ وَالِاسْتِكْثَارَ مِنْهَا مَطْلُوبٌ وَالْحَدَثَ يَكْثُرُ، فَلَوْ كُرِهَتْ لَفَاتَ خَيْرٌ كَثِيرٌ. ثُمَّ قَالَ: حُكْمُ الْقِرَاءَةِ فِي الْحَمَّامِ إِنْ كَانَ الْقَارِئُ فِي مَكَانٍ نَظِيفٍ وَلَيْسَ فِيهِ كَشْفُ عَوْرَةٍ لَمْ يُكْرَهْ، وَإِلَّا كُرِهَ.
قَوْلُهُ: (وَيَكْتُبُ الرِّسَالَةَ) كَذَا فِي رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ بِلَفْظِ مُضَارِعِ كَتَبَ، وَفِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ " بِكَتْبِ " بِمُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ وَكَافٍ مَفْتُوحَةٍ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ بِالْقِرَاءَةِ. وَهَذَا الْأَثَرُ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ أَيْضًا عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ: سَأَلْتُ إِبْرَاهِيمَ: أَأَكْتُبُ الرِّسَالَةَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ يَتَعَلَّقُ بِالْكِتَابَةِ لَا بِالْقِرَاءَةِ فِي الْحَمَّامِ. وَلَمَّا كَانَ مِنْ شَانِ الرَّسَائِلِ أَنْ تُصَدَّرَ بِالْبَسْمَلَةِ تَوَهَّمَ السَّائِلُ أَنَّ ذَلِكَ يُكْرَهُ لِمَنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ كَاتِبَ الرِّسَالَةِ لَا يَقْصِدُ الْقِرَاءَةَ فَلَا يَسْتَوِي مَعَ الْقِرَاءَةِ. فتح (1/ 287)
مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَة:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِلَى جَوَازِ مَسِّ الْمُحْدِثِ كُتُبَ الْفِقْهِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا آيَاتٌ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ.
وَهُوَ أَصَحُّ وَجْهَيْنِ مَشْهُورَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. غَيْرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: وَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لا يَفْعَلَ. (1)
وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ كِتَابًا قَالَ فِيهِ آيَةً "، وَلأَنَّهَا لا يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُ الْمُصْحَفِ، وَلا تَثْبُتُ لَهَا حُرْمَتُهُ. (2)
مَسُّ الْمُحْدِثِ كُتُبَ الْحَدِيثِ
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى جَوَازِ مَسِّ الْمُحْدِثِ كُتُبَ الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا آيَاتٌ مِنَ الْقُرْآنِ فِي الْجُمْلَةِ.
جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: وَيُكْرَهُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ مَسُّ كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَالسُّنَنِ، وَلا بَأسَ بِمَسِّهَا بِالْكُمِّ لأَنَّهَا لا تَخْلُو عَنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ. (3)
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ مَسُّ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ. (4)
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَأَمَّا كُتُبُ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَأَطْلَقَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ جَوَازَ مَسِّهَا وَحَمْلِهَا مَعَ الْحَدَثِ، وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ: يُكْرَهُ، وَالْمُخْتَارُ مَا قَالَهُ آخَرُونَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ جَازَ، وَالأَوْلَى أَنْ لا يَفْعَلَ إِلا بِطَهَارَةٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا قُرْآنٌ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ. (5)
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَجُوزُ مَسُّ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا آيَاتٌ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الأَصْحَابُ، وَحَكَى الْقَاضِي رِوَايَةً بِالْمَنْعِ. (6)
وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ لِجَوَازِ مَسِّ كُتُبِ الْحَدِيثِ " بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ كِتَابًا فِيهِ آيَةٌ "، وَلأَنَّهَا لا يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُ الْمُصْحَفِ وَلا تَثْبُتُ لَهَا حُرْمَتُهُ.
مَسُّ الْمُحْدِثِ لِلنُّقُودِ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ مَسِّ الْمُحْدِثِ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ الَّتِي عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ فَأَجَازَ ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ الأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ. (7)
وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ كِتَابًا إِلَى هِرَقْلَ وَفِيهِ آيَةُ {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ} "، وَلَمْ يَأمُرْ حَامِلَهَا بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ وَلأَنَّ هَذِهِ الأَشْيَاءَ لا تُقْصَدُ بِإِثْبَاتِ الْقُرْآنِ فِيهَا قِرَاءَتُهُ فَلا تَجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْقُرْآنِ (8)، وَلأَنَّ الدَّرَاهِمَ لا يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُ الْمُصْحَفِ فَأَشْبَهَتْ كُتُبَ الْفِقْهِ، وَلأَنَّ فِي الاحْتِرَازِ مِنْهَا مَشَقَّةً أَشْبَهَتْ أَلْوَاحَ الصِّبْيَانِ (9) وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: لا يَجُوزُ مَسُّ الدَّرَاهِمِ بِيَدِهِ وَإِنْ كَانَتْ فِي صُرَّةٍ فَلا بَأسَ. (10)
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي إِلَى عَدَمِ جَوَازِ مَسِّ شَيْءٍ مَكْتُوبٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ مِنْ لَوْحٍ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إِذَا كَانَ آيَةً تَامَّةً، وَلَوْ كَانَ الْقُرْآنُ مَكْتُوبًا بِالْفَارِسِيَّةِ يُكْرَهُ لَهُمْ مَسُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا عِنْدَهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ، لأَنَّ حُرْمَةَ الْمُصْحَفِ كَحُرْمَةِ مَا كُتِبَ فِيهِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْكِتَابَةُ فِي الْمُصْحَفِ وَعَلَى الدَّرَاهِمِ، وَكَرِهَ ذَلِكَ عَطَاءٌ وَالْقَاسِمُ وَالشَّعْبِيُّ، لأَنَّ الْقُرْآنَ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا فَأَشْبَهَتِ الْوَرَقَ. (11)
(1) بدائع الصنائع 1/ 156، فتح القدير 1/ 150، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/ 125، وشرح الزرقاني على مختصر خليل 1/ 94، والمجموع شرح المهذب 2/ 70، ونهاية المحتاج 1/ 126، والإنصاف 1/ 225، والمغني 1/ 148.
(2)
المغني 1/ 148.
(3)
بدائع الصنائع 1/ 33، والفتاوى الهندية 1/ 39، وفتح القدير لابن الهمام 1/ 150.
(4)
شرح الزرقاني على مختصر خليل 1/ 94، ومواهب الجليل 1/ 304، وحاشية الدسوقي 1/ 125 ـ 126.
(5)
المجموع شرح المهذب 1/ 72، وشرح روض الطالب من أسنى المطالب 1/ 61.
(6)
المغني 1/ 148، والإنصاف 1/ 225، وكشاف القناع (1/ 135).
(7)
شرح الزرقاني على مختصر خليل 1/ 94، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/ 125 ـ 126، ونهاية المحتاج 1/ 126، وشرح روض الطالب من أسنى المطالب 1/ 61، والمجموع شرح المهذب 2/ 70، والفروع 1/ 190، والمغني 1/ 148، وكشاف القناع 1/ 135، والإنصاف 1/ 224.
(8)
نهاية المحتاج 1/ 126، وشرح روض الطالب من أسنى المطالب 1/ 61، والمجموع 2/ 70.
(9)
شرح روض الطالب 1/ 61، والفروع 1/ 190، والمغني 1/ 148، وكشاف القناع 1/ 135.
(10)
الفروع 1/ 190، والإنصاف 1/ 224.
(11)
بدائع الصنائع 1/ 156، والفتاوى الهندية 1/ 39، والمغني 1/ 148.