الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَة:
لا خِلافَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي نَجَاسَةِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ (1) وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي طَهَارَتِهِ بَعْدَهُ.
وَعَرَّفُوا الْمَيْتَةَ بِأَنَّهَا الْمَيِّتُ مِنَ الْحَيَوَانِ الْبَرِّيِّ الَّذِي لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ، مَأكُولَةُ اللَّحْمِ أَوْ غَيْرُهُ، مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ بِذَكَاةٍ غَيْرِ شَرْعِيَّةٍ، كَمُذَكَّى الْمَجُوسِيِّ أَوِ الْكِتَابِيِّ لِصَنَمِهِ، أَوِ الْمُحْرِمِ لِصَيْدٍ، أَوِ الْمُرْتَدِّ أَوْ نَحْوِهِ. (2)
وَاخْتَلَفُوا فِي طَهَارَةِ جُلُودِ الْمَيْتَةِ بِالدِّبَاغَةِ عَلَى التَّفْصِيلِ التَّالِي:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ فِي جِلْدِ مَيْتَةِ مَأكُولِ اللَّحْمِ - إِلَى أَنَّ الدِّبَاغَةَ وَسِيلَةٌ لِتَطْهِيرِ جُلُودِ الْمَيْتَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مَأكُولَةَ اللَّحْمِ أَمْ غَيْرَ مَأكُولَةِ اللَّحْمِ، فَيَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ جِلْدُ مَيْتَةِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ إِلا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ عِنْدَ الْجَمِيعِ لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ، وَجِلْدُ الآدَمِيِّ لِكَرَامَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا جِلْدَ الْكَلْبِ، كَمَا اسْتَثْنَى مُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ جِلْدَ الْفِيلِ. (3)
قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ رحمه الله فِي مُوَطَّئِهِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ: إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ ، وَبِهَذَا نَأخُذُ إِذَا دُبِغَ إِهَابُ الْمَيْتَةِ فَقَدْ طَهُرَ وَهُوَ ذَكَاتُهُ وَلَا بَأسَ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ وَلَا بَأسَ بِبَيْعِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةِ مِنْ فُقَهَائِنَا رحمهم الله. تحفة1728
قال النووي: مَذْهَب الشَّافِعِيّ أَنَّهُ يَطْهُر بِالدِّبَاغِ جَمِيع جُلُود الْمَيْتَة إِلَّا الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَالْمُتَوَلِّد مِنْ أَحَدهمَا وَغَيْره، وَيَطْهُر بِالدِّبَاغِ ظَاهِر الْجِلْد وَبَاطِنه، وَيَجُوز اِسْتِعْمَاله فِي الْأَشْيَاء الْمَائِعَة وَالْيَابِسَة، وَلَا فَرْق بَيْن مَأكُول اللَّحْم وَغَيْره، وَرُوِيَ هَذَا الْمَذْهَب عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب، وَعَبْد اللَّه بْن مَسْعُود رضي الله عنهما. النووي (100 - (363)
وَاسْتَدَلُّوا لِطَهَارَةِ جُلُودِ الْمَيْتَةِ بِالدِّبَاغَةِ بِأَحَادِيثَ، مِنْهَا:
أ - قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: " أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ ".
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَزَعَمَ قَوْم أَنَّ جِلْد مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه لَا يُسَمَّى إِهَابًا وَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الدِّبَاغ لَا يَعْمَل مِنْ الْمَيْتَة إِلَّا فِي جِلْد الْجِنْس الْمَأكُول اللَّحْم. وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّ اِسْم الْإِهَاب يَتَنَاوَل جِلْد مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه كَتَنَاوُلِهِ جِلْد الْمَأكُول اللَّحْم قَوْل عَائِشَة حِين وَصَفَتْ أَبَاهَا وَحَقَنَ الدِّمَاء فِي أُهُبهَا تُرِيد بِهِ النَّاس، وَقَدْ قَالَ ذُو الرُّمَّة يَصِف كَلْبَيْنِ: لَا يَذْخَرَانِ مِنْ الْإِيغَال بَاقِيَة حَتَّى يَكَاد تُفَرَّى عَنْهُمَا الْأُهُبُ، اِنْتَهَى مُلَخَّصًا. عون4123
قال الحافظ: وَقَدْ تَمَسَّكَ بَعْضُهُمْ بِخُصُوصِ هَذَا السَّبَبِ فَقَصَرَ الْجَوَازَ عَلَى الْمَأكُولِ لِوُرُودِ الْخَبَرِ فِي الشَّاةِ وَيَتَقَوَّى ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ بِأَنَّ الدِّبَاغَ لَا يَزِيدُ فِي التَّطْهِيرِ عَلَى الذَّكَاةِ وَغَيْرُ الْمَأكُولِ لَوْ ذُكِّيَ لَمْ يَطْهُرْ بِالذَّكَاةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ فَكَذَلِكَ الدِّبَاغُ وَأَجَابَ مَنْ عَمَّمَ بِالتَّمَسُّكِ بِعُمُومِ اللَّفْظِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ خُصُوصِ السَّبَبِ وَبِعُمُومِ الْإِذْنِ بِالْمَنْفَعَةِ وَلِأَنَّ الْحَيَوَانَ طَاهِرٌ يُنْتَفَعُ بِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ فَكَانَ الدِّبَاغُ بَعْدَ الْمَوْتِ قَائِمًا لَهُ مَقَامَ الْحَيَاةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فتح5532
ب - وَبِمَا رَوَى سَلَمَةُ بْنُ الْمُحَبِّقِ " أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ دَعَا بِمَاءٍ مِنْ عِنْدِ امْرَأَةٍ، قَالَتْ: مَا عِنْدِي إِلا فِي قِرْبَةٍ لِي مَيْتَةٍ. قَالَ: أَلَيْسَ قَدْ دَبَغْتِهَا؟ قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّ دِبَاغَهَا ذَكَاتُهَا ".
ج - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: " تَصَدَّقَ عَلَى مَوْلاةٍ لِمَيْمُونَةَ بِشَاةٍ فَمَاتَتْ، فَمَرَّ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: هَلا أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ؟ فَقَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ، فَقَالَ: إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا ".
وَاسْتَدَلُّوا بِالْمَعْقُولِ أَيْضًا، وَهُوَ أَنَّ الدَّبْغَ يُزِيلُ سَبَبَ النَّجَاسَةِ وَهُوَ الرُّطُوبَةُ وَالدَّمُ، فَصَارَ الدَّبْغُ لِلْجِلْدِ كَالْغَسْلِ لِلثَّوْبِ، وَلأَنَّ الدِّبَاغَ يَحْفَظُ الصِّحَّةَ لِلْجِلْدِ وَيُصْلِحُهُ لِلانْتِفَاعِ بِهِ كَالْحَيَاةِ، ثُمَّ الْحَيَاةُ تَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنِ الْجُلُودِ فَكَذَلِكَ الدِّبَاغُ. (4)
أَمَّا اسْتِثْنَاءُ جِلْدِ الْخِنْزِيرِ فَلأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ، أَيْ أَنَّ ذَاتَهُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا نَجِسَةٌ حَيًّا وَمَيِّتًا، فَلَيْسَتْ نَجَاسَتُهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الدَّمِ أَوِ الرُّطُوبَةِ كَنَجَاسَةِ غَيْرِهِ مِنْ مَيْتَةِ الْحَيَوَانَاتِ، فَلِذَا لَمْ يَقْبَلِ التَّطْهِيرَ. (5)
وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيَّةُ لاسْتِثْنَاءِ الْكَلْبِ بِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاهُنَّ بِالتُّرَابِ ".
وَالطَّهَارَةُ تَكُونُ لِحَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ، وَلا حَدَثَ عَلَى الإِنَاءِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْوُلُوغَ سَبَبٌ لِلْخَبَثِ بِسَبَبِ نَجَاسَةِ فَمِ الْكَلْبِ، فَبَقِيَّةُ أَجْزَاءِ الْكَلْبِ أَوْلَى بِالنَّجَاسَةِ، وَإِذَا كَانَتِ الْحَيَاةُ لا تَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنِ الْكَلْبِ فَالدِّبَاغُ أَوْلَى، لأَنَّ الْحَيَاةَ أَقْوَى مِنَ الدِّبَاغِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا سَبَبٌ لِطَهَارَةِ الْجُمْلَةِ، وَالدِّبَاغُ وَسِيلَةٌ لِطَهَارَةِ الْجِلْدِ فَقَطْ. (6)
وَاسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ لِطَهَارَةِ جِلْدِ الْكَلْبِ بِالدِّبَاغَةِ بِعُمُومِ الأَحَادِيثِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ. (7)
وَالْكَلْبُ لَيْسَ نَجِسَ الْعَيْنِ عِنْدَهُمْ فِي الأَصَحِّ، وَكَذَلِكَ الْفِيلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَمْتَشِطُ بِمُشْطٍ مِنْ عَاجٍ "(8) وَفَسَّرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ بِعَظْمِ الْفِيلِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ بِعَدَمِ طَهَارَةِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ بِالدِّبَاغَةِ، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُكَيْمٍ قَالَ:" أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ: أَلا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلا عَصَبٍ ". وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " كُنْتُ رَخَّصْتُ لَكُمْ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ، فَإِذَا جَاءَكُمْ كِتَابِي هَذَا فَلا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلا عَصَبٍ ".
وَأَجَابَ الْمَالِكِيَّةُ عَنِ الأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي طَهَارَةِ الْجِلْدِ بِالدِّبَاغِ بِأَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الطَّهَارَةِ اللُّغَوِيَّةِ أَيِ النَّظَافَةِ، وَلِذَا جَازَ الانْتِفَاعُ بِهِ فِي حَالاتٍ خَاصَّةٍ كَمَا سَيَأتِي.
وَرُوِيَ عَنْ سَحْنُونَ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ قَوْلُهُمَا: بِطَهَارَةِ جِلْدِ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ بِالدِّبَاغَةِ حَتَّى الْخِنْزِيرِ. (9)
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغَةِ جِلْدُ مَيْتَةِ مَا كَانَ طَاهِرًا فِي الْحَيَاةِ، مِنْ إِبِلٍ وَبَقَرٍ وَظِبَاءٍ وَنَحْوِهَا، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَأكُولِ اللَّحْمِ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ " فَيَتَنَاوَلُ الْمَأكُولَ وَغَيْرَهُ، وَخَرَجَ مِنْهُ مَا كَانَ نَجِسًا فِي حَالِ الْحَيَاةِ لِكَوْنِ الدَّبْغِ إِنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي دَفْعِ نَجَاسَةٍ حَادِثَةٍ بِالْمَوْتِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى قَضِيَّةِ الْعُمُومِ.
كَمَا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ قَوْلُهُ: بِطَهَارَةِ جُلُودِ مَيْتَةِ مَأكُولِ اللَّحْمِ فَقَطْ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" ذَكَاةُ الأَدِيمِ دِبَاغُهُ " وَالذَّكَاةُ إِنَّمَا تَعْمَلُ فِيمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، فَكَذَلِكَ الدِّبَاغُ. (10)
جِلْدُ الْمَيْتَةِ بَعْدَ الدِّبَاغِ
لا خِلافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي نَجَاسَةِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ دَبْغِهِ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي طَهَارَتِهِ بِالدِّبَاغِ عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ (11):
الأَوَّلُ: لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَهُوَ أَنَّ جُلُودَ الْمَيْتَةِ تَطْهُرُ كُلُّهَا بِالدِّبَاغِ إِلا الْخِنْزِيرَ، وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا جِلْدَ الْكَلْبِ.
الثَّانِي: لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمَشْهُورِ وَهُوَ عَدَمُ طَهَارَةِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ بِالدِّبَاغَةِ، قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَكِنْ يَجُوزُ الانْتِفَاعُ بِذَلِكَ الْجِلْدِ الْمَدْبُوغِ وَاسْتِعْمَالُهُ مَعَ نَجَاسَتِهِ فِي الْيَابِسَاتِ وَفِي الْمَاءِ وَحْدَهُ دُونَ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ.
الثَّالِثُ: لأَبِيْ يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَلِسَحْنُونٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ جَمِيعَ الْجُلُودِ تَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ حَتَّى الْخِنْزِيرُ.
وَالْمَذْهَب السَّادِس يَطْهُر الْجَمِيع وَالْكَلْب وَالْخِنْزِير ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَهُوَ مَذْهَب دَاوُدَ وَأَهْل الظَّاهِر، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي يُوسُف. النووي (100 - (363)
الرَّابِعُ: لأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَهُوَ أَنَّهُ إِنَّمَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ جِلْدُ مَيْتَةِ مَا كَانَ طَاهِرًا حَالَ الْحَيَاةِ.
الْخَامِسُ: لِلأَوْزَاعِيِّ وَأَبِيْ َثْورٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَهُوَ طَهَارَةُ جُلُودِ مَيْتَةِ الْحَيَوَانِ الْمَأكُولِ اللَّحْمِ فَقَطْ.
قال النووي: وَالْمَذْهَب الثَّالِث يَطْهُر بِالدِّبَاغِ جِلْد مَأكُول اللَّحْم، وَلَا يَطْهُر غَيْره، وَهُوَ مَذْهَب الْأَوْزَاعِيِّ، وَابْن الْمُبَارَك، وَأَبِي ثَوْر، وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ. النووي (100 - (363)
(قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: إِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ، إِنَّمَا يَعْنِي بِهِ جِلْدَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ هَكَذَا فَسَّرَهُ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، وَقَالَ: إِنَّمَا يُقَالُ إِهَابٌ لِجِلْدِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ)(ت) 1728
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: هَذَا يُخَالِفُ مَا قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: إِنَّمَا يُسَمَّى إِهَابًا مَا لَمْ يُدْبَغْ فَإِذَا دُبِغَ لَا يُقَالُ لَهُ إِهَابٌ إِنَّمَا يُسَمَّى شَنًّا وَقِرْبَةً.
فَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ تَخْصِيصُهُ بِجِلْدِ الْمَأكُولِ، وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ عَنْهُ أَرْجَحُ لِمُوَافَقَتِهَا مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ كَصَاحِبِ الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا وَالْمَبْحَثُ لُغَوِيٌّ فَيُرَجَّحُ مَا وَافَقَ اللُّغَةَ وَلَمْ نَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ اللُّغَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِ الْإِهَابِ بِإِهَابِ مَأكُولِ اللَّحْمِ كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ اِنْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ. نيل56
مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِالْبَاب
قال النووي: يَجُوز الدِّبَاغ بِكُلِّ شَيْء يُنَشِّف فَضَلَات الْجِلْد وَيُطَيِّبهُ، وَيَمْنَع مِنْ وُرُود الْفَسَاد عَلَيْهِ. وَذَلِكَ كَالشَّتِّ وَالشَّبّ وَالْقَرْظ وَقُشُور الرُّمَّان وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَدْوِيَة الطَّاهِرَة، وَلَا يَحْصُل بِالتَّشْمِيسِ عِنْدنَا، وَقَالَ أَصْحَاب أَبِي حَنِيفَة: يَحْصُل، وَلَا يَحْصُل عِنْدنَا بِالتُّرَابِ وَالرَّمَاد وَالْمِلْح عَلَى الْأَصَحّ فِي الْجَمِيع.
وَهَلْ يَحْصُل بِالْأَدْوِيَةِ النَّجِسَة كَذَرْقِ الْحَمَام وَالشَّبّ الْمُتَنَجِّس؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحّهمَا عِنْد الْأَصْحَاب حُصُوله،
وَيَجِب غَسْله بَعْد الْفَرَاغ مِنْ الدِّبَاغ بِلَا خِلَاف،
وَلَوْ كَانَ دَبْغه بِطَاهِرٍ فَهَلْ يَحْتَاج إِلَى غَسْله بَعْد الْفَرَاغ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
وَهَلْ يُحْتَاج إِلَى اِسْتِعْمَال الْمَاء فِي أَوَّل الدِّبَاغ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
قَالَ أَصْحَابنَا: وَلَا يَفْتَقِر الدِّبَاغ إِلَى فِعْل فَاعِل. فَلَوْ أَطَارَتْ الرِّيح جِلْد مَيْتَة فَوَقَعَ فِي مَدْبَغه طَهُرَ. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَإِذَا طَهُرَ بِالدِّبَاغِ جَازَ الِانْتِفَاع بِهِ بِلَا خِلَاف.
وَهَلْ يَجُوز بَيْعه؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحّهمَا يَجُوز.
وَهَلْ يَجُوز أَكْله؟ فِيهِ ثَلَاثَة أَوْجُه أَوْ أَقْوَال: أَصَحّهَا لَا يَجُوز بِحَالٍ، وَالثَّانِي يَجُوز، وَالثَّالِث يَجُوز أَكْل جِلْد مَأكُول اللَّحْم، وَلَا يَجُوز غَيْره. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَإِذَا طَهُرَ الْجِلْد بِالدِّبَاغِ فَهَلْ يَطْهُر الشَّعْر الَّذِي عَلَيْهِ تَبَعًا لِلْجِلْدِ إِذَا قُلْنَا بِالْمُخْتَارِ فِي مَذْهَبنَا إِنَّ شَعْر الْمَيْتَة نَجَس فِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ: أَصَحّهمَا وَأَشْهَرهمَا لَا يَطْهُر لِأَنَّ الدِّبَاغ لَا يُؤَثِّر فِيهِ بِخِلَافِ الْجِلْد.
قَالَ أَصْحَابنَا: لَا يَجُوز اِسْتِعْمَال جِلْد الْمَيْتَة قَبْل الدِّبَاغ فِي الْأَشْيَاء الرَّطْبَة. وَيَجُوز فِي الْيَابِسَات مَعَ كَرَاهَته وَاللَّه أَعْلَم. النووي (100 - (363)
(1) يسمى الجلد قبل الدباغ (إهابا) و (مَسْكًا).
(2)
الخرشي 1/ 188، ومغني المحتاج 1/ 78، وكشاف القناع 1/ 54.
(3)
ابن عابدين 1/ 136، والبدائع 1/ 85، ومغني المحتاج 1/ 78، والمغني لابن قدامة 1/ 66، 67.
(4)
ابن عابدين 1/ 136، والبدائع 1/ 85، والبناية 1/ 236، 362، والمجموع 1/ 216 وما بعدها، ومغني المحتاج 1/ 78، وكشاف القناع 1/ 54، والمغني 1/ 67.
(5)
روي عن أبي يوسف وسحنون من المالكية طهارة جلد الخنزير أيضا بالدباغ (ابن عابدين 1/ 136، والدسوقي 1/ 54، والمجموع 1/ 214).
(6)
المجموع 1/ 211، 214، 220، ومغني المحتاج 1/ 78.
(7)
المراجع السابقة للحنفية.
(8)
حديث: " كان يمتشط بمشط من عاج " أخرجه البيهقي (1/ 26 ـ ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث أنس وضعف إسناده. وانظر ابن عابدين 1/ 136.
(9)
الدسوقي مع الشرح الكبير 1/ 54، والمحلى 9/ 32 م 1549، والمغني 1/ 66، 67، وكشاف القناع 1/ 54.
(10)
المغني 1/ 68، 69، وكشاف القناع 1/ 54، 55.
(11)
أحكام القرآن للجصاص 1/ 142، والبدائع 1/ 85، والشرح الصغير للدردير 1/ 52، والذخيرة 1/ 166، والتفريع 1/ 408، وبداية المجتهد 1/ 78، والكافي لابن عبد البر 1/ 439، والمجموع 1/ 217، وأحكام القرآن للكيا الهراس 1/ 71، وتفسير الرازي 5/ 16، ومغني المحتاج 1/ 78، والمغني 1/ 89، 94، والإنصاف 1/ 86، ومجموع فتاوى ابن تيمية 21/ 95.