الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ الْعَقْل
(س حم)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (" رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ)(1)(أَوْ يُفِيقَ؟ ")(2)
الشَّرْح:
(رُفِعَ الْقَلَمُ): هُو كِنَايَة عَنْ عَدَم كِتَابَة الْآثَام عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْأَحْوَال ، وَهُوَ لَا يُنَافِي ثُبُوتَ بَعْضِ الْأَحْكَام الدُّنْيَوِيَّة وَالْأُخْرَوِيَّة لَهُمْ فِي هَذِهِ الْأَحْوَال ، كَضَمَانِ الْمُتْلَفَات وَغَيْرِه ، فَهَذَا الْحَدِيث " رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأ " مَعَ أَنَّ الْقَاتِلَ خَطَأٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَة ، وَعَلَى الْعَاقِلَة الدِّيَة ، وَلِهَذَا ، الصَّحِيحُ أَنَّ الصَّغِيرَ يُثَابُ عَلَى الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَعْمَال. شرح سنن النسائي (6/ 156)
وحكى ابنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ سُئِلَ عَنْ إِسْلَامِ الصَّبِيِّ ، فَقَالَ: لَا يَصِحُّ ، وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ ، فَعُورِضَ بِأَنَّ الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْهُ قَلَمُ الْمُؤَاخَذَةِ ، وَأَمَّا قَلَمُ الثَّوَابِ فَلَا ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِلْمَرْأَةِ لَمَّا سَأَلَتْهُ:(أَلِهَذَا حَجٌّ؟ ، قَالَ: نَعَمْ) ،
وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: (مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ) ، فَإِذَا جَرَى لَهُ قَلَمُ الثَّوَابِ ، فَكَلِمَةُ الْإِسْلَامِ أَجَلُّ أَنْوَاعِ الثَّوَابِ ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّهَا تَقَعُ لَغْوًا ، وَيُعْتَدُّ بِحَجِّهِ وَصَلَاتِهِ؟. (3)
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: وَهَذَا فِي الصَّبِيِّ ظَاهِرٌ ، وَأَمَّا فِي الْمَجْنُونِ ، فَلَا تَتَّصِفُ أَفْعَالُهُ بِخَيْرٍ وَلَا شَرٍّ ، إذْ لَا قَصْدَ لَهُ، وَالْمَوْجُودُ مِنْهُ مِنْ صُوَرِ الْأَفْعَالِ لَا حُكْمَ لَهُ شَرْعًا، وَأَمَّا فِي النَّائِمِ فَفِيهِ بُعْدٌ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ مُنْتَفٍ أَيْضًا ، فَلَا حُكْمَ لِمَا صَدَرَ مِنْهُ مِنْ الْأَفْعَالِ حَالَ نَوْمِهِ. وَلِلنَّاسِ كَلَامٌ فِي تَكْلِيفِ الصَّبِيِّ بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ أَوْ بِبَعْضِهَا لَيْسَ هَذَا مَحَلَّ بَسْطِهِ ، وَكَذَلِكَ النَّائِمُ. (4)
(عَنْ ثَلَاثٍ) أَيْ: ثلاثة أصناف من الناس.
(عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ) قَالَ السُّبْكِيُّ: الصَّبِيُّ: الْغُلَامُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: الْوَلَدُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ يُسَمَّى جَنِينًا ، فَإِذَا وُلِدَ فَصَبِيٌّ ، فَإِذَا فُطِمَ فَغُلَامٌ إِلَى سَبْعٍ ، ثُمَّ يَصِيرُ يَافِعًا إِلَى عَشْرٍ ، ثُمَّ حَزْوَرًا إِلَى خَمْسَ عَشْرَةَ.
وَالَّذِي يُقْطَعُ بِهِ أَنَّهُ يُسَمَّى صَبِيًّا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا ، قَالَهُ السُّيُوطِيُّ. (5)
(حَتَّى يَحْتَلِمَ) وفي رواية: (حَتَّى يَكْبُرَ)، قَالَ السُّبْكِيُّ: لَيْسَ فِيهَا مِنَ الْبَيَانِ ، وَلَا فِي قَوْلِهِ (حَتَّى يَبْلُغَ) مَا فِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ:(حَتَّى يَحْتَلِمَ) فَالتَّمَسُّكُ بِهَا أَوْلَى ، لِبَيَانِهَا وَصِحَّةِ سَنَدِهَا.
وَقَوْلُهُ: (حَتَّى يَبْلُغَ) مُطْلَقٌ ، وَالِاحْتِلَامُ مُقَيَّدٌ ، فَيُحْمَلُ عليه ، فإن الاحتلام بُلُوغٌ قَطْعًا وَعَدَمُ بُلُوغِ خَمْسَ عَشْرَةَ ، لَيْسَ بِبُلُوغٍ قَطْعًا. (6)
(وَعَنْ الْمَجْنُونِ) قَالَ فِي التَّلْوِيحِ: الْجُنُونُ: اخْتِلالُ الْقُوَّةِ الْمُمَيِّزَةِ بَيْنَ الأُمُورِ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ الْمُدْرِكَةِ لِلْعَوَاقِبِ ، بِأَنْ لا تَظْهَرَ آثَارُهُ وَتَتَعَطَّلُ أَفْعَالُهَا ، إمَّا لِنُقْصَانٍ جُبِلَ عَلَيْهِ دِمَاغُهُ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ ، وَإِمَّا لِخُرُوجِ مِزَاجِ الدِّمَاغِ عَنْ الاعْتِدَالِ بِسَبَبِ خَلْطٍ أَوْ آفَةٍ ، وَإِمَّا لاسْتِيلاءِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِ وَإِلْقَاءِ الْخَيَالاتِ الْفَاسِدَةِ إلَيْهِ ، بِحَيْثُ يَفْرَحُ وَيَفْزَعُ مِنْ غَيْرِ مَا يَصْلُحُ سَبَبًا. (7)
(حَتَّى يَعْقِلَ) أَيْ: إلى أن يرجع إليه تدبُّرُه وفهمُه للأمور. (8)
(أَوْ يُفِيقَ) وفي رواية لأبي داود: 4403 (زَادَ فِيهِ: وَالْخَرِفِ)
مِنَ الْخَرَفِ ، وَهُوَ: فَسَادُ الْعَقْلِ مِنَ الْكِبَرِ.
قَالَ السُّبْكِيُّ: يَقْتَضِي أَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى الثَّلَاثَةِ ، وَهَذَا صَحِيحٌ ، وَالْمُرَادُ بِهِ: الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي زَالَ عَقْلُهُ مِنْ كِبَرٍ ، فَإِنَّ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ قَدْ يَعْرِضُ لَهُ اخْتِلَاطُ عَقْلٍ يَمْنَعُهُ مِنَ التَّمْيِيزِ ، وَيُخْرِجُهُ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّكْلِيفِ ، وَلَا يُسَمَّى جُنُونًا ، لِأَنَّ الْجُنُونَ يَعْرِضُ مِنْ أَمْرَاضٍ سَوْدَاوِيَّةٍ ، وَيَقْبَلُ الْعِلَاجَ ، وَالْخَرَفُ بِخِلَافِ ذَلِكَ ، وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ فِي الْحَدِيثِ: حَتَّى يَعْقِلَ ، لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ مِنْهُ إِلَى الْمَوْتِ ،
ولو بَرَأَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بِرُجُوعِ عَقْلِهِ ، تَعَلَّقَ بِهِ التَّكْلِيفُ فَسُكُوتُهُ عَنِ الْغَايَةِ فِيهِ لَا يَضُرُّ ، كَمَا سَكَتَ عَنْهَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فِي الْمَجْنُونِ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ مُنْقَطِعًا ، لَكِنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَجْنُونِ ، كَمَا أَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فِي مَعْنَى النَّائِمِ ، فَلَا يَفُوتُ الْحَصْرُ بِذَلِكَ إِذَا نَظَرْنَا إِلَى الْمَعْنَى ، فَهُمْ فِي الصُّورَةِ خَمْسَةٌ: الصَّبِيُّ ، وَالنَّائِمُ ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ ، وَالْمَجْنُونُ ، وَالْخَرِفُ ، وَفِي الْمَعْنَى ثَلَاثَةٌ. (9)
فَوائِدُ الْحَدِيث:
اسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ: (حَتَّى يَحْتَلِمَ) عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ قَبْلَ ذَلِكَ.
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: يُؤَاخَذُ قَبْلَ ذَلِكَ بِالرِّدَّةِ ، وَكَذَا مَنْ قَالَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْمُرَاهِقِ ، وَيُعْتَبَرُ طَلَاقُهُ ، لِقَوْلِهِ فِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى:(حَتَّى يَكْبُرَ) وَالْأُخْرَى: (حَتَّى يَشِبَّ).
وتعقَّبَه ابنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ بِلَفْظِ (حَتَّى يَحْتَلِمَ) هِيَ الْعَلَامَةُ الْمُحَقَّقَةُ ، فَيَتَعَيَّنُ اعْتِبَارُهَا وَحَمْلُ بَاقِي الرِّوَايَاتِ عَلَيْهَا. (10)
مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَة:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ التَّكْلِيفِ - الْعَقْل وَالْبُلُوغِ - فِي وُجُوبِ الْغُسْل.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى اشْتِرَاطِ التَّكْلِيفِ فِي وُجُوبِ الْغُسْل، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُكَلَّفًا فَعَلَيْهِ الْغُسْل فَقَطْ دُونَ الأخَرِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: الْمُغَيِّبُ إِنْ كَانَ بَالِغًا وَجَبَ الْغُسْل عَلَيْهِ، وَكَذَا عَلَى الْمُغَيَّبِ فِيهِ إِنْ كَانَ بَالِغًا، وَإِلَاّ وَجَبَ عَلَى الْمُغَيِّبِ دُونَ الْمُغَيَّبِ فِيهِ ، فَإِنْ كَانَ الْمُغَيِّبُ غَيْرَ بَالِغٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى مَنْ غَيَّبَ فِيهِ، سَوَاءٌ كَانَ بَالِغًا أَمْ لَا مَا لَمْ يُنْزِل بِذَلِكَ الْمُغَيَّبُ فِيهِ، وَإِلَاّ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْل لِلإِنْزَال. وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: الصَّبِيُّ إِذَا أَوْلَجَ فِي امْرَأَةٍ أَوْ دُبُرِ رَجُلٍ، أَوْ أَوْلَجَ رَجُلٌ فِي دُبُرِهِ، يَجِبُ الْغُسْل عَلَى الْمَرْأَةِ وَالرَّجُل، وَكَذَا إِذَا اسْتَدْخَلَتِ امْرَأَةٌ ذَكَرَ صَبِيٍّ فَعَلَيْهَا الْغُسْل، وَيَصِيرُ الصَّبِيُّ فِي كُل هَذِهِ الصُّوَرِ جُنُبًا، وَكَذَا الصَّبِيَّةُ إِذَا أَوْلَجَ فِيهَا رَجُلٌ أَوْ صَبِيٌّ وَكَذَا لَوْ أَوْلَجَ صَبِيٌّ فِي صَبِيٍّ، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ وَغَيْرُهُ، وَإِذَا صَارَ جُنُبًا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ مَا لَمْ يَغْتَسِل،
وَلَا يُقَال: يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْل، كَمَا لَا يُقَال: يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، بَل يُقَال: صَارَ مُحْدِثًا، وَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَأمُرَهُ بِالْغُسْل إِنْ كَانَ مُمَيِّزًا.
وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْحَنَابِلَةُ التَّكْلِيفَ لِوُجُوبِ الْغُسْل، فَيَجِبُ الْغُسْل عَلَى الْمُجَامِعِ غَيْرِ الْبَالِغِ - إِنْ كَانَ يُجَامِعُ مِثْلَهُ كَابْنَةِ تِسْعٍ وَابْنِ عَشْرٍ - فَاعِلاً كَانَ أَوْ مَفْعُولاً بِهِ إِذَا أَرَادَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْغُسْل.
قَال الْبُهُوتِيُّ: وَلَيْسَ مَعْنَى وُجُوبِ الْغُسْل فِي حَقِّ الصَّغِيرِ التَّأثِيمَ بِتَرْكِهِ، بَل مَعْنَاهُ أَنَّهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ أَوِ الطَّوَافِ أَوْ إِبَاحَةِ مَسِّ الْمُصْحَفِ، كَمَا نَصُّوا عَلَى وُجُوبِ الْغُسْل عَلَى الْمَجْنُونِ وَالْمَجْنُونَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مُوجِبَ الطَّهَارَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَصْدُ كَسَبْقِ الْحَدَثِ. (11).
(1)(حم) 24738 ، (خم) ج8ص165 ، (س) 3432 ، (ت) 1423 (د) 4402 ، انظر صَحِيح الْجَامِع: 3512 ، المشكاة: 3287 ،
وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده جيد.
(2)
(س) 3432 ، (جة) 2041 ، (د) 4400
(3)
عون4399
(4)
نيل الأوطار (2/ 24)
(5)
عون4398
(6)
عون4398
(7)
(ابن عابدين3/ 243)
(8)
ذخيرة (ج28ص352)
(9)
عون4403
(10)
عون4399
(11)
حاشية ابن عابدين 1/ 109، وحاشية الدسوقي 1/ 128 - 129، والمجموع شرح المهذب 2/ 132، وكشاف القناع 1/ 143