الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدَّمُ الْبَاقِي فِي العُرُوقِ وَاللَّحْمِ بَعْدَ الذَّبْح
(حم)، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ: فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ ، وَأَمَّا الدَّمَانِ: فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ "(1)
مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَة:
لا خِلافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ أَكْلِ اللَّحْمِ مَعَ بَقَاءِ أَجْزَاءِ الدَّمِ فِي الْعُرُوقِ؛ لأَنَّهُ غَيْرُ مَسْفُوحٍ، أَلا تَرَى أَنَّهُ مَتَى صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ ظَهَرَتْ تِلْكَ الأَجْزَاءُ فِيهِ؟ وَلَيْسَ هُوَ بِمُحَرَّمٍ؛ إذْ لَيْسَ هُوَ مَسْفُوحًا وَلِمَا وَصَفْنَا (2)
مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى الدَّمُ الْبَاقِي عَلَى اللَّحْمِ وَعِظَامِهِ، وَقَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا؛ فَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ الْمُفَسِّرُ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَنُقِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّهُ لا بَأسَ بِهِ، وَدَلِيلُهُ الْمَشَقَّةُ فِي الاحْتِرَازِ مِنْهُ، وَصَرَّحَ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُهُ بِأَنَّ مَا يَبْقَى مِنْ الدَّمِ فِي اللَّحْمِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَلَوْ غَلَبَتْ حُمْرَةُ الدَّمِ فِي الْقَدْرِ لَعَسُرَ الاحْتِرَازُ مِنْهُ، وَحَكَوْهُ عَنْ عَائِشَةَ وَعِكْرِمَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَغَيْرِهِمْ، وَاحْتَجَّتْ عَائِشَةُ وَالْمَذْكُورُونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} ، قَالُوا: فَلَمْ يَنْهَ عَنْ كُلِّ دَمٍ بَلْ عَنْ الْمَسْفُوحِ خَاصَّةً وَهُوَ السَّائِلُ. (3)
وَعِرْقُ الْمَأكُولِ طَاهِرٌ وَلَوْ ظَهَرَتْ حُمْرَتُهُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَيُؤْكَلُ (وَ) لأَنَّ الْعُرُوقَ لا تَنْفَكُّ مِنْهُ، فَيَسْقُطُ حُكْمُهُ، لأَنَّهُ ضَرُورَةٌ، وَظَاهِرُ كَلامِهِ فِي الْخِلافِ فِيمَا إذَا جَبَرَ سَاقَهُ بِنَجَاسَةٍ نَجَاسَتُهُ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: الْمُحَرَّمُ مِنْ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْقَاضِي فَأَمَّا الدَّمُ الَّذِي يَبْقَى فِي خُلَلِ اللَّحْمِ بَعْدَ الذَّبْحِ، وَمَا يَبْقَى فِي الْعُرُوقِ فَمُبَاحٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ جَمَاعَةٌ إلا دَمَ الْعُرُوقِ، قَالَ شَيْخُنَا: لا أَعْلَمُ خِلافًا فِي الْعَفْوِ عَنْهُ، وَأَنَّهُ لا يُنَجِّسُ الْمَرَقَةَ، بَلْ يُؤْكَلُ مَعَهَا. (4)
(وَدَمٌ لَمْ يُسْفَحْ) اللَّخْمِيِّ: إنْ لَمْ يَظْهَرْ الدَّمُ أُكِلَ اتِّفَاقًا كَشَاةٍ شُوِيَتْ قَبْلَ تَقْطِيعِهَا، وَإِذَا قُطِّعَتْ فَظَهَرَ الدَّمُ فَقَالَ مَالِكٌ مَرَّةً: حَرَامٌ وَحَمَلَ الإِبَاحَةَ فِيهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ لأَنَّ قَطْعَهُ مِنْ الْعُرُوقِ حَرَجٌ وَقَالَ مَرَّةً: حَلالٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} فَلَوْ قُطِّعَ اللَّحْمُ عَلَى هَذَا بَعْدَ إزَالَةِ الْمَسْفُوحِ لَمْ يَحْرُمْ وَجَازَ أَكْلُهُ بِانْفِرَادِهِ.
وَفِي الْقَبَسِ: قَوْلُهُ {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} يَقْتَضِي تَحْلِيلَ مَا خَالَطَ الْعُرُوقَ وَجَرَى عِنْدَ تَقْطِيعِ اللَّحْمِ سَفَحَ هَرَقَ ابْنُ يُونُسَ: الْفَرْقُ بَيْنَ قَلِيلِ الدَّمِ وَكَثِيرِهِ أَنَّ كُلَّ مَا حَرُمَ أَكْلُهُ لَمْ تَجُزْ الصَّلاةُ بِهِ وَإِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ الدَّمَ الْمَسْفُوحَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} فَدَلَّ أَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ مَسْفُوحًا حَلالٌ طَاهِرٌ وَذَلِكَ "137" لِلضَّرُورَةِ الَّتِي تَلْحَقُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ إذْ لا يَخْلُو اللَّحْمُ وَإِنْ غُسِلَ أَنْ يَبْقَى فِيهِ دَمٌ يَسِيرٌ، وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: لَوْ حُرِّمَ قَلِيلُ الدَّمِ لَتَتَبَّعَ النَّاسُ مَا فِي الْعُرُوقِ، وَلَقَدْ كُنَّا نَطْبُخُ اللَّحْمَ وَالْمَرَقَةُ تَعْلُوهَا الصُّفْرَةُ، وَلِذَلِكَ فُرِّقَ بَيْنَ قَلِيلِ الدَّمِ وَبَيْنَ قَلِيلِ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ لأَنَّ قَلِيلَ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ حَرَامٌ أَكْلُهَا وَشُرْبُهَا. (5)
ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى طَهَارَةِ رُطُوبَةِ فَرْجِ الْحَيَوَانِ الطَّاهِرِ، وَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى طَهَارَةِ رُطُوبَةِ السَّخْلَةِ إِذَا خَرَجَتْ مِنْ أُمِّهَا وَكَذَا الْبَيْضَةُ، فَلا يَتَنَجَّسُ بِهَا الثَّوْبُ وَلا الْمَاءُ إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ، وَإِنْ كَرِهُوا التَّوَضُّؤَ بِهِ لِلاخْتِلافِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ رُطُوبَةُ الْفَرْجِ طَاهِرَةٌ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ وَلَوْ غَيْرَ مَأكُولٍ.
وَخَصَّ الْمَالِكِيَّةُ طَهَارَةَ رُطُوبَةِ فَرْجِ الْحَيَوَانِ بِالْمُبَاحِ الأَكْلِ فَقَطْ، وَقَيَّدُوهُ بِقَيْدَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَلا يَتَغَذَّى عَلَى نَجَسٍ، وَثَانِيهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِمَّا لا يَحِيضُ كَالإِبِلِ، وَإِلا كَانَتْ نَجِسَةً عَقِبَ حَيْضِهِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَطَاهِرَةٌ. (6)
وَمَا يَبْقَى مِنْ الدَّمِ فِي عُرُوقِ الذَّكَاةِ بَعْدَ الذَّبْحِ لا يُفْسِدُ الثَّوْبَ وَإِنْ فَحُشَ. كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَكَذَا الدَّمُ الَّذِي يَبْقَى فِي اللَّحْمِ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْفُوحٍ. هَكَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ. (7)
(1)(حم) 5723 ، (جة) 3314 ، (قط) ج4ص272 ح25 ، وصححه الألباني في الإرواء: 2526
(2)
أحكام القرآن للجصاص (دار الفكر-د. ط-1414هـ-1993م) ج1 ص173 - 174
(3)
المجموع (مكتبة الإرشاد-السعودية- ومكتبة المطيعي-د. ط-د. ت) ج2 ص575
(4)
الفروع (عالم الكتب-الطبعة الرابعة-1405هـ-1985م) ج1 ص254 - 255
(5)
التاج والإكليل (دار الكتب العلمية-الطبعة الأولى-1416هـ-1994م) ج1 ص136 - 137
(6)
حاشية ابن عابدين 1/ 231، حاشية الدسوقي 1/ 57، مواهب الجليل 1/ 105، نهاية المحتاج 1/ 246، 247، تحفة المحتاج مع حاشية الشرواني 1/ 315، 316، المطبعة الأميرية الطبعة الأولى، مغني المحتاج 1/ 81.
(7)
الفتاوى الهندية (دار الفكر-الطبعة الثانية1310هـ) ج1 ص46