الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَجَاسَةُ الْبَوْل
بَوْلُ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَة
(خ م د)، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ:(" كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيَدْعُو لَهُمْ بِالْبَرَكَةِ وَيُحَنِّكُهُمْ)(1)(فَأُتِيَ بِصَبِيٍّ يَرْضَعُ)(2) وفي رواية: (لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَأكُلَ الطَّعَامَ)(3)(يُحَنِّكُهُ)(4)(فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حِجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ)(5)(فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ عَلَى ثَوْبِهِ ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ غَسْلًا ")(6)
الشَّرْح:
(" كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيَدْعُو لَهُمْ بِالْبَرَكَةِ) أَصْل الْبَرَكَة: ثُبُوت الْخَيْر وَكَثْرَته. النووي (101 - 286)
(وَيُحَنِّكُهُمْ) التَّحْنِيك: مَضْغُ الشَّيْءِ وَوَضْعُهُ فِي فَمِ الصَّبِيِّ ، وَدَلْكُ حَنَكِهِ بِهِ. فتح
(فَأُتِيَ بِصَبِيٍّ يَرْضَعُ) أَيْ: رَضِيع ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُفْطَم. النووي (101 - 286)
وفي رواية: (لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَأكُلَ الطَّعَامَ) الْمُرَادُ بِالطَّعَامِ مَا عَدَا اللَّبَنَ الَّذِي يَرْتَضِعُهُ وَالتَّمْرَ الَّذِي يُحَنَّكُ بِهِ وَالْعَسَلَ الَّذِي يَلْعَقُهُ لِلْمُدَاوَاةِ وَغَيْرِهَا فَكَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الِاغْتِذَاءُ بِغَيْرِ اللَّبَنِ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ.
وَأَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ - تَبَعًا لِأَصْلِهَا - أَنَّهُ لَمْ يَطْعَمْ وَلَمْ يَشْرَبْ غَيْرَ اللَّبَنِ.
وَقَالَ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ: الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَاكُلْ غَيْرَ اللَّبَنِ وَغَيْرَ مَا يُحَنَّكُ بِهِ وَمَا أَشْبَهَهُ.
وَحَمَلَ الْمُوَفَّقُ الْحَمَوِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ قَوْلَهُ " لَمْ يَاكُلْ " عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ: مَعْنَاهُ لَمْ يَسْتَقِلَّ بِجَعْلِ الطَّعَامِ فِي فِيهِ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ، وَبِهِ جَزَمَ الْمُوَفَّقُ بْنُ قُدَامَةَ وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: يُحْتَمَلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَوَّتْ بِالطَّعَامِ وَلَمْ يَسْتَغْنِ بِهِ عَنِ الرَّضَاعِ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا إِنَّمَا جَاءَتْ بِهِ عِنْدَ وِلَادَتِهِ لِيُحَنِّكَهُ صلى الله عليه وسلم فَيُحْمَلُ النَّفْيُ عَلَى عُمُومِهِ وَيُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لِلْمُصَنِّفِ فِي الْعَقِيقَةِ. فتح223
قَالَ الإمام أَحْمَدُ: الصَّبِيُّ إذَا طَعِمَ الطَّعَامَ وَأَرَادَهُ وَاشْتَهَاهُ، غُسِلَ بَوْلُهُ، وَلَيْسَ إذَا أُطْعِمَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَلْعَقُ الْعَسَلَ سَاعَةَ يُولَدُ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَنَّكَ بِالتَّمْرِ ، فَعَلَى هَذَا مَا يُسْقَاهُ الصَّبِيُّ أَوْ يَلْعَقُهُ لِلتَّدَاوِي لَا يُعَدُّ طَعَامًا يُوجِبُ الْغَسْلَ، وَمَا يَطْعَمُهُ لِغِذَائِهِ وَهُوَ يُرِيدُهُ وَيَشْتَهِيهِ، هُوَ الْمُوجِبُ لِغَسْلِ بَوْلِهِ. (المُغْنِي)
(فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حِجْرِهِ) بفتح الحاء وكسرها ، وسكون الجيم ، لغتان مشهورتان. أَيْ: حِضْنه ، أَيْ: وَضَعَهُ. عون374
فِي حِضْنه ، وَهُوَ: مَا دُون الْإِبْط إِلَى الْكَشْح. عون375
(فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ) أَيْ ثَوْبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَغْرَبَ ابْنُ شَعْبَانَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ فَقَالَ: الْمُرَادُ بِهِ ثَوْبُ الصَّبِيِّ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ. فتح223
(فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ عَلَى ثَوْبِهِ) وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ " فَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ نَضَحَ بِالْمَاءِ " وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ " فَرَشَّهُ " زَادَ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ " عَلَيْهِ ". وَلَا تَخَالُفَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ - أَيْ بَيْنَ نَضَحَ وَرَشَّ - لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّ الِابْتِدَاءَ كَانَ بِالرَّشِّ وَهُوَ تَنْقِيطُ الْمَاءِ وَانْتَهَى إِلَى النَّضْحِ وَهُوَ صَبُّ الْمَاءِ. وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنْ هِشَامٍ " فَدَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ " وَلِأَبِي عَوَانَةَ " فَصَبَّهُ عَلَى الْبَوْلِ يُتْبِعُهُ إِيَّاهُ ".فتح223
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا حَقِيقَة النَّضْح هُنَا فَقَدْ اِخْتَلَفَ أَصْحَابنَا فِيهَا، فَذَهَبَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَالْقَاضِي حُسَيْن وَالْبَغَوِيّ إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: أَنَّ الشَّيْء الَّذِي أَصَابَهُ الْبَوْل يُغْمَر بِالْمَاءِ كَسَائِرِ النَّجَاسَات بِحَيْثُ لَوْ عُصِرَ لَا يُعْصَر. قَالُوا: وَإِنَّمَا يُخَالِف هَذَا غَيْره فِي أَنَّ غَيْره يُشْتَرَط عَصْرُهُ عَلَى أَحَد الْوَجْهَيْنِ، وَهَذَا لَا يُشْتَرَط بِالِاتِّفَاقِ، وَذَهَبَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْمُحَقِّقُونَ إِلَى أَنَّ النَّضْح أَنْ يُغْمَرَ وَيُكَاثَر بِالْمَاءِ مُكَاثَرَة لَا يَبْلُغ جَرَيَان الْمَاء وَتَرَدُّدَه وَتَقَاطُره، بِخِلَافِ الْمُكَاثَرَة فِي غَيْره فَإِنَّهُ يُشْتَرَط فِيهَا أَنْ يَكُون بِحَيْثُ يَجْرِي بَعْض الْمَاء وَيُقَاطَر مِنْ الْمَحَلّ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَط عَصْره، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمُخْتَار وَيَدُلّ عَلَيْهِ قَوْلهَا (فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلهُ). وَقَوْله (فَرَشَّهُ) أَيْ نَضَحَهُ. النووي (101 - 286)
قَالَ الْجَوْهَرِيّ وَصَاحِب الْقَامُوس وَصَاحِب الْمِصْبَاح النَّضْح الرَّشّ، وَقَالَ اِبْن الْأَثِير وَقَدْ نَضَحَ عَلَيْهِ الْمَاء وَنَضَحَهُ بِهِ: إِذَا رَشّه عَلَيْهِ، وَقَدْ يَرِد النَّضْح بِمَعْنَى الْغَسْل وَالْإِزَالَة، وَمِنْهُ الْحَدِيث وَنَضَحَ الدَّم عَنْ جَبِينه. وَحَدِيث الْحَيْض ثُمَّ لِتَنْضَحهُ أَيْ: تَغْسِلهُ اِنْتَهَى مُخْتَصَرًا. وَقَالَ فِي لِسَان الْعَرَب النَّضْح الرَّشّ نَضَحَ عَلَيْهِ الْمَاء يَنْضَحهُ نَضْحًا إِذَا ضَرَبَهُ بِشَيْءٍ فَأَصَابَهُ مِنْهُ رَشَاش. وَفِي حَدِيث قَتَادَةَ النَّضْح مِنْ النَّضْح يُرِيد مَنْ أَصَابَهُ نَضْح مِنْ الْبَوْل وَهُوَ الشَّيْء الْيَسِير مِنْهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْضَحهُ بِالْمَاءِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَسْله. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ هُوَ أَنْ يُصِيبهُ مِنْ الْبَوْل رَشَاش كَرُءُوسِ الْإِبَر. وَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ النَّضْح مَا كَانَ عَلَى اِعْتِمَاد وَهُوَ مَا نَضَحْته بِيَدِك مُعْتَمِدًا وَالنَّضْح مَا كَانَ عَلَى غَيْر اِعْتِمَاد، وَقِيلَ هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد وَكُلّه رَشّ، وَانْتَضَحَ نَضَحَ شَيْئًا مِنْ مَاء عَلَى فَرْجه بَعْد الْوُضُوء وَالِانْتِضَاح بِالْمَاءِ وَهُوَ أَنْ يَأخُذ مَاء قَلِيلًا فَيَنْضَح بِهِ مَذَاكِيره وَمُؤْتَزره بَعْد فَرَاغه مِنْ الْوُضُوء لِيَنْفِيَ بِذَلِكَ عَنْهُ الْوَسْوَاس اِنْتَهَى مُلَخَّصًا. وَالْحَاصِل أَنَّ النَّضْح يَجِيء لِمَعَانٍ مِنْهَا الرَّشّ، وَمِنْهَا الْغَسْل، وَمِنْهَا الْإِزَالَة، وَمِنْهَا غَيْر ذَلِكَ لَكِنْ اِسْتِعْمَاله بِمَعْنَى الرَّشّ أَكْثَر وَأَغْلَب وَأَشْهَر حَتَّى لَا يُفْهَم غَيْر هَذَا الْمَعْنَى إِلَّا بِقَرِينَةِ تَدُلّ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ الرَّشّ غَيْر الْغَسْل فَإِنَّ الرَّشّ أَخَفّ مِنْ الْغَسْل، وَفِي الْغَسْل اِسْتِيعَاب الْمَحَلّ الْمَغْسُول بِالْمَاءِ لِإِنْقَاءِ ذَلِكَ الْمَحَلّ وَلِإِزَالَةِ مَا هُنَاكَ، وَالنَّضْح يَحْصُل إِذَا ضَرَبْت الْمَحَلّ بِشَيْءٍ مِنْ مَاء فَأَصَابَ رَشَاش مِنْ الْمَاء عَلَى ذَلِكَ الْمَحَلّ، وَلَيْسَ الْمَقْصُود مِنْ النَّضْح مَا هُوَ الْمَقْصُود مِنْ الْغَسْل بَلْ الرَّشّ أَدْوَن وَأَنْقَص مِنْ الْغَسْل. عون374
(وَلَمْ يَغْسِلْهُ غَسْلًا ") وَهَذَا تَأكِيد لِمَعْنَى النَّضْح أَيْ: اِكْتَفَى عَلَى النَّضْح وَالرَّشّ وَلَمْ يَغْسِل الْمَحَلّ الْمُتَلَوِّث بِالْبَوْلِ. وَفِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ: " فَنَضَحَهُ عَلَى ثَوْبه وَلَمْ يَغْسِلهُ غَسْلًا "، وَفِي لَفْظ لَهُ وَلِابْنِ مَاجَهْ:" فَدَعَا بِمَاءٍ فَرَشَّهُ " وَفِي لَفْظ لَهُ: " فَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ نَضَحَ بِالْمَاءِ ".عون374
قَالَ الْحَافِظُ: ادَّعَى الْأَصِيلِيُّ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ شِهَابٍ رَاوِي الْحَدِيثِ وَأَنَّ الْمَرْفُوعَ انْتَهَى عِنْدَ قَوْلِهِ " فَنَضَحَهُ " قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَى مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ " فَرَشَّهُ " لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ. انْتَهَى. وَلَيْسَ فِي سِيَاقِ مَعْمَرٍ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنَ الْإِدْرَاجِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ بِنَحْوِ سِيَاقِ مَالِكٍ لَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ " وَلَمْ يَغْسِلْهُ " وَقَدْ قَالَهَا مَعَ مَالِكٍ اللَّيْثُ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُمْ وَهُوَ لِمُسْلِمٍ عَنْ يُونُسَ وَحْدَهُ. نَعَمْ زَادَ مَعْمَرٌ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ: " قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَمَضَتِ السُّنَّةُ أَنْ يُرَشَّ بَوْلُ الصَّبِيِّ وَيُغْسَلَ بَوْلُ الْجَارِيَةِ " فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ هِيَ الَّتِي زَادَهَا مَالِكٌ وَمَنْ تَبِعَهُ لَأَمْكَنَ دَعْوَى الْإِدْرَاجِ لَكِنَّهَا غَيْرُهَا فَلَا إِدْرَاجَ. فتح223
فَوائِدُ الْحَدِيث:
يُسْتَفَادُ مِنْهُ الرِّفْقُ بِالْأَطْفَالِ وَالصَّبْرُ عَلَى مَا يَحْدُثُ مِنْهُمْ وَعَدَمُ مُؤَاخَذَتِهِمْ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ. فتح6002
فِيهِ النَّدْبُ إِلَى حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ ، وَالتَّوَاضُعُ. فتح223
فِيهِ: اِسْتِحْبَاب تَحْنِيك الْمَوْلُود. وَفِيهِ: التَّبَرُّك بِأَهْلِ الصَّلَاح وَالْفَضْل. وَفِيهِ: اِسْتِحْبَاب حَمْل الْأَطْفَال إِلَى أَهْل الْفَضْل لِلتَّبَرُّكِ بِهِمْ، وَسَوَاء فِي هَذَا الِاسْتِحْبَاب الْمَوْلُود فِي حَال وِلَادَته وَبَعْدهَا. النووي (101 - 286)
قَالَ الْحَافِظُ: هَذَا فِيهِ نَظَرٌ ، وَالصَّوَابُ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لِمَا جَعَلَ اللهُ فِيهِ مِنَ الْبَرَكَةِ وَخَصَّهُ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ مَعَ غَيْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِالشَّرْعِ، فَوَجَبَ التَّأَسِّي بِهِمْ. وَلِأَنَّ جَوَازَ مِثْلَ هَذَا لِغَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدْ يُفْضِي إِلَى الشِّرْكِ. فَتَنَبَّهْ. فتح223
وَفِيهِ: مَقْصُود الْبَاب ، وَهُوَ: أَنَّ بَوْل الصَّبِيّ يَكْفِي فِيهِ النَّضْح. النووي (101 - 286)
تَنْبِيهٌ: قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَيْسَ تَجْوِيزُ مَنْ جَوَّزَ النَّضْحَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ بَوْلَ الصَّبِيِّ غَيْرُ نَجِسٍ وَلَكِنَّهُ لِتَخْفِيفِ نَجَاسَتِهِ، انْتَهَى.
وَأَثْبَتَ الطَّحَاوِيُّ الْخِلَافَ فَقَالَ: قَالَ قَوْمٌ بِطَهَارَةِ بَوْلِ الصَّبِيِّ قَبْلَ الطَّعَامِ، وَكَذَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ بَطَّالٍ وَمَنْ تَبِعَهُمَا عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا وَلَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ وَلَا الْحَنَابِلَةِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هَذِهِ حِكَايَةٌ بَاطِلَةٌ، انْتَهَى. وَكَأَنَّهُمْ أَخَذُوا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ اللَّازِمِ وَأَصْحَابُ الْمَذْهَبِ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَاللهُ أَعْلَمُ. فتح223
(1)(د) 5106 ، (م) 27 - (2147) ، (خ) 5994
(2)
(م) 102 - (286) ، (خ) 221 ،
(3)
(م) 104 - (287) ، (ت) 71
(4)
(خ) 5656
(5)
(م) 102 - (286) ، (خ) 221
(6)
(م) 104 - (287) ، (خ) 5994 ، (ت) 71 ، (جة) 523
(جة)، وَعَنْ أَبِي السَّمْحِ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ خَادِمَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجِيءَ بِالْحَسَنِ أَوِ الْحُسَيْنِ، فَبَالَ عَلَى صَدْرِه ِ، فَأَرَادُوا أَنْ يَغْسِلُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى صلى الله عليه وسلم:"رُشَّهُ، فَإِنَّهُ يُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ، وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ "(1)
الشَّرْح:
(عَنْ أَبِي السَّمْحِ): خادم النبي صلى الله عليه وسلم اسْمُهُ إِيَادٌ ، صحابي له حديث واحد. ذخيرة304
(يُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ، وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ) فيه تفسيرٌ لمعنى النضح الذي ورد في الحديث الذي قبله ، وذكرنا فيه اختلاف العلماء في تفسير معنى النضح ، فبهذا الحديث الصحيح تبين لنا أن معنى النضح ليس هو الغسل ، إنما هو الرشُّ فقط ، كما ورد صريحا في لفظ هذا الحديث. ع
(1)(جة) 526 ، (س) 304 ، (د) 376
(د جة)، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَوْلِ الرَّضِيعِ: " يُنْضَحُ بَوْلُ الْغُلَامِ [مَا لَمْ يَطْعَمْ] (1) وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ "(2)
فَوائِدُ الْحَدِيث:
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ: قَوْلُهُ بَوْلُ الْغُلَامِ الرَّضِيعِ هَذَا تَقْيِيدٌ لِلَفْظِ الْغُلَامِ بِكَوْنِهِ رَضِيعًا ، وَهَكَذَا يَكُونُ تَقْيِيدًا لِلَفْظِ الصَّبِيِّ وَالصَّغِيرِ ، وَالذَّكَرِ ، الْوَارِدَةِ فِي بَقِيَّةِ الْأَحَادِيثِ. تحفة71
وَهَذَا الْحَدِيث الصَّحِيح فِيهِ دَلِيل صَرِيح عَلَى التَّفْرِقَة بَيْن بَوْل الصَّبِيّ وَالصَّبِيَّة وَأَنَّ بَوْل الصَّبِيّ يَكْفِيه النَّضْح بِالْمَاءِ وَلَا حَاجَة فِيهِ لِلْغَسْلِ، وَأَنَّ بَوْل الصَّبِيَّة لَا بُدّ لَهُ مِنْ الْغَسْل وَلَا يَكْفِيه النَّضْح. عون375
وَاعْلَمْ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ رحمه الله قَدْ عَقَدَ فِي أَبْوَابِ الطَّهَارَةِ بَابًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِلَفْظِ: بَابُ مَا جَاءَ فِي نَضْحِ بَوْلِ الْغُلَامِ قَبْلَ أَنْ يَطْعَمَ ، وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ ، وَأَشَارَ إِلَى أَحَادِيثَ مِنْهَا حَدِيثُ عَلِيٍّ الْمَذْكُورُ هَاهُنَا. تحفة610
(1)(د) الطهارة (377)، انظر صحيح أبي داود ج2ص225
قال الترمذي ح610: رَفَعَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ قَتَادَةَ، وَأَوْقَفَهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ لَا يَرْفَعُهُ ، وَهِشَامٌ يَرْفَعُهُ ، وَهُوَ حَافِظٌ. عون378
(2)
(جة) 525 ، (حب) 1375 ، (ت) 610 ، (حم) 757 ، وصححه الألباني في الإرواء: 166 ، التعليقات الحسان: 1372
(د) ، وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا أَبْصَرَتْ أُمَّ سَلَمَةَ رضي الله عنها تَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى بَوْلِ الْغُلَامِ مَا لَمْ يَطْعَمْ ، فَإِذَا طَعِمَ غَسَلَتْهُ ، وَكَانَتْ تَغْسِلُ بَوْلَ الْجَارِيَةِ. (1)
الشَّرْح:
(عَنْ الْحَسَن): الْبَصْرِيّ أَحَد الْأَئِمَّة الْأَعْلَام
(عَنْ أُمّه): خَيْرَة بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة ، مَوْلَاة أُمّ سَلَمَة رضي الله عنها. عون379
مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَة:
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الصَّغِيرَ وَالصَّغِيرَةَ إِذَا أَكَلا الطَّعَامَ وَبَلَغَا عَامَيْنِ فَإِنَّ بَوْلَهُمَا نَجِسٌ كَنَجَاسَةِ بَوْلِ الْكَبِيرِ؛ يَجِبُ غَسْلُ الثَّوْبِ إِذَا أَصَابَهُ هَذَا الْبَوْلُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى نَجَاسَةِ الْبَوْلِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" اسْتَنْزِهُوا مِنَ الْبَوْلِ، فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ ".
قَالَ النَّوَوِيُّ: ثُمَّ إِنَّ النَّضْح إِمَّا يَجْزِي مَا دَامَ الصَّبِيّ يَقْتَصِر بِهِ عَلَى الرَّضَاع أَمَّا إِذَا أَكَلَ الطَّعَام عَلَى جِهَة التَّغْذِيَة فَإِنَّهُ يَجِب الْغَسْل بِلَا خِلَاف. النووي (101 - 286)
أَمَّا بَوْلُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ إِذَا لَمْ يَأكُلا الطَّعَامَ، وَكَانَا فِي فَتْرَةِ الرَّضَاعَةِ؛ فذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ بَوْلِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ؛ فَإِذَا أَصَابَ الثَّوْبَ بَوْلُ الصَّغِيرِ اكْتَفَى بِنَضْحِهِ بِالْمَاءِ، وَإِذَا أَصَابَ الثَّوْبَ بَوْلُ الصَّغِيرَةِ وَجَبَ غَسْلُهُ (2) لِحَدِيثِ " أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ أَنَّهَا: أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِابْنٍ لَهَا لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَأكُلَ الطَّعَامَ، فَبَالَ فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ عَلَى ثَوْبِهِ وَلَمْ يَغْسِلْهُ غَسْلا " وَلِحَدِيثِ:" يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلامِ ".
وَأَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ كَغَيْرِهِ مِنَ النَّجَاسَاتِ فِي وُجُوبِ التَّطَهُّرِ مِنْهُ؛ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ.
(1)(د) 379
(2)
مغني المحتاج 1/ 84، كشاف القناع 1/ 217، ونيل المآرب بشرح دليل الطالب 1/ 98.
قَالَ هَارُونُ بْنُ تَمِيمٍ: عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: " الْأَبْوَالُ كُلُّهَا سَوَاءٌ " ، (د) 376
الشرح:
(عَنْ الْحَسَن): الْبَصْرِيّ الْإِمَام الْجَلِيل.
(قَالَ الْأَبْوَال كُلّهَا سَوَاء) أَيْ: فِي النَّجَاسَة لَا فَرْق بَيْن الصَّبِيّ وَالصَّبِيَّة وَالصَّغِير وَالْكَبِير. هَذَا هُوَ الظَّاهِر وَالْمُتَبَادِر فِي مَعْنَى كَلَام الْحَسَن الَّذِي نَقَلَهُ هَارُون. عون376
إِلا أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَالُوا: يُعْفَى عَمَّا يُصِيبُ ثَوْبَ الْمُرْضِعَةِ أَوْ جَسَدَهَا مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطِ الطِّفْلِ؛ سَوَاءٌ أَكَانَتْ أُمَّهُ أَمْ غَيْرَهَا، إِذَا كَانَتْ تَجْتَهِدُ فِي دَرْءِ النَّجَاسَةِ عَنْهَا حَالَ نُزُولِهَا، بِخِلافِ الْمُفَرِّطَةِ، لَكِنْ يُنْدَبُ غَسْلُهُ إِنْ كَثُرَ. (1)
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي ح71: وَأَمَّا الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ بَوْلِ الصَّبِيِّ وَبَوْلِ الصَّبِيَّةِ فِي النَّجَاسَةِ فَهُمَا نَجِسَانِ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْغَسْلِ، وَأَجَابُوا عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّشِّ وَالنَّضْحِ فِيهِمَا الْغَسْلُ فَإِنَّهُ قَدْ يُذْكَرُ النَّضْحُ وَيُرَادُ بِهِ الْغَسْلُ وَكَذَلِكَ قَدْ يُذْكَرُ الرَّشُّ وَيُرَادُ بِهِ الْغَسْلُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَكَمَا فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ أَيْ: الْمَذْيَ فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ وَلْيَتَوَضَّأ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فَلْيَنْضَحْ الْغَسْلُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَوَقَعَ فِيهِ يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ النَّضْحَ وَيُرَادُ بِهِ الْغَسْلُ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ كُنْت أَلْقَى مِنْ الْمَذْيِ شِدَّةً وَكُنْت أُكْثِرُ مِنْهُ الْغَسْلَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ قُلْت يَا رَسُولَ اللهِ فَكَيْفَ بِمَا يُصِيبُ ثَوْبِي مِنْهُ فَقَالَ يَكْفِيَك أَنْ تَأخُذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَتَنْضَحَ بِهِ مِنْ ثَوْبِك حَيْثُ يُرَى أَنَّهُ أَصَابَهُ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالنَّضْحِ هَاهُنَا الْغَسْلُ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ الرَّشَّ قَدْ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْغَسْلُ فَفِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ رضي الله عنها عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ: حُتِّيهِ ثُمَّ اُقْرُصِيهِ ثُمَّ رُشِّيهِ وَصَلِّي فِيهِ، أَرَادَ اِغْسِلِيهِ فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ النَّضْحَ وَالرَّشَّ يُذْكَرَانِ وَيُرَادُ بِهِمَا الْغَسْلُ وَجَبَ حَمْلُ مَا جَاءَ فِي الْبَابِ مِنْ النَّضْحِ وَالرَّشِّ عَلَى الْغَسْلِ هَكَذَا أَجَابَ الْعَلَّامَةُ الْعَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ.
وَفِيهِ: أَنَّهُ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ قَدْ يُذْكَرُ النَّضْحُ وَيُرَادُ بِهِ الْغَسْلُ، وَكَذَلِكَ الرَّشُّ لَكِنْ هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ يَمْنَعُ مِنْهُ بَلْ يَكُونُ هُنَاكَ دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى أَنْ يُرَادَ بِالنَّضْحِ أَوْ الرَّشِّ الْغَسْلُ كَمَا فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ وَحَدِيثِ أَسْمَاءَ الْمَذْكُورَيْنِ وَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلَيْسَ هَاهُنَا دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى أَنْ يُرَادَ بِالرَّشِّ أَوْ النَّضْحِ الْغَسْلُ بَلْ هَاهُنَا دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إِرَادَةِ الْغَسْلِ فَفِي حَدِيثِ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ إِيَّاهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ، فَقَوْلُهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّضْحِ أَوْ الرَّشِّ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ الْغَسْلَ، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ لُبَابَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ إِنَّمَا يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْأُنْثَى وَيُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ فِي جَوَابِ لُبَابَةَ حِينَ قَالَتْ اِلْبَسْ ثَوْبًا وَأَعْطِنِي إِزَارَك حَتَّى أَغْسِلَهُ أَيْضًا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرَدْ بِالنَّضْحِ أَوْ الرَّشِّ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ الْغَسْلُ، وَأَيْضًا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ يُنْضَحُ بَوْلُ الْغُلَامِ وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّضْحِ الْغَسْلَ وَإِلَّا لَكَانَ الْمَعْنَى يُغْسَلُ بَوْلُ الْغُلَامِ وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ وَهُوَ كَمَا تَرَى فَجَوَابُهُمْ بِأَنَّ مَا جَاءَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ النَّضْحِ وَالرَّشِّ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَسْلِ غَيْرُ صَحِيحٍ.
فَإِنْ قِيلَ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ الْمُرَادُ بِالنَّضْحِ وَالرَّشِّ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ الْغَسْلُ مِنْ غَيْرِ عَرْكٍ وَبِالْغَسْلِ الْغَسْلُ بِعَرْكٍ أَوْ الْمُرَادُ بِهِمَا الْغَسْلُ مِنْ غَيْرِ مُبَالَغَةٍ فِيهِ وَبِالْغَسْلِ الْغَسْلُ بِالْمُبَالَغَةِ فِيهِ.
قُلْنَا: قَوْلُهُمْ هَذَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ ظَاهِرُ أَحَادِيثِ الْبَابِ يُبْطِلُهُ.
فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِالرَّشِّ وَالنَّضْحِ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ الصَّبُّ وَإِتْبَاعُ الْمَاءِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ فَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنْ هِشَامٍ فَدَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ وَلِأَبِي عَوَانَةَ فَصَبَّهُ عَلَى الْبَوْلِ يَتْبَعُهُ إِيَّاهُ وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ بِلَفْظِ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَيْهِ فَأَتْبَعَهُ الْمَاءَ وَلَمْ يَغْسِلْهُ وَفِي حَدِيثِ أُمِّ الْفَضْلِ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ إِنَّمَا يُصَبُّ عَلَى بَوْلِ الْغُلَامِ وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي لَيْلَى عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ فَصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَإِتْبَاعُ الْمَاءِ وَالصَّبُّ نَوْعٌ مِنْ الْغَسْلِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْغَسْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَصَابَ ثَوْبَهُ عُذْرَةٌ فَأَتْبَعَهَا الْمَاءَ حَتَّى ذَهَبَ بِهَا أَنَّ ثَوْبَهُ قَدْ طَهُرَ اِنْتَهَى، فَثَبَتَ أَنَّ بَوْلَ الْغُلَامِ وَبَوْلَ الْجَارِيَةِ هُمَا سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْغَسْلِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ.
قُلْنَا: سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّضْحِ وَالرَّشِّ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ إِتْبَاعُ الْمَاءِ وَالصَّبُّ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مُطْلَقَ الصَّبِّ وَإِتْبَاعِ الْمَاءِ نَوْعٌ مِنْ الْغَسْلِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْغَسْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَصَابَ ثَوْبَهُ عُذْرَةٌ فَأَتْبَعَهَا الْمَاءَ وَصَبَّ عَلَيْهِ لَكِنْ لَمْ يَذْهَبْ بِهَا لَا يَطْهُرُ ثَوْبُهُ وَقَدْ وُجِدَ إِتْبَاعُ الْمَاءِ وَالصَّبُّ.
وَالْعَجَبُ مِنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ كَيْفَ قَالَ إِتْبَاعُ الْمَاءِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْغَسْلِ، وَقَدْ رَوَى هُوَ حَدِيثَ عَائِشَةَ بِلَفْظِ فَأَتْبَعَهُ الْمَاءَ وَلَمْ يَغْسِلْهُ وَأَيْضًا رَوَاهُ بِلَفْظِ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ وَأَيْضًا رَوَى هُوَ حَدِيثَ أُمِّ قَيْسٍ بِلَفْظِ فَدَعَا فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي حَدِيثٍ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ النَّضْحُ أَوْ الرَّشُّ أَوْ الصَّبُّ أَوْ إِتْبَاعُ الْمَاءِ مُقَيَّدًا بِالذَّهَابِ بِالْبَوْلِ أَوْ بِأَثَرِ الْبَوْلِ أَعْنِي لَمْ يَرِدْ فِي حَدِيثٍ فَصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتَّى ذَهَبَ بِهِ أَوْ حَتَّى ذَهَبَ بِأَثَرِهِ أَوْ فَنَضَحَهُ أَوْ رَشَّهُ حَتَّى ذَهَبَ بِهِ أَوْ بِأَثَرِهِ بَلْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مُطْلَقَةً وَأَيْضًا لَمْ يَرِدْ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ بَيَانُ مِقْدَارِ الْمَاءِ إِلَّا فِي حَدِيثِ اِبْنِ عَبَّاسٍ فَفِيهِ فَصَبَّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ بِقَدْرِ مَا كَانَ مِنْ الْبَوْلِ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْت ثُمَّ الظَّاهِرُ مِنْ صَبِّ الْمَاءِ عَلَى الْبَوْلِ بِقَدْرِهِ أَنَّهُ لَا يَذْهَبُ بِهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَتَأَمَّلْ. هَذَا مَا عِنْدِي وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
فَإِنْ قِيلَ: بَوْلُ الْغُلَامِ نَجِسٌ فَنَجَاسَتُهُ هِيَ مُوجِبَةٌ لِحَمْلِ النَّضْحِ وَالرَّشِّ وَصَبِّ الْمَاءِ وَإِتْبَاعِ الْمَاءِ عَلَى الْغَسْلِ فَإِنَّ الثَّوْبَ أَوْ الْبَدَنَ إِذَا أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ أَيَّةُ نَجَاسَةٍ كَانَتْ لَا يَطْهُرُ إِلَّا بِالْغَسْلِ.
قُلْنَا: نَجَاسَةُ بَوْلِ الْغُلَامِ لَا تُوجِبُ حَمْلَ النَّضْحِ وَالرَّشِّ وَغَيْرَهُمَا عَلَى الْغَسْلِ، وَقَوْلُكُمْ إِنَّ الثَّوْبَ أَوْ الْبَدَنَ إِذَا أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ أَيَّةُ نَجَاسَةٍ كَانَتْ لَا يَطْهُرُ إِلَّا بِالْغَسْلِ مَمْنُوعٌ أَلَا تَرَوْنَ أَنَّ الثَّوْبَ إِذَا أَصَابَهُ الْمَنِيُّ وَيَبِسَ كَفَى لِطَهَارَتِهِ الْفَرْكُ وَلَا يَجِبُ الْغَسْلُ مَعَ أَنَّ الْمَنِيَّ الْيَابِسَ نَجِسٌ كَمَا أَنَّ الْمَنِيَّ الرَّطْبَ نَجِسٌ، فَنَقُولُ بَوْلُ الْغُلَامِ إِذَا أَصَابَ الْبَدَنَ أَوْ الثَّوْبَ كَفَى لِطَهَارَتِهِ النَّضْحُ وَالرَّشُّ وَلَا يَجِبُ الْغَسْلُ، وَأَمَّا بَوْلُ الْجَارِيَةِ إِذَا أَصَابَ الثَّوْبَ فَلَا يَطْهُرُ إِلَّا بِالْغَسْلِ مَعَ أَنَّ بَوْلَ الْغُلَامِ نَجِسٌ كَمَا أَنَّ بَوْلَ الْجَارِيَةِ نَجِسٌ فَتَفَكَّرْ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ بَيْنَ الْمَنِيِّ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ فَرْقًا بِالرُّطُوبَةِ وَالْيُبُوسَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَبَوْلِ الْغُلَامِ بِوَجْهٍ.
قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ بَوْلِ الْغُلَامِ وَبَوْلِ الْجَارِيَةِ بِوَجْهٍ.
قَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ وَأَمَّا غَسْلُ الثَّوْبِ مِنْ بَوْلِ الصَّبِيَّةِ وَنَضْحُهُ مِنْ بَوْلِ الصَّبِيِّ إِذَا لَمْ يَطْعَمَا فَهَذَا لِلْفُقَهَاءِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهُمَا يُغْسَلَانِ جَمِيعًا، وَالثَّانِي يُنْضَحَانِ، وَالثَّالِثُ التَّفْرِقَةُ، وَهُوَ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَهَذَا مِنْ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ وَتَمَامِ حِكْمَتِهَا وَمَصْلَحَتِهَا،
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا كَثْرَةُ حَمْلِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِلذَّكَرِ فَتَعُمُّ الْبَلْوَى بِبَوْلِهِ فَيَشُقُّ عَلَيْهِ غَسْلُهُ.
وَالثَّانِي أَنَّ بَوْلَهُ لَا يَنْزِلُ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ بَلْ يَنْزِلُ مُتَفَرِّقًا هَاهُنَا وَهَاهُنَا فَيَشُقُّ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ كُلَّهُ بِخِلَافِ بَوْلِ الْأُنْثَى.
الثَّالِثُ أَنَّ بَوْلَ الْأُنْثَى أَخْبَثُ وَأَنْتَنُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ وَسَبَبُهُ حَرَارَةُ الذَّكَرِ وَرُطُوبَةُ الْأُنْثَى فَالْحَرَارَةُ تُخَفِّفُ مِنْ نَتْنِ الْبَوْلِ وَتُذِيبُ مِنْهَا مَا يَحْصُلُ مِنْ رُطُوبَةٍ وَهَذِهِ مَعَانٍ مُؤَثِّرَةٍ يَحْسُنُ اِعْتِبَارُهَا فِي الْفَرْقِ اِنْتَهَى كَلَامُهُ. فَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ أَصَحَّ الْمَذَاهِبِ وَأَقْوَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ مَذْهَبُ مَنْ قَالَ بِالِاكْتِفَاءِ بِالنَّضْحِ فِي بَوْلِ الْغُلَامِ وَبِوُجُوبِ الْغَسْلِ فِي بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ بَعْدَ ذِكْرِ أَحَادِيثِ الْبَابِ مَا لَفْظُهُ: فَرَدَّتْ هَذِهِ السُّنَنُ بِقِيَاسٍ مُتَشَابِهٍ عَلَى بَوْلِ الشَّيْخِ وَبِعُمُومٍ لَمْ يَرِدْ بِهِ هَذَا الْخَاصُّ وَهُوَ قَوْلُهُ إِنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْمَنِيِّ وَالدَّمِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَثْبُتُ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جَدْعَانَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ حَمَّادٍ، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ لَا أَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ غَيْرُ ثَابِتِ بْنِ حَمَّادٍ وَأَحَادِيثُهُ مَنَاكِيرُ وَمَعْلُولَاتٌ وَلَوْ صَحَّ وَجَبَ الْعَمَلُ بِالْحَدِيثَيْنِ وَلَا يُضْرَبُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَيَكُونُ الْبَوْلُ فِيهِ مَخْصُوصًا بِبَوْلِ الصَّبِيِّ كَمَا خَصَّ مِنْهُ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ بِأَحَادِيثَ دُونَ هَذِهِ فِي الصِّحَّةِ وَالشُّهْرَةِ اِنْتَهَى. تحفة71
وَكُلُّ مَا ذُكِرَ مِنَ اتِّفَاقٍ وَاخْتِلافٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي بَوْلِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ؛ يَنْطَبِقُ تَمَامًا عَلَى قَيْءِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ. (2)
(1) فتح القدير 1/ 140، بداية المجتهد 1/ 77، 82، الشرح الصغير 1/ 73. مراقي الفلاح ص 25.
(2)
فتح القدير 1/ 140، بداية المجتهد 1/ 77، 82، الشرح الصغير 1/ 73، مراقي الفلاح ص 25، مغني المحتاج 1/ 84، كشاف القناع 1/ 217، ونيل المآرب بشرح دليل الطالب 1/ 98.