الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَخمْس مئة
فَفِيهَا توفّي فتح الدّين بن أَسد الدّين شيركوه أَخُو نَاصِر الدّين وقبره بالمقبرة النجمية إِلَى جَانب قبر ابْن عَمه شاهنشاه بن أَيُّوب فِي قبَّة فِيهَا أَرْبَعَة قُبُور هما الأوسطان مِنْهَا
وَفِي هَذِه الْأَخَوَيْنِ نَاصِر الدّين وَفتح الدّين يَقُول العرقلة حسان
(لله شبلا أَسد خادر
…
مَا فيهمَا جبن وَلَا شح)
(مَا أَقبلَا إِلَّا وَقَالَ الورى
…
قد جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَاْلفَتْحُ)
وفيهَا سَار نور الدّين أَيْضا إِلَى حصن المنيطرة وَهُوَ للفرنج وَلم يحشد لَهُ وَلَا جمع عساكره إِنَّمَا سَار إِلَيْهِ على غرَّة من الفرنج وَعلم أَنه إِن جمع العساكر حذروا وجمعوا فانتهز الفرصة وَسَار إِلَى المنيطرة وحصرها وجد فِي قتالها وَأَخذهَا عنْوَة وقهراً وَقتل من بهَا وسبى
وغنم غنيمَة كَثِيرَة لأَمِنْ من بِهِ فَأَخَذتهم خيل الله بَغْتَة وهم لَا يَشْعُرُونَ وَلم يقدر الفرنج على أَن يجتمعوا لدفعه إِلَّا وَقد ملكه وَلَو علمُوا أَنه جَرِيدَة لأسرعوا وَإِنَّمَا ظنُّوا أَن نور الدّين فِي جمع كثير فَلَمَّا ملكه تفَرقُوا وَأَيِسُوا مِنْهُ
هَذَا قَول ابْن الْأَثِير وَذكر القَاضِي ابْن شَدَّاد أَن ذَلِك كَانَ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ كَمَا سَيَأْتِي وَالله أعلم
وفيهَا توفّي الجليس بن الْجبَاب بِمصْر قَالَ الْعِمَاد فِي الخريدة القَاضِي الجليس أَبُو الْمَعَالِي عبد الْعَزِيز بن الْحُسَيْن بن الْجبَاب الأغلبي السَّعْدِيّ التَّمِيمِي جليس صَاحب مصر فَضله مَشْهُور وشعره مأثور وَكَانَ أوحد عصره فِي مصره نظما ونثرا ترسلا وشعرا وَمَات بهَا فِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَقد أناف على السّبْعين انشدني لَهُ الْأَمِير نجم الدّين بن مصال من قصيدة يَقُول فِيهَا
(وَمن عجب أَن السيوف لديهُم
…
تحيض دِمَاء وَالسُّيُوف ذُكُور)
(وأعجب من ذَا أَنَّهَا فِي أكفهم
…
تأججُ نَارا والأكف بحور)
قَالَ وأنشدني لَهُ الشريف إِدْرِيس الإدريسي قصيدة سيَّرها إِلَى الصَّالح بن رزيك قبل وزارته يحرضه على إِدْرَاك ثأر الظافر وَكَانَ عَبَّاس وزيرهم قَتله وَقتل أَخَوَيْهِ يُوسُف وَجِبْرِيل يَقُول فِيهَا
(أصادفهُم قولا وغيباً ومشهداً
…
نحوهم على عمد بِفعل أعادي)
(فَأَيْنَ بِنور رزيك عَنْهَا ونصرهم
…
وَمَا لَهُم من مَنْعَة وذياد)
(تدارك من الْإِيمَان قبل دثُورِه
…
حشاشة نفس آذَنت بنفاد)
(فَلَو عَايَنت عَيْنَاك بِالْقصرِ يومهم
…
ومصرعهم لم تكتحل برقاد)
(فمزق جموع المارقين فَإِنَّهَا
…
بقايا زروع آذَنت بحصاد)
وَله فِيهِ من أُخْرَى فِي هَذِه الْحَادِثَة
(وَلما ترامى الْبَرْبَرِي بجهله
…
إِلَى فتكة مَا رامها قطّ رائم)
(ركبت إِلَيْهِ متن عزمتك الَّتِي
…
بأمثالها تُلقى الخطوب العظائم)
(أعدت إِلَيْهِم ملكهم بعد مَا لوى
…
بِهِ غَاصِب حق الْإِمَامَة ظَالِم)
وأنفذ إِلَيْهِ فِي الْمَعْنى
(أعدت إِلَى جسم الوزارة روحها
…
وَمَا كَانَ يُرْجَى بعثها ونشورها)
(أَقَامَت زَمَانا عِنْد غَيْرك طامثاً
…
فَهَذَا الأوان قرؤها وطهورها)
(من الْعدْل أَن يجتابها مستحقُّها
…
ويخلعها مَرْدُودَة مستعيرها)
(إِذا ملك الْحَسْنَاء من لَيْسَ كفأها
…
أَشَارَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاق مشيرها)
وَله يشكو طَبِيبا
(وأصل بليتي من قد غزاني
…
من السَّقَم الملحّ بعسكرين)
(طَبِيب طبُّه كغراب بَين
…
يفرق بَين عافيتي وبيني)
(أَتَى الْحمى وَقد شاخت وباخت
…
فَرد لَهَا الشَّبَاب بنسختين)
(ودبرها بتدبير لطيف
…
حَكَاهُ عَن سِنَان أَو حنين)
(وَكَانَت نوبَة فِي كل يَوْم
…
فصيّرها بحذق نوبتين)
قلت الأبيات الرائية تمثل بهَا الجليس وَهِي لصردر قرأتها فِي ديوانه وَهِي من قصيدة مدح بهَا وَزِير الْخَلِيفَة بِبَغْدَاد فَخر الدولة أَبَا نصر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن جهير ويهنئه بعوده إِلَى الوزارة وَأول القصيدة
(لجاجةُ قلب مَا يفِيق غرورها
…
وحاجة نفس لَيْسَ يُقضي يسيرها)
وَهِي طَوِيلَة يَقُول فِيهَا متغزلا
(وقفنا صُفُوفا فِي الديار كَأَنَّهَا
…
صَحَائِف ملقاة وَنحن سطورها)
(يَقُول خليلي والظباء سوانح
…
أهذي الَّتِي تهوى فَقلت نظيرها)
(وَقد قلتما لي لَيْسَ فِي الأَرْض جنَّة
…
أما هَذِه فَوق الركائب حورها)