الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِهِ النَّاس واتبّعه عَالم عَظِيم من الفلاحين وَأهل السوَاد وَعصى على أهل دمشق ثمَّ هرب من مشغرا فِي اللَّيْل وَصَارَ إِلَى بلد حلب وَعَاد إِلَى إفسادعقول الفلاحيّن بِمَا يُرِيهم من الشعبذة والتخاييل وَهوى امْرَأَة وعلّمها ذَلِك وادعّت أَيْضا النبّوة
قَالَ وفيهَا توفّي شهَاب الدّين إلْيَاس الأرتقي صَاحب البيرة وَأوصى إِلَى الْملك النَّاصِر بولده شهَاب الدّين مُحَمَّد
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَسبعين وَخمْس مئة
قَالَ الْعِمَاد وَالسُّلْطَان نَازل بمرج الصفر من دمشق فَجَاءَهُ رَسُول الفرنج يطْلب الْهُدْنَة فأجابهم السُّلْطَان بعد أَن اشْترط عَلَيْهِم أموراً فالتزموها
وَكَانَ الشَّام ذَلِك الْعَام جدباً فَأذن السُّلْطَان للعساكر المصرية فِي الرحيل إِلَى بِلَادهمْ وَإِذا استغلوها خَرجُوا إِلَيْهِ وَسَار مَعَهم الْفَاضِل وَاعْتمد على الْعِمَاد فِيمَا كَانَ بصدده
وواظب السُّلْطَان على الْجُلُوس فِي دَار الْعدْل وعَلى الصَّيْد ومدحه الْعِمَاد بقصيدة مِنْهَا
(سواك لسهم الْعلَا لن يريشا
…
فنسأل رب الْعلَا أَن تعيشا)
(من النَّاس بالبّرِ صِدْت الْكِرَام
…
وبالبأس فِي البِّر صدت الوحوشا)
(وكمْ سرت من مصر نَحْو الْعَريش
…
فهدّمت للْمُشْرِكين العُروشا)
(سراياك تبْعَث قُدّامها
…
من الرعب نَحْو الأعادي جيوشا)
(وَيَوْم حماة تركت العداة
…
كَمَا طيرت بالفلا الرِّيحُ ريشا)
قَالَ ومدحت مستهل ربيع الأول تقيّ الدّين بقصيدة موسومة وَكَانَ قد فوض إِلَيْهِ ولَايَة دمشق وَمِنْهَا بيتان ابتكرت الْمَعْنى فيهمَا وَلم أُسبق إِلَيْهِمَا وهما
(يُفِيد الْعَاقِل اليقظ التّغابي
…
ليدرك فِي الْغنى حظّ الغبيّ)
(وَلم تصب السّهام على اعْتِدَال
…
بهَا لَوْلَا اعوجاجٌ فِي القسيّ)
(فَقل للدهر يقصر عَن عنادي
…
أما هُوَ يتّقي بَأْس التّقيّ)
(حَلَفت بِرَبّ مَكَّة والمصلى
…
وثاوى تُرب طيبَة والغري)
(لَأَنْتُم يَا بني أَيُّوب خير الورى
…
بعد الإِمَام المستضي)
قَالَ وَفِي أول هَذِه السّنة وصل إِلَى دمشق الْجَمَاعَة الَّذين خَرجُوا من بَغْدَاد مُوَافقَة لقطب الدّين قايماز فَأخذُوا لأَنْفُسِهِمْ بالالتجاء إِلَى السُّلْطَان الِاحْتِرَاز
وَكَانَ قايماز هَذَا مُحكَّما فِي الدولة الإمامية من أول الْأَيَّام المستنجدية وقوى فِي الْأَيَّام المستضيئية على وَزِير الْخَلِيفَة عضد الدّين بن رَئِيس الرؤساء وسامه أَنْوَاع الْبلَاء وأخافه ورام إِتْلَافه حَتَّى استعاذ مِنْهُ برباط صدر الدّين شيخ الشُّيُوخ فَسلم بِهِ
ثمَّ إِن قايماز خَالف الْخَلِيفَة وشقّ الْعَصَا وعنّ لَهُ حِصَار الداّر فَأمر الْخَلِيفَة بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ فَلم ينج لما أحيط بداره إِلَّا بِفَتْح بَاب فِي جِدَاره وَانْهَزَمَ فوصل إِلَى الْحلَّة فِي اوائل ذِي الْقعدَة سنة سبعين وَهُوَ فِي موسم الحجّ فَجمع رِجَاله وتوّجه إِلَى الْموصل وخانه إخوانه وخذله أَصْحَابه فَتوفي فِي بعض قرى الْموصل وتفرق أَصْحَابه فِي الْبِلَاد فَمنهمْ من رَجَعَ إِلَى بَغْدَاد وَمِنْهُم من أَتَى الشَّام مِنْهُم حسام الدّين تميرك وَعز الدّين أقبوري بن ازغش وَكَانَ صهر السُّلْطَان قَدِيما وَعِنْده كَرِيمًا فأقطعه فِي الديار المصرّية وَكتب فِي حقّه إِلَى الدِّيوَان شَفَاعَة فِي تَخْلِيص مَاله واستقامة حَاله وَكَانَ ذَا خَزَائِن مملوة وخيْلٍ مسَّومة فَلم يكن ذَنبه عِنْدهم فِي مُتَابعَة قايماز مِمَّا يقبل الصفح وَكَانَ أقبوري زوج أُخْت السُّلْطَان وَالسُّلْطَان خَال بنته وَهِي زَوْجَة عز الدّين فرخشاه ابْن أخي السُّلْطَان
قلت وَفِي بعض الْكتب عَن السُّلْطَان إِلَى وَزِير بَغْدَاد بالمثال الفاضليّ وَمَا نحسب أَنا مَعَ الْمُوَالَاة المشتهرة والنصرة المستظهرة والمساعي الَّتِي كَانَت لثارات هَذِه الدولة بَالِغَة ولأعدائهم دامغة ولمنازعيهم الْأَمر قاصمة ولمجاذبيهم الحقَّ واقمة وبحقوق الله تَعَالَى الْوَاجِبَة لَهُم قَائِمَة وكوننا مَا أعنَّا مِنْهَا بنجدة من رجال وَلَا بمادة من مَال
وَلَا بإعانة بِحَال من الْأَحْوَال يردّ سؤالنا من الدّولة أَعْلَاهَا الله فِي ذِي قربى لَا نستطيع دَفعه وَلَا يقبل أَسبَاب النَّفْع إِذا أردنَا نَفعه فالأخباز عندنَا وَاسِعَة والأعواض لدينا غير متعذرة والولايات الَّتِي نفوضها إِلَيْهِ عَن كِفَايَته غير مستغنية وَلكنه مَا بَاعَ بمكانه من الْخدمَة مَكَانا وَلَا آثر غير سُلْطَانه سُلْطَانا وَله أعذار لَا بَأْس أَن نُعيره فِيهَا لِسَانا وبيانا
ثمَّ ذكرهَا ثمَّ قَالَ وَهَذَا الْأَمِير جُزْء منَّأ فَكيف يعد جُزْء منا عَاصِيا وبألسنتنا وسيوفنا يُدْعى الْخلق إِلَى الطَّاعَة وَكَيف تَخْلُو دَار الْخلَافَة من وَاحِد من أهلنا يَنُوب عَنَّا وَعَن بَقِيَّة الْجَمَاعَة فَنحْن فِي أَنْفُسنَا نشفع وَعَن جاهنا ندفع وَفِي مَكَاننَا نسْأَل وبحظنا الَّذِي لَا نسمح بِهِ لِلْإِسْلَامِ نبخل وَأَنت أَيهَا الْأَمِير السَّائر ثَالِث رَسُول ندب فِي أَمر هَذَا الْأَمِير وَالله وليّ التّدبير
وَقَالَ الْعِمَاد فِي الخريدة كنت جَالِسا بَين يَدي الْملك النَّاصِر صَلَاح الدِّين بِدِمَشْق فِي دَار الْعدْل أنفذُ مَا يَأْمر بِهِ من الشّغل فَحَضَرَ سَعَادَة الْأَعْمَى من أهل حمص وَكَانَ مَمْلُوكا لبَعض الدمشقيين مولدا وَيكْتب على قصائده سعيد بن عبد الله فَوقف ينشد هَذِه القصيدة فِي عَاشر شعْبَان سنة إِحْدَى وَسبعين وَهِي
(حيتك أعطاف القدود ببانها
…
لما انْثَنَتْ تيهاً على كثبانها)
ثمَّ ذكر القصيدة وغزلها فِي وصف دمشق ثمَّ قَالَ
(سلطانها الْملك ابْن أَيُّوب الَّذِي
…
كَفاهُ لَا تنكف عَن هطلانها)
(بمواهبٍ لوْ لمْ أكنْ نُوحاً لما
…
نُجيّت يَوْم نداه من طوفانها)
(سمحٌ يروح إِلَى الندىّ براحة
…
قد أعشب الْمَعْرُوف بَين بنانها)
(وفتىً إِذا زخرت بحارُ نواله
…
غرقت بحار الأَرْض فِي خلجانها)
(تِلْكَ السيوف المرهفات بكفه
…
أمضى على الْأَيَّام من حدثانها)
(ملك إِذا جليت عرائس ملكه
…
رصعت فريد الْعدْل فِي تيجانها)
(فَاسْلَمْ صَلَاح الدّين وابْق لدولة
…
ذلّت لدولتها مُلُوك زمانها)
(وانهض إِلَى فتح السّواحل نهضة
…
قادت لَك الْأَعْدَاء بعد حرانها)
وَهِي طَوِيلَة
قَالَ وَقَامَ الْيَوْم الذّي يَلِيهِ وَقد جلس السُّلْطَان للعدل فأنشده يَعْنِي قصيدة مِنْهَا
(هَل بعد جِلِّق إِلَّا أَن ترى حَلَبا
…
وَقد تحللّ مِنْهَا مُشكل عقد)
(وَقد أتتك كَمَا تخْتَار طَائِعَة
…
وَقد عَنَا لَك مِنْهَا الْحصن والبلد)
قَالَ وَكَانَ سَعَادَة سَافر إِلَى مصر فِي أول مملكة الْملك النَّاصِر فمدحه بقصيدة طائية فَأعْطَاهُ ألف دِينَار فَمِنْهَا يصف غارته على غزّة وَعوده من ذَلِك الْغَزْو بِالْعِزَّةِ
(فَتى مذ غزا بِالْخَيْلِ والرَّجل غَزَّة
…
نأى عَن نَوَاحِيهَا الرّضا ودنا السخط)
(رَمَاهَا بأُسد مالهن مَرابضٌ
…
وَلَا أجم إِلَّا الَّذِي ينْبت الْخط)