الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيهَا فِي ثَالِث شَوَّال توفّي أَبُو الْفتُوح نصر بن عبد الله الإسكندري الْمَعْرُوف بِابْن قلاقس الشَّاعِر بعيذاب ومولده بالإسكندرية رَابِع ربيع الآخر سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخمْس مئة فَيكون عمره نَحوا من خمس وَثَلَاثِينَ سنة
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَخمْس مئة
فَفِيهَا توفّي ملك النُّحَاة الْحسن بن صافي
وفيهَا ترَتّب الْعِمَاد الْكَاتِب مشرفا بديوان نور الدّين مُضَافا إِلَى كِتَابَة الْإِنْشَاء
قَالَ وَكَانَ نور الدّين ذكيا ألمعيا فطنا لوذعيا لَا تشتبه عَلَيْهِ الْأَحْوَال وَلَا يتبهرج عَلَيْهِ الرِّجَال وَلَا يتأهل لغير أهل الْفضل مِنْهُ الإفضال
قَالَ وَلما عرض صَلَاح الدّين بعد العاضد خزائنه واستخرج دفائنه سير مِنْهَا عدَّة من الْأَمْتِعَة المستحسنة والآلات المثمنة وَقطع البلور واليشم والأواني الَّتِي لَا يتَصَوَّر وجودهَا فِي الْوَهم وَمَعَهَا ثَلَاث قطع من البلخش أكبرها نَيف وَثَلَاثُونَ مِثْقَالا وَالثَّانيَِة ثَمَانِيَة عشر وَالْأُخْرَى دونهَا وَقرن بهَا من اللآلئ مصونها ومكنونها وَحمل مَعهَا من الذَّهَب سِتِّينَ ألف دِينَار ووصلت من غرائب المصنوعات مَا لَا يجْتَمع مثله فِي أعصار وأعمار وَمن الطّيب والعطر مَا لم يخْطر ببال عطار فَشكر نور الدّين همته وَذكر بِالْكَرمِ شيمته وَوصف فضيلته وَفضل صفته وَقَالَ مَا كَانَت بِنَا حَاجَة إِلَى هَذَا المَال وَلَا نسد بِهِ خلة الإقلال فَهُوَ يعلم أَنا مَا
أنفقنا الذَّهَب فِي ملك مصر وبنا إِلَى الذَّهَب فقر وَمَا لهَذَا الْمَحْمُول فِي مُقَابلَة مَا جُدْنا بِهِ قدر وتمثل بقول أبي تَمام
(لم يُنفق الذَّهَب المُرْبى بكثرته
…
على الْحَصَى وَبِه فقر إِلَى الذَّهَب)
لكنه يعلم أَن ثغور الشَّام مفتقرة إِلَى السداد ووفور الْأَعْدَاد من الأجناد وَقد عَم بالفرنج بلَاء الْبِلَاد فَيجب أَن يَقع التعاقد على الْإِمْدَاد بالمعونة والمعونة بالإمداد
فاستنزره وَمَا استغزره واستقل الْمَحْمُول فِي جنب مَا حَرَّره وتروى فِيمَا يدبره وأفكر فِيمَا يقدمهُ من هَذَا المهم ويؤخره
قَالَ ابْن أبي طيّ لم تقع هَذِه الْهَدِيَّة من نور الدّين بموقع وجرد الْمُوفق بن القيسراني وزيره إِلَى مصر وَأمره بِعَمَل حِسَاب الْبِلَاد واستعلام أَخْبَارهَا وارتفاعها وَأَيْنَ صرفت أموالها فَإِذا حصل جَمِيع ذَلِك قرر على صَلَاح الدّين وَظِيفَة يحملهَا فِي كل سنة وعظُم على نور الدّين أَمر مصر وَأَخذه من إستيلاء صَلَاح الدّين عَلَيْهَا الْمُقِيم المقعد وَأكْثر فِي مراسلته فِي حمل الْأَمْوَال حَدثنِي أبي قَالَ لم يخف حَال نور الدّين فِي كَرَاهِيَة الْملك النَّاصِر وَلَقَد علم ذَلِك جَمِيع الأجناد والأمراء وتحدث بِهِ الْعَوام وَلَا سِيمَا حِين أنفذ هَذِه الْهَدِيَّة وَاشْتَدَّ بعد ذَلِك فِي مراسلته وأنفذ ابْن
القيسراني لكشف الحوال وَلَو طَال عمره لم يكن لَهُ بدُّ من الدُّخُول إِلَى مصر
قَالَ الْعِمَاد وَكَانَ نور الدّين مذُ مُلكت مصر وَتوجه لَهُ فِيهَا النَّصْر يُؤثر أَن يُقرر لَهُ فِيهَا مَال للْحَمْل يَسْتَعِين بِهِ على كلف الْجِهَاد وَتَخْفِيف مَاله من الثّقل وَالْأَيَّام تماطله والأعوام تطاوله وَهُوَ ينْتَظر أَن صَلَاح الدّين يبتدئ من نَفسه بِمَا يُريدهُ وَهُوَ لايستدعي مِنْهُ وَلَا يستزيده فَلَمَّا حمل من أخاير الذَّخَائِر وَالْمَال الْحَاضِر مَا حمله وَعرف مجمله ومفصله تقدم إِلَى الْمُوفق خَالِد بن القيسراني أَن يمْضِي وَيُطَالب وَيَقْتَضِي وَيعْمل أَيْضا بِالْأَعْمَالِ المصرية جزازة وَلَا يبْقى فِي نفوس ديوانه من أمرهَا حزازة وَأرْسل مَعَه الْهَدَايَا والتحف والسنايا وَأقَام الْعِمَاد مقَامه فِي ديوَان الِاسْتِيفَاء فَجمع بَين الإشراف والاستيفاء ومنصب الْإِنْشَاء ثمَّ كَانَ من أمره مَا سَيَأْتِي ذكره
قَالَ الْعِمَاد وَخرج صَلَاح الدّين فِي النّصْف من شَوَّال وَمَعَهُ الْفِيل والحمارة الْعَتَّابِيَّةِ والذخائر النفيسة الَّتِي كَانَ انتخبها من خَزَائِن الْقصر وَهِي مَعْدُودَة من محَاسِن الْعَصْر وَقد سبق ذكر تسييرها إِلَى نور الدّين وقُوبلت بِالْإِحْسَانِ والتحسين ووصلت الحمارة وَكَثُرت لَهَا النظارة وَأما