الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أوزاره والاحتراز من التدنس بأوضاره وَإِبْطَال رسمه من الدَّوَاوِين لاستقبال سنة تسع وَسِتِّينَ وَمَا بعْدهَا على تعاقب الْأَيَّام والسنين
فصل فِي فتح الْيمن
قَالَ الْعِمَاد وَفِي رَجَب توجه تورانشاه أكبر إخْوَة صَلَاح الدّين إِلَى الْيمن فملكها وَكَانَ يحثه على الْمسير إِلَيْهَا عُمارة اليمني شَاعِر الْقصر وَكَانَ كثير الْمَدْح لتورانشاه فتجهزّ وَسَار إِلَى مَكَّة ثمَّ إِلَى زبيد فملكها وَقبض على الْخَارِجِي بهَا وأهلكه نَائِبه سيف الدولة مبارك بن منقذ وَمضى إِلَى عدن فَأَخذهَا واستناب فِيهَا عز الدّين عُثْمَان الزنجيلي وَفتح حصن تعزّ وَغَيره من القلاع فَفتح إقليما ومنح ملكا عَظِيما وافترع بكرا وشيع ذكرا
وَقَالَ ابْن شَدَّاد وَلما كَانَ سنة تسع وَسِتِّينَ رأى صَلَاح الدّين قُوَّة عسكره وَكَثْرَة عدد إخْوَته وقوّة بأسهم وَكَانَ بلغه أَن بِالْيمن إنْسَانا استولى عَلَيْهَا وَملك حصونها وَهُوَ يخْطب لنَفسِهِ يُسمى عبد النّبي بن مهْدي وَيَزْعُم أَنه ينتشر ملكه إِلَى الأَرْض كلهَا واستتب أمره فَرَأى أَن يسير إِلَيْهَا أَخَاهُ الْأَكْبَر الْملك الْمُعظم تورانشاه وَكَانَ كَرِيمًا أريحيا حسن الْأَخْلَاق سَمِعت مِنْهُ يعْنى من صَلَاح الدّين رَحمَه الله تَعَالَى الثَّنَاء على كرمه ومحاسن أخلاقه وترجيحه إِيَّاه على نَفسه فَمضى إِلَيْهَا وَفتح الله على
يَدَيْهِ وَقتل الْخَارِجِي الَّذِي كَانَ بهَا
وَقلت وَكَانَ أَخُو هَذَا الْخَارِجِي قد خرج بِالْيمن قبله ذكر عمَارَة اليمني فِي أول كِتَابه فِي وزراء مصر فِي أثْنَاء كَلَام لَهُ قَالَ وَكَانَ جمَاعَة من أماثل النَّاس مثل بَرَكَات بن المقرئ وَعلي بن مُحَمَّد النيلي والفقيه أبي الْحسن عَليّ بن مهْدي الْقَائِم الَّذِي قَامَ بِالْيمن وأزال دولة أهل زبيد وَغَيرهم قد سبقوني يَعْنِي إِلَى صَاحب عدن فَذكر كلَاما يتَعَلَّق بِهِ
وَقَالَ الْعِمَاد فِي الخريدة الْمهْدي بن عَليّ بن مهْدي ملك الْيمن فِي زَمَاننَا هَذَا وَسَفك الدِّمَاء وسبى الْمُسلمين وَأَقْبل على شرب الْخمر وادّعى الْملك والإمامة ودعا إِلَى نَفسه وَكَانَ يحدث نَفسه بِالْمَسِيرِ إِلَى مَكَّة فَمَاتَ سنة سِتِّينَ وَتَوَلَّى بعده أَخُوهُ وَله شعر حسن يدل على عُلّو همته
قَالَ ابْن أبي طيّ كَانَ سَبَب خُرُوج شمس الدولة إِلَى الْيمن أَنه كَانَ كَرِيمًا جوادا وَكَانَ إقطاعه بِمصْر لايقوم بفتوته وَلَا ينْهض بمروّته وَكَانَ قد انتظم فِي سلكه عُمارة الشَّاعِر وَكَانَ من أهل الْيمن وَكَانَ ورد إِلَى مصر
ومدح أَصْحَابهَا ونفق عَلَيْهِم فَلَمَّا زَالَت دولتهم انضوى إِلَى شمس الدولة ومدحه وَكَانَ إِذا خلا بِهِ يصف لَهُ بِلَاد الْيمن وَكَثْرَة أموالها وَخَيرهَا وَضعف من فِيهَا وَأَنَّهَا قريبَة المأخذ لمن طلبَهَا
قلت فَمن جملَة شعره فِي ذَلِك قَوْله فِي القصيدة الَّتِي أَولهَا
(الْعلم مذ كَانَ مُحْتَاج إِلَى الْعلم
…
وشفرة السَّيْف تَسْتَغْنِي عَن الْقَلَم)
(كم يتْرك الْبيض فِي الأجفان ظامئة
…
إِلَى الْمَوَارِد فِي الْأَعْنَاق والقمم)
(أمامك الْفَتْح من شام وَمن يمن
…
فَلَا ترد رُؤُوس الْخَيل باللجم)
(فعمُّك الْملك الْمَنْصُور سوّمها
…
من الْفُرَات إِلَى مصر بِلَا سأم)
(فاخلق لنَفسك ملكا لَا تُضَاف بِهِ
…
إِلَى سواك وأوْرِ النَّار فِي الْعلم)
(هَذَا ابْن تومرت قد كَانَت بدايته
…
كَمَا يَقُول الورى لَحْمًا على وَضم)
(وَقد ترامى إِلَى أَن أَمْسَكت يَده
…
من الْكَوَاكِب بالأنفاس والكظم)
(حاسب ضميرك عَن رَأْي أَتَاك وَقل
…
نصيحة وَردت من غير متهّم)
وَله من أُخْرَى
(أفاتح أَرض النِّيل وَهِي منيعة
…
على كلّ راجٍ فتحهَا ومؤمل)
(مَتى توقد النَّار الَّتِي أَنْت قَادِح
…
بغمدان مشبوبا سناها بمندل)
(وتفتح مَا بَين الْحصين وَأبين
…
وَصَنْعَاء من حصنٍ حُصَيْن وَمَعْقِل)
(وتملك من مخلاف طرف وجعفر
…
نقيضين من حَزْن خصيب ومُسهل)
(وتخلق ملكا لاتُحيل بفخره
…
على أحد إِلَّا على عزمك الْعلي)
وَله من قصيدة أُخْرَى
(قَالُوا إِلَى الْيمن الميمون رحلته
…
فَقلت مَا دونه شَيْء سوى السّفر)
(سيْرٌ يَسُرُّ بني الدُّنْيَا وَطيب ثَنَا
…
وَطول عمر كَذَا يحْكى عَن الْخضر)
(لَا توقدن لَهَا النَّار الَّتِي خمدت
…
خفض عَلَيْك تنَلْ مَا شِئْت بالشرر)
(المَال ملئ يَد وَالْقَوْم ملك يَد
…
وَلَا أطيل وَهَذَا جملَة الْخَبَر)
قَالَ ابْن أبي طيّ وَوَافَقَ ذَلِك أَنه كَاتبه رجل من أهل الْيمن شرِيف يُقَال لَهُ هَاشم بن غَانِم وأطمعه فِي المعاونة لِأَن صَاحب الْيمن عبد النَّبِي كَانَ قد تعدى على هَذَا الشريف هَاشم فَأعْلم شمس الدولة أَصْحَابه بعزمه على الْيمن فَأَجَابُوهُ وتجهز ثمَّ دخل على أَخِيه السُّلْطَان واستأذنه فِي دُخُول الْيمن فَأذن لَهُ وَأطلق لَهُ مُغَلّ قوص سنة وزوده فَوق مَا كَانَ فِي نَفسه وأصحبه جمَاعَة من الْأُمَرَاء وَمِقْدَار ألف فَارس خَارِجا عمّن سيره من حلقته وَسَار فِي الْبر وَالْبَحْر فِي الْبر العساكر وَفِي الْبَحْر الأسطول يحمل الأزواد وَالْعدَد والآلات فوصل إِلَى مَكَّة شرفها الله تَعَالَى فَدَخلَهَا زَائِرًا ثمَّ خرج مُتَوَجها مِنْهَا إِلَى الْيمن فوصل زبيد فِي أَوَائِل شَوَّال فَنزل عَلَيْهَا ولقيه الشريف هَاشم بن غَانِم الحسني وَجَمِيع الْأَشْرَاف بَنو سُلَيْمَان فِي جمع جم وَعدد كثير فهجم زبيد وتسلمها واحتوى على مَا فِيهَا وَقبض على صَاحب الْيمن عبد النبيّ أخي عَليّ بن مهْدي
ثمَّ رَحل إِلَى عدن وَفِي صحبته ابْن مهْدي فَفَتحهَا عنْوَة وولاها