الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمَّ تسلم السُّلْطَان حصن بعرين وَكَانَ بيد الْأَمِير فَخر الدّين مَسْعُود بن الزَّعْفَرَانِي وَهُوَ من أكَابِر أُمَرَاء نور الدّين وَذَلِكَ فِي أَوَاخِر شَوَّال وأقطع مَدِينَة حماة خَاله وصهره الْأَمِير شهَاب الدّين مَحْمُودًا وأنعم بحمص على ابْن عَمه نَاصِر الدّين
قَالَ الْعِمَاد وأذكر أنَّا عبرنا نهر العَاصِي عائدين وَقد انكسفت الشَّمْس وادلّهم النَّهَار وَغلب على الْقُلُوب الاستشعار وطاحت الْأَنْوَار وخفيت الرّسوم وَظَهَرت النُّجُوم وَجِئْنَا حمص ثمَّ بعلبك ثمَّ الْبِقَاع ووصلنا دمشق فِي ذِي الْقعدَة
فصل
قَالَ الْعِمَاد قد سبق ذكر مَا قَرَّرَهُ حُسّادي فِي خاطر السُّلْطَان وَقَالُوا شُغله الْمُكَاتبَة وَهِي منصب الْأَجَل الْفَاضِل وَهُوَ يَسْتَنِيب فِيهِ من يرَاهُ من الأفاضل وَهَذَا تَصْرفُه برِفدٍ جزيل ووجهٍ جميل وَالسُّلْطَان مَعَ شدّة رغبته مُتَوَقف وَإِلَى ظُهُور وَجه النّجاح فِي أَمْرِي متشوف
وَكنت قد أنست مُدَّة مقَامي بالمعسكر بِذِي الْمجد والمفخر ومورد الْكَرم والمصدر الْأَمِير نجم الدّين بن مصال وَهُوَ ذُو فضل وإفضال وَقبُول وإقبال وَله من السُّلْطَان وَمن الْفَاضِل لجلالة قدره إجلال وَقد مَال إِلَى لفضله ونباهته ونبله وَكَانَ أَبوهُ قد وزر لِلْحَافِظِ فِي آخر عَهده
متفرّدا بسؤدده ومجده وَكَانَ من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة والتّقى والورع والعفاف وَالطَّاعَة وَله يدٌ عِنْد السُّلْطَان فِي النُّوب الَّتِي قصدُوا فِيهَا مصر وأجزل عِنْده الْإِحْسَان والبّر لاسيما عِنْد كَونه بالإسكندرية محصورا وَكَانَ إحسانه مشكورا واعتناؤه لحفظه مَشْهُورا فَلَمَّا ملك أحبّه وَاخْتَارَ قربه فلزْمت لَهُ التودد وَإِلَيْهِ التَّرَدُّد وَجَعَلته الْوَسِيط بيني وَبَين الْأَجَل الْفَاضِل واتخذته من الْحجَج والوسائل ووقفت خاطري على تقاضيه نظما ونثرا ورسالة وشعرا فَمن ذَلِك مَا كتبته إِلَيْهِ
(لَعَلَّ نجم الدّين ذَا الْفضل
…
يذكرالفاضل فِي شُغلي)
(إنّ أجلّ النَّاس قدرا فَتى
…
بفضله يتْعب من أَجلي)
(ومثلُه من يعتنى بالعلا
…
ويستديم الْحَمد من مثلي)
قَالَ وَأول مَا أهديته للفاضل مِدْحَة حِين لَقيته بحمص فِي شعْبَان مِنْهَا
(عَايَنت طود سكينَة وَرَأَيْت شمس
…
فَضِيلَة ووردت بَحر فواضل)
(وَرَأَيْت سحبان البلاغة ساحبا
…
ببيانه ذيل الفخار لِوَائِل)
(أَبْصرت قُسّا فِي الفصاحة معجزا
…
فَعرفت أَنِّي فِي فهامه بَاقِل)
(حلف الحصافة والفصاحة والسماحة
…
والحماسة والتقى والنائل)
(بَحر من الْفضل الغزير خِضّمُّه
…
طامي العُباب وَمَاله من سَاحل)
(وجميعُ مَا فِي الأَرْض سَبْعَة أبحر
…
وبحوره تُسْمى بِعشر أنامل)
(فِي كَفه قلم يعجل جريه
…
مَا كَانَ من أجل ورزق اجل)
(يجْرِي وَلَا جري الحسام إِذا جرى
…
حدّاه بل جرْى الْقَضَاء النَّازِل)
(نابت كِتَابَته مناب كَتِيبَة
…
كفلت يهْزم كتائب وجحافل)
(فَعدُوّه فِي عدوه ووليّه
…
فِي عدله أكرمْ بِعادٍ عَادل)
(ريّان من مَاء التّقي صادٍ إِلَى
…
كسب المحامد وَهِي خير مناهل)
(يَا وَاحِد الْعَصْر الَّذِي بذ الورى
…
فضلا بِغَيْر مشابه ومشاكل)
(مَالِي وجاه الْجَاهِلين فأغنني
…
عَنْهُم كفيتهم وَجُدْ بالجاه لي)
(أرجوك معتنيا لَدَى السُّلْطَان بِي
…
كرماً فمثُلك بعتني بأماثلي)
(قرّر لي الشّغل المبجل مُخليا
…
بالي من الهمّ الْمُقِيم الشاغل)
قَالَ فَدخل الْفَاضِل إِلَى السُّلْطَان وعرّفه أَنه فيّ رَاغِب وَقَالَ أَنا لَا يمكنني الْمُلَازمَة الدائمة فِي كل سفرة وَغدا يكاتبك مُلُوك الْأَعَاجِم وَلَا تَسْتَغْنِي فِي الْملك عَن عقد الملطفات وحلّ التّراجم والعماد يَفِي بذلك وَلَك أختاره وَقد عُرف فِي الدولة النّورية مِقْدَاره وَأخذ لي خطّ السُّلْطَان بِمَا قَرَّرَهُ لي من شغلي وَقد عرف أَن الْأَجَل الْفَاضِل قد أجلّ فضلي
قَالَ وخدمت أَمِير الْمُؤمنِينَ المستضيء فِي ذِي الْقعدَة مَعَ الرّسل بِهَذِهِ القصيدة
(أصح عُيُون الغانيات مريضها
…
وأفتك الحاظ الحسان غضيضها)
يَقُول فِي مديحها
(وَمن عجب صلت لقبلة بأسهم
…
رُؤُوس أعادٍ من ظباهم محيضها)
قَالَ ابْن أبي طيّ وَظهر فِي مشغرا قَرْيَة من قرى دمشق رجل ادّعى النّبوة وَكَانَ من أهل الْمغرب وَأظْهر من التخاييل والتمويهات مَا فتن