المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فملكها وَأرْسل الشحن إِلَى بلد الخابور فاستولوا عَلَيْهَا وَسَار هُوَ - الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية - جـ ٢

[أبو شامة المقدسي]

فهرس الكتاب

- ‌ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي وَفَاة زين الدّين وَالِد مظفر الدّين صَاحب إربل

- ‌ثمَّ دخلت سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل فِيمَا فعله نور الدّين

- ‌فصل فِي الْقَبْض على شاور وَقَتله

- ‌فصل فِي وزارة أَسد الدّين

- ‌فصل فِي وَفَاة أَسد الدّين وَولَايَة ابْن أَخِيه صَلَاح الدّين مَكَانَهُ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي قتل المؤتمن بالخرقانية ووقعة السودَان بَين القصرين وَغير ذَلِك

- ‌ثمَّ دخلت سنة خمس وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي مسير نجم الدّين أَيُّوب إِلَى مصر بباقي أَوْلَاده وَأَهله

- ‌فصل فِي ذكر الزلزلة الْكُبْرَى

- ‌فصل فِي غَزْوَة صَاحب البيرة ووفاة صَاحب الْموصل

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِيمَا جرى بِمصْر فِي هَذِه السّنة

- ‌ثمَّ دخلت سنة سبع وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي ذكر غَزْو الفرنج فِي هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي عزم نور الدّين على الدُّخُول إِلَى مصر

- ‌فصل فِي الحَمَام

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي جِهَاد السلطانين للفرنج فِي هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي فتح بِلَاد النّوبَة

- ‌فصل فِي وَفَاة نجم الدّين أَيُّوب وَالِد صَلَاح الدّين وطرف من أخباره

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة تسع وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي فتح الْيمن

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي صلب عمَارَة اليمني الشَّاعِر وَأَصْحَابه

- ‌فصل فِي التَّعْرِيف بِحَال عمَارَة وَنسبه وشعره

- ‌فصل فِي وَفَاة نور الدّين رحمه الله

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة سبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِيمَا جرى بعد فتح دمشق من فتح حمص وحماة وحصار حلب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي فتح بعلبك

- ‌فصل فِيمَا جرى للْمَوَاصلة والحلبييّن مَعَ السُّلطان فِي هَذِه السّنة

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِيمَا تجدّد للمواصلة والحلبيين

- ‌فصل فِي فتح جملَة من الْبِلَاد حوالي حلب

- ‌فصل فِي وثوب الحشيشية على السُّلْطَان مرّة ثَانِيَة على عزاز وَكَانَت الأولى على حلب

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة وَدخُول قراقوش إِلَى الْمغرب

- ‌ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي ذكر جمَاعَة من الْأَعْيَان تجدّد لَهُم مَا أقتضى ذكرهُ فِي هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي رُجُوع السُّلْطَان إِلَى مصر

- ‌فصل فِي بيع الْكتب وَعمارَة القلعة والمدرسة والبيمارستان

- ‌فصل فِي خُرُوج السُّلْطَان إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَغير ذَلِك من بواقي حوادث هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي نوبَة كسرة الرَّملة

- ‌فصل فِي وَفَاة كمشتكين وَخُرُوج السُّلْطَان من مصر بِسَبَب حَرَكَة الفرنج

- ‌فصل فِي ذكر أَوْلَاد السُّلْطَان

- ‌فصل

الفصل: فملكها وَأرْسل الشحن إِلَى بلد الخابور فاستولوا عَلَيْهَا وَسَار هُوَ

فملكها وَأرْسل الشحن إِلَى بلد الخابور فاستولوا عَلَيْهَا وَسَار هُوَ إِلَى حران فحصرها عدَّة أَيَّام ثمَّ أَخذهَا وَملك الرّها والرقة وسروج واستكمل ملك سَائِر ديار الجزيرة سوى قلعة جعبر فَقَالَ لَهُ فَخر الدّين عبد الْمَسِيح وَكَانَ قد فَارق سيواس بعد وَفَاة نور الدّين وَقصد سيف الدّين ظنَّا مِنْهُ أَن سيف الدّين يرْعَى لَهُ خدمته وقيامه فِي أَخذ الْملك لَهُ من وَالِده قطب الدّين على مَا ذَكرْنَاهُ أَولا فَلم يجن ثَمَرَة مَا غرس وَكَانَ عِنْده كبعض الْأُمَرَاء لَيْسَ بِالشَّام من يمنعك فاعبر الْفُرَات واملك الْبِلَاد فَأَشَارَ أَمِير آخر مَعَه وَهُوَ أكبر أمرائه قد ملكت أَكثر من والدك والمصلحة أَن تعود فَرجع إِلَى الْموصل

‌فصل

قَالَ ابْن الْأَثِير قد سبق أَن نور الدّين كَانَ قد جعل بقلعة الْموصل لمّا ملكهَا دُزْداراً لَهُ وَهُوَ سعد الدّين كمشتكين بعض خدمه الخصيان فَلَمَّا سَار سيف الدّين إِلَى الشَّام كَانَ فِي مقدمته على مرحلة فَلَمَّا أَتَاهُ خبر وَفَاة نور الدّين هرب وَأرْسل سيف الدّين فِي أَثَره فَلم يدْرك فنهب بَرْكه ودوابه وَسَار إِلَى حلب وَتمسك بِخِدْمَة شمس الدّين ابْن الداية وَإِخْوَته وَاسْتقر بَينهم وَبَينه أَن يسير إِلَى دمشق ويحضر الْملك الصَّالح فَسَار إِلَى

ص: 325

دمشق فَأخْرج إِلَيْهِ ابْن الْمُقدم عسكرا لينهبه فَعَاد مُنهزما إِلَى حلب فأخلف عَلَيْهِ شمس الدّين ابْن الداية مَا أَخذ مِنْهُ وجهزه وسيره إِلَى دمشق وعَلى نَفسهَا تجني براقش فَلَمَّا وَصلهَا سعد الدّين دَخلهَا وَاجْتمعَ بِالْملكِ الصَّالح والأمراء وأعلمهم مَا فِي قصد الْملك الصَّالح إِلَى حلب من الْمصَالح فَأَجَابُوا إِلَى تسييره فَسَار إِلَيْهَا فَلَمَّا وَصلهَا وَصعد إِلَى قلعتها قبض الْخَادِم سعد الدّين على شمس الدّين ابْن الداية وَإِخْوَته وعَلى ابْن الخشاب رَئِيس حلب

قَالَ ابْن الْأَثِير وَلَوْلَا مرض شمس الدّين لم يتَمَكَّن مِنْهُ وَلَا جرى من ذَلِك الْخلف والوهن شَيْء {وَكَانَ أَمر الله قدرا مقدوُراً}

واستبد سعد الدّين بتدبير أَمر الْملك الصَّالح فخافه ابْن الْمُقدم وَغَيره من الْأُمَرَاء الَّذين بِدِمَشْق فكاتبوا سيف الدّين ليسلموا إِلَيْهِ دمشق فَلم يفعل وَخَافَ أَن تكون مكيدة عَلَيْهِ ليعبر الْفُرَات ويسير إِلَى دمشق فَيمْنَع عَنْهَا ويقصده ابْن عَمه من وَرَاء ظَهره فَلَا يُمكنهُ الثَّبَات فراسل الْملك الصَّالح وَصَالَحَهُ على إِقْرَار مَا أَخذه بِيَدِهِ وَبَقِي الْملك الصَّالح بحلب وَسعد الدّين بن يَدَيْهِ يدبره أمره وتمكّن مِنْهُ تمَكنا عَظِيما يُقَارب الْحجر عَلَيْهِ

وَقَالَ الْعِمَاد كَانَ كمشتكين الْخَادِم النَّائِب بالموصل قد سمع بِمَرَض نور الدّين فأخفاه وَاسْتَأْذَنَ فِي الْوُصُول إِلَى الشَّام فَطلب سيف الدّين غَازِي رِضَاهُ فَخرج وَسَار مرحلَتَيْنِ وَسمع النّعْي فأغذ السّير وَالسَّعْي وَنَجَا بِمَالِه

ص: 326

وبحاله وَنَدم صَاحب الْموصل على الرِّضَا بترحاله وَكَانَت عِنْده بوفاة عَمه بِشَارَة وَظَهَرت على صفحاته مِنْهَا أَمارَة فَإِنَّهُ لم يزل من كمشتكين متشكيا فَإِنَّهُ كَانَ لجمر الْأَمر عَلَيْهِ مّذْكيا وَكَانَ المرحوم قد أَمر بإراقة الْخُمُور وَإِزَالَة الْمَحْظُور وَإِسْقَاط المكوس وإعدام أقساط البوس فَنُوديَ فِي الْموصل يَوْم وُرُود الْخَبَر بالفسحة فِي الشّرْب جهادرا لَيْلًا وَنَهَارًا وَزَالَ الْعرف وَعَاد النكر وَأنْشد قَول ابْن هانئ

(وَلَا تَسْقِنِي سرا فقد أمكن الْجَهْر

)

وَقيل أَخذ الْمُنَادِي على يَده دنّا وَعَلِيهِ قدح وزمر وَزعم أَنه خرج بِهَذَا أَمر فَلَا حرج على من يُغني وَيشْرب ويسكر ويطرب وعادت الضرائب وَضربت العوائد

وَأما كمشتكين فَإِنَّهُ وصل إِلَى حلب بعد عبور الْقرى وتمثل عِنْد الصَّباح يحمد الْقَوْم السّري وَاجْتمعَ هُنَاكَ بالأمير شمس الدّين عَليّ وَإِخْوَته إخْوَة مجد الدّين وَأظْهر أَنه لَهُم من المخلصين

وَكَانَ مجد الدّين أَبُو بكر أخوهم رَضِيع نور الدّين وَقد ترّبى مَعَه وَلَزِمَه وَتَبعهُ إِلَى أَن ملك الشَّام بعد وَالِده ففّوض إِلَى مجد الدّين جَمِيع مقاصده من طريفه وتالده وحكّمه فِي الْملك ونظمه فِي السلك فَلَا يُحلّ وَلَا يُعقد إِلَّا بِرَأْيهِ وَكَانَت حصونه محصّنة وَهُوَ يسكن عِنْده فِي

ص: 327

قلعة حلب والحاضر عِنْده صباحا وَمَسَاء إِذا طلب وشيزر مَعَ أَخِيه شمس الدّين عَليّ وقلعة جعبر وتلّ بَاشر مَعَ سَابق الدّين عُثْمَان وحارم مَعَ بدر الدّين حسن وَعين تَابَ وعزاز وَغَيرهمَا نوّابه فِيهَا وَهُوَ يصونها ويحميها

ولمّا توفّي جرت إخْوَته فِي الْقرب والانبساط على عَادَته وهم أَعْيَان الدولة وأعضادها وأبدال أرْضهَا وأوتادها وأمجادها وأجوادها فَلَمَّا توفّي نور الدّين لم يشكوا فِي أَنهم يكفلون وَلَده ويرّبونه ويحبهم لأجل سابقتهم وَيُحِبُّونَهُ فَأَقَامَ شمس الدّين عليّ وَهُوَ أكبرهم وأوجههم وَدخل قلعة حلب وَبهَا واليها شاذبخت وسكنها وَأسر مصلحَة الدولة وأعلنها وَعرف مَا جرى بِدِمَشْق من الِاجْتِمَاع واتفاق ذوى الأطماع فكاتبهم وَأمرهمْ بالوصول إِلَيْهِ فِي خدمَة الْملك الصَّالح وَنفذ أَخَاهُ سَابق الدّين عُثْمَان وَكَانَ قَلِيل الْخِبْرَة بَعيدا من التحرُّز والدّهاء فاستقرّ الْأَمر على أَن يحملوا الْملك الصَّالح إِلَيْهِ ويقدموا بِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ يتسلم ممالكه وَيكون أتابكه

وَوصل كمشتكين إِلَى دمشق فِي تِلْكَ الْأَيَّام فوافقهم على مَا دبروه من المرام وَسَار الصَّالح وَمَعَهُ كمشتكين وَالْعدْل ابْن العجمي واسماعيل الخازن فبغُتوا إخْوَة مجد الدّين الثَّلَاثَة فقبضوهم واعتقلوهم وَجَاء ابْن الخشاب أَبُو الْفضل مقدّم الشِّيعَة فسفكوا دَمه وَأقَام شمس الدّين بن الْمُقدم بِدِمَشْق على عساكرها مقدما وَفِي مصالحها محكّما وجمال الدّين ريحَان وَالِي القلعة والشِّحن من قبله وَالْأَمر إِلَيْهِ بتفصيله وجمله

ص: 328

وَالْقَاضِي كَمَال الدّين الشهرزوري الْحَاكِم النَّافِذ حكمه الصائب سَهْمه الثاقب نجمه

وَكَانَ مسير الْملك الصَّالح من دمشق فِي الثَّالِث وَالْعِشْرين من ذِي الْحجَّة وغاظ صَلَاح الدّين مَا فُعل بأخوة مجد الدّين

وَقَالَ ابْن أبي طي الْحلَبِي لما مَاتَ نُور الدّين اجْتمع أُمَرَاء دولته وتعاقدوا على أَن يَكُونُوا فِي خدمَة الْملك الصَّالح بن نور الدّين وَكَانَ يَوْمئِذٍ صَبيا وحلفوا لَهُ على منابذة الْملك النَّاصِر وَقبض أَصْحَابه الَّذين بِالشَّام وَمُصَالَحَة الفرنج وَجعلُوا ابْن الْمُقدم شمس الدّين مقدم العساكر وَتمّ ذَلِك وَاسْتقر وَركب الْملك الصَّالح بِدِمَشْق وخطب لَهُ

وَكَانَت الفرنج قد تحركت إِلَى قصد دمشق فَخرج ابْن الْمُقدم وَنزل على بانياس فِي عَسَاكِر نور الدّين وراسل الفرنج فِي الْهُدْنَة فَأَجَابُوهُ بعد أَن قطعُوا قطيعة على الْمُسلمين فَعجل حملهَا إِلَيْهِم وَتمّ أَمر الصُّلْح وعادت الفرنج إِلَى بلادها وَابْن الْمُقدم إِلَى دمشق

واتصل خبر هَذِه الْهُدْنَة بِالْملكِ النَّاصِر وَكَانَ قد خرج من مصر أَربع مراحل فأعظم أمرهَا وأكبره واستصغر أَمر أهل الشَّام وَعلم ضعفهم فراسل ابْن الْمُقدم وَغَيره من الْأُمَرَاء بإنكار ذَلِك والتوبيخ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي كِتَابه إِلَى ابْن أبي عصرون ورد الْخَبَر بصلح بَين الفرنج والدمشقيين وبقيةُ بِلَاد الْمُسلمين مَا دخلت فِي العقد وَلَا انتظمت فِي سلك هَذَا الْقَصْد والعدو لَهما وَاحِد وَصرف مَال الله الَّذِي أُعد لمغنم الطّاعة ومصلحة

ص: 329

الْجَمَاعَة فِي هَذِه الْمعْصِيَة المغضبة لله وَلِرَسُولِهِ ولصالحي الْأمة وَكَانَ مذخورا لكشف الْغُمَّة فَصَارَ عونا وَأَن أُسَارَى من طبرية وفرسانها كَانَت وطأتهم شَدِيدَة وشوكتهم حَدِيدَة دُفعوا فِي القطيعة وَجعلُوا إِلَى السّلم السَّبَب والذريعة فَلَمَّا بلغنَا هَذَا الْخَبَر وقفنا بِهِ بَين الْورْد والصدر إِن أتممنا ظن بِنَا غير مَا نُرِيد وَإِن قعدنا فالعدو من بَقِيَّة الثغور الَّتِي لم تدخل فِي الْهُدْنَة غير بعيد وَإِن فرّقنا العساكر لدينا فاجتماعها بعد افتراقها شَدِيد فَرَأَيْنَا أَن سيرنا إِلَى حَضْرَة الْأَمِير شمس الدّين أبي الْحسن عَليّ وَإِخْوَته من يعرفهُمْ قدر خطر هَذَا الإرتباك وَأَنه أَمر رُبمَا عُجز عَن الِاسْتِدْرَاك وَأَن العدوّ طَالب لَا يغْفل وجاد لَا ينكل وَلَيْث لَا يضيع الفرصة مجد لَا يمِيل إِلَى الرُّخْصَة فَإِن كَانَت الْجَمَاعَة ساخطين فَيظْهر أَمَارَات السخط والتغيير وَلَا يمسك فِي الأول فيعجز عَن الْأَخير لَا سِيمَا وَنحن نغار لله ونغير ونقصد للْمُسلمين مَا يجمع بِهِ صَلَاح الرَّأْي وصواب التَّدْبِير وَقد منعنَا عساكرنا أَن تفترق خوفًا أَن يقْصد الْعَدو نَاحيَة حارم بِالْمَالِ الَّذِي قويت بِهِ قوته وثرت بِهِ ثروته وانبسطت بِهِ خطوته فَإِنَّهُ مَا دَامَ يعلم أَنا مجتمعون وعَلى طلبه مجمعون لَا يُمكنهُ أَن يزايل مراكزه وَلَا يُبَادر مناهزه

قَالَ وَكَانَ مُتَوَلِّي قلعة حلب شاذبخت الْخَادِم النّوري وَكَانَ شمس الدّين عَليّ أَخُو مجد ابْن الداية إِلَيْهِ أُمُور الْجَيْش والديوان إِلَى أَخِيه بدر الدّين حسن الشحنكية وَكَانَ بِيَدِهِ وَيَد إخْوَته جَمِيع المعاقل الَّتِي حول حلب فَلَمَّا بلغ عليا موت نور الدّين صعد إِلَى القلعة وَكَانَ مُقْعَداً واضطرب الْبَلَد ثمّ سكنه ابْن الخشاب وكوتب ابْن الخشاب من دمشق

ص: 330

بِحِفْظ الْبَلَد وعول أَوْلَاد الداية على الِاسْتِيلَاء على حلب وَحلف لَهُم جمَاعَة من القلعيين والحلبيين وأنفذوا خلف أبي الْفضل بن الخشاب فَامْتنعَ من الصعُود إِلَيْهِم وترددت بَينهم الرسَالَة وتحزب النَّاس بحلب السّنة مَعَ بني الداية والشيعة مَعَ أبن الخشاب وَجَرت أَسبَاب اقْتَضَت أَن أنزل حسن ابْن الداية جمَاعَة من القلعيين وَأهل الْحَاضِر وزحفوا إِلَى دَار ابْن الخشاب فملكوها ونهبوها واختفى ابْن الخشاب

وأتصلت هَذِه الْأَخْبَار بِمن فِي دمشق فَأخذُوا الْملك الصَّالح وَسَارُوا إِلَى حلب فِي الثَّالِث وَالْعِشْرين من ذِي الحجَّة وَسَار مَعَ الْملك الصَّالح سعد الدّين كمشتكين وجرديك وَإِسْمَاعِيل الخازن وسابق الدّين عُثْمَان ابْن الدّاية وَقد وكلت الْجَمَاعَة بِهِ وَهُوَ لايعلم وَسَارُوا إِلَى حلب وَخرج النَّاس إِلَى لقائهم

وَكَانَ حسن قد رتّب فِي تِلْكَ اللَّيْلَة جمَاعَة من الحلبيين ليُصبح ويصلبهم فلمَّا خرج للقاء الْملك الصَّالح وَوَقعت عينه عَلَيْهِ ترجَّل ليخدم هُوَ وَجَمَاعَة من أَصْحَابه فَتقدم جرديك وَأخذ بِيَدِهِ وَشَتمه وجذبه فأركبه خَلفه رديفاً وقُبض سَابق الدّين أَخُوهُ فِي الْحَال وتُخُطَّفت أَصْحَابهم جَمِيعهم واحتيط عَلَيْهِم وَسَارُوا مجدّين حَتَّى سبقوا الْخَبَر إِلَى القلعة وصعدوا إِلَيْهَا وقبضوا على شمس الدّين عَليّ ابْن الداية من فرَاشه وَحمل إِلَى بَين يَدي الْملك الصَّالح فَاسْتَقْبلهُ أحد مماليك نور الدّين الْمَعْرُوف بالجفينة فركله بِرجلِهِ ركلة دحاه بهَا على وَجهه فانشقت جَبهته ثمَّ صفدوا جَمِيعًا وحبسوا فِي جُبّ القلعة وقبضوا على جَمِيع الأجناد الَّذين

ص: 331