المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

(أَبُو المظفر مأوى كل مضطهد … بحلمه ونداه يضْرب الْمثل) (مهما - الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية - جـ ٢

[أبو شامة المقدسي]

فهرس الكتاب

- ‌ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي وَفَاة زين الدّين وَالِد مظفر الدّين صَاحب إربل

- ‌ثمَّ دخلت سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل فِيمَا فعله نور الدّين

- ‌فصل فِي الْقَبْض على شاور وَقَتله

- ‌فصل فِي وزارة أَسد الدّين

- ‌فصل فِي وَفَاة أَسد الدّين وَولَايَة ابْن أَخِيه صَلَاح الدّين مَكَانَهُ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي قتل المؤتمن بالخرقانية ووقعة السودَان بَين القصرين وَغير ذَلِك

- ‌ثمَّ دخلت سنة خمس وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي مسير نجم الدّين أَيُّوب إِلَى مصر بباقي أَوْلَاده وَأَهله

- ‌فصل فِي ذكر الزلزلة الْكُبْرَى

- ‌فصل فِي غَزْوَة صَاحب البيرة ووفاة صَاحب الْموصل

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِيمَا جرى بِمصْر فِي هَذِه السّنة

- ‌ثمَّ دخلت سنة سبع وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي ذكر غَزْو الفرنج فِي هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي عزم نور الدّين على الدُّخُول إِلَى مصر

- ‌فصل فِي الحَمَام

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي جِهَاد السلطانين للفرنج فِي هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي فتح بِلَاد النّوبَة

- ‌فصل فِي وَفَاة نجم الدّين أَيُّوب وَالِد صَلَاح الدّين وطرف من أخباره

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة تسع وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي فتح الْيمن

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي صلب عمَارَة اليمني الشَّاعِر وَأَصْحَابه

- ‌فصل فِي التَّعْرِيف بِحَال عمَارَة وَنسبه وشعره

- ‌فصل فِي وَفَاة نور الدّين رحمه الله

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة سبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِيمَا جرى بعد فتح دمشق من فتح حمص وحماة وحصار حلب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي فتح بعلبك

- ‌فصل فِيمَا جرى للْمَوَاصلة والحلبييّن مَعَ السُّلطان فِي هَذِه السّنة

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِيمَا تجدّد للمواصلة والحلبيين

- ‌فصل فِي فتح جملَة من الْبِلَاد حوالي حلب

- ‌فصل فِي وثوب الحشيشية على السُّلْطَان مرّة ثَانِيَة على عزاز وَكَانَت الأولى على حلب

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة وَدخُول قراقوش إِلَى الْمغرب

- ‌ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي ذكر جمَاعَة من الْأَعْيَان تجدّد لَهُم مَا أقتضى ذكرهُ فِي هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي رُجُوع السُّلْطَان إِلَى مصر

- ‌فصل فِي بيع الْكتب وَعمارَة القلعة والمدرسة والبيمارستان

- ‌فصل فِي خُرُوج السُّلْطَان إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَغير ذَلِك من بواقي حوادث هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي نوبَة كسرة الرَّملة

- ‌فصل فِي وَفَاة كمشتكين وَخُرُوج السُّلْطَان من مصر بِسَبَب حَرَكَة الفرنج

- ‌فصل فِي ذكر أَوْلَاد السُّلْطَان

- ‌فصل

الفصل: (أَبُو المظفر مأوى كل مضطهد … بحلمه ونداه يضْرب الْمثل) (مهما

(أَبُو المظفر مأوى كل مضطهد

بحلمه ونداه يضْرب الْمثل)

(مهما يمل جَائِر أَو عائث عَمه

فَعِنْدَ عدل صَلَاح الدّين يعتدل)

(أَحْيَا بِهِ الله مصرا فَهِيَ نَاشِرَة

وافتكها من عَدو مَا بِهِ قبل)

(كم للفرنج بهَا وردا ومنتجعا

ونارهم حولهَا تذكو وتشتعل)

(فأطفأ النَّاصِر الْمَنْصُور جذوتهم

وأدبروا بقلوب شهمها وَجل)

(ملك تقلد سلك الْملك منتظما

وَقَالَ لِلْمَالِ هَذَا مِنْك لي بدل)

(فَفرق المَال جمعا للقلوب بِهِ

وحسبه فيهم إِدْرَاك مَا سَأَلُوا)

(إِن الْمُلُوك الَّذين امْتَدَّ أَمرهم

لم يخزنوا المَال بل مهما حووا بذلوا)

(كَذَا السياسة فالأجناد لَو علمُوا

بخل المليك وَجَاءَت شدَّة خذلوا)

‌فصل

هَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ من قصَّة شاور وَمَا جرى بِسَبَبِهِ فِي الديار المصرية إِلَى

ص: 81

أَن تمت وزارة صَلَاح الدّين قد وجدته مَبْسُوطا مُشْتَمِلًا على زيادات وفوائد فِي كتاب ليحيى بن أبي طيّ الْحلَبِي فِي السِّيرَة الصلاحية فَأَحْبَبْت ذكره مُخْتَصرا

ذكر أَن الْملك الصَّالح طلائع بن رُزيك وَزِير الديار المصرية لما

ص: 82

قتل فِي رَمَضَان سنة سِتّ وَخمسين بتدبير عَمه العاضد عَلَيْهِ أوصى عِنْد مَوته ابْنه رزيك بشاور وَقَالَ لَهُ لَا تزلزله من ولَايَته فَأَنَّهُ أسلم لَك ولملكك وَيُقَال إِنَّه أنْشد أبياتاً مِنْهَا

(فَإِذا تبدد شَمل عقدكما

لاتأمنا من شاور السَّعْدِيّ)

وَكَانَ شاور مُتَوَلِّي قوص والصعيد الْأَعْلَى فَلَمَّا دفن الصَّالح استوزر ابْنه رزيك ولقب بالعادل وَلما أستقرت أَحْوَاله أرسل إِلَى عمَّة العاضد فخنقها وَاجْتمعَ إِلَى رزيك أَوْلَاد عمته وَمن جُمْلَتهمْ عز الدّين حسام وأشاروا عَلَيْهِ بعزل شاور فَامْتنعَ ثمَّ ألحوا عَلَيْهِ فَأجَاب وَبلغ شاور فجاهر بالعصيان وَجمع العربان وَأهل الصَّعِيد وَسَار إِلَى الْقَاهِرَة وَخرج إِلَيْهِ جمَاعَة من أمرائها كَانُوا كاتبوه فَخرج رزيك تَحت اللَّيْل فضل الطَّرِيق وتاه فَوَقع عِنْد إطفيح وثمَّ بيُوت عرب فقبضوا عَلَيْهِ وحُمل إِلَى شاور وَقد دخل الْقَاهِرَة وتسلمها وأخرجت إِلَيْهِ خلع الوزارة وَتمّ أمره

وَلما حصل رُزَّيك عِنْد شاور أكْرمه وصلب الَّذِي أَتَى بِهِ ونادى عَلَيْهِ هَذَا جَزَاء من لَا يُرَاعِي الْجَمِيل وَكَانَ للصالح إِلَيْهِ إِحْسَان وتفرَّق آل رزيك فِي الْبِلَاد وَنَجَا حسام الَّذِي كَانَ سَبَب هَلَاك بني رزيك بأموال وَصَارَ إِلَى حماة فَأَقَامَ بهَا وَاشْترى الْقرى وَلم يزل بهَا إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَ فِي خُرُوجه أودع عِنْد الفرنج سبعين ألف دِينَار فوفوا لَهُ وردوها عَلَيْهِ ثمَّ أَرَادَ تَقِيّ الدّين أَخذهَا مِنْهُ فَقَالَ من الْعجب أَن الفرنج تفي لي بردهَا وتأخذها أَنْت مني فَكف عَنهُ

ص: 83

قَالَ وَتمكن شارو وَكَانَ لَهُ ثَلَاثَة أَوْلَاد طيّ والكامل وَسليمَان فتبسطوا على النَّاس وتعاظموا فمجتهم الْأَنْفس

وَكَانَ مُلهم وَأَخُوهُ ضرغام من صنائع الصَّالح بن رزيك فَلَمَّا شَاهدا ميل النَّاس عَن شاور بِسَبَب أَوْلَاده أخذا فِي مراسلة رزيك بن الصَّالح وَهُوَ فِي السجْن وَالْعَمَل لَهُ فِي إِعَادَته إِلَى الوزارة واتصل ذَلِك بطيّ بن شاور فَدخل على أَبِيه وَقَالَ لَهُ أَنْت غافل ومُلْهم وضرغام يفسدان أَمرك وَقد شرعا فِي أَمر رزيك واستحلفا لَهُ جمَاعَة من الْأُمَرَاء وَلَا يُمكن تلافي حالك إِلَّا بقتل رزيك فَقَالَ لَهُ شارو إِن الصَّالح أولاني جميلا وبسببه حللت هَذَا الْمحل فَتَركه وَلَده طيّ وَدخل على رزيك فَقتله فِي سجنه وَسمع شاور ذَلِك فَقَامَتْ قِيَامَته ونُمى الْخَبَر إِلَى ضرغام وأخيه ملهم فثارا وأثارا من استحلفاه من الْأُمَرَاء وزحفا بالعساكر إِلَى شاور فَانْهَزَمَ وَخرج من بَاب الْقَاهِرَة وهرب إِلَى الشَّام وَأدْركَ ضرغام ولديه طيئا وَسليمَان فَقَتَلَهُمَا وَأسر الْكَامِل فَأَخذه ملهم واعتقله عِنْده وَأَرَادَ ضرغام قَتله فَمَنعه مِنْهُ ملهم وَحفظ لَهُ جميلا كَانَ قد فعله مَعَه

وَاسْتقر أَمر ضرغام فِي الوزارة وخلُع عَلَيْهِ ولقب بِالْملكِ الْمَنْصُور وَلما اسْتَقر بِهِ الْأَمر بلغه أَن جمَاعَة من الْأُمَرَاء حسدوه واستصغروه وكاتبوا شاور وَكَانَ صَار إِلَى الشَّام فَأخذ فِي إِعْمَال الْحِيلَة عَلَيْهِم وأحضرهم إِلَى دَار الوزارة لَيْلًا فَقَتلهُمْ جَمِيعًا وَلم يتَعَرَّض لأموالهم وَلَا لمنازلهم وَقيل إِنَّه قتل مِنْهُم سبعين أَمِيرا وَيُقَال إِنَّه جعلهم فِي توابيت وَكتب

ص: 84

على كل تَابُوت اسْم صَاحبه فَكَانَ ذَلِك أكبر الْأَسْبَاب فِي هَلَاكه وَخُرُوج دولة المصريين عَن يَد أَصْحَابهَا لِأَنَّهُ أَضْعَف عَسْكَر مصر بقتل الْأُمَرَاء

وَأما شاور فَإِنَّهُ لما خرج من الْقَاهِرَة سَار على وَجهه حَتَّى وصل إِلَى دمشق بعد تحَققه قتل ولديه وَلما وصل إِلَى بُصرى اتَّصل خَبره بِنور الدّين فندب جمَاعَة إِلَى تلِّقيه وأنزله فِي جوسق الميدان الْأَخْضَر وَأحسن ضيافته وإكرامه ثمَّ بعد سَبْعَة أَيَّام من مقدمه أحضر نور الدّين ابْن الصُّوفِي وَجَمَاعَة من وُجُوه الدمشقيين وَقَالَ لَهُم اخْرُجُوا إِلَى هَذَا الرجل وسلموا عَلَيْهِ وعرفوه اعذارنا فِي التَّقْصِير فِي حَقه وَسَلُوهُ فِيمَا قدم وَمَا حَاجته فَإِن كَانَ ورد علينا مُخْتَارًا للإقامة أفردنا لَهُ من جهاتنا مَا يَكْفِيهِ وَيقوم بأربه وأوده وَتَكون عوناً لَهُ على زَمَانه وَإِن كَانَ ورد لغير ذَلِك فيفصح عَن حَاجته فَخرج الْجَمَاعَة إِلَيْهِ بالرسالة فَشكر إِحْسَان نور الدّين وَسكت عَمَّا وَرَاء ذَلِك فَسَأَلَهُ الْقَوْم الْجَواب فَقَالَ إِذا لم يبيَّت الرَّأْي جَاءَ فطيراً فَعَاد الْقَوْم إِلَى نور الدّين وعرفوه مَا دَار بَينهم وَبَينه فَأمر بِالْعودِ إِلَيْهِ من غَد ذَلِك الْيَوْم فعادوا وطلبوا الْجَواب فَسكت أَيْضا

ص: 85

وَأطَال ثمَّ قَالَ إِن رَأْي نور الدّين أَطَالَ الله بَقَاءَهُ الِاجْتِمَاع بِي فَلهُ علُّو الرَّأْي فعرَّفوا نور الدّين بمقالته فَأجَاب نور الدّين إِلَى أَن يكون الِاجْتِمَاع على ظهر بالميدان الْأَخْضَر وَركب نور الدّين من الْغَد فِي وُجُوه دولته وخواص مَمْلَكَته فِي أحسن زِيّ وأكمل شارة فَلَمَّا دخل الميدان ركب شاور من الْجَوْسَقِ والتقيا فِي وسط الميدان بالتحية فَقَط وَلم يترجل أحد مِنْهُمَا لصَاحبه ثمَّ سارا من مَوضِع اجْتِمَاعهمَا وَهُوَ نصف الميدان إِلَى آخِره ثمَّ انفصلا من هُنَاكَ وَعَاد نور الدّين إِلَى قلعة دمشق وَأخذ من وقته ذَلِك فِي جمع العساكر

وَأما ضرغام فَإِنَّهُ حِين اسْتَقر بِهِ الْأَمر أنشأ كتابا إِلَى نور الدّين على يَد علم الْملك ابْن النّحاس يظْهر فِيهِ الطَّاعَة ويعرِّض بخذلان شاور فأظهر نور الدّين لعلم الْملك الْقبُول فِي الظَّاهِر وَهُوَ مَعَ شاور فِي الْبَاطِن وَأجَاب عَن الْكتاب وانفصل علم الْملك عَن دمشق فَلَمَّا كَانَ بِظَاهِر الكرك أَخذه فيليب بن الرفيق الفرنجي وَحصل على جَمِيع مَا كَانَ مَعَه وَانْهَزَمَ علم

ص: 86

الْملك بِنَفسِهِ وَتوجه إِلَى السَّاحِل وَسَار إِلَى مصر

وَفِي هَذِه الْأَيَّام أنفذ نور الدّين واستحضر أَسد الدّين شيركوه من إقطاعه من الرحبة وَكَانَ نور الدّين قد تيمن بأسد الدّين وتبرك بميمون نقيبته لِأَنَّهُ لم يُرْسِلهُ فِي أَمر إِلَّا نجح وَلم يولجه فِي مضيق إِلَّا انْفَتح وَلما حضر أَسد الدّين إِلَى دمشق أخلاه نور الدّين وتحدث مَعَه بأَشْيَاء فِي أَمر مصر وَأمره بالاستعداد وَكَانَ نور الدّين قد أزاح عِلّة الْعَسْكَر الَّذِي يُرِيد يسيره إِلَى مصر فَخرج من يَوْمه

وَكَانَ شارو قد أطمع نور الدّين فِي أَمْوَال مصر ورغبه فِي ملكهَا وَأَنه إِذا ملكهَا كَانَ من قبله فِيهَا

وَلما بلغ شاور استتبابُ أَمر الْعَسْكَر سَأَلَ عَن الْمُقدم عَلَيْهِ فَقيل لَهُ أَسد الدّين شيركوه فَلم يطب لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ ظن أَن التقدمة تكون لَهُ فَلَمَّا زوحم بِهَذَا الْعود سُقط فِي يَده وفت فِي عضده وَلم يجد بدا من الْمسير فَخرج وَاجْتمعَ بأسد الدّين وسارا جَمِيعًا حَتَّى وصلوا أَطْرَاف الْبِلَاد المصرية ونزلوا على تل فِي الحوف قريب من بلبيس يعرف بتل بسطة وضربوا خيامهم هُنَاكَ

ص: 87

وَلما اتَّصل بضرغام خبر وُرُود شاور وَأسد الدّين بالعساكر الشامية جمع أُمَرَاء مصر واستشارهم فَأَشَارَ شمس الْخلَافَة مُحَمَّد بن مُخْتَار بِأَن تَجْتَمِع العساكر وَتخرج جَرِيدَة وتلقى العساكر الشامية بصدر وَهُوَ على يَوْمَيْنِ من الْقَاهِرَة فَإِنَّهُم لَا يثبتون لكَوْنهم خَرجُوا من الْبَريَّة ضعفاء ولمكان قلَّة المَاء عَلَيْهِم لِأَن الْمُسَافِر إِلَى مصر يحمل المَاء من أيْلة مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام فَلم يرَوا ذَلِك واختاروا أَن يلقوهم على بلبيس فَأمر ضرغام الْأُمَرَاء بِالْخرُوجِ فَخَرجُوا فِي أحسن زِيّ وأكمل عدَّة والمقدَّم عَلَيْهِم نَاصِر الدّين ملهم أَخُو ضرغام وجاؤوا حَتَّى أحاطوا بِالتَّلِّ الَّذِي كَانَ أَسد الدّين نازلا عَلَيْهِ

وَلما عاين أَسد الدّين كَثْرَة العساكر وَأَنَّهُمْ قد ملكوا عَلَيْهِم الْجِهَات وسدوا منافذ الطرقات قَالَ لشاور يَا هَذَا لقد أرهقتنا وغررتنا وَقلت إِنَّه لَيْسَ بِمصْر عَسَاكِر فَجِئْنَا فِي هَذِه الشرذمة فَقَالَ لَهُ شاور لَا يهولنك مَا تشاهد من كَثْرَة الجموع فأكثرها الحاكة والفلاحون الَّذين يجمعهُمْ الطبل وتفرقهم الْعَصَا فَمَا ظَنك بهم إِذا حمى الْوَطِيس وكلبت الْحَرْب وَأما الْأُمَرَاء فَإِن كتبهمْ عِنْدِي وعهودهم معي وسترى ذَلِك إِذا لَقِينَاهُمْ ثمَّ قَالَ أُرِيد أَن تَأمر العساكر بالاستعداد وَالرُّكُوب فَفعل ونهاهم شاور عَن الْقِتَال

ووقف الْفَرِيقَانِ مصطفين من غير حَرْب إِلَى أَن حمى النَّهَار والتهب الْحَدِيد على أجساد الرِّجَال فَضرب أَكثر أهل مصر الخيم الصغار وخلعوا

ص: 88

السِّلَاح ونزلوا عَن الْخُيُول وجلسوا فِي الظل فَأمر شاور النَّاس بالحملة فَكَانَ أسعد أهل مصر من ركب فرسه وَأطلق عنانه وَولى مُنْهَزِمًا وَتركُوا خيمهم وَأَمْوَالهمْ لَيْسَ لَهَا حَافظ فاحتوى علها أَصْحَاب أَسد الدّين وأُسر شمس الْخلَافَة وَجَمَاعَة من الْأُمَرَاء المصريين وَلم يُمكن شاور من تقييدهم وَالِاحْتِيَاط عَلَيْهِم فَهَرَبُوا وسَاق أَسد الدّين وشارو فِي أثر النَّاس ونزلوا على الْقَاهِرَة وقاتلوها أَيَّامًا وارسل شاورُ العاضد فِي إصْلَاح الْحَال وَأَن يَأْذَن لَهُ فِي الدُّخُول إِلَى الْقَاهِرَة فَأذن لَهُ وَكَانَ ضرغام صَار إِلَى تَحت الْقصر وَقَالَ أُرِيد أَمِير الْمُؤمنِينَ يكلمني لأسأله عَمَّا أفعل فَلم يجبهُ أحد فَذهب على وَجهه مُنْهَزِمًا وَخرج من بَاب زويلة والعامة تلعنه وتصيح عَلَيْهِ فالتحقه رجل من أهل الشَّام ليَقْتُلهُ فَقَالَ لَهُ ضرغام أوصلني إِلَى أَسد الدّين وَلَك مناك فَلم يقبل مِنْهُ وَحمل عَلَيْهِ فطعنه فأراده وَنزل إِلَيْهِ واحتز رَأسه وَحمله إِلَى أَسد الدّين وأعلمه بِمَا جرى بَينهمَا فصعب على أَسد الدّين وأوجعه ضربا وَأَرَادَ قَتله فشفع فِيهِ شاور وَدخل شاور الْقَاهِرَة وَقتل ملهماً أَخا ضرغام عِنْد بركَة الْفِيل وَخرج ابْنه الْكَامِل من دَار ملهم وَكَانَ معتقلاً فِيهَا وَخرج مَعَه القَاضِي الْفَاضِل وَكَانَ أَيْضا معتقلا فِيهَا مَعَه

واستقام أَمر شاور فِي الوزارة وَأقَام أَسد الدّين على المقس ينْتَظر أَمر شاور فِيمَا ضمن لنُور الدّين وَأرْسل إِلَيْهِ يَقُول لَهُ قد طَال مقامنا فِي الخيم وَقد ضجر الْعَسْكَر من الْحر وَالْغُبَار فَأرْسل إِلَيْهِ شاور ثَلَاثِينَ ألف دِينَار وَقَالَ ترحل الْآن فِي أَمن الله تَعَالَى ودعته فَلَمَّا سمع أَسد الدّين

ص: 89

ذَلِك أرسل إِلَيْهِ إِن نور الدّين أَوْصَانِي عِنْد انفصالي عَنهُ إِذا ملك شارو تكون مُقيما عِنْده وَيكون لَك ثلث مُغَلِّ الْبِلَاد وَالثلث الآخر لشاور وللعسكر وَالثلث الآخر لصَاحب الْقصر يصرفهُ فِي مَصَالِحه فَقَالَ شارو أَنا مَا قررت شَيْئا مِمَّا تَقول أَنا طلبت نجدة من نور الدّين فَإِذا انْقَضى شغلي عَادوا إِلَى الشَّام وَقد سيرت إِلَيْكُم نَفَقَة فخذوها وَانْصَرفُوا وَأَنا أنفصل مَعَ نور الدّين فَقَالَ أَسد الدّين أَنا لَا يمكنني مُخَالفَة نور الدّين وَلَا أقدر على الِانْصِرَاف إِلَّا بإمضاء أمره فَأمر شاور بإغلاق بَاب الْقَاهِرَة وَأخذ فِي الاستعدادللحصار واستعد أَسد الدّين أَيْضا وسيَّر صَلَاح الدّين فِي قِطْعَة من الْجَيْش إِلَى بلبيس لجمع الغلال والأتبان والأحطاب وَمَا تَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ وَيكون جَمِيع ذَلِك فِي بلبيس ذخيرة وَأخذ فِي قتال الْقَاهِرَة

وَكَاتب شاور ملك الفرنج مُرِّي يستنجده وَيَقُول لَهُ إِن شيركوه طلع معي نجدةً على ضرغام فَلَمَّا حصلوا فِي الْبِلَاد طمعوا فِيهَا وَمَتى ملكوها مُضَافَة إِلَى بِلَاد الشَّام لم يكن لَك مَعَهم عَيْش وَلَا قَرَار وَضمن لَهُ فِي كل مرحلة يرحلها إِلَى ديارمصر ألف دِينَار وَقرر شَيْئا لقضيم دوابهم وشيئاً لاسبتاريته فَخرج مُرِّي من عسقلان فِي جموعه إِلَى فاقوس فِي سبع

ص: 90

وَعشْرين مرحلة وَقبض عَنْهَا سَبْعَة وَعشْرين ألف دِينَار

وَلما تحقق أَسد الدّين قرب الفرنج من الْقَاهِرَة أجفل عَنْهَا إِلَى بلبيس وانضاف إِلَيْهِ من أَهلهَا الكنانَّية وَخرج شاور فِي عَسَاكِر مصر وَاجْتمعَ بالفرنج وَجَاء حَتَّى خيَّم على بلبيس وأحاط بهَا محاصراً لأسد الدّين يباكر الْحَرْب ويراوحها وَأَقَامُوا على ذَلِك مُدَّة ثَمَانِيَة أشهر

وانقطعت أَخْبَار مصر وَمن بهَا عَن نور الدّين وَكَانَ اتَّصل بِنور الدّين وَهُوَ بِدِمَشْق خبر مسير الفرنج إِلَى ديار مصر وغدر شاور فكاتب الْأَطْرَاف بقدوم العساكر فَقدم عَلَيْهِ عَسَاكِر الشرق جَمِيعهَا واجتمعوا بِأَرْض حلب فَنزل بهم مجد الدّين ابْن الدّاية وَكَانَ نَائِب نور الدّين بحلب وَسَار إِلَى جِهَة حارم وَنزل على أرتاح وَخرج نور الدّين من دمشق وَشن الْغَارة على السَّاحِل وَقتل وَأسر عَالما عَظِيما ثمَّ قصد جِهَة حلب وَجعل طَرِيقه حصن الأكراد فَلَمَّا حصل بأرضه شن الْغَارة فِيهَا وغنم غنيمَة عَظِيمَة وَنزل فِي مرجه فَخرج إِلَيْهِ الفرنج الْإِخْوَة من حصن الأكراد وهجموا عسكره وَقتلُوا جمَاعَة من الْمُسلمين وَكَانَ عَسْكَر نور الدّين غافلا فَلم يتماسك النَّاس وَسَارُوا على وُجُوههم

وَسَار نور الدّين إِلَى أَن اجْتمع بعساكره على أرتاح وَكَانَ أَخُوهُ نصْرَة الدّين مَعَ الفرنج فَلَمَّا عاين أَعْلَام نور الدّين لم يتماسك أَن حمل بِجَمِيعِ

ص: 91

أَصْحَابه قَاصِدا أَخَاهُ نور الدّين فَلَمَّا قَرُب مِنْهُ نزل وَقبل الأَرْض بَين يَدَيْهِ فَلم يلْتَفت عَلَيْهِ فتم على وَجهه واصطف النَّاس للحرب فَحملت الفرنج فَكسرت الميسرة ثمَّ عَادَتْ فَوجدت راجلها جَمِيعه قد قتل وَالْخَيْل قد أطبقت عَلَيْهِم فنزلوا عَن الْخُيُول وألقوا أسلحتهم وأذعنوا بالأمان فَأخذُوا جَمِيعًا قبضا بِالْأَيْدِي

وَسَار إِلَى حارم فَفَتحهَا وَأَرَادَ النُّزُول على أنطاكية فَلم يتَمَكَّن لشغل قلبه بِمن فِي مصر من الْمُسلمين فانحرف قَاصِدا لدمشق وَنزل على بانياس فافتتحها وأغار على بلد طبرية وَجمع أَعْلَام الفرنج وشعافهم وَجعلهَا فِي عَيْبَة وَسلمهَا إِلَى نَجَّاب وَقَالَ لَهُ أُرِيد أَن تُعمل الْحِيلَة فِي الدُّخُول إِلَى بلبيس وتخبر أَسد الدّين بِمَا فتح الله على الْمُسلمين وتعطيه هَذِه الْأَعْلَام والشعاف وتأمره بنشرها على أسوار بلبيس فَإِن ذَلِك مِمَّا يفتُّ فِي أعضاد الْكفَّار وَيدخل الوهن عَلَيْهِم فَفعل ذَلِك فَلَمَّا رأى الفرنج الْأَعْلَام والشعاف قلقوا لذَلِك وخافوا على بِلَادهمْ وسألوا شاور الْإِذْن فِي الِانْفِصَال فانزعج شاور لذَلِك وَخَافَ من عَاقِبَة الْأَمر وسألهم التَّمُّهل أَيَّامًا وَجمع أمراءه للمشورة فأشاروا عَلَيْهِ بمصالحة أَسد الدّين وتكفل إتْمَام الصُّلْح لَهُ الْأَمِير شمس الْخلَافَة فأنفذه إِلَيْهِ فتم الصُّلْح على يَدَيْهِ على أَن يحمل شاور إِلَى أَسد الدّين ثَلَاثِينَ ألف دِينَار أُخْرَى

ص: 92

وَحكي أَن شاور أرسل إِلَى أَسد الدّين وَهُوَ مَحْصُور ببلبيس يَقُول لَهُ اعْلَم أنني قد أبقيت عَلَيْك وَلم أمكن الفرنج مِنْك لأَنهم كَانُوا قَادِرين عَلَيْك وَإِنَّمَا فعلت ذَلِك لأمرين أَحدهمَا أَنِّي مَا أخْتَار أَن أكسر جاه الْمُسلمين وأُقوي الفرنج عَلَيْهِم وَالثَّانِي أَنِّي خفت أَن الفرنج إِذا فتحُوا بلبيس طمعوا فِيهَا وَقَالُوا هَذِه لنا لأَنا فتحناها بسيوفنا وَمَا من يَوْم كَانَ يمْضِي إِلَّا وَأَنا وأنفذ إِلَى أكَابِر الفرنج الْجُمْلَة من المَال وأسألهم أَن يكسروا همة الْملك عَن الزَّحْف

قَالَ وَأقَام أَسد الدّين بِظَاهِر بلبيس ثَلَاثَة أَيَّام ورحلت الفرنج إِلَى جِهَة السَّاحِل وَسَار أَسد الدّين قَاصِدا الشَّام وَجعل مسيره على البرِّية

وَاتفقَ أَن الْبُرْنُس أرناط صَاحب الكَرَك والشَّوْبَك تَأَول ليمينه الَّتِي حَلفهَا لأسد الدّين وَقَالَ أَنا حَلَفت أَنِّي مَا ألحق أَسد الدّين وَلَا عسكره فِي الْبر وَأَنا أُرِيد ألحقهُ فِي الْبَحْر وَركب فِي الْبَحْر وَصَارَ فِي يَوْم وَاحِد إِلَى عسقلان وَخرج مِنْهَا إِلَى الكرك والشوبك وَجمع عسكره الْمُقِيم هُنَاكَ وَقعد مرتقباً خُرُوج أَسد الدّين من الْبَريَّة ليوقع بِهِ وَعلم أَسد الدّين بمكيدة أرناط بالحدس والتخمين فسلك طَرِيقا من خلف الْمَكَان الَّذِي كَانَ

ص: 93

فِيهِ أرناط شقّ إِلَى الْغَوْر وَخرج من البلقاء وَسلمهُ الله تَعَالَى مِنْهُ وَدخل دمشق وَاجْتمعَ بِنور الدّين وَأخْبرهُ بالأحوال وأعلمه بِضعْف ديار مصر ورغبه فِيهَا وشوقه إِلَى ملكهَا فَرغب فِيهَا نور الدّين وَأمره بتجنيد الأجناد واستخدام الرِّجَال

وَأما شاور فَإِنَّهُ بعد رحيل أَسد الدّين والفرنج إِلَى بِلَادهمْ عَاد إِلَى الْقَاهِرَة وَلم يكن لَهُ همة إِلَّا تتبع من علم أَن بَينه وَبَين أَسد الدّين معرفَة أَو صُحْبَة وَكَانَ استفسد جمَاعَة من عَسْكَر أَسد الدّين مِنْهُم خشترين الْكرْدِي وأقطعه شطنوف وَقتل شاور جمَاعَة من أهل مصر وشردّ آخَرين

ثمَّ توجه أَسد الدّين فِي ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ قَاصِدا الديار المصرية وكتم أخباره فَمَا رَاع شاور إِلَّا وُرُود كتاب مري ملك الفرنج يعرفهُ فِيهِ أَن أَسد الدّين قد فصل عَن دمشق بعساكره قَاصِدا ديار مصر فَطلب شاور مِنْهُ إِعَادَة النجدة والمقرر من المَال يصل إِلَيْهِ على مَا

ص: 94

كَانَ يصل إِلَيْهِ فِي الْعَام الْمَاضِي فَسَار مُرِّي فِي عَسَاكِر الفرنج إِلَى مصر على جَانب الْبَحْر وَكَانَ أَسد الدّين سائراً فِي الْبر فسبقه الفرنج ونزلوا على ظَاهر بلبيس وَخرج شاور بعساكر مصر وَاجْتمعَ بِالْملكِ وقعدوا جَمِيعًا فِي انْتِظَار أَسد الدّين

وَعلم أَسد الدّين باجتماع الفرنج بشاور على بلبيس فنكب عَن طريقهم وَأم الْجَبَل وَخرج على إطفيح وَهِي فِي الْجنُوب من مصر وَشن الْغَارة هُنَاكَ واتصل بشاور خَبره فَسَار فِي عساكره والفرنج فِي صحبته يقفو أَثَره واتصل بأسد الدّين ذَلِك فأندفع بَين أَيْديهم حَتَّى بلغ شرونة من صَعِيد مصر وتحيَّل فِي مراكب ركبهَا وعدى إِلَى الْبر الغربي وَلما اسْتكْمل تعديته أدْرك شاور بعض ساقته ومنقطعي عسكريته فأوقع بهم وأحضر شاور أَيْضا مراكب وَقطع النّيل فِي أثر أَسد الدّين بِجَمِيعِ جيوشه وجيوش الفرنج وَسَار أَسد الدّين إِلَى الجيزة وخيم بهَا مِقْدَار خمسين يَوْمًا واستمال قوما يُقَال لَهُم الْأَشْرَاف الجعفريين والطلحيين والقرشيين فأنفذ أَسد الدّين إِلَى شاور يَقُول لَهُ أَنا أَحْلف لَك بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَبِكُل يَمِين يَثِق بهَا الْمُسلم من أَخِيه أنني لَا أقيم بِبِلَاد مصر وَلَا أعاود إِلَيْهَا أبدا وَلَا أمكن أحدا من التَّعَرُّض إِلَيْهَا وَمن عارضك فِيهَا كنت مَعَك إلباً عَلَيْهِ وَمَا أؤمِّل مِنْك إِلَّا نصر الْإِسْلَام فَقَط وَهُوَ أَن هَذَا الْعَدو قد حَصَل بِهَذِهِ الْبِلَاد والنجدة عَنهُ بعيدَة وخلاصه

ص: 95

عسير وَأُرِيد مِنْك أَن نَجْتَمِع أَنا وَأَنت عَلَيْهِ وننتهز فِيهِ الفرصة الَّتِي قد أمكنت وَالْغنيمَة الَّتِي قد أكتبت فنستأصل شأفته ونخمد نائرته وَمَا أَظن أَنه يعود يتَّفق لِلْإِسْلَامِ مثل هَذِه الْغَنِيمَة أبدا

فَلَمَّا صَار الرَّسُول إِلَى شاور وَأدّى إِلَيْهِ الرسَالَة أَمر بِهِ فَقتل وَقَالَ مَا هَؤُلَاءِ الفرنج هَؤُلَاءِ الفرنج ثمَّ أعلم الفرنج بِمَا أرسل بِهِ إِلَيْهِ أَسد الدّين وأعلمهم بِمَا أَجَابَهُ وجدد لَهُم أيماناً وثقوا بهَا وَبلغ ذَلِك أَسد الدّين فَأكل يَدَيْهِ أسفا على مُخَالفَة شاور لَهُ فِي هَذَا الرَّأْي وَقَالَ لَعنه الله لَو أَطَاعَنِي لم يبْق بِالشَّام أحد من هَؤُلَاءِ الفرنج وَنزل شاور فِي اللوق والمقسم وَأمر بِعَمَل الجسر بَين الجيزة والجزيرة وَأمر بالمراكب فشحنت بِالرِّجَالِ وَأمرهمْ أَن يجيئوا من خلف عَسْكَر أَسد الدّين

وَلما رأى أَسد الدّين ذَلِك كتب إِلَى أهل الْإسْكَنْدَريَّة يستنجد بهم على شاور لأجل إِدْخَاله الفرنج إِلَى دَار الْإِسْلَام وتضييعه أَمْوَال بَيت مَال الْمُسلمين فيهم فَقَامُوا مَعَه وَأمرُوا عَلَيْهِم نجم الدّين بن مصال وَهُوَ ابْن أحد وزراء المصريين وَكَانَ لَجأ إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة مستخفياً فَظهر فِي هَذِه الْفِتْنَة

حَدثنِي الإدريسي الشريف نزيل حلب قَالَ كنت بالإسكندرية يَوْمئِذٍ فَكتب معي ابْن مصال كتابا إِلَى أَسد الدّين وَقَالَ لي قل لَهُ إِنِّي

ص: 96

أخْبرك أَن السِّلَاح وَاصل وَكَانَ أنفذ لأسد الدّين خزانَة من السِّلَاح قَالَ فَسَبَقتهَا بيومين وَحَضَرت بَين يَدي أَسد الدّين وأعطيته الْكتب وشافهته برسالة ابْن مصال فِي معنى السِّلَاح والآلات ثمَّ وصلت الخزانة بعد يَوْمَيْنِ مَعَ ابْن أُخْت الْفَقِيه ابْن عَوْف قَالَ وَبَقينَا على الجيزة يَوْمَيْنِ فوصل إِلَيْنَا رَسُول ابْن مدافع يخبر أَسد الدّين بِقرب شاور مِنْهُ ويأمره بالنجاة فَترك أَسد الدّين الْخيام والمطابخ وَمَا يثقل حمله وَسَار سيراً حثيثاً حَتَّى قَارب دَلَجْة فَأمر أَسد الدّين بنهبها فنهبت وَنزل النَّاس لتعشية الدَّوَابّ فَلم يستتم عليقها حَتَّى أَمر أَسد الدّين النَّاس بالرحيل وَأوقدت المشاعل لَيْلًا وسرنا فَإِذا الجاووش يُنَادي فِي النَّاس بِالرُّجُوعِ وَعَاد أَسد الدّين إِلَى دلجة فَنزل عَلَيْهَا وَنزل شاور على الأشمونين وَأمر أَسد الدّين النَّاس أَن يقفوا على تعبئة فَأَصْبحُوا على ذَلِك والتقوا فَقتل من أَصْحَاب أَسد الدّين جمَاعَة كَثِيرَة وانهزموا وَكَانَ أَسد الدّين قد فرق أَصْحَابه فريقين فريقاً مَعَه وفريقاً جعله مَعَ صَلَاح الدّين وأنفذه ليَأْتِي من خلف عَسْكَر شاور فَدخل الضعْف من هَذَا الطَّرِيق ثمَّ إِن أَصْحَاب أَسد الدّين تجمعُوا وتماسكوا وَعَلمُوا أَنه لَا منجى لَهُم إِلَّا الصَّبْر فتحالفوا على

ص: 97

الْمَوْت وحملوا وطلع صَلَاح الدّين من ورائهم فَلم تزل الْحَرْب قَائِمَة إِلَى اللَّيْل فَوَلَّتْ عَسَاكِر الإفرنج والمصريين الإدبار وَكَاد مُرِّي ملك الإفرنج يؤسر وَصَارَ شاور وَمن سلم مَعَه إِلَى منية ابْن خصيب وَسَار أَسد الدّين على الفيوم إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَدَخلَهَا وَنزل الْقصر وَجعل فِيهِ محبس الفرنج الَّذين أسرهم وَكَانَ فِيهَا ابْن الزبير مُتَوَلِّيًا ديوانها فَحمل إِلَى أَسد الدّين الْأَمْوَال وَقواهُ بِالسِّلَاحِ وَخَافَ أَسد الدّين أَن يَقْصِدهُ شاور والفرنج فيحصروه فَرُبمَا تأذى بالحصار فَأمر صَلَاح الدّين بالْمقَام بالإسكندرية وَترك عِنْده جمَاعَة من الْعَسْكَر وَمن بِهِ مرض أَو جراح أَو ضعف واستحلف لَهُ وُجُوه الْإسْكَنْدَريَّة وأوصاهم بِهِ ورحل فِي أقوياء عسكره قَاصِدا إِلَى الصَّعِيد وَنزل الفرنج وشاور على الْإسْكَنْدَريَّة وحاصروها مُدَّة ثَلَاثَة أشهر بأشد الْقِتَال وبذل أَهلهَا فِي نصْرَة الْملك النَّاصِر أَمْوَالهم وأنفسهم وَقتل مِنْهُم جمَاعَة عَظِيمَة

وَلما صَار أَسد الدّين بالصعيد حصَّل من تِلْكَ الْبِلَاد أَمْوَالًا عَظِيمَة وَلم يزل هُنَاكَ حَتَّى صَامَ شهر رَمَضَان واتصل بِهِ اشتداد الْأَمر على الْإسْكَنْدَريَّة فَرَحل من قوص إِلَى جِهَتهَا وَاتبعهُ جمَاعَة كَثِيرَة من العربان وَأهل تِلْكَ الْبِلَاد وَبلغ ذَلِك شاور فَرَحل هُوَ والفرنج واضطر إِلَى الصُّلْح وضجرت الفرنج أَيْضا فتوسط ملك الفرنج فِي ذَلِك فتقرر أَمر الصُّلْح على أَن شاور يحمل إِلَى أَسد الدّين جَمِيع مَا عزمه فِي هَذِه السفرة وَيُعْطِي الفرنج ثَلَاثِينَ ألف دِينَار وَيعود كل مِنْهُم إِلَى بِلَاده وَطلب صَلَاح

ص: 98

الدّين من ملك الفرنج مراكب يحمل فِيهَا الضُّعَفَاء من أَصْحَابه فأنفذ لَهُ عدَّة مراكب

قَالَ الإدريسي كنت فِي جملَة من خرج فِي المراكب فَلَمَّا وصلنا إِلَى ميناء عكا أَخذنَا واعتقلنا فِي معصرة الْقصب إِلَى أَن وصل الْملك مُرِّي فأطلقنا فخرجنا إِلَى دمشق

وَخرج صَلَاح الدّين من الْإسْكَنْدَريَّة بعد أَن اسْتحْلف شاور لأَهْلهَا وَألا يعرض لَهُم بِسوء وَاجْتمعَ بِعَمِّهِ أَسد الدّين

ثمَّ أنفذ شاور وَقبض على ابْن مصال وَجَمَاعَة مِمَّن أعَان صَلَاح الدّين وضيق عَلَيْهِم وتتبع أهل الْإسْكَنْدَريَّة واتصل ذَلِك بصلاح الدّين فَاجْتمع بِملك الفرنج وَقَالَ لَهُ إِن شاور نقض الْأَيْمَان قَالَ وَكَيف ذَلِك قَالَ لِأَنَّهُ قبض على من لَجأ إِلَيْنَا فَقَالَ لَيْسَ لَهُ ذَلِك وأنفذ إِلَى شاور وَقَالَ لَهُ إِن الْأَيْمَان جرت على أَلا تعرض لأحد من أهل مصر وَلَا أهل الْإسْكَنْدَريَّة وألزمه يَمِينا أُخْرَى فِي أَلا يعرض لأحد مِمَّن لَجأ إِلَى أَسد الدّين أَو صَلَاح الدّين

وَلما شَاهد من التجأ إِلَى الْأسد وَالصَّلَاح فَسَاد تِلْكَ الْأَحْوَال خَافُوا من شاور فَأخذُوا فِي الرحيل إِلَى الشَّام واتصل ذَلِك بشاور فَخرج بِنَفسِهِ وَجمع جَمِيع من عزم على الرحلة إِلَى الشَّام وَحلف لَهُم على الْإِحْسَان إِلَيْهِم وحماية أنفسهم وَأَمْوَالهمْ فَمنهمْ من سكن إِلَى أيمانه وَمِنْهُم من لم يسكن ورحل

ص: 99

وألهم الله تَعَالَى أَسد الدّين أَن الفرنج رُبمَا خطر لَهُم فِي مصر خاطر فقصدتها فراسل الْملك مري وَقَالَ لَهُ قد سَأَلَ أهل مصر يَمِين الْملك أَلا يدْخل إِلَيْهِم وَلَا يتَعَرَّض لَهُم فَامْتنعَ الْملك ثمَّ أجَاب خوفًا أَن يتَحَقَّق أَسد الدّين وشاور أَنه رُبمَا قصد ديار مصر فَرُبمَا اجْتمعَا عَلَيْهِ فَلم يجد بدا من الْيَمين فَحلف وَحلف أَصْحَابه وَخرج أَسد الدّين من مصر وَفِي قلبه الدَّاء الدوي مِنْهَا لِأَنَّهُ شَاهدهَا وَشَاهد مُغَلاّتها فَوَجَدَهَا أمرا عَظِيما فَأخذ نور الدّين فِي تهوين أَمر مصر عَلَيْهِ وأقطعه حمص وأعمالها

وحَدثني أبي رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ حَدثنِي غير وَاحِد أَن شاور كَاتب نور الدّين فِي ذَلِك وَضمن لَهُ أَن يحمل فِي كل سنة عَن ديار مصر مَالا مصانعة

وَلما بلغ شاور أَن نور الدّين صرف همة أَسد الدّين عَن ذكر مصر والتعرض لَهَا أنفذ رَسُولا بهدية سنية وأصحبه كتابا حسنا أَوله ورد كتاب استدعى شكري وحمدي واستخلص من الصفاء مَا عِنْدِي واستفرغ فِي الثَّنَاء على مرسله جهدي فَكَأَنَّمَا استملت مَعَانِيه مِمَّا عِنْدِي واشتملت على حقائق قصدي وسررت لِلْإِسْلَامِ وَأَهله وَالدّين الَّذِي وعد الله أَن يظهره على الدّين كُله بِأَن يكون مثله ملكا من ملوكه يُرجع إِلَيْهِ فِي عقده وحله وتشير الْأَصَابِع وتعقد الخناصر على علو مَحَله وَالله يزِيدهُ بمكانه تثبيتاً وَقُوَّة ويحقق على يَدَيْهِ مخايل النَّصْر المرجوة فَمَا أسعد

ص: 100

رَأْسا دلّ على نصْرَة الْكَلِمَة ودعا إِلَى سَبِيل الفئة الْمسلمَة ووفر على مصَالح الْأمة قُلُوب رعاياها المنقسمة وَأَنا متمم من هَذَا الْأَمر مَا صدر مني وباق مِنْهُ على مَا نقل عني لَا أتغير عَن الْمصلحَة فِيهِ وَلَا يُخَالف مَا أظهره مِنْهُ لما أخفيه وَلَا أسْتَكْثر كثيرا أصل إِلَيْهِ وأتوصل بِهِ لما سبق للْملك الْعَادِل من حُقُوق اسْتوْجبَ شكرها قولا وفعلا ونصرة كَانَت فِي هجير الخطوب بردا وظلا وأنعم لَا تزَال آياتها بألسُن الْحَمد تتلى وتملى ولعمري لقد بني بهَا فخراً وارتفع على الْأَمْلَاك قدرا وذكرا وَوَجَب أَن يستتمها فَلَا يصل إِلَى مواردها الكدر ويحوطها فَلَا تتطرق إِلَى جوانبها الْغَيْر ووراء هَذِه الْمُكَاتبَة من اهتمامي مَا لَا يعوقه عائق إِلَّا انتظام العقد على الْأُمُور المألوفة وَتَمام التوثقة بِالْيَمِينِ المنصوصة الموصوفة مَعَ أَن قَوْله كيمينه وَكتابه كصفحة يَمِينه والثقة بِهِ وَاقعَة على كل حَال والمحبة لَهُ توجب الاحتراس على الوداد من تطرق أَسبَاب الاختلال

قَالَ وَفِي سنة أَربع وَسِتِّينَ طمع مري ملك الفرنج فِي مصر وعول على الدُّخُول إلهيا والاستيلاء عَلَيْهَا وَذَلِكَ لما أنكشف لَهُ من عوارها وَظهر لَهُ من ضعف من بَقِي فِيهَا فَجمع إِلَيْهِ مُلُوك الفرنج وكبراء الداوية والاسبتارية وَتَشَاوَرُوا فجرت بَينهم فِي ذَلِك خطوب ثمَّ أجابوه إِلَى الْخُرُوج مَعَه إِلَى الديار المصرية فأحضر وزيره وَأمره بإقطاع بِلَاد مصرلخيالته وَفرق قراها على أجناده وَكَانَ لَعنه الله لما دخل ديار مصر قد أَقَامَ من أَصْحَابه من كتب لَهُ أَسمَاء قرى مصر جَمِيعهَا وتعرف لَهُ خبر ارتفاعها ثمَّ سَار حَتَّى نزل الداروم فَقَامَتْ قِيَامَة شاور لما بلغه الْخَبَر

ص: 101

وانتخب أَمِيرا من أمرائه يُقَال لَهُ بدران وسيره إِلَى لِقَاء مري يسْأَله عَن السَّبَب فِي قَصده فَاجْتمع بِهِ وَسَأَلَهُ فَتَلَكَّأَ عَلَيْهِ ثمَّ استلان جَانِبه وَضمن لَهُ رضيخة على أَن يوري عَنْهُم وَلَا يكْشف لشاور حَالهم وَيُقَال إِن الْملك أقطعه ثَلَاث عشرَة قَرْيَة على أَن يتمم على المصريين الْحِيلَة وَيعلم شاور أَنه إِنَّمَا قصد مصر للْخدمَة فَفعل ذَلِك بدران

وَلما سمع ذَلِك شاور أشْفق مِنْهُ وأحضر الْأَمِير شمس الْخلَافَة مُحَمَّد بن مُخْتَار وَقَالَ لَهُ كَأَن بدران قد غشني وَلم ينصحني وَأَنا فواثق بك فَأُرِيد تخرج وَتكشف لي حَال الفرنج فَسَار شمس الْخلَافَة إِلَى مُري وَكَانَ بَينهمَا مؤانسة فَلَمَّا دخل على الْملك قَالَ لَهُ مرْحَبًا بشمس الْخلَافَة فَقَالَ مرْحَبًا بِالْملكِ الغدار وَإِلَّا مَا الَّذِي أقدمك إِلَيْنَا قَالَ اتَّصل بِي أَن الْفَقِيه عِيسَى يُزَوّج أُخْت الْكَامِل بن شاور من صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب ويزوج الْكَامِل أُخْت صَلَاح الدّين فَقُلْنَا هَذَا عمل علينا فَقَالَ لَهُ شمس الْخلَافَة لَيْسَ لهَذَا صِحَة وَلَو فعل ذَلِك لم يكن فِيهِ نقض للْعهد فَقَالَ لَهُ الْملك الصَّحِيح أَن قوما من وَرَاء الْبَحْر انْتَهوا إِلَيْنَا وغلبونا على رَأينَا وَخَرجُوا طامعين فِي بِلَادكُمْ فخفنا من ذَلِك فخرجنا لنتوسط الْأَمر بَيْنكُم وَبينهمْ فَقَالَ شمس الْخلَافَة فَأَي شَيْء قد طلبُوا قَالَ

ص: 102

ألفي ألف دِينَار فَقَالَ مَكَانكُمْ حَتَّى أصل إِلَى شاور وأبلغه مقالكم وأعود بِالْجَوَابِ فَقَالَ لَهُ ملك الفرنج فَنحْن ننزل على بلبيس إِلَى أَن تعود

قَالَ وَحكى أَن ملك الفرنج لما وصل إِلَى الدراوم كتب إِلَى شاور يَقُول لَهُ إِنِّي قد قصدت الْخدمَة على مَا قَرّرته لي من الْعَطاء فِي كل عَام فَأَجَابَهُ شاور إِن الَّذِي قَرّرته لَك إِنَّمَا جعلته مَتى احتجت إِلَيْك أَو إِذا قدم عليّ عَدو فَأَما مَعَ خلو بالي من الْأَعْدَاء فَلَا حَاجَة بِي إِلَيْك وَلَا لَك عِنْدِي مُقَرر فَأَجَابَهُ مري أَنه لابد من حضوري وأخذي الْمُقَرّر فَعلم شاور أَنه قد غدر بالعهد وَنقض الْأَيْمَان وَأَنه قد طمع فِي الْبِلَاد فَأخذ فِي تجنيد الأجناد وحشد العساكر إِلَى الْقَاهِرَة وأنفذ إِلَّا بلبيس قِطْعَة من الْجَيْش وميرة وعُدة

ثمَّ إِن ملك الفرنج سَار خلف رَسُول شاور لايلوي على قَول حَتَّى خيم على بلبيس فِي صفر وَكَانَ مَعَه جمَاعَة من المصريين مِنْهُم علم الْملك بن النّحاس وَابْن الْخياط يحيى وَابْن قرجلة وَأرْسل إِلَى ابْن طي بن شاور وَكَانَ ببلبيس وَقَالَ لَهُ أَيْن ننزل قَالَ على أسنة الرماح وَقَالَ لَهُ أتحسب أَن بلبيس جبنة تأكلها فَأرْسل إِلَيْهِ مري نعم هِيَ جبنة والقاهرة زبدة ثمَّ قَاتل بلبيس لَيْلًا وَنَهَارًا حَتَّى افتتحها بِالسَّيْفِ وَقتل

ص: 103

من أَهلهَا خلقا عَظِيما وَخرب أَكْثَرهَا وَحرق جُلَّ آدرها ثمَّ أخرج الْأُسَارَى إِلَى ظَاهر الْبَلَد وحشروا فِي مَكَان وَاحِد وَحمل فِي وَسطهمْ برمحه ففرقهم فرْقَتَيْن فَأخذ الْفرْقَة الَّتِي كَانَت عَن يَمِينه لنَفسِهِ وَأطلق الْفرْقَة الَّتِي كَانَت عَن يسَاره لعسكره وَقَالَ لفرقته قد أطلقتكم شكرا لله تَعَالَى على مَا أولاني من فتح بِلَاد مصر فَإِنِّي قد ملكتها بِلَا شكّ ووقف إِلَى أَن عدى أَكْثَرهم النّيل إِلَى جِهَة منية حمل وَأخذ الْعَسْكَر نصِيبهم من الْأُسَارَى فاقتسموهم وَبَقِي أهل بلبيس الَّذين أَسرُّوا أَكثر من أَرْبَعِينَ سنة فِي أسر الفرنج وَهلك أَكْثَرهم فِي أَيْديهم وأفلت مِنْهُم الْيَسِير لِأَن الْملك النَّاصِر رَحمَه الله تَعَالَى لما ملك ديار مصر وقف مُغَلَّ بلبيس على كثرته على فكاك الأسرى مِنْهُم وسامح أهل بلبيس بخراجهم إِلَى آخر أَيَّامه

وَلما أتصل بشاور مَا جرى على أهل بلبيس من الْقَتْل والأسر وَأَن الفرنج شحنوها بِالرِّجَالِ والعُدد وجعلوها لَهُم ظهرا أشْفق من ذَلِك وَطلب الْإِذْن على العاضد فَلَمَّا اجْتمع بِهِ بكي بَين يَدَيْهِ وَقَالَ اعْلَم أَن الْبِلَاد قد ملكت علينا وَلم يبْق إِلَّا أَن تكْتب إِلَى نور الدّين وتشرح لَهُ مَا جرى وتطلب نصرته ومعونته فَكتب جَمِيع ذَلِك وَأرْسل شاور طيَّ تِلْكَ الْكتب كتبا وسخم أعاليها بالمداد

قَالَ وحَدثني شمس الْخلَافَة مُوسَى بن شمس الْخلَافَة مُحَمَّد بن مُخْتَار قَالَ إِنَّمَا كتب هَذَا الْكتاب بِرَأْي أبي شمس الْخلَافَة لِأَنَّهُ لما رَجَعَ من عِنْد مرِّي لَعنه الله بعد أَخذ بلبيس اجْتمع بالكامل بن شاور وَقَالَ لَهُ عِنْدِي أَمر لَا يمكنني أَن أفضي بِهِ إِلَيْك إِلَّا بعد أَن تحلف لي أَنَّك لَا

ص: 104

تطلع أَبَاك عَلَيْهِ فَلَمَّا حلف لَهُ قَالَ إِن أَبَاك قد وطَّن نَفسه على المصابرة وَآخر أمره يسلم الْبِلَاد إِلَى الفرنج وَلَا يُكَاتب نور الدّين وَهَذَا عين الْفساد فاصعد أَنْت إِلَى العاضد وألزمه أَن يكْتب إِلَى نور الدّين فَلَيْسَ لهَذَا الْأَمر غيرَة فَصَعدَ الْكَامِل وَكتب الْكتاب فَلَمَّا وصل إِلَى نور الدّين انزعج انزعاجاً عَظِيما وأنفذ أَسد الدّين وَكَانَ ذَلِك من مُناه وَأرْسل الْفَقِيه عِيسَى الهكاري إِلَى مصربرسالة ظَاهِرَة إِلَى شاور يُعلمهُ أَن العساكر واصلة وبرسالة سَرِيَّة إِلَى العاضد وَأمره أَن يستحلفه على أَشْيَاء عيَّنها وَأَن يكتم ذَلِك من شاور

وَأما الفرنج فَسَارُوا إِلَى جِهَة مصر وَأمر شاور بإحراق مصر وأنذر أَهلهَا فَخرج النَّاس مِنْهَا على وُجُوههم وهجُوا فِي بِلَاد مصر وَبلغ أُجْرَة الْجمل إِلَى الْقَاهِرَة ثَلَاثِينَ دِينَارا وَترك النَّاس أَكثر أَمْوَالهم فنهبت وأحرقت مصر فِي تَاسِع صفر وأقامت النَّار تعْمل فبها أَرْبَعَة وَخمسين يَوْمًا

ثمَّ إِن الفرنج لعنهم الله نزلُوا فِي بركَة الْحَبَش وانبثت خيولهم فِي الْأَطْرَاف وتخطفوا من ظفروا بِهِ فأنفذ شاور شمس الْخلَافَة إِلَى مرِّي لَعنه الله فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ سَأَلَهُ أَن يخرج مَعَه إِلَى بَاب الْخَيْمَة

ص: 105

فَفعل فَأرَاهُ شمس الْخلَافَة جِهَة مصر وَقَالَ لَهُ أَتَرَى دخاناً فِي السَّمَاء قَالَ نعم قَالَ هَذَا دُخان مصر وَمَا أَتَيْتُك إِلَّا وَقد أحرقت بِعشْرين ألف قَارُورَة نفط وَفرقت فِيهَا عشرَة آلَاف مشعل وَمَا بَقِي فِيهَا مَا يؤمل بَقَاؤُهُ ونفعه فخلَّ الْآن عَنْك مدافعتي ومخاتلتي وكوني كلما قلت لَك انْزِلْ فِي مَكَان تعديت إِلَى غَيره وَمَا بَقِي لَك إِلَّا أَن تنزل بِالْقَاهِرَةِ فَقَالَ هُوَ كَمَا تَقول وَلَا بُد من نزُول الْقَاهِرَة وَمَعِي فرنج من وَرَاء الْبَحْر قد طمعوا فِي أَخذهَا ثمَّ رَحل فَنزل على الْقَاهِرَة مِمَّا يَلِي بَاب البرقية نزولاً قَارب بِهِ الْبَلَد حَتَّى صَارَت سِهَام الجرخ تقع فِي خيمه فَقَاتلُوا الْبَلَد أَيَّامًا

فَلَمَّا تَيَقّن شاور الضعْف عدل إِلَى طَرِيق المخادعة والمخاتلة والمغاورة والمدافعة إِلَى أَن تصل عَسَاكِر الشَّام فأنفذ شمس الْخلَافَة إِلَى مري لَعنه الله تَعَالَى برسالة طَوِيلَة فتل بهَا فِي غاربه وَدَار من حواليه وَفِي ضمنهَا إِن هَذَا بلد عَظِيم كَبِير وَفِيه خلق كثير وَلَا يُمكن تَسْلِيمه أَلْبَتَّة وَلَا أَخذه إِلَّا بعد أَن يقتل من الْفَرِيقَيْنِ عَالم عَظِيم وَمَا تعلم أَنْت وَلَا أَنا لمن الدائرة والرأي أَن تحقن دِمَاء أَصْحَابك وَدِمَاء أَصْحَابِي وتحصِّل

ص: 106

شَيْئا أدفعه لَك فَيحصل لَك عفوا فاستقرت الْمُصَالحَة على أَربع مئة ألف دِينَار وَقيل ألفي ألف دِينَار يعجعل لَهُ مِنْهَا مئة ألف دِينَار فَأجَاب مري إِلَى ذَلِك وانعقدت الْهُدْنَة وَحلف مري ورحل إِلَى بركَة الْحَبَش وَحمل شاور إِلَيْهِ مئة ألف دِينَار فِي عدَّة دفعات سوّف فِيهَا الْأَوْقَات ثمَّ أَخذ يمطله فِي الْبَاقِي انتظاراً لقدوم العساكر ويوهم أَنه يجمع لَهُم الْأَمْوَال فَلم يشْعر الفرنج إِلَّا بهجوم عَسْكَر الشَّام عَلَيْهِم فَلَمَّا رَأَوْهُمْ رحلوا إِلَى بلبيس وَنزل أَسد الدّين بالمقس ثمَّ رَحل ملك الفرنج وَنزل على فاقوس وَاتبعهُ أَسد الدّين وَنزل على بلبيس

وَكَانَ لما اتَّصل بشاور وُصُول أَسد الدّين إِلَى صَدْر أنفذ شمس الْخلَافَة إِلَى ملك الفرنج يستطلق لَهُ مِنْهُ بعض المَال فَصَارَ إِلَيْهِ وَاجْتمعَ بِهِ وَقَالَ قد قل علينا المَال فَقَالَ ملك الإفرنج اطلب مِنْهُ مَا شِئْت قَالَ أشتهي أَن تهب لي النّصْف قَالَ قد فعلت فَقَالَ شمس الْخلَافَة مَا بَلغنِي أَن ملكا فِي مثل حالك وقدرتك علينا وهب مثل هَذِه الْهِبَة لقوم هم فِي مثل حَالنَا فَقَالَ ملك الإفرنج أَنا أعلم أَنَّك رجل عَاقل وَأَن شاور ملك وأنكما مَا سألتماني أَن أهبكما هَذَا المَال الْعَظِيم إلَاّ لأمر قد حدث فَقَالَ لَهُ صدقت هَذَا أَسد الدّين قد وصل إِلَى صدر نُصرة لنا وَمَا بَقِي لَك

ص: 107

مقَام وشاور يَقُول لَك أرى أَن ترحل وَنحن باقون على الْهُدْنَة فَإِنَّهُ أوفق لَك وَلنَا وَإِذا حصل هَذَا الرجل عندنَا أرضيناه من هَذَا المَال بِشَيْء وحملنا الْبَاقِي إِلَيْك مَتى قَدرنَا وَإِن نَحن أخرجنَا فِي رضاهم أَكثر من هَذَا المَال عدنا عَلَيْك بِمَا يبْقى علينا من الْمِقْدَار فَقَالَ ملك الفرنج أَنا راضٍ بذلك وَإِن بَقِي عَليّ شَيْء حَملته إِلَيْكُم وعول على الرحيل فَقَالَ لَهُ بعد أَن تطلق ابْن طي بن شاور وَجَمِيع من فِي عسكرك من الْأُسَارَى وَلَا تَأْخُذ من بلبيس بعد انصرافك شَيْئا فَأَجَابَهُ إِلَى جَمِيع ذَلِك

وَلما رحلت الفرنج عَن الْقَاهِرَة نزل أَسد الدّين بِأَرْض يُقَال لَهَا اللوق وَأخرج إِلَيْهِ شاور الإقامات الْحَسَنَة والخدم الْكَثِيرَة وَلما اجْتمعَا قَالَ شاور لاسد الدّين قد رَأَيْت من الرَّأْي أَن أخرج أَنا وَأَنت وندرك الفرنج ونوقع بهم فَقَالَ أَسد الدّين هَذَا كَانَ رَأْيِي والفرنج على الْبر الغربي وَلَيْسَ لَهُم وزر وَأما الْآن فَلَا لأَنهم على الْبر الْمُتَّصِل ببلادهم وَنحن فقد خرجنَا من الْبر فِي أَسْوَأ حَال من الضعْف والتعب وَقد كفانا الله شرهم وَنحن إِلَى الرَّاحَة والاستجمام أحْوج

وَلما نزل أَسد الدّين باللوق أرسل إِلَيْهِ العاضد هَدِيَّة عَظِيمَة وخلعاً كَثِيرَة وَأخرج إِلَى خدمته أكَابِر أَصْحَابه ثمَّ إِنَّه خرج إِلَيْهِ فِي اللَّيْل سرا متنكراً وَاجْتمعَ بِهِ فِي خيمته وأفضى إِلَيْهِ بِأُمُور كَثِيرَة مِنْهَا قتل شاور ثمَّ عَاد إِلَى قصره وَكَانَ شاور قد رأى لَيْلَة نزل أَسد الدّين على الْقَاهِرَة

ص: 108

كَأَنَّهُ دخل دَار الوزارة فَوجدَ على سَرِير ملكه رجلا وَبَين يَدَيْهِ دَوَاة الوزارة وَهُوَ يُوقع مِنْهَا بأقلامه فَسَأَلَ عَنهُ فَقيل هَذَا مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

وَلما حصل أَسد الدّين بالديار المصرية وانفصل عَنْهَا الفرنج أمنت الْبِلَاد وتراجع النَّاس إِلَى بُيُوتهم وَأخذُوا فِي إصْلَاح مَا شعثه الفرنج وأفسدوه وتقاطر النَّاس إِلَى خدمَة أَسد الدّين فَتَلقاهُمْ بالرحب وَالسعَة وَأحسن إِلَيْهِم

وَأما شاور فَإِنَّهُ أَخذ فِي التودُّد إِلَى أَسد الدّين والتقرب إِلَى قلبه بِجَمِيعِ مَا وجد السَّبِيل إِلَيْهِ وَأقَام لَهُ ولعسكره الْميرَة الْكَثِيرَة والنفقات الغزيرة حَتَّى استحوذ على قلبه وَنوى تبقيته فِي ملكه وَصفا لَهُ قلبه حَتَّى أنفذ إِلَيْهِ سرا احرس نَفسك من عَسَاكِر الشَّام

واما عَسْكَر الشَّام فانهم لما رَأَوْا طيب بِلَاد مصر وَكَثْرَة خَيرهَا وسعة أموالها تاقت أنفسهم الى الاقامة بهَا واختاروا سكناهَا وَرَغبُوا فِيهَا رَغْبَة عَظِيمَة فقوي طمع أَسد الدّين فِي الِاسْتِيلَاء عَلَيْهَا والاستبداد بملكها ثمَّ علم أَنه لَا يتم لَهُ ذَلِك وشاور باقٍ فِيهَا فَأخذ فِي اعمال الْحِيلَة عَلَيْهِ وَكَانَ العاضد قد تقدم اليه بقتْله فَجمع اصحابه وشاورهم فِي امْر شاور وَقَالَ لَهُم قد علمْتُم رغبتي فِي هَذِه الْبِلَاد ومحبتي لَهَا وحرصي عَلَيْهَا لَا سِيمَا وَقد تحققت ان عِنْد الفرنج مِنْهَا مَا عِنْدِي وَعلمت انهم قد كشفوا

ص: 109

عورتها وَعَلمُوا مسالك رقعتها وتيقنت اني مَتى خرجت مِنْهَا عَادوا اليها واحتَووُا عَلَيْهَا وَهِي مُعظم دَار الاسلام وحلوبة بَيت مَالهم وَقد قوى عِنْدِي ان اثب عَلَيْهَا قبل وثوبهم واملكها قبل مملكتهم واتخلص من شاور الَّذِي يلْعَب بِنَا وبهم ويغرنا ويغرهم وَيضْرب بَيْننَا وَبينهمْ وَقد ضيع اموال هَذِه الْبِلَاد فِي غير وَجههَا وقًّوى بهَا الفرنج علينا وَمَا كل وَقت ندرك الفرنج ونسبقهم الى هَذِه الْبِلَاد الَّتِي قد قل رجالها وَهَلَكت ابطالها فتنخلت الاراء بَين الامراء انه لَا يتم لَهُم امْر الا بعد الْقَبْض على شاور وَتَفَرَّقُوا على إِيقَاع الْقَبْض بِهِ

وَكَانَ شاور يركب فِي الأبهة العظمية وَالْجَلالَة الجسيمة وَالْعدة الْحَسَنَة والالة الجميلة على عَادَتهم الاولى وَكَانَ من جملَة قواعدهم ان الْوَزير اذا ركب حمل فِي موكبه الطبل والبوق وَكَانَ شاور قَلِيل الرّكُوب فَجعل الْأُمَرَاء يترصدونه وَرَاء اسد الدّين قبل قبض شاور بليلة كَأَن شاور دَاخل إِلَيْهِ إِلَى دَاره وناوله سَيْفه وعمامته فتأوله اسد الدّين بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ وَأخذ منصبه

ثمَّ إِن شاور ركب يَوْمًا فِي ابهته وجلالته فَلَمَّا عاينه الْأُمَرَاء هابوه وأحجموا عَنهُ وَكَانَ يَوْمًا عَظِيم الضباب وَكَانَ خُرُوج شاور من بَاب القنطرة للسلام على اسد الدّين فَتقدم صَلَاح الدّين فَسلم عَلَيْهِ وَدخل فِي موكبه ثمَّ سايره ثمَّ مد يَده الى تلابيبه وَصَاح عَلَيْهِ فرجًّله وَلما رأى

ص: 110

ذَلِك عَسْكَر الشَّام قويت عزماتهم ووقعوا فِي عَسْكَر شاور فنهبوا مَا كَانَ مَعَ رِجَاله وَقتلُوا مِنْهُم جمَاعَة وَحمل الْملك النَّاصِر شاور رَاجِلا الى خيمة لَطِيفَة واراد قَتله فَلم يُمكنهُ قَتله دون مُشَاورَة اسد الدّين وَفِي الْحَال ورد على اسد الدّين توقيع من العاضد على يَد خَادِم يَأْمُرهُ فِيهِ بقتل شاور فأنفذ التوقيع الى صَلَاح الدّين فَقتله فِي الْحَال وانفذ رَأسه الى الْقصر وَبلغ الْكَامِل بن شاور قتل ابيه فهرب الى الْقصر وخلع العاضد على اسد الدّين وقلده الوزارة وأنفذ إِلَيْهِ طبق فضَّة فِيهِ رَأس الْكَامِل بن شاور ورؤوس اولاد اخوته

وَلما خرج منشور الوزارة الى اسد الدّين امْر بقرَاءَته على رُؤُوس الاشهاد وَفَرح بِهِ غَايَة الْفَرح واعيدت قِرَاءَته عَلَيْهِ عدَّة دفعات اسْتِحْسَانًا لمعانيه واستظرافا لما اودع من بَدَائِع الْكَلَام فِيهِ

قَالَ وَلما اتَّصل بِنور الدّين فتح الديار المصرية فَرح بذلك فَرحا شَدِيدا وواصل الْحَمد وَالثنَاء على الله تَعَالَى اذ كَانَ فِي زَمَنه وعَلى يَده وامر بِضَرْب البشائر فِي جَمِيع ولَايَته وتزيين جَمِيع بِلَاده وَجلسَ للهناء بذلك وانشده الشُّعَرَاء فِي فتحهَا عدَّة اشعار غير انه لما اتَّصل بِهِ ان اسد الدّين وزر للعاضد واستبد بالامر فِي ذَلِك الصقع امضه ذَلِك واقلقه وَظَهَرت فِي مخايل قسماته وفلتات كَلِمَاته الْكَرَاهِيَة واخذ فِي الفكرة فِي امْرَهْ وسهر لَهُ ليَالِي وأفضى بسره إِلَى مجد الدّين ابْن الداية حَدثنِي جمَاعَة عَن شمس الدّين على ابْن الداية اخي مجد الدّين وحَدثني الْمُوفق

ص: 111

مَحْمُود بن النّحاس الْفَقِيه الْحَنَفِيّ الْحلَبِي وَقد جرى ذكر فتح مصر وان نور الدّين ابتهج بِهِ فَقَالَ وَالله مَا ابتهج بِهِ وَلَقَد كَانَ وده الا يفتح والا يصير اسد الدّين وَصَلَاح الدّين الى مَا صَارا اليه وَلَقَد ظَهرت الْكَرَاهِيَة مِنْهُ لذَلِك فِي الفاظه وَوَجهه وَلَقَد اعْمَلْ الْحِيلَة فِي افساد امْر اسد الدّين وَصَلَاح الدّين فَمَا تهَيَّأ لَهُ لَا سِيمَا يَوْم بلغه حُصُول صَلَاح الدّين على خَزَائِن مصر فَأَنَّهُ اقام ثَلَاثَة ايام لَا يقدر اُحْدُ ان يرَاهُ واهتم لذَلِك حَتَّى افضى عَلَيْهِ الْهم وَلَو لم يكن الْفَتْح اليه مَنْسُوبا وَعَلِيهِ فَضله محسوبا لما صَبر على مَا جرى وَلَا اغضى للْملك النَّاصِر على القذى وَلَقَد كَاتب العاضد عدَّة دفعات فِي امْر الْأسد وَالصَّلَاح فَلم يحصل لَهُ فيهمَا نجاح وَكَثِيرًا مَا يُوجد فِي كتب نور الدّين الى العاضد التَّعْرِيض بانفاذ اسد الدّين وَلَو

ص: 112

امكنه المجاهرة بالْقَوْل لقَالَ

فَمن بعض مكاتباته وَقد افْتقر العَبْد الى بعثته واعوز عسكره يُمن نقيبته وَاشْتَدَّ حزب الضلال على الْمُسلمين لغيبته لانه مَا يزَال يَرْمِي شياطين الضلال بشهابه الثاقب ويصمي مقيل الشّرك بسهمه النَّافِذ الصائب

قلت لَعَلَّ نور الدّين رَحمَه الله تَعَالَى انما اقلقه من ذَلِك كَون اسد الدّين وزر للعاضد فخاف من ميله الى الْقَوْم والى مَذْهَبهم وان يفْسد جنده عَلَيْهِ بذلك السَّبَب هَذَا ان صَحَّ مَا نَقله ابْن ابي طي وَالله اعْلَم

قَالَ وَكَانَ اسد الدّين لما ولي الوزارة لم يُغير على اُحْدُ شَيْئا واجرى اصحاب مصر على قواعدهم وامورهم الى ان انْقَضتْ ايامه وفنيت أعوامه

وَكَانَ قرما يحب أكل اللَّحْم ويواظب عَلَيْهِ لَيْلًا وَنَهَارًا فتواترت عَلَيْهِ التخم واتصلت بِهِ مرضاته الى ان ظَهرت بحلقه خوانيق كَانَ فِيهَا تلافه وَيُقَال انه اكل فِي ذَلِك الْيَوْم مضيرة وَدخل الْحمام فَلَمَّا خرج مِنْهَا اصابه الخناق

ص: 113

قَالَ وَكَانَ شجاعا بارعا قَوِيا جلدا فِي ذَات الله شَدِيدا على الْكفَّار وطاته عَظِيمَة فِي ذَات الله صولته عفيفا دينا كثير الْخَيْر وَكَانَ يحب اهل الدّين وَالْعلم كثير الايثار حدبا على اهله واقاربه وَكَانَ فِيهِ امساك وَخلف مَالا كثيرا وَخلف من الْخَيل وَالدَّوَاب وَالْجمال شَيْئا كثيرا وَخلف جمَاعَة من الغلمان خمس مئة مَمْلُوك وهم الاسدية

وَهُوَ كَانَ مشيد قَوَاعِد الدولة الشاذية والمملكة الناصرية وَكَانَ ابْتِدَاء امْرَهْ يخْدم مَعَ صَاحب تكريت على اقطاع مبلغه تسع مئة دِينَار وتنقل الى ان ملك الديار المصرية وَعقد لَهُ العزاء بِالْقَاهِرَةِ ثَلَاثَة ايام

قلت وَإِلَيْهِ تنْسب الْمدرسَة الاسدية بالشرف القبلي ظَاهر دمشق وَهِي المطلة على الميدان الاخضر وَهِي على الطَّائِفَتَيْنِ الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة والخانقاه الاسدية دَاخل بَاب الْجَابِيَة بدرب الهاشميين

قَالَ ابْن ابي طي وَسَاعَة وَفَاته وَقع الِاخْتِلَاف فِيمَن يولي الوزارة بَين الْعَسْكَر الشَّامي ومالت الاسدية الى صَلَاح الدّين وَفِي تِلْكَ السَّاعَة انفذ العاضد وَسَأَلَ عَمَّن يصلح للوزارة فأرشد من جمَاعَة من الامراء الى شهَاب الدّين مَحْمُود الحارمي خَال صَلَاح الدّين فأنفذ اليه واحضره وخاطبه فِي تولي الوزارة فأمتنع من ذَلِك واشار بِولَايَة الْملك النَّاصِر وَكَانَ الحارمي اولا قد رغب فِي الوزارة وتحدث فِيهَا وَحصل مَا يَحْتَاجهُ فَلَمَّا رأى مزاحمة عين الدولة الياروقي وَغَيره عَلَيْهَا خَافَ أَن يشْتَغل بطلبها فتفوته وَرُبمَا فَاتَت صَلَاح الدّين فَأَشَارَ بِهِ لانها اذا كَانَت فِي ابْن اخته كَانَت فِي

ص: 114

بَيته

وَكَانَ صَلَاح الدّين قد وَقع من العاضد بموقع واعجبه عقله وسداد رَأْيه وشجاعته واقدامه على شاور فِي موكبه وانه قَتله حِين جائه امْرَهْ وَلم يتريث وَلَا توقف فسارع الى تَقْلِيده الوزارة وَمَا خرج شهَاب الدّين الحارمى من حَضْرَة العاضد الا وخلع الوزارة قد سبقت الى الْملك النَّاصِر

وَكَانَت خلعة الوزارة عِمَامَة بَيْضَاء تَنِّيسي بطرز ذهب وثوب دبيقي بطراز ذهب وجبة تحتهَا سقلاطون بطرازي ذهب وطيلسان دبيقي بطراز دَقِيق ذهب وَعقد جَوْهَر قِيمَته عشرَة الاف دِينَار وَسيف محلى بجوهر قِيمَته خَمْسَة الاف دِينَار وَفرس حجر صفراء من مراكب العاضد قيمتهَا ثَمَانِيَة الاف دِينَار لم يكن بالديار المصرية اسبق مِنْهَا وطوق وتخت وسرفسار ذهب مجوهر وَفِي رَقَبَة الْحجر مشدة بَيْضَاء وَفِي رَأسهَا

ص: 115

مئتا حَبَّة جَوْهَر وَفِي ارْبَعْ قَوَائِم الْفرس ارْبَعْ عُقُود جَوْهَر وقصبة ذهب فِي رَأسهَا طلعة مجوهرة وَفِي رَأسهَا مشدة بَيْضَاء بأعلام ذهب وَمَعَ الخلعة عدَّة بقج وعدة من الْخَيل واشياء اخر ومنشور الوزارة ملفوف فِي ثوب اطلس ابيض

وَكَانَ ذَلِك يَوْم الِاثْنَيْنِ الْخَامِس وَالْعِشْرين من جمادي الاخرة سنة ارْبَعْ وَسِتِّينَ وَخمْس مئة وقرئ المنشور بَين يَدي الْملك النَّاصِر يَوْم جُلُوسه فِي دَار الوزارة وَحضر جَمِيع ارباب الدولتين المصرية والشامية وَكَانَ يَوْمًا عَظِيما

وخلع السُّلْطَان على جمَاعَة الامراء والكبراء ووجوه الْبَلَد وارباب دولة العاضد وعمَّ النَّاس جَمِيعهم بالهبات والصلات

وَلما اسْتَقَرَّتْ قدمه فِي الوزارة والرياسة قَامَ فِي الرّعية بشريعة السياسة ونظم بِحسن تَدْبيره من الدولة بددها وَجرى فِي مناهج الْعدْل على جددها وحَيُعَلَ الى جوده وفضله ونادى إِلَى رفده وبذله وَكَاتب الْأَطْرَاف بِمَا صَار إِلَيْهِ من السُّلْطَان وسر قُلُوب الأصدقاء والأحباب بِمَا حصل عَلَيْهِ من شرِيف الرُّتْبَة وَالْمَكَان واستدعى إِلَى حوزته الْأَصْحَاب والأهل وروى بسيح كرمه مَنْ بعد مِنْهُ وَقرب من أهل الْفضل وَتَابَ من الْخمر وَعدل

ص: 116

عَن اللَّهْو وتيقظ للتدبير وسها عَن السَّهْو وتقمص بلباس الدّين وَحفظ ناموس الشَّرْع الْمُبين وشمر عَن سَاق الْجد وَالِاجْتِهَاد وأفاض على النَّاس من كرمه وَجُود جوده شآبيب فَضله النَّائِب عَن العهاد وَورد عَلَيْهِ القصاد وَالزُّوَّارِ وأُمَّ بنفائس الْخطب وجواهر الْأَشْعَار

حَدثنِي بعض الْأُمَرَاء قَالَ أقبل العاضد على السُّلْطَان الْملك النَّاصِر وأحبه محبَّة عَظِيمَة وَبلغ من محبته لَهُ أَنه كَانَ يدْخل إِلَيْهِ إِلَى الْقصر رَاكِبًا فَإِذا حصل عِنْده أَقَامَ مَعَه فِي قصره الْيَوْم وَالْعشرَة لايعلم أَيْن مقره

قَالَ وَلما استولى الْملك النَّاصِر على الوزارة وَمَال إِلَيْهِ العاضد وحكَّمه فِي مَاله وبلاده حسده من كَانَ مَعَه بالديار المصرية من الْأُمَرَاء الشامية كَابْن ياروق وجرديك وَجَمَاعَة من غلْمَان نور الدّين ثمَّ إِنَّهُم فارقوه وصاروا إِلَى الشَّام

وحَدثني أبي رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ حَدثنِي جمَاعَة من أَصْحَاب نور الدّين أَن نور الدّين لما اتَّصل بِهِ وَفَاة أَسد الدّين ووزارة صَلَاح الدّين وَمَا قد انْعَقَد لَهُ من الْمحبَّة فِي قُلُوب الرعايا أعظم ذَلِك وأكبره وتأفف مِنْهُ وَأنْكرهُ وَقَالَ كَيفَ أقدم صَلَاح الدّين أَن يفعل شَيْئا بِغَيْر أَمْرِي وَكتب فِي ذَلِك عدَّة كتب فَلم يلْتَفت الْملك النَّاصِر إِلَى قَوْله إِلَّا أَنه لم يخرج عَن طَاعَته وَأمره وَأَنه مَا فَارق قبُول رَأْيه وإشارته وَأمر نور الدّين من بِالشَّام من أهل صَلَاح الدّين وَأَصْحَابه بِالْخرُوجِ إِلَيْهِ وَطلب مِنْهُ حِسَاب مصر وَمَا صَار إِلَيْهِ وَكَانَ كثيرا مَا يَقُول ملك ابْن أَيُّوب

ص: 117

قلت هَذَا كُله مِمَّا تَقْتَضِيه الطباع البشرية والجبلة الْآدَمِيَّة وَقد أجْرى الله سبحانه وتعالى الْعَادة بذلك إِلَّا من عصم الله وَمن أنصف عذر وَمن عرف صَبر وَالَّذِي أنكرهُ نور الدّين إفراط صَلَاح الدّين فِي تَفْرِقَة الْأَمْوَال واستبداده بذلك من غير مشاورته هَذَا مَعَ أَن ابْن أبي طيّ مُتَّهم فِيمَا ينْسبهُ إِلَى نور الدّين مِمَّا لَا يَلِيق بِهِ فَإِن نور الدّين رَحمَه الله تَعَالَى كَانَ قد أذلّ الشِّيعَة بحلب وأبطل شعارهم وقوى أهل السّنة وَكَانَ وَالِد ابْن أبي طي من رُؤُوس الشِّيعَة فنفاه من حلب وَقد ذكر ذَلِك كُله ابْن أبي طي فِي كِتَابه مفرقاً فِي مَوَاضِع فَلهَذَا هُوَ فِي هَذَا الْكتاب الَّذِي لَهُ كثير الْحمل على نور الدّين رَحمَه الله تَعَالَى فَلَا يُقبل مِنْهُ مَا ينْسبهُ إِلَيْهِ مِمَّا لَا يَلِيق بِهِ وَالله أعلم

قَالَ وَلما ملك الْملك النَّاصِر مصر انتزع نور الدّين حمص والترحبة من نَاصِر الدّين بن أَسد الدّين وَفرق عماله وَأَعْطَاهُ تل بَاشر ثمَّ أَخذهَا مِنْهُ وَلَقَد كَانَ يتألم لملك الْملك النَّاصِر وَيُقَال إِنَّه لما مرض قَالَ مَا أَخْطَأت إِلَّا فِي إنفاذي أَسد الدّين إِلَى مصر بعد علمي برغبته فِيهَا وَمَا يحزنني شَيْء كعلمي بِمَا ينَال أَهلِي من يُوسُف بن أَيُّوب ثمَّ الْتفت إِلَى أَصْحَابه فَقَالَ إِذا أَنا مت فصيروا بِابْني إِسْمَاعِيل إِلَى حلب لِأَنَّهُ لَا يبقي عَلَيْهِ غَيرهَا

قَالَ ابْن أبي طي وَلَقَد كَانَ يبلغ الْملك النَّاصِر من أَقْوَال نور الدّين وأقوال أَصْحَابه أَشْيَاء تؤلمه وتمضه غير أَنه يلقاها بصدر رحب وَخلق

ص: 118

عذب حَدثنِي أبي عَن ابْن قَاضِي الدهليز وَكَانَ من خَواص الْملك النَّاصِر قَالَ جرى يَوْمًا بَين يَدي السُّلْطَان ذكر نور الدّين فَأكْثر الترحم عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ وَالله لقد صبرت مِنْهُ على مثل حزَّ المدى ووخز الإبر وَمَا قدر أحد من أَصْحَابه أَن يجد عليّ مَا يعتده ذَنبا وَلَقَد اجْتهد هُوَ بِنَفسِهِ أَيْضا أَن يجد لي هفوة يعتدها عليّ فَلم يقدر وَلَقَد كَانَ يعْتَمد فِي مخاطباتي ومراسلاتي الْأَشْيَاء الَّتِي لَا يصبر على مثلهَا لعليَّ أتضرر أَو أتغير فَيكون ذَلِك وَسِيلَة لَهُ إِلَى منابذتي فَمَا أبلغته أربه يَوْمًا قطّ

قلت وَقد وقفت على كتاب بِخَط نور الدّين رحمه الله يشْكر فِيهِ من صَلَاح الدّين رَحمَه الله تَعَالَى وَذَلِكَ ضد مَا قَالَه ابْن أبي طي كتب نور الدّين ذَلِك الْكتاب إِلَى الشَّيْخ شرف الدّين بن أبي عصرون رحمه الله وَهُوَ بحلب ليوليه قَضَاء مصر صورته حسبي الله وَكفى وفْق الله الشَّيْخ الإِمَام شرف الدّين إِلَى طَاعَته وَختم لَهُ بِخَير غير خافٍ عَن الشَّيْخ مَا أَنا عَلَيْهِ وَفِيه وكل غرضي ومقصودي فِي مصَالح الْمُسلمين وَمَا يقربنِي إِلَى الله وَالله ولي التَّوْفِيق والمطلع على نيتي وَأَنت تعلم نيتي كَمَا قَالَ عز من قَائِل {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتَابِ} أَنْت تعلم أَن مصر الْيَوْم قد لزمنا النّظر فِيهَا فَهِيَ من الفتوحات الْكِبَار الَّتِي جعلهَا الله تَعَالَى دَار إِسْلَام بَعْدَمَا كَانَت دَار كفر ونفاق فَللَّه الْمِنَّة وَالْحَمْد إِلَّا أَن الْمُقدم على كل شَيْء أُمُور

ص: 119

الدّين الَّتِي هِيَ الأَصْل وَبهَا النجَاة وَأَنت تعلم أَن مصر وإقليمها مَا هِيَ قَليلَة وَهِي خَالِيَة من أُمُور الشَّرْع وَمَا تُدخر الدُّمُوع إِلَّا للشدائد وَأَنا مَا كنت أسخى وَلَا أشتهي مفارقتك والآن فقد تعين عَلَيْك وعليّ أَيْضا أَن نَنْظُر إِلَى مصالحها وَمَا لنا أحد الْيَوْم لَهَا إِلَّا أَنْت وَلَا أقدر أولي أمورها وأقلدها إِلَّا لَك حَتَّى تَبرأ ذِمَّتِي عِنْد الله فَيجب عَلَيْك وفقك الله أَن تشمر عَن سَاق الِاجْتِهَاد وتتولى قضاءها وتعمل مَا تعلم أَنه يقربك إِلَى الله وَقد بَرِئت ذِمَّتِي وَأَنت تجاوب الله فَإِذا كنت أَنْت هُنَاكَ وولدك أَبُو الْمَعَالِي وَفقه الله فيطيب قلبِي وتبرأ ذِمَّتِي وَقد كتبت هَذَا بخطي حَتَّى لاتبقى عَليّ حجَّة تصل أَنْت وولدك إِلَى عِنْدِي حَتَّى أسيركم إِلَى مصر وَالسَّلَام بموافقة صَاحِبي واتفاق مِنْهُ صَلَاح الدّين وَفقه الله فَأَنا مِنْهُ شَاكر كثير كثير كثير جزاه الله خيرا وأبقاه فَفِي بَقَاء الصَّالِحين والأخيار صَلَاح عَظِيم وَمَنْفَعَة لأهل الْإِسْلَام الله تَعَالَى يكثر من الأخيار وَأَعْوَان خير وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَسلم تَسْلِيمًا

قَالَ ابْن أبي طيّ وأبطل صَلَاح الدّين من المكوس والمظالم مَا يسْتَخْرج بديوان صناعَة مصر مئة ألف دِينَار وَمَا يسْتَخْرج بِالْأَعْمَالِ الْقبلية والبحرية مئة ألف دِينَار فسامح بِجَمِيعِ ذَلِك وَأمر بِكِتَابَة سجل بِهِ من ديوَان الْإِنْشَاء وأنفذ إِلَى سَائِر أَعمال مصر يُقرأ على المنابر وَعرض عَلَيْهِ سِيَاقَة جرائد الدَّوَاوِين فِي جِهَات المستخدمين والمعاملين لعدة سِنِين مُتَقَدّمَة آخرهَا سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخمْس مئة فَكَانَ مبلغه ينيف عَن ألف ألف دِينَار وَألْفي ألف إِرْدَب غلَّة فسامح بِجَمِيعِ ذَلِك وأبطله من الدَّوَاوِين واسقطه

ص: 120