الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَارقهَا لُخْلِفٍ كَانَ بَينه وَبَين مُجَاهِد الدّين قايماز وَجَرت أمورٌ يطول ذكرهَا
وَلما فَارق زين الدّين الْموصل استناب أتابك قطب الدّين بقلعة الْموصل بعده مَمْلُوكه فَخر الدّين عبد الْمَسِيح فسلك غير طَرِيق زين الدّين فكرهه النَّاس وذموه وَلم تطل أَيَّامه وَسَيَجِيءُ ذكر عَزله فِي أَخْبَار سنة سِتّ وَسِتِّينَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى
ثمَّ دخلت سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخمْس مئة
فَفِي أَولهَا ملك نور الدّين رَحمَه الله تَعَالَى قلعة جعبر وَأَخذهَا من صَاحبهَا شهَاب الدّين مَالك بن عَليّ بن مَالك الْعقيلِيّ من آل عقيل من بني المسيّب وَكَانَت بِيَدِهِ وَيَد آبَائِهِ من قبله من أَيَّام السُّلْطَان ملكشاه وَقد تقدم ذكر ذَلِك وَهِي من أمنع الْحُصُون وأحسنها مطلَّة على الْفُرَات لَا يطْمع فِيهَا بحصار وَقد أعجز جمَاعَة من الْمُلُوك أَخذهَا مِنْهُ وقُتِلَ عَلَيْهَا عماد الدّين زنكي وَالِد نور الدّين
ثمَّ اتّفق أَن خرج صَاحبهَا مِنْهَا يَوْمًا يتصيد فصاده بَنو كلب فَأَخَذُوهُ أَسِيرًا وأوثقوه وَحَمَلُوهُ إِلَى نور الدّين فتقربوا بِهِ إِلَيْهِ وَذَلِكَ فِي
رَجَب من ثَلَاث وَسِتِّينَ فحبسه بحلب وَأحسن إِلَيْهِ ورغبه فِي الإقطاع وَالْمَال ليسلم إِلَيْهِ القلعة فَلم يفعل فَعدل بِهِ نور الدّين إِلَى الشدَّة والعنف وتهدده فَلم يفعل أَيْضا فسير إِلَيْهَا عسكرا مقدمه الْأَمِير فَخر الدّين مسعُود بن أبي عَليّ الزَّعْفَرَانِي فحصرها مُدَّة فَلم يظفر مِنْهَا بِشَيْء فَأَمَدَّهُمْ بعسكر آخر وَجعل على الْجَمِيع الْأَمِير مجد الدّين أَبَا بكر الْمَعْرُوف بِابْن الداية وَهُوَ أكبر أُمَرَاء نور الدّين ورضيعه ووالى معاقله فَأَقَامَ عَلَيْهَا وَطَاف حواليها فَلم ير لَهُ فِي فتحهَا مجالا وَرَأى أَخذهَا بالحصر متعذرا محالا فسلك مَعَ صَاحبهَا طَرِيق اللين وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِأخذ الْعِوَض من نور الدّين وَلم يزل يتوسط مَعَه حَتَّى أذعن على أَن يعْطى سروج وأعمالها والملوحة الَّتِي فِي عمل حلب وَبَاب بزاعة وَعشْرين ألف دِينَار مُعجلَة فَأخذ جَمِيع مَا شَرطه مكْرها فِي صُورَة مُخْتَار قَالَ ابْن الْأَثِير وَهَذَا إقطاع عَظِيم جدا لكنه لَا حصن لَهُ فِيهِ
وتسلم مجد الدّين قلعة جعبر وَصعد إِلَيْهَا منتصف الْمحرم وَوصل كِتَابه إِلَى نور الدّين بحلب فَسَار إِلَيْهَا وَصعد القلعة فِي الْعشْرين من
الْمحرم ثمَّ سلمهَا نور الدّين إِلَى مجد الدّين ابْن الداية فولاها أَخَاهُ شمس الدّين عليا وَكَانَ هَذَا آخر أَمر بني مَالك وَلكُل أَمر آخر وَلكُل ولَايَة نِهَايَة يُؤْتِي الله الْملك من يَشَاء وينزعه مِمَّن يَشَاء
قَالَ ابْن الْأَثِير بَلغنِي أَنه قيل لشهاب الدّين أيُّما أحب إِلَيْك وَأحسن مقَاما أسَرُوج وَالشَّام أم القلعة فَقَالَ هَذَا أَكثر مَالا والعز بالقلعة فارقناه
قَالَ الْعِمَاد وأنشدت نور الدّين بقلعة جعبر قصيدة أَولهَا
(اسْلَمْ لبكر الْفتُوح مفترعاً
…
ودُمْ لملك الْبِلَاد منتزعا)
(فَإِن أولى الورى بهَا ملك
…
غَدا بعبء الخطوب مضطلعاً)
(إِن ضَاقَ أَمر فَغير همته
…
لكشف ضيق الْأُمُور لن يسعا)
(يَا محيي الْعدْل بعد ميتَته
…
وَرَافِع الْحق بَعْدَمَا اتضعا)
(وَنور دين الْهدى الَّذِي قمع الشّرك
…
وعفَّى الضلال والبدعا)
(أَنْت سُلَيْمَان فِي العفاف وَفِي الْملك
…
وتحكي بزهدك اليسعا)
(حزت التقى وَالْحيَاء وَالْكَرم الْمَحْض
…
وحُسن الْيَقِين والورعا)
(أسقطت أقساط مَا وجدت من المكس
…
بعدلٍ والقاسط ارتدعا)
وَلم تدع فِي ابْتِغَاء مصلحَة الدّين
…
لنا بَاقِيا ولنْ تدعا)
(وكل مَا فِي الْمُلُوك مُفترق
…
من الْمَعَالِي لملكك اجْتمعَا)
(همتك الرَّبْط والمدارس تبنيها
…
ثَوابًا وتهدم البيعا)
(مَا زلت ذَا فطنة مؤيدة
…
على غيوب الْأَسْرَار مطلعاً)
(ببأسك الْبيض والطُّلي اصطحبت
…
بعدلك الذِّئْب والطَّلا رتعا)
(كم صائدٍ لم يَقع لَهُ قنص
…
فِي شرك وَهُوَ فِيهِ قد وَقعا)
(ومالكٍ حِين رُمت قلعته
…
غَدا مُطيعًا لِلْأَمْرِ متبَّعا)
(عَنَّا خُشُوعاً لرب مملكة
…
لغير ربّ السَّمَاء مَا خشعا)
(كَانَ مُقيما مِنْهَا على الْفلك الْأَعْلَى
…
شهاباً بنوره سطعا)
(لكنما الشهب مَا تنير إِذا
…
لَاحَ عمودُ الصَّباح فانصدعا)
(يَدْفَعهَا طَائِعا إِلَيْك وَكم
…
عَنْهَا إباءً بِجهْدِهِ دفعا)
(هِيَ الَّتِي فِي علوها زحل
…
كرَّ على وردهَا وَمَا كرعا)
(وَهِي الَّتِي قاربت عُطَارِد فِي الْأُفق
…
فلاحاً والفرقدين مَعًا)
(كَأَن مِنْهَا السُّها إِذا اسْترق السّمع
…
أَتَاهَا فِي خُفْيَة ودعا)
(هضبة عزّ لولاك مَا أرتقيت
…
وطود ملك لولاك مَا فرعا)
(مَا قبلت فِي ارتقاء ذروتها
…
من ملك لَا رقى وَلَا خدعا)
(عزت على الْمَالِك الشَّهِيد وأعطتك
…
قيادا مَا زَالَ مُمْتَنعا)
(للْأَب لَو حل خطبهَا لغدا
…
محرما لِابْنِهِ وَمَا شرعا)
(لَا زلت مَحْمُود فِي أمورك مَحْمُودًا
…
بِثَوْب الإقبال مدرعا)
(وَفِي سَابِع عشر صفر من هَذِه السّنة توفّي بهاء الدّين عمر أَخُو مجد الدّين ابْن الداية وَفِيه وَفِي إخْوَته يَقُول الْعِمَاد الْكَاتِب من قصيدة
(أَنْتُم لمحمود كآل مُحَمَّد
…
متصادفي الْأَفْعَال والأسماء)
(يَتْلُو أَبَا بكر عَلَى حَسَنَاته
…
عمرُ الممدَّح فِي سنا وسناء)
(ويليه عُثْمَان المرَّجي للعُلا
…
وعليُّ المأمول فِي اللأواء)
(وَيقبل الْحسن الممجَّد مجدهم
…
فهمُ ذُوو الْإِحْسَان والنعماء)
(فرعت بمجد الدّين إخْوَته الذرى
…
دون الورى فِي الْمجد والعلياء)
(من سَابق كرماً وشمس سيادة
…
شرفاً وَبدر دُجنة وبهاء)
(سُرُج الْهدى سُحُب النَّدى شُهُب النُّهى
…
أسدُ الحروب ضراغم الهيجاء)
يُرِيد سَابق الدّين عُثْمَان وشمس الدّين عليا وَبدر الدّين حسنا وبهاء الدّين عمر ومجد الدّين الْأَكْبَر فهم خَمْسَة رَحِمهم الله تَعَالَى