الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشُّكْر فَهَذَا اللَّفْظ كالمتعين لجِهَة الربوبية المقدسة على ذَلِك اطرد اسْتِعْمَال السّلف وَالْخلف رضي الله عنهم
فصل فِي وَفَاة نور الدّين رحمه الله
قَالَ الْعِمَاد وَأمر نور الدّين رَحمَه الله تَعَالَى بتطهير وَلَده الْملك الصَّالح اسماعيل يَوْم عيد الْفطر واحتفلنا لهَذَا الْأَمر وغلقت محَال دمشق أَيَّامًا
قَالَ ونظمت للهناء بالعيد وَالطُّهْر قصيدة مِنْهَا
(عيدَان فطر وطهر
…
فتح قريب وَنصر)
(كِلَاهُمَا لَك فِيهِ
…
حَقًا هناء وَأجر)
(وَفِيهِمَا بالتهاني
…
رسم لنا مُسْتَمر)
(طَهَارَة طَابَ مِنْهَا
…
أصل وَفرع وَذكر)
(نجل على الطُّهْر نامٍ
…
زكا لَهُ مِنْك نجر)
(مَحْمُود الْملك الْعَادِل
…
الْكَرِيم الْأَغَر)
(وبابنه الْملك الصَّالح
…
الْعُيُون تقر)
(مولى بِهِ اشْتَدَّ للدّين
…
والشريعة أزر)
(نور تجلى عيَانًا
…
مَا دونه الْيَوْم ستر)
(أضحت مساعيك غرا
…
كَمَا أياديك غزر)
(وكل قصدك رشد
…
وكل فعلك بر)
(وَإِن حبك دين
…
وَإِن بغضك كفر)
(لنا بيمناك يمن
…
كَمَا بيسراك يسر)
(وللموالين نفع
…
وللمُعادين ضرّ)
(وللسماء سَحَاب
…
وسحب كفيك عشر)
(ناديك بالرفد رحب
…
نداك للوفد بَحر)
(للبحر مدّ وجزر
…
وَمَا لجودك جزر)
(عدل عميم وجود
…
غمر وَيسر وَبشر)
(وَفِي الْعَطِيَّة حُلْو
…
وَفِي الحمية مر)
(قد اسْتَوَى مِنْك تقوى الْإِلَه
…
سرّ وجهر)
(تقاك وَالْملك عِنْد الْقيَاس
…
عقد وَنحر)
(يَا أعظم النَّاس قدرا
…
وَهل لغيرك قدر)
(وساهرا حِين نَامُوا
…
وَقَائِمًا حِين قروا)
(مَا اعْتدت إِلَّا وَفَاء
…
وَعَادَة الْقَوْم غدر)
(وفعلك الدَّهْر غَزْو
…
للْمُشْرِكين وقهر)
(وَفعل غَيْرك ظلم
…
للْمُسلمين وقسر)
(يفتر من كل ثغر
…
إِلَى ابتسامك ثغر)
(روم بِهِ وفرنج
…
فِي شفعهم لَك وتر)
(حَرْب عوان وَفتح
…
على مرادك بكر)
(بَنو الأصافر من خشيَة
…
انتقامك صفر)
(لم يبْق للكفر ظفر
…
لاكان للكفر ظفر)
(وَمَا دجا ليل خطب
…
إِلَّا وعزمك فجر)
(أَصبَحت بالغزو صبا
…
وَعنهُ مَالك صَبر)
(لكسر كل يَتِيم
…
إسعاف برك جبر)
(فِي كل قلب حسود
…
من حر بأسك جمر)
(تملَّ تَطْهِير مَلْكَ
…
لَهُ الْمُلُوك تَخِر)
(يزهى سَرِير وتاج
…
بِهِ ودست وَصدر)
(وَكَيف يعْمل للطاهر
…
المطهر طهر)
(هَذَا الطّهُور ظُهُور
…
على الزَّمَان وَأمر)
(وَذَا الْخِتَان ختام
…
بمسكه طَابَ نشر)
(رزقت عمرا طَويلا
…
مَا طَال للدهر عمر)
قَالَ وَفِي يَوْم الْعِيد يَوْم الْأَحَد ركب نور الدّين على الرَّسْم الْمُعْتَاد محفوفا من الله بالإسعاد مكنوفا من السَّمَاء وَالْأَرْض بالأجناد وَالْقدر يَقُول لَهُ هَذَا آخر الأعياد ووقف فِي الميدان الْأَخْضَر الشمالي لطعن الْحلق وَرمى القبق وَكَانَ قد ضرب خيمته فِي الميدان القبلي الْأَخْضَر وَأمر بِوَضْع الْمِنْبَر وخطب لَهُ القَاضِي شمس الدّين ابْن الْفراش قَاضِي الْعَسْكَر بعد أَن صلى بِهِ وذكّر وَعَاد إِلَى القلعة طالع الْبَهْجَة بهيج
الطلعة وأنهب سماطه الْعَام على رسم الأتراك وأكابر الْأَمْلَاك ثمَّ حَضَرنَا على خوانه الْخَاص وَله عقد كَمَال مصون من الانتقاض والانتقاض وَمَا أوضح بشره وأضوع نشره وأضحك سنه وأبرك يمنه
وَفِي يَوْم الأثنين ثَانِي الْعِيد بكر وَركب وجمل الموكب وَكَأن الْفلك بنيره جَار والطود الثَّابِت يمرّ مرّ السَّحَاب فِي وقار وَكَأَنَّهُ الْقَمَر فِي هالته وَالْقدر فِي جلالته والبدر فِي دائرته سَائِر بَين سيارته وَدخل الميدان والعظماء يسايرونه والفهماء يحاورونه وَفِيهِمْ همام الدّين مودود وَهُوَ فِي الأكابر مَعْدُود وَكَانَ قَدِيما فِي أول دولته والى حلب وَقد جرب الدَّهْر بحنكته ولأشطره حلب فَقَالَ لنُور الدّين فِي كَلَامه عظة لمن يغتر بأيامه هَل نَكُون هَهُنَا فِي مثل هَذَا الْيَوْم فِي الْعَام الْقَابِل فَقَالَ نور الدّين قل هَل نَكُون بعد شهر فَإِن السّنة بعيدَة فَجرى على منطقهما مَا جرى بِهِ الْقَضَاء السَّابِق فَإِن نور الدّين لم يصل إِلَى الشَّهْر والهمام لم يصل إِلَى الْعَام
ثمَّ شرع نور الدّين فِي اللّعب بالكرة مَعَ خواصه البررة فاعترضه فِي حَاله أَمِير آخر اسْمه يرنقش وَقَالَ لَهُ باش فأحدث لَهُ الغيظ والاستيحاش واغتاظ على خلاف مذْهبه الْكَرِيم وخلقه الْحَلِيم فزجره وزبره وَنَهَاهُ ونهره وسَاق وَدخل القلعة وَنزل واحتجب وَاعْتَزل فَبَقيَ أسبوعا فِي منزله مَشْغُولًا بنازله مَغْلُوبًا عَن عاجله بِحَدِيث آجله وَالنَّاس من الْخِتَان لاهون بأوطارهم فِي الأوطان فَهَذَا يروح بجوده وَذَاكَ يجود بِرُوحِهِ فَمَا انْتَهَت تِلْكَ الأفراح إِلَّا بالأتراح وَمَا صلح الْملك بعده إِلَّا
بِملك الصّلاح
قَالَ واتصل مرض نور الدّين وَأَشَارَ عَلَيْهِ الْأَطِبَّاء بالفصد فَامْتنعَ وَكَانَ مهيبا فَمَا رُوجِعَ وانتقل حادي عشر شَوَّال يَوْم الْأَرْبَعَاء من مربع الفناء إِلَى مرتع الْبَقَاء وَلَقَد كَانَ من أَوْلِيَاء الله الْمُؤمنِينَ وعباده الصَّالِحين وَصَارَ إِلَى جنَّات عدن أعدت لِلْمُتقين
وَكَانَت لَهُ صُفَّة فِي الدَّار الَّتِي على النَّهر الدَّاخِل إِلَى القلعة من الشمَال وَكَانَ جُلُوسه عَلَيْهَا فِي جَمِيع الْأَحْوَال فَلَمَّا جَاءَت سنة الزلزلة بنى بِإِزَاءِ تِلْكَ الصفّة بَيْتا من الأخشاب مَأْمُون الِاضْطِرَاب فَهُوَ يبيت فِيهِ وَيُصْبِح ويخلو بِعِبَادَتِهِ ولايبرح فَدفن فِي ذَلِك الْبَيْت الَّذِي اتَّخذهُ حِميً من الْحمام وَأذن بِنَاؤُه لبانيه بالانهدام
قَالَ الْعِمَاد وَقلت فِي ذَلِك
(عجبت من الْمَوْت كَيفَ اهْتَدَى
…
إِلَى ملك فِي سجايا ملك)
(وَكَيف ثوى الْفلك المستدير
…
فِي الأَرْض وَالْأَرْض وسط الْفلك)
وَله فِيهِ رحمهمَا الله تَعَالَى
(يَا ملكا أَيَّامه لم تزل
…
لفضله فاضلة فاخرة)
(غاضت بحار الْجُود مذ غيبت
…
أنملك الفائضة الزاخرة)
(ملكت دنياك وخلفتها
…
وسرت حَتَّى تملك الْآخِرَة)
قَالَ ابْن شَدَّاد وَكَانَت وَفَاة نور الدّين رَحمَه الله تَعَالَى بِسَبَب خوانيق اعترته عجز الْأَطِبَّاء عَن علاجها وَلَقَد حكى لي صَلَاح الدّين قَالَ كَانَ يبلغنَا عَن نور الدّين أَنه رُبمَا قصدنا بالديار المصرية وَكَانَت جمَاعَة أَصْحَابنَا يشيرون بِأَن نكاشف وَنُخَالِف ونشق عَصَاهُ ونلقى عسكره بمصاف يردهُ إِذا تحقق قَصده قَالَ وَكنت وحدي أخالفهم وَأَقُول لَا يجوز أَن يُقَال شَيْء من ذَلِك وَلم يزل النزاع بَيْننَا حَتَّى وصل الْخَبَر بوفاته رَحمَه الله تَعَالَى وَرَضي عَنهُ
قَالَ ابْن الْأَثِير وَكَانَ نور الدّين قد شرع بتجهيز الْمسير إِلَى مصر لأخذها من صَلَاح الدّين لِأَنَّهُ رأى مِنْهُ فتورا عَن غَزْو الفرنج من ناحيته فَأرْسل إِلَى الْموصل وديار الجزيرة وديار بكر يطْلب العساكر ليتركها بِالشَّام لمَنعه من الفرنج ليسير هُوَ بعساكره إِلَى مصر وَكَانَ الْمَانِع لصلاح الدّين من الْغَزْو الْخَوْف من نور الدّين فَإِنَّهُ كَانَ يعْتَقد أَن نور الدّين مَتى زَالَ عَن طَرِيقه الفرنج أَخذ الْبِلَاد مِنْهُ فَكَانَ يحتمي بهم عَلَيْهِ وَلَا يُؤثر استئصالهم وَكَانَ نور الدّين لَا يرى إِلَّا الجدّ فِي غزوهم بِجهْدِهِ وطاقته فَلَمَّا رأى إخلال صَلَاح الدّين بالغزو وَعلم غَرَضه فتجهز للمسير إِلَيْهِ فَأَتَاهُ أَمر الله الَّذِي لَا يرد
قلت وَلَو علم نور الدّين مَاذَا ذخر الله تَعَالَى لِلْإِسْلَامِ من الْفتُوح الجليلة على يَدي صَلَاح الدّين من بعده لقرت عينه فَإِنَّهُ بنى على مَا أسسه
نور الدّين من جِهَاد الْمُشْركين وَقَامَ بذلك على أكمل الْوُجُوه وأتمها رحمهمَا الله تَعَالَى
قَالَ وَحكى لي طَبِيب بِدِمَشْق يعرف بالرحبي وَهُوَ من حذاق الْأَطِبَّاء قَالَ استدعاني نور الدّين فِي مَرضه الَّذِي توفّي فِيهِ مَعَ غَيْرِي من الْأَطِبَّاء فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَهُوَ فِي بَيت صَغِير بقلعة دمشق وَقد تمكنت الخوانيق مِنْهُ وقارب الْهَلَاك فَلَا يكَاد يسمع صَوته وَكَانَ يَخْلُو فِيهِ للتعبد فِي أَكثر أوقاته فابتدا بِهِ الْمَرَض فِيهِ فَلم ينْتَقل عَنهُ فَلَمَّا دَخَلنَا عَلَيْهِ ورأينا مَا بِهِ قلت لَهُ كَانَ يَنْبَغِي أَن لايؤخَّر إحضارنا إِلَى أَن يشْتَد بك الْمَرَض إِلَى هذاالحد فَالْآن يَنْبَغِي أَن تنْتَقل إِلَى مَكَان فسيح فَلهُ أثر فِي هَذَا الْمَرَض وشرعنا فِي علاجه فَلم ينجع فِيهِ الدَّوَاء وَعظم الدَّاء وَمَات عَن قريب رضي الله عنه
قَالَ ابْن الْأَثِير وَكَانَ أسمر طَوِيل الْقَامَة لَيْسَ لَهُ لحية إِلَّا فِي حنكه وَكَانَ وَاسع الْجَبْهَة حسن الصُّورَة حُلْو الْعَينَيْنِ وَكَانَ قد اتَّسع
ملكه جدا فَملك الْموصل وديار الجزيرة وأطاعه أَصْحَاب ديار بكر وَملك الشَّام والديار المصرية واليمن وخُطب لَهُ بالحرمين الشريفين مَكَّة وَالْمَدينَة وطبّق الأَرْض ذكره بِحسن سيرته وعدله وَلم يكن مثله إِلَّا الشاذ النَّادِر رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِ
قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم بَعْدَمَا ذكر أَوْصَاف نور الدّين الجليلة الْمُتَقَدّمَة مفرقة ومجموعة فِي هَذَا الْكتاب هَذَا مَعَ مَا جمع الله لَهُ من الْعقل المتين والرأي الثاقب الرصين والاقتداء بسيرة السّلف الماضين والتشبه بالعلماء وَالصَّالِحِينَ والاقتفاء بسيرة من سلف مِنْهُم فِي حسن سمتهم والاتباع لَهُم فِي حفظ حَالهم ووقتهم حَتَّى روى حَدِيث الْمُصْطَفى صلى الله عليه وسلم وأسمعه وَكَانَ قد استجيز لَهُ مِمَّن سَمعه وَجمعه حرصا مِنْهُ على الْخَيْر فِي نشر السّنة بِالْأَدَاءِ والتحديث ورجاء أَن يكون مِمَّن حفظ على الْأمة أَرْبَعِينَ حَدِيثا كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث فَمن رَآهُ شَاهد من جلال السلطنة وهيبة الْملك مَا يبهره فَإِذا فاوضه رأى من لطافته وتواضعه مَا يحيره يحب الصَّالِحين ويؤاخيهم ويزور مساكنهم لحسن ظَنّه فيهم وَإِذا احْتَلَمَ مماليكه أعتقهم
وَزوج ذكرانهم بإنائهم ورزقهم وَمَتى تَكَرَّرت الشكاية إِلَيْهِ من أحد من ولاته أمره بالكف عَن أَذَى تظلم بشكاته فَمن لم يرجع مِنْهُم إِلَى الْعدْل قابله بِإِسْقَاط الْمنزلَة والعزل فَلَمَّا جمع الله لَهُ من شرِيف الْخِصَال تيَسّر لَهُ جَمِيع مَا يَقْصِدهُ من الْأَعْمَال وَسَهل على يَدَيْهِ فتح الْحُصُون والقلاع ومُكن لَهُ فِي الْبلدَانِ وَالْبِقَاع
ثمَّ قَالَ بعد كَلَام كثير ومناقبه خطيرة وممادحه كَثِيرَة ومدحه جمَاعَة من الشُّعَرَاء فَأَكْثرُوا وَلم يبلغُوا وصف الآئه بل قصروا وَهُوَ قَلِيل الابتهاج بالشعر زِيَادَة فِي تواضعه لعلّو الْقدر
ومولده على مَا ذكر لي كَاتبه أَبُو الْيُسْر شَاكر بن عبد الله وَقت طُلُوع الشَّمْس من يَوْم الْأَحَد سَابِع عشر شَوَّال سنة إِحْدَى عشرَة وَخمْس مئة وَتُوفِّي يَوْم الْأَرْبَعَاء الْحَادِي عشر من شَوَّال سنة تسع وَسِتِّينَ وَخَمْسَة مئة وَدفن بقلعة دمشق ثمَّ نقل إِلَى تربة تجاور مدرسته الَّتِي بناها لأَصْحَاب أبي حنيفَة رضي الله عنه جوَار الخواصين فِي الشَّارِع الغربي رَحمَه الله تَعَالَى
قلت وَفِي هَذِه الْمدرسَة يَقُول العرقلة
(ومدرسة سيدرس كل شَيْء
…
وَتبقى فِي حمى علم ونسك)
(تضوع ذكرهَا شرقا وغربا
…
بِنور الدّين مَحْمُود بن زنكي)
(يَقُول وَقَوله حقٌّ وَصدق
…
بِغَيْر كنايةٍ وَبِغير شكّ)
(دمشق فِي الْمَدَائِن بَيت مُلكي
…
وهذي فِي الْمدَارِس بَيت مِلكي)
وَلما اشْتهر بِهِ من قلَّة ابتهاجه بالمدح لما علم من تزيد الشُّعَرَاء وَهِي طَريقَة عمر بن عبد الْعَزِيز زاهد الْخُلَفَاء قَالَ يحيى بن مُحَمَّد الوهراني فِي مقامة لَهُ وَقد سُئِلَ فِي بَغْدَاد عَن نور الدّين هُوَ سهم للدولة سديد وركن للخلافة شَدِيد وأمير زاهد وَملك مُجَاهِد تساعده الأفلاك وتعضده الجيوش والأملاك غير أَنه عرف بالمرعى الوبيل لِابْنِ السَّبِيل وبالمحل الجديب للشاعر الأديب فَمَا يرزى وَلَا يعزى وَلَا لشاعر عِنْده من نعْمَة تجزى
وإيَّاه عَنى أُسَامَة بن منقذ بقوله
(سلطاننا زاهد وَالنَّاس قد زهدوا
…
لَهُ فكلُّ على الْخيرَات منكمش)
(أيَّامه مثل شهر الصَّوْم طَاهِرَة
…
من الْمعاصِي وفيهَا الْجُوع والعطش)
قلت رحمه الله مَا كَانَ يبْذل أَمْوَال الْمُسلمين إِلَّا فِي الْجِهَاد وَمَا يعود نَفعه على الْعباد وَكَانَ كَمَا قيل فِي حق عبد الله بن محيريز وَهُوَ من سَادَات التَّابِعين بِالشَّام قَالَ يَعْقُوب بن سُفْيَان الْحَافِظ حَدثنَا ضَمرَة عَن السيباني قَالَ كَانَ ابْن الديلمي من أنْصر النَّاس لأخوانه فَذكر ابْن محيريز فِي مَجْلِسه فَقَالَ رجل كَانَ بَخِيلًا فَغَضب ابْن الدّيلمي وَقَالَ كَانَ جوادا حَيْثُ يحب الله وبخيلا حَيْثُ تحبون
وَأما شعر ابْن منقذ فَلَا اعْتِبَار بِهِ فَهُوَ الْقَائِل فِي لَيْلَة الميلاد يمدح نور الدّين رَحمَه الله تَعَالَى
(فِي كل عَام للبرية لَيْلَة
…
فِيهَا تشب النَّار بالإيقاد)
(لَكِن لنُور الدّين من دون الورى
…
ناران نَار قرى ونار جِهَاد)
(أبدا يصرّفها نداه وبأسه
…
فالعام أجمع لَيْلَة الميلاد)
(ملك لَهُ فِي كل جيد منّة
…
أبهى من الأطواق فِي الأجياد)
(أَعلَى الْمُلُوك يدا وأمنعهم حمى
…
وأمدهم كفَّا ببذل تلاد)
(يعْطى الجزيل من النوال تَبَرعا
…
من غير مَسْأَلَة وَلَا ميعاد)
(لازال فِي سعد وَملك دَائِم
…
مَا دَامَت الدُّنْيَا بِغَيْر نفاد)
وَقد تقدم فِي شعر ابْن مُنِير وَابْن القيسراني والعماد الْكَاتِب وَغَيرهم من مدح نور الدّين بِالْكَرمِ والجود مَا قَلِيل مِنْهُ يرّد قَول الوهراني وَابْن منقذ على أَن ابْن منقذ قد رددنا شعره بِشعرِهِ كَمَا ترَاهُ وَإِنَّمَا الشُّعَرَاء وَأكْثر النَّاس كَمَا قَالَ الله تَعَالَى فِي وصف قوم {فإنْ أُعْطُوا مِنْها رّضُوا وَإنْ لَمْ يُعْطَوا مِنْها إذَا هم يَسْخَطون} وَمَا كلّ وَقت ينْفق الْعَطاء وَيفْعل الله مَا يَشَاء