المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في ذكر جماعة من الأعيان تجدد لهم ما أقتضى ذكره في هذه السنة - الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية - جـ ٢

[أبو شامة المقدسي]

فهرس الكتاب

- ‌ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي وَفَاة زين الدّين وَالِد مظفر الدّين صَاحب إربل

- ‌ثمَّ دخلت سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل فِيمَا فعله نور الدّين

- ‌فصل فِي الْقَبْض على شاور وَقَتله

- ‌فصل فِي وزارة أَسد الدّين

- ‌فصل فِي وَفَاة أَسد الدّين وَولَايَة ابْن أَخِيه صَلَاح الدّين مَكَانَهُ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي قتل المؤتمن بالخرقانية ووقعة السودَان بَين القصرين وَغير ذَلِك

- ‌ثمَّ دخلت سنة خمس وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي مسير نجم الدّين أَيُّوب إِلَى مصر بباقي أَوْلَاده وَأَهله

- ‌فصل فِي ذكر الزلزلة الْكُبْرَى

- ‌فصل فِي غَزْوَة صَاحب البيرة ووفاة صَاحب الْموصل

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِيمَا جرى بِمصْر فِي هَذِه السّنة

- ‌ثمَّ دخلت سنة سبع وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي ذكر غَزْو الفرنج فِي هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي عزم نور الدّين على الدُّخُول إِلَى مصر

- ‌فصل فِي الحَمَام

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي جِهَاد السلطانين للفرنج فِي هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي فتح بِلَاد النّوبَة

- ‌فصل فِي وَفَاة نجم الدّين أَيُّوب وَالِد صَلَاح الدّين وطرف من أخباره

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة تسع وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي فتح الْيمن

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي صلب عمَارَة اليمني الشَّاعِر وَأَصْحَابه

- ‌فصل فِي التَّعْرِيف بِحَال عمَارَة وَنسبه وشعره

- ‌فصل فِي وَفَاة نور الدّين رحمه الله

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة سبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِيمَا جرى بعد فتح دمشق من فتح حمص وحماة وحصار حلب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي فتح بعلبك

- ‌فصل فِيمَا جرى للْمَوَاصلة والحلبييّن مَعَ السُّلطان فِي هَذِه السّنة

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِيمَا تجدّد للمواصلة والحلبيين

- ‌فصل فِي فتح جملَة من الْبِلَاد حوالي حلب

- ‌فصل فِي وثوب الحشيشية على السُّلْطَان مرّة ثَانِيَة على عزاز وَكَانَت الأولى على حلب

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة وَدخُول قراقوش إِلَى الْمغرب

- ‌ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي ذكر جمَاعَة من الْأَعْيَان تجدّد لَهُم مَا أقتضى ذكرهُ فِي هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي رُجُوع السُّلْطَان إِلَى مصر

- ‌فصل فِي بيع الْكتب وَعمارَة القلعة والمدرسة والبيمارستان

- ‌فصل فِي خُرُوج السُّلْطَان إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَغير ذَلِك من بواقي حوادث هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي نوبَة كسرة الرَّملة

- ‌فصل فِي وَفَاة كمشتكين وَخُرُوج السُّلْطَان من مصر بِسَبَب حَرَكَة الفرنج

- ‌فصل فِي ذكر أَوْلَاد السُّلْطَان

- ‌فصل

الفصل: ‌فصل في ذكر جماعة من الأعيان تجدد لهم ما أقتضى ذكره في هذه السنة

‌فصل فِي ذكر جمَاعَة من الْأَعْيَان تجدّد لَهُم مَا أقتضى ذكرهُ فِي هَذِه السّنة

قَالَ الْعِمَاد فِي السَّادِس من المحرّم توفيّ بِدِمَشْق القَاضِي كَمَال الدّين بن الشهرزوري وعمره ثَمَانُون سنة لِأَن مولده فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَرْبع مئة وَكَانَ فِي الْأَيَّام النُّورية بِدِمَشْق هُوَ الْحَاكِم المتحكم وَصَلَاح الدّين إِذا ذَاك يتَوَلَّى الشحنكية بِدِمَشْق وَكَمَال الدّين يعكس مقاصده بتوخيّه الْأَحْكَام الشرّعية وَرُبمَا كسر أغراضه وَأبْدى عَن قبُوله إعراضه ويقصد فِي كلّ مَا يعرض لَهُ اعتراضه وَكم صَبر على جماحه بِحمْلِهِ وراضه إِلَى أنْ نَقله الله سُبْحَانَهُ من نِيَابَة الشحنكية إِلَى المُلك وَصَارَ كَمَال الدّين من قُضَاة ممالكه المنتظمة فِي السلك وَكَانَ فِي قلبه مِنْهُ مَا فِيهِ وَمَا فرط مِنْهُ فَاتَ وَقت تلافيه فَلَمَّا ملك دمشق أجراه على حكمه ولمْ يؤاخذه بجرمه واحترم نوّابه وَأكْرم أَصْحَابه وَفتح للشرّع بَابه وخاطبه وَاسْتحْسن جَوَابه وَلم يزل يستفتيه ويستهديه ويعرض على رَأْيه مَا يُعِيدهُ ويبديه

وَكَانَ ابْن أَخِيه ضِيَاء الدّين بن تَاج الدّين الشهرزوري قد هَاجر إِلَى

ص: 426

صَلَاح الدّين بِمصْر فِي ريعان ملكه وأذنت هجرته فِي دَرك إِرَادَته بإدارة فلكه وأنعم عَلَيْهِ هُنَاكَ بِجَزِيرَة الذَّهَب وَمن دَار الْملك بِمصْر بدار الذَّهَب ووفرَّ حَظه من الذَّهَب وَملكه دَارا بِالْقَاهِرَةِ نفيسةً جميلَة جليَّة جليلة ورتّب لَهُ وظائف وخصّه بلطائف وَوصل مَعَ صَلَاح الدّين إِلَى الشَّام وَأمره جارٍ على النظام

وَلما أَشْتَدّ بِكَمَال الدّين الْمَرَض وَكَاد يُفَارق جوهره الْعرض أَرَادَ أنْ يبْقى الْقَضَاء فِي ذويه فوّصى مَعَ حُضُور وَلَده بِالْقضَاءِ لضياء الدّين ابْن أَخِيه علما مِنْهُ بِأَن السُّلْطَان يُمضي حُكمه لأجل سوالفه ويجعله عِنْده من عوائد عوارفه وَمَات وَلم يخلف مثله وَمن شَاهده شَاهد الْعقل وَالْفضل كلّه بارًّا بالأبرار مُخْتَارًا للأخيار مكرما للكرام مَاضِيا فِي الْأَحْكَام وَقد قوّاه نور الدّين رَحمَه الله تَعَالَى وَولده فِي أَيَّامه وسدد مرامي مرامه

وَهُوَ الَّذِي سنّ دَار الْعدْل لتنفذ أَحْكَامه بِحَضْرَة السُّلْطَان فَلَا يبْقى عَلَيْهِ مغمز وَلَا ملمز لِذَوي الشنآن وَهُوَ الَّذِي تولى لَهُ بِنَاء أسوار دمشق ومدارسها والبيمارستان فاستمرت عَادَته واستقرت قَاعِدَته فِي دولة السُّلْطَان وَتُوفِّي وَنحن بحلب محاصرون

وَذكر الْعِمَاد فِي الخريدة لِابْنِهِ محييّ الدّين قصيدة فِي مرثيته مِنْهَا

(ألِمُّوا بِسَفْحِي قاسيون فَسَلمُوا

على جدثٍ بَادِي السنا وترحموا)

ص: 427

(وبالرغم مني أَن أناجيه بالمنى

وأسأل مَعَ بعد المدى من يُسلم)

(لقد عدمت مِنْك الْبَريَّة والدا

أحن من الْأُم الرؤوف وأرحم)

(وَلَا سِيمَا إخْوَان صدق بجلق

همُ فِي سَمَاء الْمجد والجود أنجم)

(نشرت لِوَاء الْعدْل فَوق رؤوسهم

فَمَا كَانَ فيهم من يضام وَيظْلم)

(لقِيت من الرّحمن عفوا وَرَحْمَة

كَمَا كنت تَعْفُو مَا حييت وترحم)

قَالَ الْعِمَاد وَجلسَ ابْن أَخِيه ضِيَاء الدّين مَكَانَهُ وَأحسن إحسانه وَأبقى نُوّاب عَمه وأنفذ أَحْكَامه بنافذ حكمه

وَكَانَ الْفَقِيه شرف الدّين أَبُو سعد عبد الله بن أبي عصرون قد هَاجر من حلب إِلَى السُّلْطَان وَقد أنزلهُ عِنْده بِدِمَشْق فِي ظلّ الْإِحْسَان وَهُوَ شيخ مَذْهَب الشَّافِعِي رضي الله عنه والأقوم بالفتيا وأعرفهم بِمَا تَقْتَضِيه الشَّرِيعَة من أَمر الدّين والدُّنيا وَالسُّلْطَان يُؤثر أَن يفوّض إِلَيْهِ منصب الْقَضَاء وَلَا يرى عزل الضياء فأفضى بسرّ مُرَاده إِلَى الْأَجَل الْفَاضِل وَكَانَ الْفَقِيه ضِيَاء الدّين عِيسَى أَيْضا يتعصب لشيخه فاستشعر الضياء من الْعَزْل وأشير عَلَيْهِ بالاستعفاء فَفعل فأعفى وَبقيت عَلَيْهِ الْوكَالَة الشَّرْعِيَّة عَنهُ فِي بيع الْأَمْلَاك

قَالَ الْعِمَاد وَأول مَا أشتريت مِنْهُ بوكالة السُّلْطَان الأَرْض الَّتِي ببستان بقر الْوَحْش الَّتِي بنيت فِيهَا الْمَوَاضِع من الْحمام والدور والاصطبل والخان وَكنت قد احتكرتها فِي الْأَيَّام النورية فملكتها فِي الْأَيَّام الصلاحية

ص: 428

قلت قد خربَتْ هَذِه الْأَمَاكِن فِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وست مئة بِسَبَب الْحصار واستمرّ خرابها وعفت آثارها وَصَارَت طَرِيقا على حافة بردى وَأَنت خَارج من جسر الصفي خَارج بَاب الْفرج مارًّا إِلَى نَاحيَة الميدان

قَالَ فَلَمَّا استعفى ضِيَاء الدّين بن الشهرزوري من الْقَضَاء لم يبْق فِي منصب الْقَضَاء إِلَّا فَقِيه يعرف بالأوحد دَاوُد بن إِبْرَاهِيم بن عمر بن بِلَال الشَّافِعِي وَكَانَ يَنُوب عَن كَمَال الدّين فَأمره السُّلْطَان أَن يجْرِي على رسمه ويتصّرف فِي حكمه

وَكَانَ السُّلْطَان لإحياء الْقَضَاء فِي الْبَيْت الزكوي مؤثرا وَلذكر مناقبه مكثرا وَقد سبق مِنْهُ الْوَعْد للشَّيْخ شرف الدّين بن أبي عصرون وَهُوَ راج وبطلب نجاز عِدَته مناج ففوض إِلَيْهِ الْقَضَاء وَالْحكم والإنفاذ والإمضاء على أَن يتَوَلَّى محيي الدّين أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن زكي الدّين والأوحد دَاوُد قاضيين فِي دمشق يحكمان وهما عَن نيابته يوردان ويصدران وتوليتهما بتوقيع من السُّلْطَان وَلم يزل الشَّيْخ شرف الدّين بن أبي عصرون مُتَوَلِّيًا للْقَضَاء مُنْفَردا بالحكم والإمضاء سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاث وَسبعين فِي ولَايَة أخي السُّلْطَان الْملك الْمُعظم فَخر الدّين

ص: 429

فَلَمَّا عدنا إِلَى الشَّام تكلم النَّاس فِي ذهَاب نور بَصَره وَأَنه لايقوم فِي الْقَضَاء بورده وصدره ففوض السُّلْطَان الْقَضَاء بِالْإِشَارَةِ الْفَاضِلِيَّةِ إِلَى ابْنه محيي الدّين أبي حَامِد مُحَمَّد كَأَنَّهُ نَائِب أَبِيه وَلَا يظْهر للنَّاس صرفه عَمَّا هُوَ متوليه وَاسْتمرّ الْقَضَاء لَهُ إِلَى انْقِضَاء أشهر من سنة سبع وَثَمَانِينَ ثمَّ صُرف واستقلّ بِهِ ابْن زكي الدّين فَأَقَامَ فِي مُدَّة ولَايَته للشَّرْع الْقَوَاعِد والقوانين وفوّض ديوَان الْوُقُوف بِجَامِع دمشق وَغَيره من الْمَسَاجِد والمشاهد إِلَى أَخِيه مجد الدّين بن الزكي فتولاه إِلَى أَن انْتقل من أَعمال الْوُقُوف إِلَى موقف اعْتِبَار الْأَعْمَال وتوّلاها بعده أَخُوهُ محيي الدّين على الِاسْتِقْلَال إِلَى آخر عهد السُّلْطَان وَبعده

قلت وَفِي صفر وقف السُّلْطَان قَرْيَة حزم باللوى من حوران على الْجَمَاعَة الَّذين يشتغلون بِعلم الشَّرِيعَة أَو بِعلم يحْتَاج إِلَيْهِ الْفَقِيه أَو يحضر لسَمَاع الدُّرُوس بالزاوية الغربية من جَامع دمشق الْمَعْرُوفَة بالفقيه الزَّاهِد نصر الْمَقْدِسِي رَحمَه الله تَعَالَى وعَلى من هُوَ مدرّسهم بِهَذَا الْموضع من أَصْحَاب الإِمَام الشَّافِعِي رضي الله عنه وَجعل النّظر لقطب الدّين النَّيْسَابُورِي رحمه الله وَرَأَيْت كتاب الْوَقْف بذلك على هَذِه الصُّورَة وَعَلِيهِ عَلامَة السُّلْطَان رَحمَه الله تَعَالَى الْحَمد لله وَبِه توفيقي

ص: 430

قَالَ الْعِمَاد وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة الثَّانِي عشر من صفر وَنحن فِي طَرِيق الْوُصُول إِلَى دمشق توفّي شمس الدّين ابْن الْوَزير أبي المضاء بِدِمَشْق وَهُوَ أول خطيب بالديار المصرية للدولة العباسية وَكَانَ يتَوَلَّى الرسَالَة إِلَى الدِّيوَان الْعَزِيز ويقصده الشُّعَرَاء ويحضره الكرماء فيكثر خلعهم وجوائزهم وَيبْعَث على مدحه غرائزهم فَحمل السُّلْطَان همه وقرّب وَلَده وجبر بِتْربيته يُتْمه

ثمَّ تعين ضِيَاء الدّين بن الشهرزوري بعده للرسالة إِلَى الدِّيوَان وَصَارَت منصبا لَهُ ينافس عَلَيْهِ واستتبت لَهُ هَذِه السفارة إِلَى آخر الْعَهْد السلطاني وَذَلِكَ بعد الْمُضِيّ إِلَى مصر وَالْعود إِلَى الشَّام فَإِنَّهُ بعد ذَلِك خَاطب فِي هَذَا المرام فَأَما فِي هَذِه السّنة فَإِنَّهُ كَانَ فِي مسيرنا إِلَى مصر الصُّحْبَة وَهُوَ متودد إِلَيّ بصفاء الْمحبَّة

وَفِي آخر صفر تزوّج السُّلْطَان بالخاتون المنعوته عصمَة الدّين بنت الْأَمِير معِين الدّين أنر وَكَانَت فِي عصمَة نور الدّين رَحمَه الله تَعَالَى فَلَمَّا

ص: 431

توفّي أَقَامَت فِي منزلهَا بقلعة دمشق رفيعة الْقدر مُسْتَقلَّة بأمرها كَثِيرَة الصَّدقَات والأعمال الصَّالِحَات فَأَرَادَ السُّلْطَان حفظ حرمتهَا وصيانتها وعصمتها فأحضر شرف الدّين بن أبي عصرون وعُدُوله وزوجه إِيَّاهَا بحضرتهم أَخُوهَا لأَبِيهَا الْأَمِير سعد الدّين مَسْعُود بن أنر بِإِذْنِهَا وَدخل بهَا وَبَات عِنْدهَا وَقرن بسعده سعدها وَخرج بعد يَوْمَيْنِ إِلَى مصر

وَذكر الْعِمَاد بعد وَفَاة ابْن الشهرزوري وَابْن أبي المضاء الْأَمِير مؤيد الدولة أَبَا الْحَارِث أُسَامَة بن مرشد بن سديد الْملك أبي الْحسن عليّ بن منقذ وَعوده إِلَى الشَّام عِنْد علمه بوصول السُّلْطَان فَقَالَ هَذَا مؤيد الدولة من الْأُمَرَاء الْفُضَلَاء والكرماء الكبراء والسادة القادة العظماء وَقد متعهُ الله بالعمر وَطول الْبَقَاء وَهُوَ من الْمَعْدُودين من شجعان الشَّام وفرسان الْإِسْلَام

وَلم يزل بَنو منقذ ملاك شيزر وَقد جمعُوا السِّيَادَة والمفخر وَلما تفرّد بالمعقل مِنْهُم من تولاه لم يرد أَن يكون مَعَه فِيهِ سواهُ فَخَرجُوا مِنْهُ فِي سنة أَربع وَعشْرين وَخمْس مئة وَسَكنُوا دمشق وَغَيرهَا من الْبِلَاد

ص: 432

وَكلهمْ من الأجواد الأمجاد وَمَا فيهم إِلَّا ذُو فضل وبذل وإحسان وَعدل وَمَا مِنْهُم إِلَّا من لَهُ نظمٌ مطبوع وَشعر مَصْنُوع وَمن لَهُ قصيدة وَله مَقْطُوع

وَهَذَا مؤيد الدولة أعرقهم فِي الْحسب وأعرفهم فِي الْأَدَب وَكَانَت جرت لَهُ نبوة فِي أَيَّام الدمشقيين وسافر إِلَى مصر وَأقَام هُنَاكَ سِنِين فِي أَيَّام المصريين فتمت نوبَة قتل المنعوت بالظافر وَقتل عَبَّاس وزيرهم إخْوَته وَإِقَامَة المنعوت بالفائز وَمَا ردف ذَلِك من الهزاهز فَعَاد مؤيد الدوّلة إِلَى الشَّام وَسَار إِلَى حصن كيفا وتوطن وَلما سمع بِالْملكِ الصلاحيّ جَاءَ إِلَى دمشق وَذَلِكَ فِي سنة سبعين وَقَالَ

(حمدت على طول عمري المشيبا

وَإِن كنت أكثرت فِيهِ الذنوبا)

(لِأَنِّي حييت إِلَى أَن لقِيت

بعد الْعَدو صديقا حبيبا)

قَالَ وَكنت أسمع بفضله وَأَنا بأصبهان فِي أَيَّام الشبيبة وأنشدني لَهُ مجد الْعَرَب العامري بأصفهان فِي سنة خمس وَأَرْبَعين هذَيْن الْبَيْتَيْنِ

ص: 433

وهما من مبتكرات مَعَانِيه فِي سنّ قلعهَا

(وَصَاحب لَا أَملَّ الدّهر صحبته

يشقى لنفعي وَيسْعَى سَعي مُجْتَهد)

(لم ألقه مُذْ تصاحبنا فحين بدا

لناظري افترقنا فُرقة الْأَبَد)

قَالَ فَلَمَّا لَقيته بِدِمَشْق فِي سنة سبعين أنشدنيهما لنَفسِهِ مَعَ كثير من شعره المبتكر من جنسه

قلت وَمن عَجِيب مَا اتّفق أَنِّي وجدت هذَيْن الْبَيْتَيْنِ مَعَ بَيْتَيْنِ آخَرين الْمَجْمُوع أَرْبَعَة أَبْيَات فِي ديوَان أبي الْحُسَيْن أَحْمد بن مُنِير الأطرابلسي وَمَات ابْن مُنِير سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخمْس مئة قَرَأت فِي ديوانه وَقَالَ فِي الضرس

(وَصَاحب لَا أمل الدَّهْر صحبته

يشقي لنفعي وأجني ضره بيَدي)

ثمَّ قَالَ

(أدنى إِلَى الْقلب من سَمْعِي وَمن بَصرِي

وَمن تلادي وَمن مَالِي وَمن وَلَدي)

(أَخْلو ببثي من خَال بوجنته

مداده زَائِد التَّقْصِير للمدد)

لم أره مذ تصاحبنا الْبَيْت

ص: 434

فالأشبه أَن ابْن مُنِير أخذهما وَزَاد عَلَيْهِمَا وَلِهَذَا غير فيهمَا كَلِمَات وَقد وجدت هَذَا الْبَيْت الأول على صُورَة أُخْرَى حَسَنَة

(وَصَاحب نَاصح لي فِي معاملتي

)

وَيجوز أَن يكون أُسَامَة أنشدهما متمثلاً فنسبا إِلَيْهِ لما كَانَ مَظَنَّة ذَلِك وَيجوز أَن يكون اتِّفَاقًا وَالله أعلم

قَالَ الْعِمَاد وشاهدت وَلَده عضد الدّين أَبَا الفوارس مرهفا وَهُوَ جليس صَلَاح الدّين وأنيسه وَقد كتب ديوَان شعر أَبِيه لصلاح الدّين وَهُوَ لشغفه بِهِ يفضله على جَمِيع الدوّاوين وَلم يزل هَذَا الْأَمِير الْعَضُد مرهف مصاحباً لَهُ بِمصْر وَالشَّام وَإِلَى آخر عصره وتوطن بِمصْر فَلَمَّا جَاءَ مؤيد الدولة أَبوهُ أنزلهُ أرحب منزل وَأوردهُ أعذب منهل وَملكه من أَعمال المعرّة ضَيْعَة زعم أَنَّهَا كَانَت قَدِيما تجْرِي فِي أملاكه وَأَعْطَاهُ بِدِمَشْق دَارا وإدراراً وَإِذا كَانَ بِدِمَشْق جالسه وآنسه وذاكره فِي الْأَدَب ودارسه

وَكَانَ ذَا رَأْي وتجربة وحنكة مهذبة فَهُوَ يستشيره فِي نوائيه ويستنير بِرَأْيهِ فِي غياهبه وَإِذا غَابَ عَنهُ فِي غَزَوَاته كَاتبه وأعلمه بواقعاته ووقعاته ويستخرج رَأْيه فِي كشف مهماته وحلّ مشكلاته وَبلغ عمره ستّا وَتِسْعين سنة فَإِن مولده سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مئة وَتُوفِّي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة

ص: 435