الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَعز النَّقْص لما هان
…
أهل الْفضل والفضلُ)
(وَهل ينْفق ذُو علم
…
إِذا مَا نفق الْجَهْل)
(وَمَا كَانَ لنُور الدّين
…
لَوْلَا نجلُه مثل)
فصل
قَالَ الْعِمَاد وَاتفقَ نزُول الفرنج بعد وَفَاة نور الدّين رَحمَه الله تَعَالَى على الثغر وقصدهم بانياس ورجوا أَن يتم لَهُم الْأَمر ثمَّ ظَهرت خيبتهم وَبَان الياس وَذَلِكَ أَن شمس الدّين بن الْمُقدم خرج وراسل الفرنج وخوّفهم بِقصد صَلَاح الدّين لبلادهم وَأَنه قد عزم على جهادهم وَتَكَلَّمُوا فِي الْهُدْنَة وَقطع مواد الْحَرْب والفتنة وحصلوا بقطيعة استعجلوها وعدة من أساراهم استطلقوها وتمّت الْمُصَالحَة
وَبلغ ذَلِك صَلَاح الدّين فَأنكرهُ وَلم يُعجبهُ وَكتب إِلَى جمَاعَة الْأَعْيَان كتُباً دالّة على التوبيخ والملام وَمن جُمْلَتهَا كتاب بالمثال الفاضلي إِلَى الشَّيْخ شرف الدّين بن أبي عصرون يُخبرهُ فِيهِ أَنه لما أَتَاهُ كتاب الْملك الصَّالح بِقصد الفرنج تجهّز وَخرج وَسَار أَربع مراحل ثمَّ جَاءَهُ الْخَبَر بالهدنة المؤذنة بذُل الْإِسْلَام من دفع القطيعة وَإِطْلَاق الْأُسَارَى وَسَيِّدنَا الشَّيْخ أولى من جرّد لِسَانه الَّذِي تُغمد لَهُ السيوف وتُجرّد وَقَامَ فِي سَبِيل الله قيام من يقطّ عَادِية من تعدّى وتمرّد
وَفِي آخِره وَكتب من الْمنزل بفاقوس وَالْفَجْر قَدْ هَمّ أنْ يشقّ ثوب الصَّباح لَوْلَا أَن الثّريا تعرضت تعرض أثْنَاء الوشاح وَهَذِه اللَّيْلَة سافرة عَن نَهَار يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي عشر ذِي الْحجَّة بلغه الله فِيهِ أمله وَقبل عمله بَالغا أَسْنَى المُرَاد وأفضله
وَقَالَ ابْن الْأَثِير لما توفّي نور الدّين قَالَ الْأُمَرَاء مِنْهُم شمس الدّين بن الْمُقدم وحسام الدّين الْحُسَيْن بن عِيسَى الجراحي وَغَيرهمَا من أكَابِر الْأُمَرَاء قد علمْتُم أَن صَلَاح الدّين من مماليك نور الدّين ونوابه والمصلحة أَن نشاوره فِيمَا نفعله وَلَا نخرجهُ من بَيْننَا فَيخرج عَن طَاعَة الْملك الصَّالح وَيجْعَل ذَلِك حجَّة علينا وَهُوَ أقوى منا لِأَن لَهُ مثل مصر وَرُبمَا أخرجنَا وَتَوَلَّى هُوَ خدمَة الْملك الصَّالح فَلم يُوَافق أغراضهم هَذَا القَوْل وخافوا أَن يدْخل صَلَاح الدّين ويخرجوا
قَالَ فَلم يمض غير قَلِيل حَتَّى وصلت كتب صَلَاح الدّين إِلَى الْملك الصَّالح يهنئه بِالْملكِ ويعزيه بِأَبِيهِ وَأرْسل دَنَانِير مصريه عَلَيْهَا اسْمه ويعرفه أَن الْخطْبَة وَالطَّاعَة لَهُ كَمَا كَانَت لوالده فلّما سَار سيف الدّين غَازِي ابْن عَمه قطب الدّين وَملك الديار الجزرية وَلم يُرْسل من مَعَ الْملك الصَّالح من الْأُمَرَاء إِلَى صَلَاح الدّين وَلَا أعلموه الْحَال كتب إِلَى
الْملك الصَّالح يعتبه حَيْثُ لم يُعْلِمه قصد سيف الدّين بِلَاده ليحضر فِي خدمته ويمنعه وَكتب إِلَى الْأُمَرَاء يَقُول إِن الْملك الْعَادِل لَو علم أَن فِيكُم من يقوم مقَامي أَو يَثِق إِلَيْهِ مثل ثقته بِي لَسَلَّم إِلَيْهِ مصر الَّتِي هِيَ أعظم ممالكه وولاياته وَلَو لم يعجل عَلَيْهِ الْمَوْت لم يعْهَد إِلَى أحد بتربية وَلَده وَالْقِيَام بخدمته سواي وأراكم قد تفردتم بِخِدْمَة مولَايَ وَابْن مولَايَ دوني فَسَوف أصلُ إِلَى خدمته وأجازي إنعام وَالِده بِخِدْمَة يظْهر أَثَرهَا وأقابل كلاًّ مِنْكُم على سوء صَنِيعه وإهمال أَمر الْملك الصَّالح ومصالحه حَتَّى أخذت بِلَاده
فَأَقَامَ الصَّالح بِدِمَشْق وَمَعَهُ جمَاعَة من الْأُمَرَاء لم يمكنوه من الْمسير إِلَى حلب لِئَلَّا يَغْلِبهُمْ عَلَيْهِ شمس الدّين عَليّ ابْن الدّاية فَإِنَّهُ كَانَ أكبر الْأُمَرَاء النُّورية وَإِنَّمَا تَأَخّر عَن خدمَة الْملك الصَّالح بعد وَفَاة نور الدّين لمَرض لحقه وَكَانَ هُوَ وَإِخْوَته بحلب وأمرها إِلَيْهِم وعسكرها مَعَهم فِي حَيَاة نور الدّين وَبعده وَلما عجز عَن الْحَرَكَة أرسل إِلَى الْملك الصَّالح يَدعُوهُ إِلَى حلب ليمنع الْبِلَاد سيف الدّين ابْن عَمه وَأرْسل إِلَى الْأُمَرَاء يَقُول لَهُم إِن سيف الدّين قد ملك إِلَى الْفُرَات وَلَئِن لم تُرْسِلُوا الْملك الصَّالح إِلَى حلب حَتَّى يجمع العساكر وَيسْتَرد مَا أَخذ مِنْهُ وَإِلَّا عبر سيف الدّين الْفُرَات إِلَى حلب وَلَا نقوى على مَنعه فَلم يرسلوه وَلَا مكنوه من قصد حلب
قَالَ وَكَانَ نور الدّين قبل أَن يمرض قد أرسل إِلَى الْبِلَاد الشرقية كالموصل وَغَيرهَا يَسْتَدْعِي العساكر مِنْهَا فَسَار سيف الدّين فِي عساكره فَلَمَّا كَانَ بِبَعْض الطَّرِيق أَتَاهُ الْخَبَر بِمَوْت عمّه نور الدّين فَعَاد إِلَى نَصِيبين