الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وأمْرُه مُسْتَفَاد
…
من الْقَضَاء المتاح)
وأرسله نور الدّين إِلَى خلاط ومتوليها حِينَئِذٍ ظهير الدّين سمكان الْمَعْرُوف بشاه أرمن قَالَ فَلَمَّا كنت بماردين كتبت إِلَى بعض المعارف
(قد نزلنَا فِي جوارك
…
وطلبنا قرب دَارك)
(وسرينا فِي الدياجي
…
فهدانا ضوء نارك)
(فتدارك أمرنَا الْيَوْم
…
بطول متدارك)
(وَتفرد باغتنام الشُّكْر
…
من غير مشارك)
قَالَ الْعِمَاد وَفِي هَذِه السّنة خرج نور الدّين إِلَى دارياً فَأَعَادَ عمَارَة جَامعهَا وَعمر مشْهد أبي سُلَيْمَان الدَّارَانِي وشتَّى بِدِمَشْق
فصل فِي مسير نجم الدّين أَيُّوب إِلَى مصر بباقي أَوْلَاده وَأَهله
وَقد وصف ذَلِك عمَارَة فِي قصيدة مدح بهَا السُّلْطَان صَلَاح الدّين تقدم بَعْضهَا يَقُول فِيهَا
(صحَّت بِهِ مصر وَكَانَت قبله
…
تَشْكُو سقاماً لم يعن بطبيب)
(عجبا لمعجزة أَتَت فِي عصره
…
والدهر ولَاّد لكل عَجِيب)
(رد الْإِلَه بِهِ قَضِيَّة يُوسُف
…
نسقاً على ضرب من التَّقْرِيب)
(جَاءَتْهُ إخْوَته ووالده إِلَى
…
مصر على التدريج وَالتَّرْتِيب)
(فاسعد بأكرم قادم وبدولة
…
قد ساعدتك رياحها بهبوب)
قَالَ الْعِمَاد لما دخل فصل النيروز اسْتَأْذن الْأَمِير نجم الدّين أَيُّوب نور الدّين فِي قصد وَلَده صَلَاح الدّين وَالْخُرُوج من دمشق إِلَى مصر بأَهْله وجماعته وسبده ولبده وخيَّم بِظَاهِر الْبَلَد إِلَى أَن بَان وضوح جدده وَسَار فِي حفظ الله تَعَالَى فوصل إِلَى مصر فِي السَّابِع وَالْعِشْرين من رَجَب وَقضى صَاحب الْقصر العاضد من حق قدومه مَا وَجب وَركب لاستقباله وَزَاد إقبال الْبِلَاد بإقباله
وَلما عزم على التَّوَجُّه إِلَى مصر شرع فِي تَفْرِيق أملاكه وتوفير مَاله فِيهِ شركَة على أشراكه وَمَا استصحب مَعَه شَيْئا من موجوده وَجعله نهبة لجوده
قلت ووقف رِبَاطًا دَاخل الدَّرْب الَّذِي بِقرب العوينة بِبَاب الْبَرِيد
ثمَّ قَالَ الْعِمَاد وَلما نصب نجم الدّين أَيُّوب لقصد مصر مضاربه
وسحب للعلا على روض الرِّضَا سحائبه خرج نور الدّين إِلَى رَأس المَاء بعسكره وخيامه وأرهف للْجدّ فِي الْجِهَاد حد اعتزامه ثمَّ أَقَامَ بعد توديعه وَالْوَفَاء بِحَق تشييعه إِلَى أَن اجْتمعت إِلَيْهِ عساكره وَحضر بَادِي جنده وحاضره وعب بحره وماج زاخره
ثمَّ توجهنا إِلَى بِلَاد الكرك مستهل شعْبَان ونزلنا أَيَّامًا بالبلقاء على عَمّان وأقمنا على الكرك أَرْبَعَة أَيَّام نحاصرها ونصبنا عَلَيْهَا منجنيقين فورد الْخَبَر أَن الفرنج قد تجمعُوا ووصلوا إِلَى مَا عين فَقَالَ نور الدّين نرى أَن نعطف أعنتنا وَبِاللَّهِ نستعين فَإنَّا إِذا كسرناهم وقسرناهم وقتلناهم وأسرناهم أدركنا المُرَاد وملكنا الْبِلَاد فرحلنا إِلَيْهِم فَوَلوا مُدبرين حِين سمعُوا برجوعنا وَقَالُوا رحيلهم عَن الْحصن قد حصل وَهُوَ مقصودنا وَعَاد نور الدّين إِلَى حوران فخيم بعشترا وَصَامَ رَمَضَان
وَقَالَ ابْن الْأَثِير كَانَ سَبَب حصر نور الدّين الكرك أَن نجم الدّين أَيُّوب وَالِد صَلَاح الدّين سَار عَن دمشق إِلَى مصر فسير مَعَه نور الدّين عسكراً فَاجْتمع مَعَهم من التُّجَّار وَمن كَانَ لَهُ مَعَ صَلَاح الدّين أنس ومودة مَا لايعد فخاف نور الدّين عَلَيْهِم فَسَار إِلَى الكرك فَنزل عَلَيْهِ وحصره وَسَار نجم الدّين أَيُّوب وَمن مَعَه سَالِمين وَنصب نور الدّين على الكرك المجانيق فَأَتَاهُ الْخَبَر أَن الفرنج قد جمعُوا وَسَارُوا إِلَيْهِ وَأَن ابْن الهنفري
وفليب بن الرفيق وهما فَارِسًا الفرنج فِي وقتهما فِي الْمُقدمَة إِلَيْهِ فَرَحل نور الدّين رَحمَه الله تَعَالَى نَحْوهمَا للقائهما وَمن مَعَهُمَا قبل أَن يلْحق بهما بَاقِي الفرنج وَكَانَا فِي مئتي فَارس وَألف تركبلي وَمَعَهُمْ من الراجل خلق كثير فَلَمَّا قاربهما رجعا الْقَهْقَرِي إِلَى من وَرَاءَهُمْ من الإفرنج وَقصد نور الدّين وسط بِلَادهمْ وَنهب مَا كَانَ على طَرِيقه وَنزل بعشترا وَأقَام ينْتَظر حَرَكَة الفرنج ليقاهم فَلم يبرحوا من مكانهم خوفًا مِنْهُ
وَقَالَ ابْن شَدَّاد أنفذ صَلَاح الدّين فِي طلب وَالِده ليكمل لَهُ السرُور وَيجمع الْقِصَّة مشاكلة مَا جرى للنَّبِي يُوسُف الصّديق عليه السلام فوصل وَالِده نجم الدّين إِلَيْهِ وسلك مَعَه من الْأَدَب مَا كَانَ عَادَته وَألبسهُ الْأَمر كُله فَأبى أَن يلْبسهُ وَقَالَ يَا وَلَدي مَا اختارك الله لهَذَا الْأَمر إِلَّا وَأَنت
كف لَهُ فَلَا يَنْبَغِي أَن يُغير موقع السَّعَادَة فحكمَّه فِي الخزائن كلهَا وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى كَرِيمًا يُطلق وَلَا يرد وَلم يزل صَلَاح الدّين وزيراً محكماً إِلَى أَن مَاتَ العاضد أَبُو مُحَمَّد عبد الله وَبِه ختم أَمر المصريين
وَقَالَ ابْن أبي طي الْحلَبِي أرسل الْخَلِيفَة المستنجد بِاللَّه من بَغْدَاد إِلَى نور الدّين يعاتبه فِي تَأْخِير إِقَامَة الدعْوَة لَهُ بِمصْر فأحضر الْأَمِير نجم الدّين أَيُّوب وألزمه الْخُرُوج إِلَى وَلَده بِمصْر بذلك وحملَّه رِسَالَة مِنْهَا وَهَذَا أَمر يجب الْمُبَادرَة إِلَيْهِ لتحظى بِهَذِهِ الْفَضِيلَة الجليلة والمنقبة النبيلة قبل هجوم الْمَوْت وَحُضُور الْفَوْت لَا سِيمَا وَإِمَام الْوَقْت متطلع إِلَى ذَلِك بكليته وَهُوَ عِنْده من أهم أمْنِيته
وَسَار نجم الدّين وأصحبه نور الدّين هَدِيَّة سنية للْملك النَّاصِر وَخرج العاضد لتلقيه إِلَى ظَاهر بَاب الْفتُوح عِنْد شَجَرَة الإهليلج وَلم تجر بذلك عَادَة لَهُم وَكَانَ من أعجب يَوْم شهده النَّاس وخلع العاضد عَلَيْهِ ولقبَّه الْملك الْأَفْضَل وَحمل إِلَيْهِ من الْقصر الألطاف والتحف والهدايا وَأظْهر السُّلْطَان من بره وتعظيم أمره مَا أحرز بِهِ الشُّكْر وَالْأَجْر
وأفرد لَهُ دَارا إِلَى جَانب دَاره وأقطعه الْإسْكَنْدَريَّة ودمياط والبحيرة وأقطع شمس الدولة أَخَاهُ قوص وأسوان وعيذاب وَكَانَت عبرتها فِي هَذِه السّنة مئتي ألف وَسِتَّة وَسِتِّينَ ألف دِينَار
وَسَار شمس الدولة إِلَى قوص وولاها شمس الْخلَافَة مُحَمَّد بن مُخْتَار وَكَانَ السُّلْطَان قبل إقطاعها شمس الدولة قد سيَّر رسْلَان بن دغمش لجباية خراجها فَخرج عَلَيْهِ عَبَّاس بن شاذي فِي جمَاعَة من الْأَعْرَاب وَالْعَبِيد فِي مرج بني هميم فغنمه رسْلَان وَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة
وَفِي هَذِه السّنة لَيْلَة عيد الْفطر رزق السُّلْطَان ولد الْملك الْأَفْضَل نور الدّين عليا وَفَرح بِهِ فَرحا عَظِيما وخلع وَأعْطى وَتصدق بِمَا بهر بِهِ الْعُقُول
وَمن قصيدة للحكيم عبد الْمُنعم تقدم بَعْضهَا
(فِي مشرق الْمجد نجم الدّين مطلعه
…
وكل أبنائه شهب فَلَا أفلوا)
(جاؤوا كيعقوب والأسباط إِذْ وردوا
…
على الْعَزِيز من أَرض الشَّام واشتملوا)
(لكنَّ يُوسُف هَذَا جَاءَ إخْوَته
…
وَلم يكن بَينهم نزع وَلَا زلل)
(وملكوا ملك مصر فِي شماخته
…
وَمثلهَا لرجال مثلهم نزل)