الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وعاث ضواحيها ضحى بكتائب
…
من التّرْك لَا نوب طغام وَلَا قبط)
وَله فِي السُّلْطَان قصائد أخر
قَالَ وَقَامَ الْبَهَاء السنجاري وَأنْشد الْملك النّاصر قصيدة فِي دَار الْعدْل بِدِمَشْق سنة إِحْدَى وَسبعين فِي شعْبَان مِنْهَا
(يَا ظَبْيَة الهرمين من مصر على الرّبع
…
السَّلام وَإِن تقوض أَو عَفا)
(أصبْو إِلَى عصر تقادم عَهده
…
فأزيدُ مِنْ وَلَهٍ عَلَيْهِ تلُّهفا)
(أحبابنا بِالْقصرِ لَو قصرتمُ
…
فِي الهجر مَا شمت الحسود وَلَا اشتفى)
وَمِنْهَا
(أَشْكُو إِلَى الْوَادي فيحنو بانهُ
…
من رقة الشكوى عليّ تعطفا)
(وَجرى بِي الأملُ الطموح فَأم بِي
…
سلطانَ أَرض الله طرًّا يُوسفا)
(الناهب الْأَرْوَاح فِي طلب الْعلَا
…
والواهب الْآجَال فِي حسن الوفا)
فصل فِيمَا تجدّد للمواصلة والحلبيين
قد سبق ذكر الصُّلْح الَّذِي جرى بَين السُّلْطَان والحلبيين فَلَمَّا سمع بِهِ
المواصلة عتبوا عَلَيْهِم ووبخوهم ونسبوهم إِلَى العجلة فِي ذَلِك وسلوك غير طَرِيق الحزم فحملوهم على النقْض والنّكث وأنفذوا من أَخذ عَلَيْهِم المواثيق وَتوجه ذَلِك الرَّسُول مِنْهُم إِلَى دمشق ليَأْخُذ للمواصلة من السُّلْطَان عَهده ويكشف أَيْضا مَا عِنْده فَلَمَّا خلا بِهِ طَالبه السُّلْطَان بنسخة الرَّأْي فغلط وَأخرج من كمه نُسْخَة يَمِين الحلبيين لَهُم وناولها إِيَّاه فتأملها وأخفى سرّه وَمَا أبداه واطلع على مَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ وردهَا إِلَيْهِ وَقَالَ لعلّها قد تبدلت فَعرف الرّسول أَنه قد غلط وَلم يُمكنهُ تلافي مَا فرط وَقَالَ السُّلْطَان كَيفَ حلف الحلبيون للمواصلة وَمن شَرط أَيْمَانهم أَنهم لَا يعتمدون أمرا إِلَّا بمراجعتهم لنا واستئذانهم وَعرف من ذَلِك الْيَوْم أَن الْعَهْد منقوض وَالْوَفَاء مرفوض
وشاع الْخَبَر عَن المواصلة بِالْخرُوجِ فِي الرّبيع فَكتب السُّلْطَان إِلَى أَخِيه الْعَادِل وَهُوَ نَائِبه بِمصْر يُعلمه بذلك ويأمره أَن يَأْمر العساكر بالاستعداد لِلْخُرُوجِ فِي شعْبَان
قلت وَفِي كتاب طَوِيل فاضلي جليلٍ إِلَى بَغْدَاد عَن السُّلْطَان يطالع بِأَن الحلبيين والموصليين لما وضعُوا السِّلَاح وخفضوا الْجنَاح اقتصرنا بعد أَن كَانَت الْبِلَاد فِي أَيْدِينَا على اسْتِخْدَام عَسْكَر الحلبيين فِي البيكارات إِلَى الْكفْر وعرضنا علينا الْأَمَانَة فحملوها والأيمان فبذلوها وَسَار رَسُولنَا وَحلف صَاحب الْموصل بِمحضر من فُقَهَاء بَلَده وأمراء مشهده يَمِينا جعل
الله فِيهَا حكما وضيق فِي نكثها المجال على من كَانَ حَنِيفا مُسلما وَعَاد رَسُوله ليسمع منا الْيَمين فَلَمَّا حضر وأحضر نسختها أومى بِيَدِهِ ليخرجها فَأخْرج نُسْخَة يَمِين كَانَت بَين الموصليين والحلبيين مضمونها الِاتِّفَاق على حزبنا والتداعي إِلَى حربنا والتساعد على إِزَالَة خَطَبنَا والاستنفار لمن هُوَ على بَعدنَا وقربنا وَقد حلف بهَا كمشتكين الْخَادِم بحلب وَجَمَاعَة مَعَه يَمِينا نقضت الأولى فَرددْنَا الْيَمين إِلَى يَمِين الرَّسُول وَقُلْنَا هَذِه يَمِين عَن الْأَيْمَان خَارِجَة وَأَرَدْت عمرا وَأَرَادَ الله خَارِجَة
وَانْصَرف الرَّسول عَن بابنا وَقد نزّهنا الله أَن يكون اسْمه معرضًا للحنث الْعَظِيم والنّكث الذّميم وَعلمنَا أنّ النَّاقِد بَصِير والآخذ قدير والمواقف الشرّيفة النَّبَوِيَّة أَعْلَاهَا الله مستخرجة الْأَوَامِر إِلَى الموصليّ إِمَّا بِكِتَاب مُؤَكد بِأَن لَا ينْقض عهد الله من بعد ميثاقه وَإِمَّا أَن تكون الفسحة وَاقعَة لنا فِي تضييق خناقه
ثمَّ ذكر أَمر الفرنج ثمّ قَالَ والمملوك بَين عدوّ إِسْلَام يشاركونه فِي هَذَا الِاسْم لفظا وَلَا ينوون لما استحفظوا حفظا وعدوّ كفر فَمَا يجاورهم إِلَّا بِلَاده وَلَا يقارعهم إِلَّا أجناده
ثمَّ طلب خُرُوج الْأَمر بخطاب جَمِيع مُلُوك الْأَطْرَاف أَن يَكُونُوا للمملوك على الْمُشْركين أعوانا وَأَن يمتثل أَمر نَبينَا صلى الله عليه وسلم فِي أَن يَكُونُوا بنيانا فيعضدوه إِذا سعى ويلبوه إِذا دَعَا وَلَا يقعدوا عَن المعاضدة فِي فتح الْبَيْت المقدّس الَّذِي طابت النُّفُوس عَن ثاره وتطأطأت الرؤوس تَحت عاره وَصَارَت الْقُلُوب صَخْرَة لَا ترق على صخرته والعزائم قاصية عَن تَطْهِير أقصاه من رِجْس الشّرك ومعرّته فَإِن قعدت بهم العزائم وأخذتهم فِي الله لومةُ لائم فَلَا أقلّ من أَلا يَكُونُوا أعوانا عَلَيْهِ يلفتونه عَن قَصده حريصين على إِيصَال الْمَكْرُوه إِلَيْهِ
وَقَالَ ابْن شَدَّاد لمّا وَقعت الْوَقْعَة الأولى مَعَ الحلبيين والمواصلة كَانَ سيف الدّين صَاحب الْموصل على سنجار يُحاصر أَخَاهُ عماد الدّين بِقصد أَخذهَا مِنْهُ ودخوله فِي طَاعَته وَكَانَ أَخُوهُ قد أظهر الانتماء إِلَى السّلطان صَلَاح الدّين واعتصم بذلك وَاشْتَدَّ سيف الدّين فِي حِصَار الْمَكَان وضربْه بالمنجنيق حتّى استُهدم من سوره ثلُم كَثِيرَة وأشرف على الْأَخْذ فَبَلغهُ وُقُوع هَذِه الْوَاقِعَة فخاف أَن يبلغ ذَلِك أَخَاهُ فيشتد أمره ويقوى جأشه فراسله فِي الصّلح فَصَالحه
ثمَّ سَار من وقته إِلَى نَصِيبين واهتمّ بِجمع العساكر والإنفاق فِيهَا وَسَار حَتَّى أَتَى الْفُرَات وَعبر بالبيرة وخيّم على جَانب الْفُرَات الشَّامي وراسل كمشتكين وَالْملك الصَّالح حَتَّى تَسْتَقِر قَاعِدَة يصل عَلَيْهَا إِلَيْهِم فوصل كمشتكين إِلَيْهِ وَجَرت مراجعات كَثِيرَة عزم فِيهَا على العوّد مرَارًا حَتَّى أستقرّ اجتماعه بِالْملكِ الصَّالح وسمحوا بِهِ وَسَار وَوصل حلب
وَخرج الصَّالح إِلَى لِقَائِه بِنَفسِهِ فالتقاه قريب القلعة واعتنقه وضمه إِلَيْهِ وَبكى ثمَّ أمره بِالْعودِ إِلَى القلعة فَعَاد إِلَيْهَا وَسَار هُوَ حَتَّى نزل بِعَين الْمُبَارَكَة وَأقَام بهَا مدّة وعسكر حلب يخرج إِلَى خدمته فِي كل يَوْم
وَصعد القلعة جَرِيدَة وَأكل فِيهَا خبْزًا وَنزل وَسَار راحلا إِلَى تل السّلطان وَمَعَهُ جمع كثير وَأهل ديار بكر وَالسُّلْطَان رَحمَه الله تَعَالَى قد أنفذ فِي طلب العساكر من مصر وَهُوَ يرقب وصولها وَهَؤُلَاء يتأخرون فِي أُمُورهم وتدابيرهم وهم لايشعرون أنّ فِي التَّأْخِير تدميراً حَتَّى وصل عَسْكَر مصر فَسَار رَحمَه الله تَعَالَى حَتَّى أَتَى قُرُون حماة فَبَلغهُمْ أَنه قد قَارب عَسْكَرهمْ فأخرجوا اليزك ووجهّوا من كشف الْأَخْبَار فوجدوه قد وصل جَرِيدَة إِلَى جباب التركمان وتفرّق عسكره يسقى فَلَو أَرَادَ الله نُصْرتهم لقصدوه فِي تِلْكَ السَّاعَة لكنْ صَبَرُوا عَلَيْهِ حَتَّى سقى خيله هُوَ وَعَسْكَره واجتمعوا وتعبّوا تعبئة الْقِتَال
وَأصْبح الْقَوْم على مصَاف وَذَلِكَ بكرَة الْخَمِيس الْعَاشِر من شوّال فَالتقى العسكران وتصادما وَجرى قتال عَظِيم وانكسرت ميسرَة السُّلْطَان بِابْن زين الدّين مظفر الدّين فَإِنَّهُ كَانَ فِي ميمنة سيف الدّين وَحمل السُّلْطَان بِنَفسِهِ فانكسر الْقَوْم وَأسر مِنْهُم جمعا عَظِيما من كبار الْأُمَرَاء مِنْهُم فَخر الدّين عبد الْمَسِيح فمنّ عَلَيْهِم وأطلقهم
وَعَاد سيف الدّين إِلَى حلب فَأخذ مِنْهَا خزانته وَسَار حَتَّى عبر الْفُرَات وَعَاد إِلَى بِلَاده وَأمْسك هُوَ رحمه الله عَن تتبع الْعَسْكَر وَنزل فِي بقيّة ذَلِك الْيَوْم فِي خيم الْقَوْم فَإِنَّهُم كَانُوا قد أبقْوا الثّقل على مَا كَانَ عَلَيْهِ والمطابخ قد عملت فَفرق الاصطبلات ووهب الخزائن وَأعْطى خيمة سيف الدّين عزّ الدّين فرخشاه
وَقَالَ الْعِمَاد رحلنا فِي شهر رَمَضَان من دمشق مستأنفين فعبْرنا العَاصِي لله طائعين وَإِلَى المسِّار مسارعين فَمَا عرّجنا على بلد وَلَا انتظرنا مَا وَرَاءَنَا من مدد ونزلنا الغّسُولة وجُزنا حماة وخيّمنا فِي مرج بوقبيس وَجَاء الْخَبَر أَنهم فِي عشْرين ألف فَارس سوى سوادهم وَمَا وَرَاءَهُمْ من أمدادهم وَأَنَّهُمْ موعودون من الفرنج بالنجدة وَأَنَّهُمْ يزِيدُونَ فِي كلّ يَوْم قوّة وشدّة وَمَا كَانَ اجْتمع من عسكرنا سوى سِتَّة آلَاف فَارس فرتب
السُّلْطَان عسكره وقوى بِقُوَّة قلبه قلبه وأمد الله بحزب مَلَائكَته حزبه
وَلما وصل المواصلة إِلَى حلب أطْلقُوا من كَانَ فِي الْأسر من مُلُوك الفرنج مِنْهُم أرناط إبرنس الكرك وجوسلين خَال الْملك وقرّروا مَعَهم أَن يدخلُوا من مساعدتهم فِي الدّرك فَلَمَّا عيّدنا وصل إِلَى السُّلْطَان الْخَبَر بوصولهم إِلَى تلّ السُّلْطَان فعبرْنا العَاصِي عِنْد شَيْزَر ورتّبنا الْعَسْكَر وأعدنا الأثقال إِلَى حماة
ثمَّ وصف الْوَقْعَة إِلَى أَن قَالَ وَركب السُّلْطَان أكتافهم فشل مِئِيِهْم وآلافهم حَتَّى أخرجهم عَن خيامهم وأشْرَقهم بمائهم ووكل بسرادق سيف الدّين غَازِي ومضاربه ابْن أَخِيه فرخشاه وركض وَرَاءه حَتَّى علم أَنه تعدّاه وَوَقع فِي الْأسر جمَاعَة من الْأُمَرَاء المقدمين ثمَّ مَنَّ عَلَيْهِم بِالْخلْعِ بعد أَن نقلهم إِلَى حماة وأطلقهم ثمّ نزل فِي السرادق السيفي فتسلمه بخزائنه ومحاسنه واصطبلاته ومطابخه وَرَواسي عِزّه ورواسخه فَبسط فِي جَمِيع ذَلِك أَيدي الجُود وفرّقها على الْحُضُور وَالشُّهُود وَأبقى مِنْهَا نَصِيبا للرُّسل والوفود وَرَأى فِي بَيت الشّراب بل فِي السّرادق الخاصّ طيوراً من القماري والبلابل والهزار والببغاء فِي الأقفاص فاستدعى أحد الندماء مظفرا الْأَقْرَع فآنسه وَقَالَ خُذْ هَذِه الأقفاص واطلب بهَا الْخَلَاص واذهب بهَا إِلَى سيف الدّين فأوصلها إِلَيْهِ وسلّم منّا عَلَيْهِ وَقل لَهُ عدْ إِلَى اللّعب بِهَذِهِ الطُّيُور فَهِيَ سليمَة لَا توقعك فِي مثل هَذَا الْمَحْذُور
قَالَ وَلما كسر الْقَوْم وولوا مُدبرين ركضوا إِلَى حلب فَلم يقف بَعضهم على بعض وظنوا أَن العساكر وَرَاءَهُمْ ركضا وَرَاء ركض فتبعجت خيولهم وتموّجت سيولهم وَمَا صدّقوا كَيفَ يصلونَ إِلَى حلب ويغلقون أَبْوَابهَا ويسكنون اضطرابها وَأما سيف الدّين فَإِنَّهُ ركض فِي يَوْمه من تلّ السُّلْطَان إِلَى بزاعة وَجَاوَزَ فِي سوقه الِاسْتِطَاعَة وَفرق فَارق الْجَمَاعَة
وَفِي كتاب ابْن أبي طيّ أَن ميسرَة سيف الدّين انْكَسَرت فتحرّك إِلَى جَانبهَا ليَكُون ردْءًا لَهَا ومدداً فَظن بَاقِي الْعَسْكَر انه قد انهزم فَانْهَزَمُوا فحقق مَا كَانَ وهما فَسَار على وَجهه هَارِبا لَا يلوي على شَيْء وتبعهم السُّلْطَان فَهَلَك مِنْهُم جمَاعَة قتْلاً وغرقا وأُسر جمَاعَة كَبِيرَة من وُجُوههم وأمرائهم ثمَّ رَجَعَ وَأمر أَصْحَابه بِرَفْع السَّيْف عَن النَّاس وترْك التّعرّض لمن وُجد مِنْهُم بقتل أَو نهب
وَفرق مَا وجد فِي خَزَائِن سيف الدّين وسيَّر جواريه وحظاياه إِلَى حلب وَأرْسل إِلَيْهِ بالأقفاص وَقَالَ لَهُ عد إِلَى اللّعب بِهَذِهِ الطُّيُور فَإِنَّهَا ألذّ من مقاساة الْحَرْب وَوجد السُّلْطَان عَسْكَر الْموصل كالحانة من كَثْرَة الْخُمُور والبرابط والعيدان والجنوك والمغنين والمغنيات
قَالَ واشتهر أَنه كَانَ مَعَ سيف الدّين أَكثر من مئة مغنية وَأَن السُّلْطَان أرى ذَلِك لعساكره واستعاذ من هَذِه البلية وَكَانَ أنفذ الْأُمَرَاء الذّين أسرهم إِلَى حماة ثمَّ ردّهم وخلعّ عَلَيْهِم وأرسلهم إِلَى حلب
وهنأ الْعِمَاد السّلطان رَحمَه الله تَعَالَى بقصيدة مِنْهَا
(فَالْحَمْد لله الَّذِي إفضالهُ
…
حلْوُ الجنا عالي السَّنا وضاحه)
(عَاد العدوّ بظلمة من ظلمه
…
فِي ليل ويلٍ قد خبا مصباحه)
(وجنى عَلَيْهِ جَهله بِوُقُوعِهِ
…
فِي قَبْضَة الْبَازِي فَهِيضَ جنَاحه)
(حمل السِّلَاح إِلَى الْقِتَال وَمَا درى
…
أَن الَّذِي يجنى عَلَيْهِ سلاحه)
(أضحى يُرِيد مواصليه صدوده
…
وَغدا يجيد رثاءه مدّاحه)
(إِن أفسد الدّين الغلاة يحنثهم
…
فالناصر الْملك الصّلاح صَلَاحه)
(قد كَانَ عزمك للإله مصمما
…
فيهم فلاح كَمَا رَأَيْت فلاحه)
(وكأنني بالسَّاحل الْأَقْصَى وَقد
…
ساحت ببحر دم الفرنجة ساحه)
(فاعبُر إِلَى الْقَوْم الْفُرَات ليشربوا الْمَوْت
…
الأجاج فقد طمى طفاحه)
(لتفك من أَيْديهم رهن الرُّها
…
عجلاً وَيدْرك لَيْلهَا إصباحه)
(وابغوا لحرَّان الْخَلَاص فكم بهَا
…
حرّان قلبٍ نحوكم ملتاحه)
(نَجوا الْبِلَاد من البلاءِ بعدلكم
…
فالظلم بادٍ فِي الْجَمِيع صراحه)
(واستفتحوا مَا كَانَ من مستغلق
…
فِيهَا قربكم لكم فتاحه)
(أَنْتُم رجال الدّهر بل فرسانه
…
وَلِذِي الحلوم الطائشات رجاحه)
(فُتَّاكه نُسّاكه ضُرّاره
…
نُفّاعه مُنّاعه مُنّاحه)
(وَأَبُو المظفر يُوسُف مطعامه
…
مِطْعانُه مِقْدامُه جَحْجَاحه)
(وَإِذا انتدى فِي محفل فحيِيُّه
…
وَإِذا غَدا فِي جحفل فوقاحه)
قَالَ وَكَانَ لعزّ الدّين فرخشاه فِي هَذِه الْوَقْعَة يَد بَيْضَاء وَهُوَ محب للفضل وَأَهله باعثُ للخواطر على مدحه ببذله فنظمت فِيهِ قصيدة مِنْهَا
(نصرٌ أنار لملككُمْ بُرهانه
…
وَعلا لذلة شانئيكم شانه)
(مَا أسعد الْإِسْلَام وَهُوَ مظفر
…
وَأَبُو المظفّر يوسفٌ سُلْطَانه)
(الملكُ مرفوعٌ لكم مِقْدَاره
…
وَالْعدْل موضوعٌ بكم مِيزَانه)
(والدهر لَا يَأْتِي بِغَيْر مرادكم
…
فَهَل الْقَضَاء لأجلكم جَرَيَانه)
(وكأنما لله فِي أَحْكَامه
…
فلكٌ على إيثاركم دورانه)
(فخراً بني أَيُّوب إِن فخاركم
…
بذَّ الْمُلُوك السَّابِقين رهانه)
(يكفى حسودكم اعتقالا همة
…
فَكَأَنَّمَا أشجانه أسجانه)
(الدّين عزّ الدّين عزّ بنصركم
…
وَالْكفْر ذل بعونكم أعوانه)
(قد كَانَ جيشهم كبحرٍ زاخر
…
واللابسون جواشناً حيتانه)
(فطمى لهلكهم عَلَيْهِم بحركم
…
بَأْسا وغرّق فلكهم طوفانه)
(فضل الْمُلُوك الأكرمين بفضله
…
فعلا زمانهم البهيج زَمَانه)
(فِي فَضله فِي عدله فِي حلمه
…
صديقّه فاروقه عثمانه)
(هُوَ فِي السماح وَفِي اللِّقَاء عليّه
…
هُوَ فِي العفاف وَفِي التقى سلمانه)
(من آل شاذي الشائدين لمجده
…
ببنيه بَيْتا عَالِيا بُنْيَانه)
(بَيت من العلياء سامٍ سامقٌ
…
يبْنى على كيوانها إيوانه)
(يَا سالب التِّيجان من أَرْبَابهَا
…
وَمن الثَّنَاء مصوغةٌ تيجانه)
(وَالْحَمْد مالٌ أَنْتُم بُذَّاله
…
وَالْمَال حمدٌ أَنْتُم خزانه)
قَالَ ثمَّ إِن صَاحب الْموصل أسْرع عودته وواصل لذّته والحلبيون أوثقُوا الْأَسْبَاب وغلقوا الْأَبْوَاب وسُقط فِي أَيْديهم حِين أفرطوا فِي تعديهم وتهيئوا للحصار وخافوا من الْبَوَار وتبلدوا وتلددوا وتجادلوا ثمَّ تجلدوا
وَقَالَ ابْن سَعْدَان الْحلَبِي من جملَة قصيدة يهنئ بهَا السُّلْطَان بِهَذِهِ الكسرة
(وَمَا شكّ قوم حِين قُمْت عَلَيْهِم
…
غَدَاة التقى الْجَمْعَانِ أَنَّك غَالب)
(وَلَو لم تقد تِلْكَ المقانب لاغتدى
…
لنَفسك فِي نفس الْعَدو مقانب)
قَالَ ابْن أبي طيّ وَأما سيف الدّين فَإِنَّهُ امتدت بِهِ الْهَزِيمَة إِلَى بزاعا فَأَقَامَ بهَا حَتَّى تلاحق بِهِ من سلم من أَصْحَابه ثمَّ خرج مِنْهَا حَتَّى قطع الْفُرَات وَصَارَ إِلَى الْموصل وَصَارَ بَاقِي عَسْكَر حلب إِلَى حلب فِي سَابِع شَوَّال فِي أقبح حَال وأسوئه عُرَاة حُفَاة فُقَرَاء يتلاومون على نقض الْأَيْمَان والعهود
وَخَافَ أهل حلب من قصد السُّلْطَان لَهُم فَأخذُوا فِي الاستعداد