الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(تخفى ذبال مصابيح إِذا طلعوا
…
صُبحاً وتنسى مُلوك الأَرْض إِن ذكرُوا)
(كَأَنَّمَا صّور الله الْكَمَال بهم
…
شخصا ويوسفُ مِنْهُ السّمع وَالْبَصَر)
(لاشوبك مِنْهُ مَعْصُوم ولاكرك
…
وَلَا خَلِيل وَلَا قدس وَلَا زغر)
(لم يرتحل قَافِلًا إِلَّا وساكنها
…
إِمَّا مباحُ حماه أَو دمُ هدر)
(مَا مَاتَ أَيُّوب إِلَّا بعد معْجزَة
…
فِي الْمجد لم يؤتها من جنسه بشر)
(مضى سعيدا من الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَهُ
…
فِي رُتْبَة أربُ باقٍ وَلَا وطر)
(وطوّل الله مِنْهُ بَاعَ أَرْبَعَة
…
مِنْهَا النَّدى والتقي وَالْملك والعُمُر)
(وأشرف الْملك مَا امتَدَّت مسافته
…
فِي صِحَة أَخَوَاهَا الْعقل وَالْكبر)
(وَمن سعادته أَن مَاتَ لَا سأم
…
يشكوه مِنْهُ مَعَانِيه وَلَا ضجر)
فصل
قَالَ الْعِمَاد وَسَار نور الدّين قَاصِدا جَانب الشمَال لتسديد مَا أختل هُنَاكَ من الْأَحْوَال فَسَار إِلَى بعلبك وَمِنْهَا إِلَى حمص ثمّ حلب وَفعل فِي كلّ مِنْهَا من الْمصَالح مَا وَجب وَقصد بِلَاد قليج أرسلان ملك الرّوم فَفتح مرعش فِي الْعشْرين من ذِي الْقعدَة ثمَّ فتح بهسنى وَاتبع فِي كل مِنْهُمَا الطَّرِيقَة الْحسنى
وَكتب الْعِمَاد إِلَى صديقٍ لَهُ بِدِمَشْق وَكَانَ سَافر عَنْهَا مَعَ نور الدّين فِي أطيب فصولها وَهُوَ زمن المشمش
(كتابي فديتُك من مرعش
…
وَخَوف نوائبها مرعشي)
(وَمَا مر فِي طرقها مبصر
…
صَحِيح النواظر إِلَّا عشي)
(وَمَا حلّ فِي أرْضهَا آمن
…
من الضيّم والضر إِلَّا خشى)
(ترنحني نشوات الغرام
…
كَأَنِّي من كأسه منتشى)
(أُسِرُّ وأُعلن برح الجوى
…
فقلبي يُسرُّ ودمعي يشي)
(بذلت لكم مهجتي رشوةً
…
فحاكم حبّكم مرتشي)
(وَكَيف يلذّ الْكرَى مغرم
…
بِنَار الغرام حشاه حشي)
(بمرعش أبغي وبلوطها
…
مضاهاة جلق والمشمش)
قَالَ الْعِمَاد فِي الخريدة فسارت هَذِه الْقطعَة ونُمى حَدِيثهَا إِلَى نور الدّين فاستنشدنيها فأنشدتها إِيَّاه وَنحن سائرون فِي وادٍ كثير الْأَشْجَار مَعَ بَيْتَيْنِ بدهت بهما فِي الْحَال وهما
(وبالملك الْعَادِل استأنست
…
نجاحاً مُنى كل مستوحش)
(وَمَا فِي الْأَنَام كريمُ سواهُ
…
فَإِن كنت تنكر ذَا فتش)
وَقَالَ ابْن الْأَثِير وَفِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ سَار نور الدّين نَحْو ولَايَة الْملك عز الدّين قليج أرسلان بن مَسْعُود بن قليج أرسلان بن سُلَيْمَان السلجوقي وَهِي ملطية وسيواس وقونية وأقصرا عَازِمًا على حربه وَأخذ بِلَاده مِنْهُ
وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَن ذَا النُّون بن دانشمند صَاحب ملطية وسيواس وَغَيرهمَا من تِلْكَ الْبِلَاد قَصده قليج أرسلان وَأخذ بِلَاده وَأخرجه عَنْهَا طريداً فريداً فَسَار إِلَى نور الدّين مستجيرا بِهِ وملتجئاً إِلَى ظله فَأكْرم نزله وَأحسن إِلَيْهِ وَحمل لَهُ مَا يَلِيق أَن يحمل للملوك ووعده النَّصْر وَالسَّعْي فِي رد ملكه إِلَيْهِ وَكَانَت عَادَة نور الدّين أَنه لَا يقْصد ولَايَة أحد من الْمُسلمين إِلَّا ضَرُورَة إِمَّا ليستعين بهَا على قتال الفرنج أَو للخوف عَلَيْهَا مِنْهُم كَمَا فعل بِدِمَشْق ومصر وَغَيرهمَا فَلَمَّا قَصده ذُو النُّون راسل قليج أرسلان وشفع إِلَيْهِ فِي إِعَادَة مَا غَلبه عَلَيْهِ من بِلَاده فَلم يجبهُ إِلَى ذَلِك فَسَار نور الدّين نَحوه فابتدأ بكيسون وبهسنى ومرعش ومرزبان فملكها وَمَا بَينهَا من الْحُصُون وسيّر طَائِفَة من عسكره إِلَى سيواس فملكوها
وَكَانَ قليج أرسلان لما بلغه قصد نور الدّين بِلَاده قد سَار من اطرافها الَّتِي تلِي الشَّام إِلَى وَسطهَا خوفًا وفرقاً وراسل نور الدّين يستعطفه ويسأله الصُّلْح والصفح عَنهُ فتوقف نور الدّين عَن قَصده رَجَاء أَن ينصلح الْأَمر بِغَيْر حَرْب فَأَتَاهُ من الفرنج مَا أزعجه فَأَجَابَهُ إِلَى الصُّلْح
وَكَانَ فِي جملَة رِسَالَة نور الدّين إِلَيْهِ إِنَّنِي أُرِيد مِنْك أموراً وقواعد وَمهما تركت مِنْهَا فَلَا أترك ثَلَاثَة أَشْيَاء أَحدهَا أَن تجدّد إسلامك على يَد رَسُولي حتّى يحلّ لي إقرارك على بِلَاد الْإِسْلَام فَإِنِّي لاأعتقدك مُؤمنا وَكَانَ قليج أرسلان يتهم باعتقاد مَذَاهِب الفلاسفة وَالثَّانِي إِذا طلبت عسكرك إِلَى الْغُزَاة تسيره فَإنَّك قد ملكت طرفا كَبِيرا من بِلَاد الْإِسْلَام
وَتركت الرّوم وجهادهم وهادنتهم فإمَّا أَن تكون تُنجدني بعسكرك لأقاتل بهم الفرنج وَإِمَّا أَن تُجَاهِد من يجاورك من الرّوم وتبذل الوسع والجهد فِي جهادهم وَالثَّالِث أَن تزوّج ابْنَتك لسيف الدّين غَازِي ولد أخي وَذكر أموراً غَيرهَا
فَلَمَّا سمع قليج أرسلان الرسَالَة قَالَ مَا قصد نور الدّين إِلَّا الشناعة علىّ بالزندقة وَقد أَجَبْته إِلَى مَا طلب أَنا أجددّ إسلامي على يَد رَسُوله وَاسْتقر الصُّلْح وَعَاد نور الدّين وَترك عسكره فِي سيواس مَعَ فَخر الدّين عبد الْمَسِيح فِي خدمَة ذِي النُّون فَبَقيَ الْعَسْكَر بهَا إِلَى أَن مَاتَ نور الدّين رَحمَه الله تَعَالَى فَرَحل الْعَسْكَر عَنْهَا وَعَاد قليج أرسلان وملكها
قَالَ الْعِمَاد وَفِي هَذِه السّنة وصل الْفَقِيه الإِمَام الْكَبِير قطب الدّين النَّيْسَابُورِي وَهُوَ فَقِيه عصره ونسيج وَحده فسر نور الدّين بِهِ وأنزله بحلب بمدرسة بَاب الْعرَاق ثمَّ أطلعه إِلَى دمشق فدرس بزاوية الْجَامِع الغربية الْمَعْرُوفَة بالشيخ نصر الْمَقْدِسِي رَحمَه الله تَعَالَى وَنزل بمدرسة
الجاروخ وَشرع نور الدّين فِي إنْشَاء مدرسة كَبِيرَة للشَّافِعِيَّة لفضله وأدركه الْأَجَل دون إِدْرَاك عَملهَا لأَجله
قلت هِيَ الْمدرسَة العادلية الْآن الَّتِي بناها بعده الْملك الْعَادِل أَبُو بكر بن أَيُّوب أَخُو صَلَاح الدّين وفيهَا تربته وَقد رَأَيْت أَنا مَا كَانَ بناه نور الدّين وَمن بعده مِنْهَا وَهُوَ مَوضِع الْمَسْجِد والمحراب الْآن ثمَّ لمّا بناها الْملك الْعَادِل أَزَال تِلْكَ الْعِمَارَة وبناها هَذَا الْبناء المتقن الْمُحكم الَّذِي لَا نَظِير لَهُ فِي بُنيان الْمدَارِس وَهِي المأوى وَبهَا المثوى وفيهَا قدر الله سبحانه وتعالى جمع هَذَا الْكتاب فَلَا أقفر ذَلِك الْمنزل وَلَا أقوى وَبَقِي قطب الدّين إِلَى أَن توفّي فِي الْأَيَّام الناصرية فِي سنة ثَمَان وَسبعين ووقف كتبه على طلبة الْعلم ونقلت بعد بِنَاء هَذِه الْمدرسَة إِلَيْهَا فَمَا فاتها ثَمَرَته إِذْ فاتها مُبَاشَرَته رَحمَه الله تَعَالَى
قَالَ الْعِمَاد وَكَانَ وَفد فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ شيخ الشُّيُوخ عماد الدّين أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن حمويه فَأقبل عَلَيْهِ نور الدّين وَأَمرَنِي بإنشاء منشور لَهُ بمشيخة الصُّوفِيَّة ورغبه فِي الْمقَام بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ
بِالشَّام وَمن جملَة مَا أتحفه بِهِ عِمَامَة بأعمدة ذهبية نفذها صَلَاح الدّين من مصر فبذل فِيهَا ألف دِينَار بزنة ذهبها فَلم يجب من سامها إِلَى طلبَهَا
قلت وَقد سبق ذكر هَذِه الْعِمَامَة فِي أَخْبَار نور الدّين أول الْكتاب من كَلَام ابْن الْأَثِير وَابْن الْمُعْطى إِيَّاهَا وَهُوَ الشَّيْخ تَاج الدّين عبد الله رَحِمهم الله تَعَالَى
ثمَّ ذكر الْعِمَاد نُسْخَة المنشور وَفِيه فَلْينْظر فِي رِبَاط السميساطي وقبة الطواويس ورباط الطاحونة وَغَيرهَا من ربط الصُّوفِيَّة بِدِمَشْق المعمورة وبعلبك
ثمَّ ذكر الْعِمَاد أَنه فِي آخر شعْبَان من هَذِه السّنة قبل الرحيل من دمشق كَانَ أهْدى إِلَى صديقه الْفَاضِل الأديب علم الدّين الْحسن بن سعيد الشاتاني قطائف وَكتب إِلَيْهِ
(مَا راقدات فِي صحون
…
مستوطنات فِي سُكُون)
(يجلين أَمْثَال العرائس
…
بَين أبكار وَعون)
(أَو كالعقائل فِي الْخُدُور
…
قد اعتقلن على دُيُون)
(هن اللذيذات اللوائذ
…
بالسهول من الحزون)
(أَو كالتمائم للصحاف
…
وَمَا نسبن إِلَى جُنُون)
(السكريات الغريقات
…
الغلائل والشؤون)
(صرعى وَمَا دارت لَهَا
…
يَوْمًا رحى الْحَرْب الزبون)
(لُفّفن فِي أكفانهن
…
على المنى لَا للمنون)