الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمصريين وَمَا عانوه من الشدائد وعاينوه من الْأَهْوَال وَمَا عَاد حَتَّى صَالح الفرنج على أَن ينصرفوا كلهم عَن مصر وَعَاد إِلَى الشَّام فِي بَقِيَّة السّنة وَقد انْضَمَّ إِلَى قُوَّة الطمع فِي الْبِلَاد شدَّة الْخَوْف عَلَيْهَا من الفرنج لعلمه بِأَنَّهُم قد كشفوها كَمَا كشفها وعرفوها من الْوَجْه الَّذِي عرفهَا فَأَقَامَ بِالشَّام على مضض وَقَلبه مقلقل وَالْقَضَاء يجره إِلَى شَيْء قد قدر لغيره وَهُوَ لَا يشْعر بذلك
قَالَ وَفِي اثناء سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ ملك نور الدّين قلعة المنيطرة بعد مسير أَسد الدّين فِي رَجَب وَخرب قلعة اكاف بالبرية
وَفِي رَمَضَان مِنْهَا اجْتمع نور الدّين وَأَخُوهُ قطب الدّين وزين الدّين بحماة للغزاة وَسَارُوا إِلَى بِلَاد الفرنج فخربوا هُونين فِي شَوَّال مِنْهَا
وَفِي ذِي الْقعدَة مِنْهَا كَانَ عود أَسد الدّين من مصر
وَفِيه مَاتَ قرا أرسلان بديار بكر
فصل
وَفِي شعْبَان من هَذِه السّنة قدم دمشق عماد الدّين الْكَاتِب ابو حَامِد مُحَمَّد بن مُحَمَّد الاصفهاني مُصَنف كتابي الْفَتْح والبرق فأنزله قَاضِي
الْقُضَاة كَمَال الدّين ابو الْفضل مُحَمَّد بن عبد الله بن الْقَاسِم الشهرزوري بِالْمَدْرَسَةِ النورية الشَّافِعِيَّة عِنْد حمام الْقصير بِبَاب الْفرج المنسوبة الان الى الْعِمَاد وانما نسبت اليه لَان نور الدّين رَحمَه الله تَعَالَى ولاه إِيَّاهَا فِي رَجَب سنة سبع وَسِتِّينَ بعد الشَّيْخ الْفَقِيه ابْن عبد
وَكَانَ الْعِمَاد لَهُ معرفَة بِنَجْم الدّين ايوب واسد الدّين شيركوه ابْني شاذي من تكريت بِسَبَب ان عَمه الْعَزِيز احْمَد بن حَامِد اعتقله السُّلْطَان مَحْمُود بن مُحَمَّد بن ملكشاه بقلعة تكريت وَنجم الدّين ايوب اذ ذَاك واليها فانتسجت الْمَوَدَّة بَينهم من هُنَاكَ فَلَمَّا سمع نجم الدّين بوصوله بكر الى منزله لتبجيله وَكَانَ شيركوه وَصَلَاح الدّين حِينَئِذٍ بِمصْر فمدح الْعِمَاد نجم الدّين ايوب بقصيدة مِنْهَا اولها
(يَوْم النَّوَى لَيْسَ من عمري بمحسوب
…
وَلَا الْفِرَاق الى عيشي بمنسوب)
(مَا اخْتَرْت بعْدك لَكِن الزَّمَان اتى
…
كرها بِمَا لَيْسَ يَا مَحْبُوب محبوبي)
(ارجو ايابي اليكم ظافراً عجلا
…
فقد ظَفرت بِنَجْم الدّين ايوب)
(موفق الرَّأْي ماضي الْعَزْم مُرْتَفع
…
على الاعاجم مجداً والاعاريب)
(احبك الله اذ لازمت نجدته
…
على جبين بتاج الْملك معصوب)
(اخوك وابنك صدقا مِنْهُمَا اعتصما
…
بِاللَّه والنصر وعد غير مَكْذُوب)
(هما همامان فِي يومي وغى وقرى
…
تعودا ضرب هام أَو عراقيب)
(غَدا يشبان فِي الْكفَّار نَار وغى
…
بلفحها يصبح الشبَّان كالشيب)
(بِملك مصر وَنصر الْمُؤمنِينَ غَدا
…
تحظى النُّفُوس بتأنيس وتطييب)
(ويستقر بِمصْر يُوسُف وَبِه
…
تقر بعد التنائي عين يَعْقُوب)
(ويلتقي يُوسُف فِيهَا بأخوته
…
وَالله يجمعهُمْ من غير تَثْرِيب)
وَكَانَ انشاده هَذِه القصيدة فِي اخر شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَتمّ ملكهم مصر بعد سنتَيْن قَالَ فنظمت مَا فِي الْغَيْب تَقْدِيره
قَالَ وَكَانَ اسد الدّين قد جمع وَسَار الى مصر فِي الرمل فِي النّصْف من ربيع الاول وَوصل فِي سادس ربيع الاخر الى اطفيح وَعبر مِنْهَا الى الْجَانِب الغربي واناخ بالجيزة محاذاة مصر فَأَقَامَ عَلَيْهَا نيفاً وَخمسين يَوْمًا واستعان شاور بالفرنج ورتبوا لَهُم سوقاً بِالْقَاهِرَةِ وعبروا بهم من الْبِلَاد
الشرقية الى الغرب وَعلم اسد الدّين فَسَار امامهم فَالْتَقوا بِموضع يعرف بالبابين فكسرهم اسد الدّين واصحابه وَقتلُوا من الفرنج وَمِمَّنْ تَبِعَهُمْ من المصريين الوفا وَحصل مِنْهُم فِي الاسار سَبْعُونَ فَارِسًا من بارونيتهم فَلَمَّا تمت لَهُم هَذِه الكسرة رحلوا الْإسْكَنْدَريَّة فوجدوا مساعدة أَهلهَا فَدَخَلُوهَا ثمَّ قَالَ أَسد الدّين أَنا لَا يمكنني أَن أحْصر نَفسِي فَأخذ الْعَسْكَر وَسَار بِهِ إِلَى بِلَاد الصَّعِيد فاستولى عَلَيْهَا وجبى خراجها وَأقَام صَلَاح الدّين بالإسكندرية فَسَار إِلَيْهِ شاور والفرنج فحاصروه أَرْبَعَة أشهر وَصدق أهل الْإسْكَنْدَريَّة الْقِتَال مَعَ صَلَاح الدّين وقوى أَسد الدّين بقوص واستنهض لقصد الْقَوْم الْعُمُوم وَالْخُصُوص فَسمع الفرنج أَنه جَاءَ يقصدهم فرحلوا عَن الْحصار وَكَانَ شاور قد استمال جمَاعَة من التركمان الَّذين مَعَ أَسد الدّين بِالذَّهَب فَلَمَّا راسلوه فِي المهادنة أجَاب وَطلب مِنْهُم عوض مَا غرمه فبذلوا لَهُ خمسين ألف دِينَار فَخَرجُوا من الْإسْكَنْدَريَّة فِي النّصْف من شَوَّال ووصلوا إِلَى دمشق ثامن عشر ذِي الْقعدَة وعادوا إِلَى الْخدمَة النورية
فَاجْتمع الْعِمَاد بأسد الدّين وأنشده هَذِه القصيدة
(بلغت بالجد مَالا يبلغ الْبشر
…
ونلت مَا عجزت من نيله القُدر)
(من يَهْتَدِي للَّذي أَنْت اهتديت لَهُ
…
وَمن لَهُ مثل مَا أثرّته أثر)
(أسرِت أم بِسُراك الأرضُ قد طويت
…
فَأَنت إسكندرٌ فِي السّير أم خَضِر)
(أوردت خيلا بأقصى النّيل صادرةً
…
عَن الْفُرَات يقاضي وِرْدَها الصَّدَر)
(تناقلت ذكرك الدُّنْيَا فَلَيْسَ لَهَا
…
إِلَّا حَدِيثك مَا بَين الورى سمر)
(فَأَنت من زانت الْإِسْلَام سيرته
…
وَزَاد فَوق الَّذِي جَاءَ بِهِ السيِّر)
(لَو فِي زمَان رَسُول الله كنت أَتَت
…
فِي هَذِه السِّيرَة المحمودة السُّور)
(أَصبَحت بِالْعَدْلِ والإقدام مُنْفَردا
…
فَقل لنا أعليٌّ أَنْت أم عمر)
(إسكندرٌ ذكرُوا أَخْبَار حكمته
…
وَنحن فِيك رَأينَا كل مَا ذكرُوا)
(ورُسْتُمٌ خبرونا عَن شجاعته
…
وَصَارَ فِيك عيَانًا ذَلِك الْخَبَر)
(اِفخر فَإِن مُلُوك الأَرْض أذهلهم
…
مَا قد فعلت فَكل فِيك مفتكر)
(سهرت إِذْ رقدوا بل هجت إِذْ سكنوا
…
وصُلت إِذْ جبنوا بل طُلت إِذْ قُصروا)
(يستعظمون الَّذِي أَدْرَكته عجبا
…
وَذَاكَ فِي جنب مَا نرجوه محتقر)
(قضى الْقَضَاء بِمَا نرجوه عَن كثب
…
حتما ووافقك التَّوْفِيق وَالْقدر)
(شكت خيولك إدمان السرى وَشَكتْ
…
من فَلِّها البيضُ بل من حَطْمها السُّمر)
(يسرت فتح بِلَاد كَانَ أيسرها
…
لغير رَأْيك قفلاً فَتحه عسر)
(قرنت بالحزم مِنْك الْعَزْم فاتسقت
…
مَا رب لَك عَنْهَا أَسْفر السّفر)
(وَمن يكون بِنور الدّين مهتديا
…
فِي امْرَهْ كَيفَ لَا يقوى لَهُ المرر)
(يرى بِرَأْيِك مَا فِي الْملك يبرمه
…
فَأَنت مِنْهُ بِحَيْثُ السّمع والبَصر)
(لقد بَغت فئةُ الإفرنج فانتصفت
…
مِنْهَا بإقدامك الْهِنْدِيَّة البتر)
(غرست فِي أَرض مصرٍ من جسومهمُ
…
أَشجَار خطّ لَهَا من هامهم ثَمَر)
(وسال بَحر نجيع فِي مقَام وغي
…
بِهِ الْحَدِيد غمامٌ وَالدَّم الْمَطَر)
(أنهرت مِنْهُم دِمَاء بالصعيد جرى
…
مِنْهَا إِلَى النّيل فِي واديهمُ نهر)
(رَأَوْا إِلَيْك عبور النّيل إِذْ عدموا
…
نصرا فَمَا عبروا حَتَّى قد اعتبروا)
(تَحت الصوارم هامُ الْمُشْركين كَمَا
…
تَحت الصوالج يَوْمًا خفتّ الأكر)
(أفنت سيوفك من لاقت فَإِن تركت
…
قوما فهم نفر من قبلهَا نفروا)
(لم ينج إِلَّا الَّذِي عافته من خبث
…
وَحش الفلا وَهُوَ للمحذور منتظر)
(والساكنون الْقُصُور القاهرية قد
…
نَادَى القصورُ عَلَيْهِم أَنهم قُهروا)
(وشاورٌ شاوره فِي مكايدهم
…
فكاده الكيد لما خانه الحذر)
(كَانُوا من الرعب موتى فِي جُلُودهمْ
…
وَحين أمنتهم من خوفهم نُشروا)
(وَإِن من شيركوه الشّرك منخزلٌ
…
والكفرَ منخذل وَالدّين منتصر)
(عوِّل على فئةٍ عِنْد اللِّقَاء وفت
…
وعدِّ عَن تركمان قبله غدروا)
(وَكَيف يُخذل جَيش أَنْت مَالِكه
…
والقائدان لَهُ التأييد وَالظفر)
(أجَاب فِيك إِلَه الْخلق دَعْوَة من
…
يطيب بِاللَّيْلِ من أنفاسه السحر)
قَالَ الْعِمَاد واتصلت بيني وَبَين صَلَاح الدّين ابْن أَخِيه مَوَدَّة تمت لي بهَا على الزَّمَان عُدة وَلم يزل يستهديني نظمي ونثري ويشعرني أَنه يمِيل إِلَى شعري فَأول مَا خدمته بِهِ هَذِه الْكَلِمَة
(كَيفَ قُلْتُمْ بمقلتيه فتور
…
وأراها بِلَا فتور تجور)
وَمِنْهَا
(مستجيز جوري وَإِنِّي مِنْهُ
…
يَا ابْن أَيُّوب يُوسُف مستجير)
(فَضله فِي يَد الزَّمَان سوار
…
مِثْلَمَا رَأْيه على الْملك سور)
(كرمٌ سابغ وجودٌ عميم
…
وندىً سَائِغ وَفضل غزير)
(أَنْت من لم يزل يحن إِلَيْهِ
…
وَهُوَ فِي المهد سَرْجه والسرير)
(من دم الغادرين غادرت بالْأَمْس
…
صَعِيد الصَّعِيد وَهُوَ غَدِير)
(وَلكُل لما تطاولت فيهم
…
أمل قَاصِر وَعمر قصير)
(لَاذَ بالنيل شاور مثل فِرْعَوْن
…
فذل اللاجيّ وَعز العُبور)
(شَارك الْمُشْركين بغياُ وقدماً
…
شاركتها قريظةٌ وَالنضير)
(وَالَّذِي يدعى الإمامةَ بِالْقَاهِرَةِ
…
ارتاع أَنه مقهور)
(وَغدا الْمَلْك خَائفًا من سُطاكم
…
ذَا ارتعاد كَأَنَّهُ مقرور)
(وَبَنُو الهنفري هانوا فَفرُّوا
…
وَمن الْأسد كلُّ كلب فرور)
(إِنَّمَا كَانَ للكلاب عواء
…
حَيْثُ مَا كَانَ للأسود زئير)
(وفليب عِنْد الْفِرَار سليب
…
فَهُوَ بِالرُّعْبِ مُطلق مأسور)
(لم يبقوا سوى الأصاغر للسبي
…
فودوا أَن الْكَبِير صَغِير)
(وحميت الْإسْكَنْدَريَّة عَنْهُم
…
ورحى حربهم عَلَيْهِم تَدور)
(حاصروها وَمَا الَّذِي بَان من ذبك
…
عَنْهَا وحفظها مَحْصُور)
(كحصار الْأَحْزَاب طيبَة قدماً
…
ونبيُّ الْهدى بهَا مَنْصُور)
(فاشكر الله حِين أولاك نصرا
…
فَهُوَ نعم الْمولى وَنعم النصير)
(وَلكم أرجف الأعادي فَقُلْنَا
…
مَا لما تذكرونه تَأْثِير)
(ورقبنا كالعيد عودك فاليوم
…
بِهِ للأنام عيد كَبِير)
(عَاد من مصر يُوسُف وَإِلَى يَعْقُوب
…
بالتهنئات جَاءَ البشير)
(فلأيوب من إياب صَلَاح الدّين
…
يَوْم بِهِ توفيَّ النذور)
(وَلكم عودة إِلَى مصر بالنصر
…
على ذكرهَا تمر العصور)
(فاستردوا حق الْإِمَامَة مِمَّن
…
خَان فِيهَا فَإِنَّهُ مستعير)
(وافترعها بكرا لَهَا أَبَد الدَّهْر
…
رواح فِي مدحكم وبكور)
(أَنا سيرت طالع الْعَزْم مني
…
وَإِلَى قصدك انْتهى التسيير)
(وَأرى خاطري لمدحك إلفاً
…
إِنَّمَا يألف الخطير الخطير)
وَهِي وَالَّتِي قبلهَا طويلتان جدا فانتظمت معرفَة الْعِمَاد بصلاح الدّين وَكَانَ لَهُ مساعداً عِنْد نور الدّين
وقرأت فِي ديوَان العرقلة وَقَالَ يمدح أَسد الدّين شيركوه وَقد أَخذ الشقيف ورحل طَالبا حصنا يُقَال لَهُ الْعرَاق
(رحلت من الشقيف إِلَى الْعرَاق
…
بعزم كالمهندة الرقَاق)
(ونكست الأعادي مِنْهُ قهرا
…
ومجدك فِي ذرا الجوزاء راق)
(بجأشك لَا بجيشك نلْت هَذَا
…
وبالتوفيق لَا بالإتفاق)
(فداؤك من مضى بالحصن قبلي
…
إِلَى دَار الخلود من الرفاق)
(وَمَا نخشى على الْإِسْلَام بؤساً
…
إِذا هلك الْجَمِيع وَأَنت بَاقِي)
(أشاور كم تُشاور كل خب
…
وتنفق عِنْد مثلك بالنفاق)