المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في وفاة أسد الدين وولاية ابن أخيه صلاح الدين مكانه - الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية - جـ ٢

[أبو شامة المقدسي]

فهرس الكتاب

- ‌ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي وَفَاة زين الدّين وَالِد مظفر الدّين صَاحب إربل

- ‌ثمَّ دخلت سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل فِيمَا فعله نور الدّين

- ‌فصل فِي الْقَبْض على شاور وَقَتله

- ‌فصل فِي وزارة أَسد الدّين

- ‌فصل فِي وَفَاة أَسد الدّين وَولَايَة ابْن أَخِيه صَلَاح الدّين مَكَانَهُ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي قتل المؤتمن بالخرقانية ووقعة السودَان بَين القصرين وَغير ذَلِك

- ‌ثمَّ دخلت سنة خمس وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي مسير نجم الدّين أَيُّوب إِلَى مصر بباقي أَوْلَاده وَأَهله

- ‌فصل فِي ذكر الزلزلة الْكُبْرَى

- ‌فصل فِي غَزْوَة صَاحب البيرة ووفاة صَاحب الْموصل

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِيمَا جرى بِمصْر فِي هَذِه السّنة

- ‌ثمَّ دخلت سنة سبع وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي ذكر غَزْو الفرنج فِي هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي عزم نور الدّين على الدُّخُول إِلَى مصر

- ‌فصل فِي الحَمَام

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي جِهَاد السلطانين للفرنج فِي هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي فتح بِلَاد النّوبَة

- ‌فصل فِي وَفَاة نجم الدّين أَيُّوب وَالِد صَلَاح الدّين وطرف من أخباره

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة تسع وَسِتِّينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي فتح الْيمن

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي صلب عمَارَة اليمني الشَّاعِر وَأَصْحَابه

- ‌فصل فِي التَّعْرِيف بِحَال عمَارَة وَنسبه وشعره

- ‌فصل فِي وَفَاة نور الدّين رحمه الله

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة سبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِيمَا جرى بعد فتح دمشق من فتح حمص وحماة وحصار حلب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي فتح بعلبك

- ‌فصل فِيمَا جرى للْمَوَاصلة والحلبييّن مَعَ السُّلطان فِي هَذِه السّنة

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِيمَا تجدّد للمواصلة والحلبيين

- ‌فصل فِي فتح جملَة من الْبِلَاد حوالي حلب

- ‌فصل فِي وثوب الحشيشية على السُّلْطَان مرّة ثَانِيَة على عزاز وَكَانَت الأولى على حلب

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة وَدخُول قراقوش إِلَى الْمغرب

- ‌ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي ذكر جمَاعَة من الْأَعْيَان تجدّد لَهُم مَا أقتضى ذكرهُ فِي هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي رُجُوع السُّلْطَان إِلَى مصر

- ‌فصل فِي بيع الْكتب وَعمارَة القلعة والمدرسة والبيمارستان

- ‌فصل فِي خُرُوج السُّلْطَان إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وَغير ذَلِك من بواقي حوادث هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي نوبَة كسرة الرَّملة

- ‌فصل فِي وَفَاة كمشتكين وَخُرُوج السُّلْطَان من مصر بِسَبَب حَرَكَة الفرنج

- ‌فصل فِي ذكر أَوْلَاد السُّلْطَان

- ‌فصل

الفصل: ‌فصل في وفاة أسد الدين وولاية ابن أخيه صلاح الدين مكانه

وَقَالَ الْعِمَاد فِي الخريدة أَنْشدني الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم لنَفسِهِ وَقد أعفى الْملك الْعَادِل نور الدّين قدس الله روحه أهل دمشق من الْمُطَالبَة بالخشب فورد الْخَبَر باستيلاء عسكره على مصر فَكتب إِلَيْهِ يهنيه

(لما سمحت لأهل الشَّام بالخشب

عُوضِّت مصر بِمَا فِيهَا من النشب)

(وَإِن بذلت لفتح الْقُدس محتسباً

لِلْأجرِ جوزيت أجرا غيرَ محتسب)

(وَالْأَجْر فِي ذَاك عِنْد الله مرتقب

فِيمَا يثيب عَلَيْهِ خيرُ مرتقب)

(وَالذكر بِالْخَيرِ بَين النَّاس تكسبه

خير من الْفضة الْبَيْضَاء وَالذَّهَب)

(وَلست تعذر فِي ترك الْجِهَاد وَقد

أَصبَحت تملك من مصر إِلَى حلب)

(وَصَاحب الْموصل الفيحاء ممتثل

لما تُرِيدُ فبادر فَجْأَة النوب)

(فأحزم النَّاس من قويَّ عزيمته

حَتَّى ينَال بهَا العالي من الرتب)

(فالجَدُّ والْجِدُّ مقرونان فِي قرن

والحزم فِي الْعَزْم والإدراك بِالطَّلَبِ)

(فطهر الْمَسْجِد الْأَقْصَى وحوزته

من النَّجَاسَات والإشراك والصلب)

(عساك تظفر فِي الدُّنْيَا بِحسن ثَنَا

وَفِي الْقِيَامَة تلقى خير مُنْقَلب)

‌فصل فِي وَفَاة أَسد الدّين وَولَايَة ابْن أَخِيه صَلَاح الدّين مَكَانَهُ

توفّي أَسد الدّين فَجْأَة يَوْم السبت الثَّانِي وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة من هَذِه السّنة فَكَانَت وزارته شَهْرَيْن وَخَمْسَة أَيَّام

وَقَالَ ابْن شَدَّاد كَانَ أَسد الدّين كثير الْأكل شَدِيد الْمُوَاظبَة على

ص: 68

تنَاول اللحوم الغليظة تتواتر عَلَيْهِ التخم والخوانيق وينجو مِنْهَا بعد معاناة شدَّة عَظِيمَة فَأَخذه مرض شَدِيد واعتراه خانوق عَظِيم فَقتله رَحمَه الله تَعَالَى وفَوض الْأَمر بعده إِلَى صَلَاح الدّين واستقرت الْقَوَاعِد واستتبت الْأَحْوَال على أحسن نظام وبذل الْأَمْوَال وَملك الرِّجَال وهانت عِنْده الدُّنْيَا فملكها وشكر نعْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِ فَتَابَ عَن الْخمر وَأعْرض عَن أَسبَاب اللَّهْو وتقمص بلباس الْجد وَالِاجْتِهَاد وَمَا عَاد عَنهُ وَلَا ازْدَادَ إِلَّا جدا إِلَى أَن توفاه الله تَعَالَى إِلَى رَحمته وَلَقَد سَمِعت مِنْهُ رحمه الله يَقُول لما يسر الله لي الديار المصرية علمت أَنه أَرَادَ فتح السَّاحِل لِأَنَّهُ أوقع ذَلِك فِي نَفسِي وَمن حِين استتب لَهُ الْأَمر مَا زَالَ يَشن الغارات على الفرنج إِلَى الكرك والشوبك وبلادهما وغشى النَّاس من سحائب الأفضال وَالنعَم مَا لم يؤرخ عَن غير تِلْكَ الْأَيَّام هَذَا كُله وَهُوَ وَزِير متابع للْقَوْم لكنه مقو لمَذْهَب السّنة غارسٌ فِي الْبِلَاد أهل الْعلم وَالْفِقْه والتصوف وَالدّين وَالنَّاس يهرعون إِلَيْهِ من كل صوب ويفدون إِلَيْهِ من كل جَانب وَهُوَ رحمه الله لَا يخيب قَاصِدا وَلَا يعْدم وافداً وَلما عرف نور الدّين اسْتِقْرَار أَمر صَلَاح الدّين بِمصْر أَخذ حمص من نواب أَسد الدّين وَذَلِكَ فِي رَجَب من هَذِه السّنة

وَقَالَ ابْن الْأَثِير أما كَيْفيَّة ولَايَة صَلَاح الدّين فَإِن جمَاعَة من الْأُمَرَاء النُّورية الَّذين كَانُوا بِمصْر طلبُوا التَّقَدُّم على العساكر وَولَايَة الوزارة مِنْهُم الْأَمِير عين الدولة الياروقي وقطب الدّين خسرو بن تليل وَهُوَ ابْن

ص: 69

أخي أبي الهيجاء الهذَباني الَّذِي كَانَ صَاحب إربل وَمِنْه سيف الدّين عَليّ بن أَحْمد المهكاري وجده كَانَ صَاحب قلاع الهَكّارية وَمِنْهُم شهَاب الدّين مَحْمُود الحارمي وَهُوَ خَال صَلَاح الدّين وكل من هَؤُلَاءِ قد خطبهَا وَقد جمع ليغالب عَلَيْهَا فَأرْسل الْخَلِيفَة العاضد إِلَى صَلَاح الدّين فَأمره بالحضور فِي قصره ليخلع عَلَيْهِ خلع الوزارة ويوليه الْأَمر بعد عَمه

وَكَانَ الَّذِي حمل العاضد على ذَلِك ضعف صَلَاح الدّين فَإِنَّهُ ظن أَنه إِذا ولى صَلَاح الدّين وَلَيْسَ لَهُ عَسْكَر وَلَا رجال كَانَ فِي ولَايَته بِحكمِهِ وَلَا يَجْسُر على الْمُخَالفَة وَأَنه يضع على الْعَسْكَر الشَّامي من يستميلهم إِلَيْهِ فَإِذا صَار مَعَه الْبَعْض أخرج البَاقِينَ وتعود الْبِلَاد إِلَيْهِ وَعِنْده من العساكر الشامية من يحميها من الفرنج وَنور الدّين فَامْتنعَ صَلَاح الدّين وضعفت نَفسه عَن هَذَا الْمقَام فألزم بِهِ وَأخذ كَارِهًا إِن الله ليعجب من قوم يقادون إِلَى الْجنَّة بالسلاسل فَلَمَّا حضر فِي الْقصر خلع عَلَيْهِ خلعة

ص: 70

الوزارة الْجُبَّة والعمامة وَغَيرهمَا ولقب الْملك النَّاصِر وَعَاد إِلَى دَار أَسد الدّين فَأَقَامَ بهَا وَلم يلْتَفت إِلَيْهِ أحد من أُولَئِكَ الْأُمَرَاء الَّذين يُرِيدُونَ الْأَمر لأَنْفُسِهِمْ وَلَا خدموه

وَكَانَ الْفَقِيه ضِيَاء الدّين عِيسَى الهكاري مَعَه فسعى مَعَ سيف الدّين عَليّ بن أَحْمد حَتَّى أماله إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ إِن هَذَا الْأَمر لَا يصل إِلَيْك مَعَ وجود عين الدولة والحارمي وَابْن تليل فَمَال إِلَى صَلَاح الدّين ثمَّ قصد شهَاب الدّين الحارمي وَقَالَ لَهُ إِن هَذَا صَلَاح الدّين هُوَ ابْن أختك وَملكه لَك وَقد أستقام الْأَمر لَهُ فَلَا تكن أول من يسْعَى فِي إِخْرَاجه عَنهُ فَلَا يصل إِلَيْك وَلم يزل بِهِ حَتَّى أحضرهُ أَيْضا عِنْده وحلَّفه لَهُ ثمَّ عدل إِلَى قطب الدّين وَقَالَ لَهُ إِن صَلَاح الدّين قد أطاعه النَّاس وَلم يبْق غَيْرك وَغير الياروقي فعلى كل حَال يجمع بَيْنك وَبَين صَلَاح الدّين أَن أَصله من الأكراد فَلَا يخرج الْأَمر عَنهُ إِلَى الأتراك ووعده وَزَاد فِي إقطاعه فأطاع صَلَاح الدّين أَيْضا وَعدل إِلَى عين الدولة الياروقي وَكَانَ أكبر الْجَمَاعَة وَأَكْثَرهم جمعا فَلم تَنْفَعهُ رقاه وَلَا نفذ فِيهِ سحره وَقَالَ أَنا لاأخدم يُوسُف أبدا وَعَاد إِلَى نور الدّين وَمَعَهُ غَيره فَأنْكر عَلَيْهِم فِرَاقه وَقد فَاتَ الْأَمر {ليقضى الله أمرا كَانَ مَفْعُولا} وَثَبت قدم صَلَاح الدّين ورسخ ملكه وَهُوَ نَائِب عَن الْملك الْعَادِل نور الدّين وَالْخطْبَة لنُور الدّين فِي الْبِلَاد كلهَا وَلَا يتصرفون إِلَّا عَن أمره

ص: 71

وَكَانَ نور الدّين يُكَاتب صَلَاح الدّين بالأمير الأسفهسلار وَيكْتب علامته فِي الْكتب تَعْظِيمًا أَن يكْتب اسْمه وَلَا يفرده فِي كتاب بل يكْتب الْأَمِير الأسفهسلار صَلَاح الدّين وكافة الْأُمَرَاء بالديار المصرية يَفْعَلُونَ كَذَا وَكَذَا

واستمال صَلَاح الدّين قُلُوب النَّاس وبذل لَهُم الْأَمْوَال مِمَّا كَانَ أَسد الدّين قد جمعه وَطلب من العاضد شَيْئا يُخرجهُ فَلم يُمكنهُ مَنعه فَمَال النَّاس إِلَيْهِ وأحبوه وقويت نَفسه على الْقيام بِهَذَا الْأَمر والثبات فِيهِ وَضعف أَمر العاضد وَكَانَ كالباحث عَن حتفه بظلفه

وَأرْسل صَلَاح الدّين يطْلب من نور الدّين أَن يُرْسل إِلَيْهِ إخْوَته فَلم يجبهُ إِلَى ذَلِك وَقَالَ أَخَاف أَن يُخَالف أحد مِنْهُم عَلَيْك فتفسد الْبِلَاد ثمَّ إِن الفرنج اجْتَمعُوا ليسيروا إِلَى مصر فسير نور الدّين العساكر وَفِيهِمْ إخْوَة صَلَاح الدّين مِنْهُم شمس الدولة تورانشاه بن أَيُّوب وَهُوَ أكبر من صَلَاح الدّين فَلَمَّا أَرَادَ أَن يسير قَالَ لَهُ إِن كنت تسير إِلَى مصر وَتنظر إِلَى أَخِيك أَنه يُوسُف الَّذِي كَانَ يقوم فِي خدمتك وَأَنت قَاعد فَلَا تسر فَإنَّك تفْسد الْبِلَاد وأُحضرك حِينَئِذٍ وأعاقبك بِمَا تستحقه وَإِن كنت تنظر إِلَيْهِ أَنه صَاحب مصر وقائم فِيهَا مقَامي وتخدمه بِنَفْسِك كَمَا تخدمني فسر إِلَيْهِ وَاشْدُدْ أزره وساعده على مَا هُوَ بصدده فَقَالَ أفعل مَعَه من الْخدمَة وَالطَّاعَة مَا يصل إِلَيْك إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَكَانَ كَمَا قَالَ

وَقَالَ الْعِمَاد لما فُرغ بعد ثَلَاثَة أَيَّام من التَّعْزِيَة بأسد الدّين اخْتلفت

ص: 72

آراؤهم واختلظت أهواؤهم وَكَاد الشمل لَا يَنْتَظِم والخلل لَا يلتئم فَاجْتمع الْأُمَرَاء النُّورية على كلمة وَاحِدَة وأيد متساعدة وعقدوا لصلاح الدّين الرَّأْي والراية وَأَخْلصُوا لَهُ الْوَلَاء وَالْولَايَة وَقَالُوا هَذَا مقَام عَمه وَنحن بِحكمِهِ والزموا صَاحب الْقصر بتوليته وَنَادَتْ السَّعَادَة بتلبيته وَشرع فِي تَرْتِيب الْملك وتربيته وفض ختوم الخزائن وأنض رسوم المزائن وسلط الْجُود على الْمَوْجُود وَبسط الوفور للوفود وَفرق مَا جمعه أَسد الدّين فِي حَيَاته وأنارت على منار الْعلَا إياة آيَاته وَرَأى أولياءه تَحت ألويته وراياته وأحبوه وَمَا زَالَت محبته غالبة على مهابته وَهُوَ يُبَالغ فِي تقريبهم كَأَنَّهُمْ ذَوُو قرَابَته وَمَا زَاده الْملك ترفعاً وَمَا أَفَادَهُ إِلَّا تأصلا فِي السماح وتفرعا وَضم من أَمر المملكة مَا كَانَ منشوراً وَكتب لَهُ العاضد صَاحب الْقصر منشوراً وَهُوَ بالمثال الْكَرِيم الفاضلي الَّذِي هُوَ السحر الْحَلَال والعذب الزلَال

ثمَّ أوردهُ الْعِمَاد وَهُوَ شَبيه بمنشور عَمه أَسد الدّين وَجرى الْقَلَم فِيهِ بِمَا خطّ لَهُ الْقَلَم فِي الْأَزَل من وصف جهاده وَسلمهُ فَفِي ذَلِك المنشور وَالْجهَاد أَنْت رَضِيع دَرِّه وناشئة حجره وَظُهُور الْخَيل

ص: 73

مواطنك وظلال الْخيام مساكنك وَفِي ظلمات قساطله تُجلى محاسنك وَفِي أعقاب نوازله تتلى مناقبك فشمر لَهُ عَن سَاق من القنا وخُض فِيهِ بحرا من الظبى واحلل فِي عقد كلمة الله وثيقات الحبى وأسل الوهاد بِدَم العدى وارفع برؤوسهم الرِّبَا حَتَّى يَأْتِي الله بِالْفَتْح الَّذِي يَرْجُو أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يكون مذخوراً لأيامك وشهوداً لَك يَوْم مقامك

وَفِي طرَّته بالخط العاضدي وَلم يذكرهُ الْعِمَاد فِي كِتَابه هَذَا عهد أَمِير الْمُؤمنِينَ إِلَيْك وحجته عِنْد الله سُبْحَانَهُ عَلَيْك فأوف بعهدك ويمينك وَخذ كتاب أَمِير الْمُؤمنِينَ بيمينك وَلمن مضى بجدنا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أحسن أُسْوَة وَلمن بَقِي بِثِقَتِهِ بِنَا أعظم سلوة {تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة نَجْعَلهَا للَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين}

يَعْنِي بِمن مضى أَسد الدّين وبمن بَقِي صَلَاح الدّين

ثمَّ قَالَ الْعِمَاد وَهَذَا آخر منشور طويت بِهِ تِلْكَ الدولة وختمت وتبددت عقودها وَمَا انتظمت

ووصلت كتب صَلَاح الدّين إِلَيْنَا إِلَى الشَّام بِمَا تسنى لَهُ من المرام وَلمن يَقْصِدهُ بالاستدعاء والا ستبطاء وَلمن تَأَخّر عَنهُ بِالْخلْعِ وَالعطَاء

ص: 74

وترددت الْكتب الصلاحية بِذكر الأشواق وشكوى الْفِرَاق وَشرح الاستيحاش وبرح الْقُلُوب العطاش فَإِن أَصْحَابنَا وَإِن ملكوا ونالوا مقاصدهم وأدركوا حصلوا بَين أمة لَا يعرفونها بل يُنْكِرُونَهَا وَلَا يألفونها وَرَأَوا وُجُوهًا هُنَاكَ بهم عابسة وَأَعْيُنًا للمكايد متيقظة وَعَن الود ناعسة فَإِن أجناد مصر كَانُوا فِي الدّين مخالفين وعَلى عقيدتهم معاقدين محالفين

وَكتب صَلَاح الدّين إِلَى بعض أصدقائه كتابا أَوله

(أَيهَا الغائبون عني وَإِن كُنْتُم

لقلبي بذكركم جيرانا)

(إِنَّنِي مذ فقدتكم لأَرَاكُمْ

بعيون الضَّمِير عِنْدِي عيَانًا)

فَسَأَلَنِي الْمَكْتُوب إِلَيْهِ أَن أكتب جَوَابه فَقلت

(أَيهَا الظاعنون عني وقلبي

مَعَهم لَا يُفَارق الأظعانا)

(ملكوا مصر مثل قلبِي وَفِي هَذَا

وَفِي تِلْكَ أَصْبحُوا سكانا)

(فاعدلوا فيهمَا فَإِنَّكُم الْيَوْم

ملكتم عَلَيْهِمَا سُلْطَانا)

(لَا تروعوا بالهجر قلب محب

أورثته روعاته الخفقانا)

(حبذا معهد قضينا بِهِ الْعَيْش

فَكُنَّا بربعه جيرانا)

(إِذْ وجدنَا من الْحَوَادِث أمنا

وأخذنا من الخطوب أَمَانًا)

(ورتعنا من المنى فِي رياض

وسكنا من المغاني جنَانًا)

وَبعد فَإِن وُفُود الهناء وأمداد الدُّعَاء متواصلة على الْوَلَاء صادرة عَن مَحْض الْوَلَاء إِلَى عالي جنابه المأنوس ومنيع كنفه المحروس

ص: 75

فليهنه الظفران بِالْملكِ وبالعدو وَفرع هضبات الْمجد والعلو وَكَيف لَا يكون النَّصْر مساوقا لدين هُوَ صَلَاحه والتأييد مرافقاً لعزم بِهِ نجاحه وفلاحه

(فالشام يغبط مصرا مذ حللت بهَا

كَمَا الْفُرَات عَلَيْكُم تحسد النيلا)

(نلتم من الْملك عفوا مَا الْمُلُوك بِهِ

عُنوا قَدِيما وراموه فَمَا نيلا)

قَالَ الْعِمَاد ورثيت أَسد الدّين بقصيدة خدمت بهَا نور الدّين وعزيت بهَا أَخَاهُ نجم الدّين مِنْهَا

(تضعضع فِي هَذَا الْمُصَاب المباغت

من الدّين لَوْلَا نوره كل ثَابت)

(فأيام نور الدّين دَامَت منيرة

لنا خلف من كل مود وفائت)

وَمِنْهَا

(فَمَا بالنا نبدي التصامم غَفلَة

وداعي المنايا نَاطِق غير صَامت)

(نؤمل فِي دَار الفناء بقاءنا

وَنَرْجُو من الدُّنْيَا صداقة ماقت)

(وَمَا النَّاس إِلَّا كالغصون يَد الردى

تقرِّب مِنْهَا كل عود لناحت)

(لقد أبلغت رسل المنايا وأسمعت

وَلكنهَا لم تحظ منا بناصت)

وَمِنْهَا

(فلهفي على تِلْكَ الشَّمَائِل إِنَّهَا

لقد كرمُت فِي الْحسن عَن نعت ناعت)

ص: 76

وَله من أُخْرَى عزى بهَا أَخَاهُ نجم الدّين أَيُّوب وَولده نَاصِر الدّين مُحَمَّدًا

(مَا بعد يَوْمك للمعنى المدنف

غير العويل وحسرة المتأسف)

(مَا أجرا الْحدثَان كَيفَ سَطَا على اللأسد

الْمخوف سَطَا وَلم يتخوف)

(من ذَا رأى الْأسد الهصور فريسة

أم أبْصر الصُّبْح الْمُنِير وَقد خفى)

(من ثابتٌ دون الكماة سواهُ إِن

زلت بهم أَقْدَامهم فِي الْموقف)

(مَا كَانَ أَسْنَى الْبَدْر لَو لم يسْتَتر

مَا كَانَ أبهى الشَّمْس لَو لم تكسف)

(مَا كنت أخْشَى أَن تلم ملمة

يَوْمًا وَأَنت لكربها لم تكشف)

(أَيَّام عمرك لم تزل مقسومة

لله بَين تعبد وتعرف)

(متهجدا لعبادة أَو تاليا

من آيَة أَو نَاظرا فِي مصحف)

(فجع الندى والبأس مِنْك بحاتم

وبحيدر والحلم مِنْك بأحنف)

(بِالْملكِ فزت وحزته عَن قدرَة

ومضيت عَنهُ بسيرة الْمُتَعَفِّف)

(ووصفت يَا أسدا لدين مُحَمَّد

مدحا بِمَا ملك بِهِ لم يُوصف)

(وقفوت آثَار الشَّرِيعَة كلهَا

وَقد اهْتَدَى من للشريعة يقتفي)

(أأنفت من دنياك حِين عرفتها

فلويت وَجه الْعَارِف المستنكف)

وَمِنْهَا

(يَا نَاصِر الدّين استعذ بتصبر

مُدْن إِلَى مرضاة ربٍ مزلف)

(وتعزَّ نجم الدّين عَنهُ مهنَّأً

أَبَد الزَّمَان بِملك مصر ويوسف)

(لَا نستطيع سوى الدُّعَاء فكلنا

إِلَّا بِمَا فِي الوسع غير مُكَلّف)

ص: 77

ولعمارة اليمني فِي صَلَاح الدّين مدائح مِنْهَا قَوْله

(لَك الْحسب الْبَاقِي على عقب الدَّهْر

بل الشّرف الراقي إِلَى قمة النَّسر)

(كَذَا فَلْيَكُن سعى الْمُلُوك إِذا سعت

بهَا الهمم الْعليا إِلَى شرف الذّكر)

(نهضتم بأعباء الوزارة نهضة

أقلتم بهَا الْأَقْدَام من زلَّة العثر)

(كشفتم عَن الإقليم غمته كَمَا

كشفتم بأنوار الْغنى ظلمَة الْفقر)

(حميتم من الإفرنج سرب خلَافَة

جريتم لَهَا مجْرى الْأمان من الذعر)

(وَلما اسْتَغَاثَ ابْن النَّبِي بنصركم

ودائرة الْأَنْصَار أضيق من شبر)

(جلبتم إِلَيْهِ النَّصْر أَوْسًا وخزرجا

وَمَا اشْتقت الانصار إِلَّا من النَّصْر)

(كتائب فِي جيرون مِنْهَا أَوَاخِر

وأولها بالنيل من شاطئي مصر)

(طلعتم فأطلعتم كواكب نصْرَة

أَضَاءَت وَكَانَ الدّين لَيْلًا بِلَا فجر)

(وآبت إِلَيْكُم يَا ابْن أَيُّوب دولة

تراسلكم فِي كل يَوْم مَعَ السّفر)

(حمى الله فِيكُم عَزمَة أسدية

فككتم بهَا الْإِسْلَام من ربقة الْأسر)

(أَخَذْتُم على الإفرنج كل ثنَّية

وقلتم لأيدي الْخَيل مرِّي على مرِّي)

(لَئِن نصبوا فِي الْبر جِسْرًا فَإِنَّكُم

عبرتم ببحر من حَدِيد على الجسر)

(طَرِيق تقارعتم عَلَيْهَا مَعَ العدى

ففزتم بهَا والصخر يقرع بالصخر)

(وأزعجه من مصر خوف يلزه

كَمَا لز مهزوم من اللَّيْل بِالْفَجْرِ)

(وَكم وقْعَة عذراء لما اقتضضتها

بسيفك لم تتْرك لغيرك من عذر)

(وَأَيْدِيكُمْ بالبأس كاسرة العدى

وَلكنهَا بالجود جابرة الْكسر)

(أَبوك الَّذِي أضحى ذخيرة مجدكم

وَأَنت لَهُ خير النفائس والذخر)

(وَمن كنت مَعْرُوفا لَهُ فاستفزه

بمثلك تيه فَهُوَ فِي أوسع الْعذر)

(فَكيف أَب أَصبَحت نَار زناده

وَإِلَّا كنور الْبَدْر من سنه الْبَدْر)

(توقره وسط الندي كَرَامَة

وَتحمل عَنهُ مايؤود من الوقر)

ص: 78

(وتخلفه حَربًا وسلما خلَافَة

تؤلف أضدادا من المَاء والجمر)

(وَكم قُمْت فِي بَأْس وجود ورتبة

بِمَا سره فِي الْخطب والدست والثغر)

(وَلَو أنطق الله الجمادات لم تقم

لنعمتكم بالمستحق من الشُّكْر)

(يَد لَا يقوم الْمُسلمُونَ بشكرها

لكم آل أَيُّوب إِلَى آخر الدَّهْر)

(بكم أَمن الرَّحْمَن أعظم يثرب

وَأمن أَرْكَان البنية وَالْحجر)

(وَلَو رجعت مصر إِلَى الْكفْر لانطوى

بِسَاط الْهدى من ساحة الْبر وَالْبَحْر)

(وَلَكِن شددتم أزره بوزارة

غَدا لَفظهَا يشتق من شدَّة الْأرز)

(فهنيتم فتحا تقدم جله

وَبشر أَن الْكل يَتْلُو على الإثر)

(وَمَا بقيت فِي الشّرك إِلَّا بَقِيَّة

تتمتها فِي ذمَّة الْبيض والسمر)

(وَعند تَمام الْملك آتِي مهنئا

وملتمسا أجر الكهانة والزجر)

(وَلَوْلَا اعتقادي أَن مدحك قربَة

أرجي بهَا نيل المثوبة وَالْأَجْر)

(لما قلت شعرًا بعد إعفاء خاطري

ولي سنوات مُنْذُ تبت عَن الشّعْر)

(فأوص بِي الْأَيَّام خيرا فَإِنَّهَا

مصرفة بِالنَّهْي مِنْك وبالأمر)

(وجائزتي تسهيل إذني عَلَيْكُم

وملقاكم لي بالطلاقة والبشر)

وَقَالَ أَيْضا من قصيدة

(يَا شَبيه الصّديق عدلا وحسناً

وسميَّاً حَكَاهُ معنى ومغنى)

(هَذِه مصر يُوسُف حل فِيهَا

يوسفٌ مَالِكًا وَمَا حل سجنا)

(أَنْت حرَّمت أَن يثلَّث فِيهَا

بسوى الله وَحده أَو يثنى)

ص: 79

(إِنَّمَا الْملك والوزارة جسم

أَنْت روح فِيهِ وَفِي اللَّفْظ معنى)

وَقَالَ أَيْضا من قصيدة

(ملك صَلَاح الدّين لَا قوضت

أطنابه ملك التقى وَالصَّلَاح)

(سيرة عدل حسَّنت عندنَا

مَا كَانَ من وَجه اللَّيَالِي القباح)

(سَافر فِي الدُّنْيَا وأقطارها

ذكرٌ غَدا عَنهُ جميلا وَرَاح)

(قل لِابْنِ أَيُّوب وَكم نَاصح

أَنْفَع مِمَّن هُوَ شاكي السِّلَاح)

(حَارب على مثل نُجُوم السما

فَملك مصر مَا عَلَيْهِ اصْطِلَاح)

(قولا لمن فِي عزمه فَتْرَة

ارْجع إِلَى الْجد وخل المزاح)

(فالقدس قد أذَن إغلاقه

على يَدي يُوسُف بالإنفتاح) وَقَالَ أَيْضا من قصيدة

(ونُبت بِمصْر عَن سميك يوسفٍ

كَمَا نَاب عَن سكب الحيا واكف سكب)

(حذوت على سجلي نداه وهديه

وَإِن كنت لاسجن حواك ولاجب)

(ووافقته فِي الصفح عَن كل مذنب

فَمَا مِنْك تَثْرِيب وَإِن عظم الْخطب)

وللحكيم عبد الْمُنعم الجلياني من قصيدة طَوِيلَة

ص: 80