الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنهُ مُرَاد وَلَا يُقَال لمن طلب الصّلاح إِنَّك قَادِح وَلمن ألْقى السِّلَاح إِنَّك جارح
فصل
قَالَ الْعِمَاد ثمَّ عزم السُّلْطَان على أَن يُسَارع إِلَى تلافي الْأَمر فاعترضه أَمْرَانِ أَحدهمَا وُصُول أسطول صقلية إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وإدراكه وَالثَّانِي نوبَة الْكَنْز ونفاقه وهلاكه أما وُصُول الأسطول فَكَانَ يَوْم الْأَحَد السَّادِس وَالْعِشْرين من ذِي الْحجَّة سنة تسع وَسِتِّينَ وَانْهَزَمَ فِي أول الْمحرم سنة سبعين
ثمَّ ذكر كتابا وصل من صَلَاح الدّين إِلَى بعض الْأُمَرَاء بِالشَّام بشرح الْحَال وَحَاصِله أَن أول الأسطول وصل وَقت الظّهْر وَلم يزل متواصلا متكاملا إِلَى وَقت الْعَصْر وَكَانَ ذَلِك على حِين غَفلَة من المتوكلين بِالنّظرِ لَا على حِين خَفَاء من الْخَبَر فَأمر ذَلِك الأسطول كَانَ قد أشتهر ورُوع بِهِ ابْن عبد الْمُؤمن فِي الْبِلَاد المغربية وهدد بِهِ فِي الجزائر الرومية صَاحب قسطنطينية فشوهد فِي الثغر من وفور عُدّته وَكَثْرَة عدَّته وعظيم الهمّة بِهِ وفرط الاستكثار مِنْهُ مَا مَلأ الْبَحْر وَاشْتَدَّ بِهِ الْأَمر فحمى أهل الثغر عَلَيْهِم البّر ثمَّ أُشير عَلَيْهِم أَن يقربُوا من السّور فَأمكن الأسطول النُّزُول فاستنزلوا خيولهم من الطرائد وراجلهم من المراكب فَكَانَت الْخَيل ألفا وَخمْس مئة رَأس وَكَانُوا ثَلَاثِينَ ألف مقَاتل مَا بَين فَارس
وراجل وَكَانَت عدَّة الطرائد سِتا وَثَلَاثِينَ طريدة تحمل الْخَيل وَكَانَ مَعَهم مئتا شيني فِي كل شيني مئة وَخَمْسُونَ رَاجِلا وَكَانَت عدَّة السّفن الَّتِي تحمل الآت الْحَرْب والحصار من الأخشاب الْكِبَار وَغَيرهَا سِتّ سفن وَكَانَت عدَّة المراكب الْحمالَة برسم الأزواد للرِّجَال أَرْبَعِينَ مركبا وفيهَا من الراجل المتفرق وغلمان الخيالة وصناع المراكب وأبراج الزَّحْف ودباباته والمنجنيقية مَا يتمم خمسين ألف راجل
وَلما تكاملوا نازلين على الْبر خَارِجين من الْبَحْر حملُوا على الْمُسلمُونَ حَملَة أوصلتهم إِلَى السُّور وفقد من أهل الثغر فِي وَقت الحملة مَا يناهز سَبْعَة من أنفس وَاسْتشْهدَ مَحْمُود بن البصارو بِسَهْم جرخ وجدفت مراكب الفرنج دَاخِلَة إِلَى الميناء وَكَانَ بِهِ مراكب مقاتلة ومراكب مسافرة فسبقهم أَصْحَابنَا إِلَيْهَا فخسفوها وغرقوها وغلبوهم على أَخذهَا وأحرقوا مَا احْتَرَقَ مِنْهَا واتصل الْقِتَال إِلَى الْمسَاء فَضربُوا خيامهم بِالْبرِّ وَكَانَ عدتهمْ ثَلَاث مئة خيمة
فَلَمَّا أَصْبحُوا زحفوا وضايقوا وحاصروا ونصبوا ثَلَاث دبابات بكباشها وَثَلَاثَة مجانيق كبار الْمَقَادِير تضرب بحجارة سود استصحبوها من صقلية وتعجب أَصْحَابنَا من شدَّة أَثَرهَا وَعظم حجرها وَأما الدبابات فَإِنَّهَا تشبه الأبراج فِي جفَاء أخشابها وارتفاعها وَكَثْرَة مقاتلتها واتساعها وزحفوا بهَا إِلَى أَن قاربت السّور ولجّوا فِي الْقِتَال عَامَّة النَّهَار الْمَذْكُور
وَورد الْخَبَر إِلَى منزلَة العساكر بفاقوس يَوْم الثُّلَاثَاء ثَالِث يَوْم نزُول العدوّ على جنَاح الطَّائِر فاستنهضنا العساكر إِلَى الثغرين إسكندرية ودمياط
احْتِرَازًا عَلَيْهَا واحتياطا فِي أمرهَا وخوفا من مُخَالفَة الْعَدو إِلَيْهَا وَاسْتمرّ الْقِتَال وقدمت الدبابات وَضربت المنجنيقات وزاحمت السّور إِلَى أَن صَارَت مِنْهُ بِمِقْدَار أماج
فاتفق أَصْحَابنَا على أَن يفتحوا أبواباً قبالتها من السُّور ويتركوها معقلة بالقشور ثمَّ فتحُوا الْأَبْوَاب على غَفلَة وَخَرجُوا مِنْهَا على غرَّة وَركب من هُنَاكَ من الْأُمَرَاء وَخَرجُوا من الْأَبْوَاب وتكاثر صائح أهل الثغر من كل الْجِهَات فأحرقوا الدبابات المنصوبة وَصَدقُوا عِنْدهَا الْقِتَال وَأنزل الله على الْمُسلمين النّصر وعَلى الْكفَّار الخذلان والقهر
واتصل الْقِتَال إِلَى الْعَصْر من يَوْم الْأَرْبَعَاء وَقد ظهر فشل الفرنج ورعبهم وَقصرت عزائمهم وفتر حربهم وأحرقت آلَات قِتَالهمْ واستحر الْقَتْل والجراح فِي رِجَالهمْ وَدخل الْمُسلمُونَ إِلَى الثغر لأجل قَضَاء فَرِيضَة الصَّلَاة وَأخذ مَا بِهِ قوام الْحَيَاة وهم على نيّة المباكرة والعدوّ على نِيَّة الْهَرَب والمبادرة ثمَّ كرّ الْمُسلمُونَ عَلَيْهِم بَغْتَة وَقد كَاد يخْتَلط الظلام فهاجموهم فِي الْخيام فتسلموها بِمَا فِيهَا وفتكوا فِي الرّجالة أعظم فتك