الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدّين رَحمَه الله تَعَالَى لينًا رَفِيقًا عادلا فَقَالَ أَنا أولى بتدبير أَوْلَاد أخي وملكهم ثمَّ سَار من وقته فَعبر الْفُرَات عِنْد قلعة جعبر أول محرم
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَخمْس مئة
وَقصد الرقة فَامْتنعَ النَّائِب بهَا شَيْئا من الِامْتِنَاع ثمَّ سلمهَا على شَيْء اقترحه فاستولى نور الدّين عَلَيْهَا وَقرر أمورها وَسَار إِلَى الخابور فملكه جَمِيعه ثمَّ ملك نَصِيبين وَأقَام بهَا يجمع العساكر فَإِنَّهُ كَانَ قد سَار جَرِيدَة فَأَتَاهُ بهَا نور الدّين مُحَمَّد بن قرا أرسلان صَاحب الْحصن وديار بكر وَاجْتمعت عَلَيْهِ العساكر وَقد كَانَ ترك أَكثر عسكره بِالشَّام لحفظ ثغوره وأطرافه من الفرنج وَغَيرهم فَلَمَّا اجْتمعت العساكر سَار إِلَى سنجار فحصرها وَأقَام عَلَيْهَا وَنصب المجانيق وَكَانَ بهَا عَسْكَر كَبِير من الْموصل فكاتبه عَامَّة الْأُمَرَاء الَّذين بالموصل يحثونه على السُّرعة إِلَيْهِم ليسلموا الْبَلَد إِلَيْهِ وأشاروا بترك سنجار فَلم يقبل مِنْهُم وَأقَام حَتَّى ملك سنجار وَسلمهَا إِلَى ابْن أَخِيه الْأَكْبَر عماد الدّين زنكي ثمَّ سَار إِلَى
الْموصل فَأتى مَدِينَة بَلَد وَعبر دجلة فِي مخاضة عِنْدهَا إِلَى الْجَانِب الشَّرْقِي وَسَار فَنزل شَرْقي الْموصل على حصن نِينَوَى ودجلة بَينه وَبَين الْموصل
قَالَ وَمن الْعجب أَنه يَوْم نُزُوله سقط من سور الْموصل بَدَنَة كَبِيرَة وَكَانَ عبد الْمَسِيح قد سيَّر عز الدّين مَسْعُود بن قطب الدّين إِلَى أتابك إيلدكز صَاحب بِلَاد الْجَبَل وأذربيحان وأرّان وَغَيرهَا يستنجده فَأرْسل إيلْدِكِز رَسُولا إِلَى نور الدّين ينهاه عَن قصد الْموصل وَيَقُول لَهُ إِن هَذِه الْبِلَاد للسُّلْطَان وَلَا سَبِيل لَك إِلَيْهَا فَلم يَلْتَفت نور الدّين إِلَى رسَالَته وَكَانَ بسنجار فَسَار إِلَى الْموصل وَقَالَ للرسول قل لصاحبك أَنا أرْفق ببني أخي مِنْك فَلَا تدخل نَفسك بَيْننَا وَعند الْفَرَاغ من إصلاحهم يكون الحَدِيث مَعَك على بَاب همذان فَإنَّك قد ملكت نصف بِلَاد الْإِسْلَام وأهملت الثغور حَتَّى غلب الكُرْج عَلَيْهَا وَقد بليت أَنا وحدي بأشجع النَّاس الفرنج فَأخذت بِلَادهمْ وأسرت مُلُوكهمْ فَلَا يجوز لي أَن أتركك على مَا أَنْت عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يجب علينا الْقيام بِحِفْظ مَا أهملت من بِلَاد الْإِسْلَام وَإِزَالَة الظُّلم عَن الْمُسلمين فَعَاد الرَّسُول بِهَذَا الْجَواب
وَحصر نور الدّين الْموصل فَلم يكن بَينهم قتال وَكَانَ هوى كل من بالموصل من جندي وعامي مَعَه لحسن سيرته وعدله وكاتبه الْأُمَرَاء يعلمونه أَنهم على الْوُثُوب على عبد الْمَسِيح وَتَسْلِيم الْبَلَد إِلَيْهِ فَلَمَّا علم عبد الْمَسِيح ذَلِك راسله فِي تَسْلِيم الْبَلَد إِلَيْهِ وَتَقْرِيره على سيف الدّين وَيطْلب الْأمان وإقطاعاً يكون لَهُ فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك وَقَالَ لَا سَبِيل إِلَى إبقائه بالموصل بل يكون عِنْدِي بِالشَّام فَإِنِّي لم آتٍ لأخذ الْبِلَاد من أَوْلَادِي إِنَّمَا جِئْت لأخلص النَّاس مِنْك وأتولى أَنا تربية أَوْلَادِي فاستقرت الْقَاعِدَة على ذَلِك وسلمت الْموصل إِلَيْهِ فَدَخلَهَا ثَالِث عشر جمادي الأولى وَسكن القلعة وَأقر سيف الدّين غَازِي على الْموصل وَولى بقلعتها خَادِمًا يُقَال لَهُ سعد الدّين كمشتكين وَجعله دُزداراً فِيهَا وَقسم جَمِيع مَا خَلفه أَخُوهُ قطب الدّين بَين أَوْلَاده بِمُقْتَضى الْفَرِيضَة
وَلما كَانَ يحاصر الْموصل جَاءَتْهُ خلعة من الْخَلِيفَة فلبسها فَلَمَّا دخل الْموصل خلعها على سيف الدّين وَأطلق المكوس جَمِيعهَا من الْموصل وَسَائِر مَا فَتحه من الْبِلَاد وَأمر بِبِنَاء الْجَامِع النوري بالموصل
فَبنِي وأقيمت الصَّلَاة فِيهِ سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَخمْس مئة
وَأقَام بالموصل نَحْو عشْرين يَوْمًا وَسَار إِلَى الشَّام فَقيل لَهُ إِنَّك تحب الْموصل وَالْمقَام بهَا ونراك أسرعت الْعود فَقَالَ قد تغير قلبِي فِيهَا فَإِن لم أفارقها ظلمت ويمنعني أَيْضا أنني هَهُنَا لاأكون مرابطاً لِلْعَدو وملازماً للْجِهَاد ثمَّ أقطع نَصِيبين والخابور العساكر وأقطع جَزِيرَة ابْن عمر سيف الدّين غَازِي ابْن أَخِيه مَعَ الْموصل وَعَاد إِلَى الشَّام وَمَعَهُ عبد الْمَسِيح فَغير اسْمه وَسَماهُ عبد الله وأقطعه إقطاعا كثيرا
وَقَالَ الْعِمَاد واستدعاني نور الدّين وَنحن بِظَاهِر الرقَّة وَقَالَ لي قد أنست بك وَأمنت إِلَيْك وَأَنا غير مُخْتَار للفرقة لَكِن المهم الَّذِي عرض لَا يبلغ فِيهِ غَيْرك الْغَرَض فتمضي إِلَى الدِّيوَان الْعَزِيز جَرِيدَة وَتُؤَدِّي عني رِسَالَة سديدة سعيدة وتنُهي أَنِّي قصدت بَيْتِي وَبَيت وَالِدي ومغنَي طريفي وتالدي وَأَنا كبيره ووارثه وَالَّذِي لَهُ حَدِيثه وحادثه فَامْضِ وَخذ لي إِذْنا فَإِنِّي أعد كل جارحة لي لما أخاطب بِهِ أُذناً وأمثل مَا يصلني من الْمِثَال لدفع كل مَكْرُوه ركنا وَأمر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن شيركوه أَن يسيرني إِلَى الرحبة فِي رجال مأموني الصُّحْبَة وسرت مِنْهَا على الْبَريَّة غربي الْفُرَات بخفير من بني خفاجة فَذكر أَنه وصل وَقضى الْحَاجة ثمَّ رَجَعَ من عِنْد الْخَلِيفَة المستنجد إِلَى نور الدّين وَهُوَ يحاصر سنجار فَأَخذهَا وملكها
وَسلمهَا إِلَى ختنه ابْن أَخِيه عماد الدّين زنكي بن مودود بن زنكي
قَالَ ثمَّ رَحل على عزم الْموصل وَقصد بلد واستوضح فِيهَا الجدد ودُلَّ هُنَاكَ فِي دجلة على مخاضة وَكَانَ ذَا أَخْلَاق وهمم مرتاضة فاستسهل من خوضها والعبور فِيهَا مَا ظن مستصعبا وَسَهل الله لنا ذَلِك ورأيناه أمرا عجبا وَجَاء دَلِيل تركماني قدامنا وَهُوَ يقطع دجلة تَارَة طولا وَتارَة عرضا أمامنا وَنحن وَرَاءه كخيط وَاحِد لَا نَمِيل يَمِينا وَلَا يسارا وَلَا نجد لنا فِي سوى ذَلِك الْمجَاز اخْتِيَارا حَتَّى عبرنا من الْجَانِب الغربي إِلَى الْجَانِب الشَّرْقِي برجالنا وأثقالنا وخيلنا وبغالنا وجمالنا وأقمنا بَقِيَّة ذَلِك الْيَوْم حَتَّى تمَّ عبور الْقَوْم
ثمَّ رحلنا ونزلنا على الْموصل من شرقيها وخيمنا على تلِّ تَوْبَة فاستعظم أَهلهَا تِلْكَ النّوبَة وَمَا خطر ببالهم أننا نعبر بِغَيْر مراكب وأنَّا نَأْخُذ عَلَيْهِم ذَلِك الْجَانِب فعرفوا أَنهم محصورون مقهورون محسورون وانقطعت عَنْهُم السبل من الشرق وَتعذر عَلَيْهِم الرقع لاتساع الْخرق وَبسط الْعَطاء وكشف الغطاء وَتكلم فِي الْمصلحَة والمصالحة الوسطاء ومُد الجسر وَقضى الْأَمر وأنعم نور الدّين على أَوْلَاد أَخِيه ومثلوا بناديه وَأقر سيف الدّين غازياً على قَاعِدَة أَبِيه وَألبسهُ التشريف الَّذِي وَصله من أَمِير الْمُؤمنِينَ المستضيء
ثمَّ دخل قلعة الْموصل وَأقَام بهَا سَبْعَة عشر يَوْمًا وجدد مناشير أهل المناصب وتوقيعات ذَوي الْمَرَاتِب من الْقَضَاء والنقابة وَغَيرهمَا وَأمر