الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عز الدّين بن الزنجيلي ثمَّ سَار إِلَى المخلاف وتسَّلم الْحُصُون الَّتِي كَانَت فِي يَد ابْن مهْدي كتعز وَغَيرهمَا وَسَار إِلَى صنعاء بعد فتح مَدِينَة الْجند وَغَيرهَا فأحرقت صنعاء فذخلها شمس الدولة فَلم يجد بهَا إِلَّا شَيخا وَامْرَأَة عجوزا فَأَقَامَ بهَا ثَمَانِيَة أَيَّام ثمَّ لم يسْتَطع الْمقَام لقلَّة الْميرَة فَرجع إِلَى زبيد فَوجدَ ابْن منقذ قد قتل عبد النَّبِي ابْن مهْدي وَكَانَ شمس الدولة قد استناب بزبيد الْأَمِير سيف الدولة الْمُبَارك بن منقذ وَأمره بِحمْلِهِ فَلَمَّا بُعد شمس الدولة خَافَ ابْن منقذ من فَسَاد أمره فَرَأى الْمصلحَة فِي قَتله فَقتله ابْن منقذ بزبيد فَلَمَّا بلغ شمس الدولة قَتله استصوبه
وَلما حصل شمس الدولة فِي زبيد أنفذ إِلَيْهِ صَاحب طمار وَصَالَحَهُ هُوَ وَبَاقِي الْمُلُوك على أَدَاء المَال ثمَّ تتبع تِلْكَ الْحُصُون والقلاع فاحتوى عَلَيْهَا جَمِيعهَا وَكتب بذلك إِلَى أَخِيه الْملك النَّاصِر فَأرْسل إِلَى نور الدّين يُخبرهُ بِمَا أَفَاضَ الله عَلَيْهِ من الْإِحْسَان وخوّله من ملك الْبلدَانِ فَأرْسل نور الدّين مهذب الدّين أَبَا الْحسن عليّ بن عِيسَى النقاش بالبشارة بذلك إِلَى بَغْدَاد
فصل
ذكر الْعِمَاد هَهُنَا الْأَمِير مجد الدّين سيف الدولة الْمُبَارك بن كَامِل بن منقذ المستناب بزبيد وَوَصفه بِأَنَّهُ من الكفاة الكرماء والدّهاة ذوى الآراء وَهُوَ فَاضل من أهل بَيت فضل كتب إِلَى الْعِمَاد من شعره
(لما نزلت الدّير قلت لصاحبي
…
قُم فاخطب الصَّهْبَاء من شماسه)
(فَأتى وَفِي يمناه كأس خلتها
…
مقبوسةً فِي اللَّيْل من نبراسه)
(وَكَأن مَا فِي كأسه من خَدّه
…
وَكَأن مَا فِي خَدّه من كاسه)
(وَكَأن لَذَّة طعمها من رِيقه
…
وأريجها الفيّاح من أنفاسه)
(لم أنس لَيْلَة شربهَا بفنائه
…
إِذْ بَات يجلوها على جُلاّسه)
(إِذْ قَامَ يسقينا المدام وَكلما
…
عاتبته ردَّ الْجَواب براسه)
قلت ومدحه أَبُو الْحسن بن الذروي الْمصْرِيّ بقصيدة غراء ذالية مَا أَظن أَنه نظم على قافية الذَّال أرق مِنْهَا لفظا وأروق معنى أوّلها
(لَك الْخَيْر عرّج بِي على ربعهم فذى
…
ربوع يفوح الْمسك من عرفهَا الشذى)
يَقُول فِيهَا
(مَبَارِكُ عِيسِ الْوَفْد بابُ مباركٍ
…
وَهل منقذ القُصاد غيرُ ابْن منقذ)
قَالَ الْعِمَاد ثمَّ سير نور الدّين إِلَى بَغْدَاد بِشَارَة بأمرين أَحدهمَا فتح الْيمن وَالْآخر كسر الرّوم مرّة ثَانِيَة ومقدمهم الدوقس كلمان وَكَانَ قَدِيما أَسِيرًا عِنْد نور الدّين من نوبَة حارم وفداه بِخَمْسَة وَخمسين ألف دِينَار وَخمْس مئة وَخمسين ثوبا أطلسا وسيّر مَعَه أسرى من الرّوم وَذَلِكَ فِي
شعْبَان هَذِه السّنة
وَمِمَّا تضمنه كتاب الْبشَارَة وَلم ينج من عشرَة آلَاف غير عشرَة حمر مستنفرة فرت من قسورة
وقبِل ذَلِك بشهرين سيّرت قصيدة للعماد فِي جُمَادَى الْآخِرَة على لِسَان نور الدّين إِلَى بَغْدَاد أوّلها
(أطَاع دمعي وصبري فِي الغرام عَصَي
…
وَالْقلب جرّع من كأس الْهوى غصصا)
(وَإِن صفو حَياتِي مَا يكدره
…
إِلَّا اشتياقي إِلَى أحبابي الخلصا)
(مَا أطيب الْعَيْش بالأحباب لَو وصلوا
…
وأسعد الْقلب من بلواه لَو خلصا)
وَمِنْهَا
(من ذَا الَّذِي سَار سيري فِي ولائكم
…
غَدَاة قَالَ العدى لاسير عِنْد عَصا)
(قد نَالَ عَبدك محمودٌ بهَا ظفرا
…
مَا زَالَ يرقبهُ من قبل مرتبصا)
(مِنْ خوف سطوته أَن العدوّ إِذا
…
أم الثغور على أعقابه نكصا)
قَالَ الْعِمَاد وكلّف نور الدّين فِي هَذِه السّنة بإفادة الألطاف وَالزِّيَادَة فِي الْأَوْقَاف وتكثير الصَّدقَات وتوفير النَّفَقَات وَكِسْوَة النسْوَة الْأَيَامَى فِي أَيَّامهَا وإغناء فُقَرَاء الرّعية وإنجادها بعد أعدامها وصون الْأَيْتَام والأرامل
ببذله وعوْن الضُّعَفَاء وتقوية المقوين بعدله
ثمَّ ذكر مَا قدمنَا ذكره فِي أول الْكتاب من مَنَاقِب نور الدّين وأفعاله الْكَرِيمَة
قَالَ الْعِمَاد وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع شهر رَمَضَان ركب نور الدّين على الْعَادة وَجَلَسْنَا نَحن فِي ديوانه حافلين فِي إيوانه لبسط عدله وإحسانه وتنفيذ أوَامِر سُلْطَانه فَجَاءَنِي من أَخْبرنِي أَن نور الدّين نزل إِلَى الْمدرسَة الَّتِي تتولاها وَبسط سجادته فِي قبلتها لسُنة الضُّحَى وصلاّها فَقُمْت من الْحَال ومضيت على الاستعجال فَلَقِيته فِي الدهليز خَارِجا فِي أجر الْعِبَادَة ناجحا ولنهج السَّعَادَة ناهجا فَلَمَّا رَآنِي توقف ولقولي تشوف فَقلت لَهُ إِن الْموضع قد تشرف أما ترى أَنه من أَيَّام الزلزلة قد تشعث فَلَمَّا رأى حَاله تلبث وَقَالَ نعيده إِلَى الْعِمَارَة ونكسوه حلل النضارة ثمَّ حملت لَهُ وُجُوه سكر وشيئا من ثِيَاب وَطيب وَعَنْبَر وكتبت مَعهَا هَذِه الأبيات
(عِنْد سُلَيْمَان على قدره
…
هَدِيَّة النملة مقبوله)
(ويصغر الْمَمْلُوك عَن نملة
…
عنْدك وَالرَّحْمَة مأموله)
(رقِّي لمولانا وملكي لَهُ
…
وذمتي بالشكر مشغوله)