الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلا فِي الْعُمْرَى؛ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ. أوْ: أَرْقَبْتُكَهَا. أَوْ: جَعَلْتُهَا لَكَ عُمُرَكَ. أوْ: حَيَاتَكَ. فَإنَّهُ يَصِحُّ، وَتَكُونُ لِلْمُعْمَرِ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ.
ــ
أشْبَهَ العِتْقَ. وبه يقولُ في العِتْقِ النَّخَعِيُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ. ويتَخَرَّجُ أنَّ لا يَصِحَّ، كما لو باع أمَةً واسْتَثْنَى ما في بَطْنِها، وقد ذَكَرْناه في البَيعِ (1). وقال أصْحابُ الرأي: تَصِحُّ الهِبَةُ ويَبْطُلُ الاسْتِثَناءُ. ولَنا، أنَّه لم يَهَبِ الوَلَدَ، فلم يَمْلِكْه المَوْهُوبُ له، كالمُنْفَصِلِ وكالمُوصَى به.
2614 - مسألة: (إلَّا في العُمْرَى)
والرُّقْبَى (وهو أنَّ يقولَ: أعْمَرْتُكَ هذه الدّارَ. أو: أرْقَبْتُكَها. أو: جَعَلْتُها لك عُمُرَكَ. أو: حَياتَكَ. فإنه يَصِحُّ، وتكونُ للمُعْمَرِ ولِوَرَثَتِه مِن بعدِه) العُمْرَى والرُّقْبَى، نَوْعان مِن أنْواعِ الهِبَةِ، يَفْتَقِرَان إلى ما يَفْتَقِرُ إليه سائِرُ الهِبَاتِ، مِن الإيجابِ والقَبُولِ والقَبْضِ، أو ما يَقُومُ مَقامَ ذلك عندَ مَن اعْتَبَرهُ. وصُورَةُ العُمْرَى أنَّ يقولَ: أعْمَرْتُكَ دارِي هذه. أو: هي لك عُمُرَكَ.
(1) انظر ما تقدم في 11/ 128، 129.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو: ما عِشْتَ. أو: مُدَّةَ حَياتِكَ. أو: ما حَيِيتَ. أو نحوَ هذا. سُمِّيَتْ عُمْرَى لِتَقْيِيدِ ما بالعُمُرِ. والرُّقْبَى أنَّ يقولَ: أرْقَبْتُكَ هذه الدّارَ. أو: هي لك حَياتَكَ، على أنَّكَ إن مِتَّ قبلِي عادت إلَيَّ، وإن مِت قبلَك، فهي لك ولعَقِبِك. فكأنَّه يقولُ: هي لآخِرِنا مَوْتًا. ولذلك سُمِّيَتْ رُقْبَى؛ لأنَّ كلَّ واحِدٍ منهما يَرْقُبُ مَوْتَ صاحِبِه. وهما جائِزان في قولِ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ. وحُكِيَ عن بعضِهم أنَّها لا تَصِحُّ؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُعْمِرُوا وَلَا تُرْقِبُوا» (1). ولَنا، ما روَى جابِرٌ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «العُمْرَى جَائِزَةٌ لِأهْلِها، والرُّقْبَى جَائِزَة لِأهْلِها» . رَواه أبو داودَ، والتِّرْمِذِيُّ (2). وقال: حديثٌ حَسَنٌ. فأمّا النَّهْي فإنَّما وَرَد على وَجْهِ الإِعْلامِ لهم إنَّكم إن أعْمَرْتُمْ أو أرْقَبْتُم يَعُدْ للمُعْمَر والمُرْقَبِ، ولم يَعُدْ إليكم منه شيءٌ. وسِياقُ الحديثِ يَدُلُّ عليه، فإنَّه قال:«فمَنْ أعْمَرَ عُمْرَى، فَهِيَ لِلَّذِي أُعْمِرَها حَيًّا ومَيِّتًا وعَقِبِهِ» . ولو أُرِيدَ به حَقِيقةُ النَّهْي، لم يَمْنَعْ ذلك صِحَّتَها، فإنَّ النَّهْيَ إنَّما يَمْنَعُ صِحَّةَ ما يُفِيدُ المَنْهِيُّ
(1) أخرجه أبو داود، في: باب من قال فيه: ولعقبه، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 264. والنسائي، في: باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر جابر في العمرى. المجتبى 6/ 230.
(2)
أخرجه أبو داود، في: باب في الرقبى، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 265. والترمذي، في: باب ما جاء في الرقبى، من أبواب الأحكام. عارضة الأحوذي 6/ 101.
كما أخرجه النسائي، في: باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر جابر في العمرى، من كتاب العمرى. المجتبى 6/ 232. وابن ماجه، في: باب الرقبى، من كتاب الهبات. سنن ابن ماجه 2/ 797. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 297، 303.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عنه فائِدَةً، أمّا إذا كان صِحّةُ المَنْهِيِّ عنه (1) ضَرَرًا على مُرْتَكِبِه، لم يَمْنَعْ صِحَّتَه، كالطَّلاقِ في زَمَنِ الحَيضِ، وصِحّةُ العُمْرَى ضَرَر على المُعْمِرِ، فإنَّ مِلْكَه يَزُولُ بغيرِ عِوَضٍ. إذا ثَبَت ذلك، فإنَّ العُمْرَى تَنْقُلُ المِلْكَ إلى المُعْمَرِ. وبهذا قال جابِرُ بنُ عبدِ الله، وابنُ عُمَرَ، وابنُ عباسٍ، وشُرَيحٌ، ومجاهِدٌ، وطاوُسٌ، والثَّوْرِيُّ، والشافعيُّ وأصحابُ الرَّأْي. ورُوِيَ ذلك عن عليٍّ. وقال مالِكٌ، واللَّيثُ: العُمْرَى تَمْلِيكُ المَنافِعِ، لا تُمْلَكُ بها رَقَبَةُ المُعْمِرِ بحالٍ، ويكونُ للمُعْمَرِ السُّكْنَى، فإذا (2) مات، عادت إلى المُعْمِرِ. وإن قال: له ولعَقِبِه. كان سُكْناها لهم، فإذا انْقَرَضُوا عادت إلى المُعْمِرِ. واحْتَجُّوا (3) بما روَى يَحْيَى بنُ سعيدٍ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ القاسِمِ، قال: سَمِعْتُ مَكْحُولًا يَسْألُ القاسِمَ بنَ محمدٍ عن العُمْرَى،
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «فيه فإن» .
(3)
في م: «واحتجا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ما يقولُ الناسُ فيها؟ فقال القاسِمُ: ما أدْرَكْتُ النَّاسَ إلَّا على شُروطِهِم في أمْوالِهم، وما أعْطَوْا. وقال إبراهيمُ الحَرْبِيُّ، عن ابنِ الأعْرابِيِّ: لم يَخْتَلِفِ العَرَبُ في العُمْرَى، والرُّقْبَى، والإِفْقارِ (1)، والمِنْحَةِ (2)، والعارِيَّةِ، والسُّكْنَى، والإِطْراقِ، أنَّها على مِلْكِ أرْبابِها، ومَنافِعُها لمَن جُعِلَتْ له. ولأنَّ التَّمْلِيكَ لا يَتَأقَّتُ، كما لو باعَه إلى مُدَّةٍ، فإذا كان لا يَتأقَّتُ حُمِل قَوْلُه على تَمْلِيكِ المَنافِعِ؛ لأنَّه يَصِحُّ تَوْقِيتُه. ولنا، ما روَى جابِرٌ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أمْسِكُوا عَلَيكُم أمْوالكُم ولَا تُفْسِدُوهَا، فإنَّه مَنْ أعْمَرَ عُمْرَى فهِيَ لِلَّذِي أعْمِرَهَا حَيًّا ومَيِّتًا ولِعَقِبِه» . رَواه مسلمٌ (3). وفي لَفْظٍ: قَضَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالعُمْرَى لمَن وُهِبَتْ له. مُتَّفَقٌ عليه (4). وروَى ابنُ ماجه (5)، عن ابنِ عُمَرَ، قال: قال
(1) الإفقار: أن يعطى الرجل الرجل دابته، فيركبها ما أحب في سفر أو حضر، ثم يردها عليه.
(2)
المنحة: أنَّ يمنح الرجل أخاه ناقة أو شاة، فيحتلبها عاما أو أقل أو أكثر.
(3)
في: باب العمرى، من كتاب الهبات. صحيح مسلم 3/ 1246، 1247.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في الرقبى، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 265. والنسائي، في: باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر جابر في العمرى، من كتاب العمرى. المجتبى 6/ 231. وابن ماجه، في: باب العمرى، من كتاب الأحكام. سنن ابن ماجه 2/ 796. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 312، 386.
(4)
أخرجه البخاري، في: باب ما قيل في العمرى. . . .، من كتاب الهبة. صحيح البخاري 3/ 216. ومسلم، في: باب العمرى، من كتاب الهبات. صحيح مسلم 3/ 1246. كما أخرجه أبو داود، في: باب في العمرى، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 263. والنسائي، في: باب ذكر اختلاف يحيى بن أبي كثير. . . .، من كتاب العمرى. المجتبى 6/ 234. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 304، 393.
(5)
في: باب الرقبى، من كتاب الهبات. سنن ابن ماجه 2/ 796.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا رُقْبَى، فَمَنْ أرْقِبَ. شَيئًا فَهُوَ لَهُ حَيَاتَه وَمَوْتَه» . وعن زيدِ بنِ ثابتٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ العمْرَى للوارِثِ (1). وقد روَى مالِكٌ حديثَ العُمْرَى في «مُوَطَّئِه» (2). وهو صحيحٌ رَواه جابِرٌ، وابن عُمَرَ، وابن عباسٍ (3)، ومُعاويةُ، وزيدُ بن ثابتٍ، وأبو هُرَيرَةَ (4). وقولُ القاسِمِ لا يُقْبَل في مُخالفَةِ مَن سَمَّينا مِن الصحابةِ والتّابِعِين، فكيف يُقْبَلُ في مُخالفَةِ سَيِّدِ المُرْسَلِين! ولا يَصِحُّ دَعْوَى إجْماعِ أهْلِ المَدِينَةِ، لكَثْرَةِ مَن قال بها منهم، وقَضَى بها طارِقٌ (5) بالمَدِينةِ بأمْرِ عبدِ المَلِكِ بنِ مَرْوانَ. وقولُ ابنِ الأعْرابِيِّ: إنَّها عندَ العَرَبِ تَمْلِيكُ المَنافِعِ. لا يَضرُّ إذا نَقَلَها الشَّرْعُ إلى تَمْلِيكِ الرقَبَةِ، كما نَقَل الصلاةَ مِن الدُّعاءِ إلى الأفْعالِ المَنْظومَةِ، ونَقَل الظِّهارَ والإيلاءَ مِن الطَّلاقِ إلى أحْكامٍ مَخْصوصَةٍ.
(1) أخرجه النسائي، في: باب ذكر الاختلاف على أبي الزبير، من كتاب الرقبى، ومن كتاب العمرى. المجتبى 6/ 228، 229. وابن ماجه، في: باب العمرى، من كتاب الهبات. سنن ابن ماجه 2/ 796. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 189.
(2)
في: باب القضاء في العمرى، من كتاب الأقضية. الموطأ 2/ 756.
(3)
أخرجه النسائي، في: باب ذكر الاختلاف على أبي الزبير، من كتاب الرقبى، ومن كتاب العمرى. المجتبى 6/ 272، 229.
(4)
أخرجه البخاري، في: باب ما قيل في العمرى والرقبى. . . .، من كتاب الهبة. صحيح البخاري 3/ 216. ومسلم، في: باب العمرى، من كتاب الهبات. صحيح مسلم 3/ 1248. وأبو داود، في: باب في العمرى، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 263. والنسائي، في: باب ذكر اختلاف يحيى بن أبي كثير. . . .، من كتاب العمرى. المجتبى 6/ 235.
(5)
هو طارق بن عمرو مولى عثمان. انظر أخبار القضاة لوكيع 1/ 124.