الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإن مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ، ثَبَتَ لِلْمُعْطَى. وَعَنْة، لَا يَثْبُت، وَلِلْبَاقِينَ الرُّجُوعُ. اخْتَارَة أَبُو عَبْدِ اللهِ بن بَطَّةَ.
ــ
2617 - مسألة: (وإن مات قبلَ ذلك، ثَبَت للمُعْطَى. وعنه، لا يَثْبُتُ، وللباقِينَ الرُّجُوعُ. اخْتارَه أبو عبدِ اللهِ بن بَطَّةَ)
إذا فاضَلَ بينَ وَلَدِه في العَطايا، أو خصَّ بعضَهم بعَطيَّةٍ، ثم مات قبلَ أنَّ يَسْتَرِدَّه، ثَبَت ذلك للمَوْهُوبِ له، ولَزِم، وليس لبَقِيَّةِ الوَرَثَةِ الرُّجُوعُ. هذا المَنْصُوصُ عن أحمدَ، في رِوَايَةِ محمدِ بنِ الحَكَمِ، والمَيمُونِيِّ. واخْتارَه الخَلَّالُ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وصاحِبُه أبو بكر. وبه قال مالِكٌ، والشافعيُّ، وأصحابُ الرَّأْي، وأكْثَرُ أهلِ العلمِ. وهو الذي ذَكَرَه الخِرَقِيُّ. وفيه روايَةٌ أُخْرَى، أنَّ لباقي الوَرَثَةِ أنَّ يَرْتَجِعُوا ما وَهَبَه. اخْتارَه أبو عبدِ اللهِ بنُ بَطَّةَ وأبو حَفْص العُكْبَرِيّانِ. وهو قولُ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيرِ، وإسحاقَ. قال أحمدُ: عُرْوَةُ قد روَى الأحاديثَ الثلاثةَ؛ حديثَ عائشةَ، وحديثَ عُمَرَ، وحديثَ عُثْمانَ (1)، وتَرَكَها وذَهَب إلى حديثِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، يُرَدُّ في حَياةِ الرجلِ وبعدَ مَوْتِه (2). وهو قولُ إسحاقَ، إلَّا أنَّه قال: إذا مات الرجلُ فهو مِيراثٌ بينَهم، لا يَسَعُ أنَّ يَنْتَفِعَ أحَدٌ بما أُعْطِيَ دُونَ إخْوَتِه وأخَواتِه؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سَمَّى ذلك جَوْرًا بقَوْلِه لبَشِير:«لا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ» . والجَوْرُ لا يَحِلُّ للفاعِلِ فِعْلُه، ولا للمُعْطَى تَناوُلُه، والمَوْت لا يُغَيِّرُه عن
(1) يأتي تخريج حديث عائشة في صفحة 87، وحديث عمر تقدم في صفحة 7، وحديث عثمان في صفحة 35.
(2)
أي إلى أنَّ معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم يرد في حياة الرجل وبعد موته.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كونِه جَوْرًا حَرامًا، فيَجِبُ رَدُّه، ولأنَّ أبا بكر وعُمَرَ أمَرَا قَيسَ بنَ سَعْدٍ برَدِّ قِسْمَه أبيه حينَ وُلِد له وَلَدٌ لم يكنْ عَلِمَ به ولا أعْطاه شيئًا، وكان ذلك بعدَ مَوْتِ سَعْدٍ، فرَوَى سعيدٌ (1) بإسْنادِه مِن طَرِيقَين، أنَّ سعدَ بنَ عُبادَةَ قَسَمَ ماله بينَ أوْلادِه وخَرَج إلى الشّام، فمات بها، ثم وُلِدَ له بعدَ ذلك وَلَدٌ، فمَشَى أبو بكرٍ وعُمَرُ، رضي الله عنهما، إلي قَيسِ بنِ سعدٍ فقالا: إنَّ سعدًا قَسَمَ ماله، ولم يَدْرِ ما يكونُ، وإنّا نَرَى أنَّ تَرُدَّ هذه القِسْمَةَ. فقال: لم أكُنْ لأُغَيِّرَ شيئًا صَنَعَه سعدٌ، ولكنْ نَصِيبِي له. وهذا مَعْنَى الخَبَرِ. وَوَجْهُ الرِّوايةِ الأولَى قولُ أبي بكر لعائشةَ، رضي الله عنهما، لمّا نَحَلَها نَخْلًا (2): وَدَدْتُ لو (3) أنَّكِ كُنْتِ حُزْتِيه (4). فيَدُلُّ على أنَّها لو كانت حازَتْه لم يكُنْ لهم الرُّجُوعُ. وقال عُمَرُ: لا نِحْلَةَ إلَّا نِحْلَةٌ يَحُوزُها الوَلَدُ دُونَ الوالِدِ. ولأنَّها عَطِيَّة لوَلَدِه، فلَزِمَتْ بالمَوْتِ، كما لو انْفَرَدَ، ولأنَّه حَقٌّ للأَب يتعَلَّقُ بمالِ الوَلَدِ، فسَقَطَ بمَوْتِه، كالأخْذِ مِن مالِه.
(1) في: باب من قطع ميراثا فرضه الله. السنن 1/ 97.
(2)
في م: «نحلا» .
(3)
سقط من: م.
(4)
تقدم تخريجه في 16/ 485.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وليس عليه التَّسْويَةُ بينَ سائِرِ أقارِبِه، ولا إعْطاؤُهم على قَدْرِ (1) مِيراثِهم، سَواءٌ كانُوا مِن جهَةٍ واحِدَةٍ، كإخْوَةٍ وأخَواتٍ، وبَنِي عَمٍّ، أو مِن جِهاتٍ، كَبناتٍ وأَخَواتٍ وغيرِهم. وقال أبو الخَطّابِ: المَشْرُوعُ في عَطِيَّةِ سائِرِ الأقارِبِ أن يُعْطيَهم على قَدْرِ مِيراثِهم، كالأوْلادِ فإن خالفَ، فعليه أنَّ يَرْجِعَ أو يَعُمَّهم بالنِّحْلَةِ؛ لأَنهم في مَعْنَى الأوْلادِ، فثَبَتَ فيهم حُكْمُهم. ولَنا، أنَّها عَطِيَّةٌ لغيرِ الأوْلادِ في صِحَّتِه، فلم تَجِبْ عليه التَّسْويَةُ، كما لو كانُوا غيرَ وارِثِينَ، ولأنَّ الأصْلَ إباحَةُ الإِنْسانِ التَّصَرُّفَ في مالِه كيف شاء، وإنَّما وَجَبَتِ التَّسْويَةُ بينَ الأوْلادِ للخَبَرِ، وليس غيرُهم في مَعْناهم؛ لأنهم اسْتَوَوْا في وُجُوبِ (2) بِرِّ والِدِهم، فاسْتَوَوْا في عَطِيَّتِه، وبهذا عَلَّلَ النبي صلى الله عليه وسلم حينَ قال لِبَشيرٍ: «أيَسُرُّكَ أنْ
(1) في م: «قد» .
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَسْتَوُوا في بِرِّكَ؟». قال: نعم. قال: «فَسَوِّ بَينَهُمْ» . ولم يُوجَدْ هذا في غيرِهم. ولأن للوالِدِ الرُّجُوعَ فيما أعْطَى وَلَدَه، فيُمْكِنُه أنَّ يُسَوِّيَ بينَهم في الرُّجُوعِ بما أعْطاه لبعضِهم، ولا يُمْكِنُ ذلك في غيرِهِم، ولأنَّ الأولادَ لشِدَّةِ مَحَبَّةِ الوالِدِ لهم، وصَرْفِه ماله إليهم عادَةً، يَتَنافسُون في ذلك، ويَشْتَدُّ عليهم تَفْضِيلُ بعضِهم، ولا يُساويهم في ذلك غيرُهم، فلا يَصِحُّ قِياسُه عليهم، ولأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد عَلِمَ أنَّ لِبَشِير زَوْجَةً، ولم يَأْمُرْه بإعْطائِها شيئًا حينَ أمَرَه بالتَّسْويَةِ بينَ أوْلادِه، ولم يَسْألْه هل لك وارِثٌ غيرُ وَلَدِكَ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن أعْطَى أحَدَ ابْنَيه في صِحَّتِه [ثم أعْطىَ الآخَرَ](1) في مَرَضِه، فقد تَوَقَّفَ أحمدُ فيه، فإنَّه سُئِل عمَّن زَوَّجَ ابْنَه، فأعْطَى عنه الصَّداقَ، ثم مَرِض الأبُ وله ابن آخَرُ، هل يُعْطِيه في مَرَضِه كما أعْطَى الآخَرَ في صِحَّتِه؟ فقال: لو كان أعْطاه في صِحَّتِه. فيَحْتَمِلُ وَجْهَين؛ أحَدُهما، لا يَصِحُّ؛ لأنَّ عَطِيَتّهَ في مَرَضِه كوَصِيَّته له، ولو وَصَّى له لم يَصِحَّ، فكذلك إذا أعْطاه. والثاني، يَصِحُّ. وهو الصَّحِيحُ، إن شاء الله تعالى؛ لأنَّ التَّسْويَةَ بينَهما واجِبَةٌ، ولا طَرِيقَ لها في هذا المَوْضِعِ إلَّا بِعَطِيَّةِ الآخَرِ، فتكونُ واجِبَةً، فتَصِحُّ، كقَضَاءِ دَينِه.
فصل: قال أحمدُ: أحَبُّ إلَيَّ أنَّ لا يَقْسِمَ ماله، ويَدَعَه على فَرائِض اللهِ تعالى، لَعَلَّه أنَّ يُولَدَ له، فإن أعْطَى وَلَدَه ماله ثم وُلِد له وَلَدٌ، فأعْجَبُ إلَيَّ أنَّ يَرْجِعَ فيُسَوِّيَ بينَهم. يَعْنِي يَرْجِعُ في الجَمِيعِ، أو يَرْجِعُ في بعضِ ما أعْطَى كلَّ واحِدٍ منهم ليَدْفَعَه إلى هذا الوَلَدِ الحادِثِ، ليُساويَ إخْوَته. فإن أعْطَى وَلَدَه، ثم مات، ثم وَلَدٌ له وَلَدٌ، اسْتُحِبَّ للمُعْطَى أنَّ يُساويَ المَوْلُودَ الحادِثَ بعدَ أبيه.
(1) في م: «والآخر» .