الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ الْوَصَايَا
وَهِيَ الأمْرُ بِالتَّصَرُّفِ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ هِيَ التبرعُ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ.
ــ
كتابُ الوَصايا (1)
(وهي الأمْرُ بالتَّصَرُّفِ بعدَ المَوْتِ) الوَصايا جَمْعُ وَصِيةٍ، مثل العَطايا جَمْعُ عَطيَّةٍ (والوَصِيَّةُ بالمالِ هي التبرُّعُ به بعدَ المَوْتِ) وقال أبو الخَطّابِ: هي التبرُّعُ بمالٍ يَقِفُ نُفُوذُه على خُرُوجِه مِنَ الثُّلُثِ. فعلى قَوْلِه، تكونُ العَطِيَّةُ في مَرَضِ المَوْتِ وَصِيَّةً. والصَّحِيحُ أنَّها ليست وَصِيَّة؛ فإنَّها تُخالِفُها في الاسمِ والحُكْمِ في أشياءَ ذَكَرْناها في عَطِيَّةِ المَرِيضِ. والأصْلُ فيها الكِتابُ والسُّنَّةُ والإجْماعُ؛ أمّا الكِتَابُ، فقَوْلُه سبحَانه:{كُتِبَ عَلَيكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيرًا الْوَصِيَّةُ} (2). وقَوْلُه: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَينٍ} (3). وأمّا السُّنَّةُ، فرَوَى سَعدُ بنُ أبي وَقّاصٍ، رضي الله عنه، قال: جاءَني
(1) من هنا يبدأ الجزء الخامس من مخطوطة مكتبة الرياض وهو المشار إليه بالأصل.
(2)
سورة البقرة 180.
(3)
سورة النساء 12.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يعُودُنِي عامَ حَجةِ الوَداع مِن وَجَعٍ اشْتَدَّ بي، فقُلْتُ: يا رسولَ الله، قد بَلَغ لي مِن الوَجَعَ ما ترَى، وأنا ذو مالٍ، ولا يَرثُنِي إلَّا ابنةٌ، أفأتصَدَّقُ بثُلثَيْ مالِي؟ قال:«لا» . قُلْتُ: فبِالشَّطْرِ يا رسولَ اللهِ؟ قال: «لا» . قلتُ: فبالثُّلُثِ؟ قال: «الثُّلُثُ، والثُّلُثُ كَثِيرٌ، إنَّكَ أن تَذَرَ وَرَثَتَكَ أغْنِياءَ خير مِنْ أنْ نَذَرَهُم عالة يَتَكَفَّفُونَ النّاسَ» . مُتَّفقٌ عليه (1). وعن ابنِ عُمَرَ، أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:«مَا حَقُّ امْرِئ مسلِم لَهُ ما يُوصِي فِيه يَبيتُ لَيلَتَينِ إلا وَوَصيَّته مَكْتُوبَة عِنْدَه» . مُتفَقٌ عليه (2). وعن أبي أمامَةَ قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «إن الله قَدْ أعْطَى كُلَّ ذِي حَق حَقهُ، فلا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» . رَواه أبو داودَ، والتِّرْمِذِيُّ (3)، وقال: حديث حَسَن صحيح. وعن عَلِيٍّ، رضي الله عنه، قال: إنَّكُم تَقْرَءونَ هذه الآيةَ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَينٍ} . وإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَضَى بالدينِ قبلَ الوَصِيَّةِ. رَواه التِّرْمِذِيُّ (4).
(1) تقدم تخريجه في 11/ 343.
(2)
تقدم تخريجه في 6/ 12.
(3)
أخرجه أبو داود، في: باب ما جاء في الوصية للوارث، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 103. والترمذي، في: باب ما جاء لا وصية لوارث، من أبواب الوصايا. عارضة الأحوذي 8/ 275، 278.
كما أخرجه النسائي، في: باب إبطال الوصية للوارث، من كتاب الوصايا. المجتبى 6/ 207. وابن ماجه، في: باب لا وصية لوارث، من كتاب الوصايا. سنن ابن ماجه 2/ 905، 906. والدارمي، في: باب الوصية للوارث، من كتاب الوصايا. سنن الدارمي 2/ 419. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 186، 187، 238، 239، 5/ 267.
(4)
تقدم تخريجه في صفحة 146.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأجْمَعَ العلَماء في جَميعِ الأمْصارِ والأعْصارِ على جَوازِ الوَصِيَّةِ.
فصل: ولا تَجب إلَّا على مَن عليه دَين، أو عندَه وَدِيعَةٌ، أو عليه واجِبٌ يُوصَى بالخَروجِ منه؛ لأنَّ الله تعالى أوْجَبَ أداءَ الأماناتِ إلى أهلِها، وطَرِيقُه الوَصِيَّةُ، فتكونُ واجِبَةً عليه. فأمّا الوَصِيَّةُ ببعضِ مالِه، فليست واجِبَةً عندَ الجُمْهورِ. يُرْوى ذلك عن الشَّعْبِيِّ، والنَّخَعِيِّ، والثَّوْرِيِّ، ومالكٍ، وأصحابِ الرأي، والشافعيِّ، وغيرِهم. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: أجْمَعُوا على أن الوَصِيَّةَ غيرُ واجِبَةٍ إلَّا على مَن عليه حَقٌّ بغيرِ بَينةٍ، أو أمانَة بغيرِ إشْهادٍ، إلَّا طائِفَةً شَذَّتْ فأوْجَبَتْها. فرُوىَ عن الزُّهْرِيِّ أنَّه قال: جَعَل اللهُ الوَصِيةَ حَقًّا ممّا قَلَّ أو كَثُر. وقِيلَ لأبي مِجْلَزٍ: على كلِّ مَيِّتٍ وَصِيَّة؟ قال: إن تَرَك خَيرًا. وقال أبو بكر عبدُ العزيزِ: هي واجِبَةٌ للأقْرَبِين الذين لا يَرِثُون. وبه قال داودُ. وحُكِيَ ذلك عن مَسْرُوقٍ، وطاوُس، وإياس، وقتادَةَ، وابنِ جَرِيرٍ. واحْتَجُّوا بالآيَةِ، وبخَبَرِ ابنِ عُمَرَ، فقالُوا: نُسِخَتِ (1) الوَصِيَّةُ للوالِدَين والأقرَبِين الوارِثِين، وبَقِيَتْ في مَن لا يَرِثُ مِن الأقرَبِين. ولَنا، أنَّ أكْثَرَ أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لم يُوصُوا، ولم يُنْقَلْ لذلك نَكِيرٌ، ولو كانت واجِبَةً
(1) في م: «تستحب» .