الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَلْزَمُ بِالْقَبْض. وَعَنْهُ، تَلْزَمُ فِي غَيرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ.
ــ
البَيعِ، واكْتَفَينا بدَلالةِ الحالِ في دُخُولِ الحَمّامِ، وهو إجارَةٌ وبَيعُ أعْيانٍ، فإذا اكْتَفَينا في المُعاوَضاتِ مع تَأكُّدِها بدَلالةِ الحالِ، فإنَّها تَنْقُلُ المِلْكَ مِن الجانِبَين، فلأن نَكْتَفِيَ به في الهِبَةِ أوْلَى. وأمّا النِّكاحُ فإنَّه يُشْتَرَطُ فيه ما لا يُشْتَرَطُ في غيرِه مِن الإشْهادِ، ولا يَقَعُ إلَّا قَلِيلًا، فلا يَشُقُّ اشْتِراطُ الإِيجابِ والقَبُولِ فيه، بخِلافِ الهِبَةِ. والله سبحانه وتعالى أعْلَمُ.
2605 - مسألة: (وتَلْزَمُ بالقَبْضِ. وعنه، تَلْزَمُ في غير المَكِيلِ والمَوْزُونِ بمُجَرُّدِ الهِبَةِ)
أمّا المَكِيلُ والمَوْزُونُ الذي لا يتَمَيَّزُ إلَّا بالكَيلِ والوزْنِ، فلا تَلْزَمُ الهِبَةُ فيه إلَّا بالقَبْضِ، وعلى قِياسِ ذلك المَعْدُودُ والمَذْرُوعُ. وهو قولُ أكثرَ الفُقَهاءِ؛ منهم النَّخَعِي، والثَّوْرِيُّ، والحَسَنُ بنُ صالِحٍ، وأبو حنيفةَ، والشافعي. وقال مالِكٌ، وأبو ثَوْرٍ: تَلْزَمُ بمُجَرَّدِ العَقْدِ، لعُمُومِ قَوْلِه، عليه السلام: «العائِدُ في هِبَتِه كَالعائِدِ في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قَيْئِه» (1). ولأنَّه إزالةُ مِلْكٍ بغيرِ عِوَضٍ، فلَزِم بمُجَرَّدِ العَقْدِ، كالوَقْفِ والعِتْقِ، ولأنَّه تَبَرُّعٌ فلا يُعْتَبَرُ فيه القَبْضُ، كالوَصِيَّةِ والوَقْفِ. ولَنا، إجْماعُ الصحابةِ، رضي الله عنهم، فإنَّه مَرْويٌّ عن أبي بكرٍ، وعُمَرَ، رضي الله عنهما، ولم نَعْرِفْ لهما في الصَحابةِ مُخالِفًا. وقد روَى عُرْوَةُ عن عائشةَ، رضي الله عنها، أنَّ أبا بكرٍ، رضي الله عنه، نخَلَها جِذاذَ عِشْرين وَسْقًا مِن مالِه بالغابة (2)، فلَمّا مَرِض قال: يا بُنَيَّةُ،
(1) انظر ما تقدم في 6/ 544 من حديث عمر.
وأخرجه البخاري، في: باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها، وباب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته، من كتاب الهبات. صحيح البخاري 3/ 207، 215. ومسلم، في: باب تحريم الرجوع في الصدقة، من كتاب الهبات. صحيح مسلم 3/ 1240، 1241. وأبو داود، في: باب الرجوع في الهبة، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 261. والترمذي، في: باب ما جاء في كراهية الرجوع في الهبة، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذي 5/ 301. والنسائي، في: باب رجوع الوالد فيما يعطي ولده. . . .، وباب ذكر الاختلاف لخبر عبد الله بن عباس فيه، وباب ذكر الاختلاف على طاوس في الراجع في هبته، من كتاب الهبة. المجتبى 6/ 222 - 225. وابن ماجه، في: باب الرجوع في الهبة، من كتاب الهبات. سنن ابن ماجه 2/ 797. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 217، 280، 289، 339، 342، 345، 349، 2/ 27، 78، 237، 2/ 259، 291، 327، 430، 492.
(2)
في ر 1، م:«بالعالية» .
والغابة: موضع قريب من المدينة من عواليها، وبها أموال لأهلها. النهاية في غريب الحديث 3/ 399.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ما أحَدٌ أحَبَّ إليَّ (1) غِنًى منك بعدِي، ولا أحَدٌ أعَزَّ عَلَى فَقْرًا منك، وكنتُ نَحَلْتُكِ جِذاذ عِشْرِين وَسْقًا، ووَدَدْتُ أنَّك حُزْتِيه أو قَبَضْتِيه، وهو اليومَ مالُ الوارِثِ، أخَواكِ واخْتاكِ، فاقْتَسِمُوا على كِتابِ اللهِ عز وجل. رَواه مالِكٌ في «مُوَطَّئِه» (2). وروَى ابنُ عُيَينَةَ، عن الزهْرِيِّ، عن عُرْوَةَ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ عبدٍ القاريِّ، أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ قال: ما بالُ قَوْم يَنْحَلُونَ أوْلادَهم، فإذا مات أحَدُهم قال: مالِي وفي يَدِي. فإذا مات هو قال: قد كنت نَحَلْتُه وَلَدِي، ولا نِحْلَةَ إلَّا (3) نِحْلَة يحوزُها الوَلَدُ دُونَ الوالِدِ فإن مات وَرِثَه (4). قال المَروذِي: اتَّفَقَ أبو بكرٍ وعُمَرُ وعُثْمان وعلي، على أنَّ الهِبَةَ لا تَجوزُ إلَّا مَقْبُوضَةً. ولأنَّها هِبَة غيرُ مَقْبُوضَةٍ فلم تَلْزَمْ، كما لو مات الواهِبُ قبلَ أن يَقْبِضَ، فإنَّ مالِكًا يقولُ: لا يَلْزَمُ الوَرَثَةَ
(1) زيادة من ر 1.
(2)
تقدم تخريجه 16/ 485.
(3)
في م: «لا» .
(4)
أخرجه الإمام مالك، في: باب ما لا يجوز من النحل، من كتاب الأقضية. الموطأ 2/ 753.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
التَّسْلِيمُ. والخَبرُ مَحْمُولٌ على المَقْبُوضِ. ولا يَصِحُّ القِياسُ على الوَقْفِ والوَصِيَّةِ والعِتْقِ؛ لأنَّ الوَقْفَ إخْراجُ مِلْكٍ إلى اللهِ تعالى، فخالفَ التَّمْلِيكاتِ، والوَصِيَّةُ تَلْزَمُ في حَق الوارِثِ، والعِتْقُ إسْقاطُ حَقٍّ وليس بتَمْلِيكٍ، ولأنَّ الوَقْفَ والعِتْقَ لا يكونُ في مَحَلِّ النِّزاعِ؛ لأنَّ النِّزاعَ في المَكِيلِ والمَوْزُونَ.
فصل: وفي غيرِ المَكِيلِ والمَوْزُونِ رِوايَتان؛ إحْداهما، أنَّ حُكْمَه حُكْمُ المَكِيلِ والمَوْزُونِ، في أنَّه لا يَلْزَمُ إلَّا بالقَبْضِ. وهو قولُ أكْثَرِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أهلِ العلمِ. قال المَرُّوذِيُّ: اتَّفَقَ أبو بكرٍ وعُمَرُ وعُثْمانُ وعليٌّ، على أنَّ الهبَةَ لا تَجُوزُ إلَّا مَقْبُوضَةً. رُوِيَ ذلك عن النَّخَعِيِّ، والثَّوْرِيِّ، والعَنْبَرِيِّ، والحَسَنِ بنِ صالِح، والشافعيِّ، وأصحابِ الرَّأْي؛ لِما ذَكَرْنا في المَكِيلِ والمَوْزُونِ. والثانيةُ، أنَّها تَلْزَمُ بمُجَرَّدِ العَقْدِ، ويَثْبُتُ المِلْكُ في المَوْهُوبِ فيه قبلَ قَبْضِه، فرُوىَ عن علي، وابنِ مَسْعُودٍ، رضي الله عنهما، أنَّهما قالا: الهِبَةُ جائِزَة إذا كانت مَعْلُومَةً، قُبِضَتْ أو لم تُقْبَضْ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو قولُ مالِكٍ، وأبي ثَوْرٍ، لأنَّ الهِبَةَ أحَدُ نَوْعَي التَّمْلِيكِ، فكان منها ما لا يَلْزَمُ قبلَ القَبْضِ، ومنها ما يَلْزَمُ قبلَه، كالبَيعِ، فإنَّ منه ما لا يَلْزَمُ إلَّا بقَبْضٍ، وهو الصَّرفُ وبَيعُ الرِّبَويّاتِ، ومنه ما يَلْزَمُ قبلَه، وهو ما عَدا ذلك. فأمّا حديثُ أبي بكرٍ في هِبَتِه لعائشةَ،، فإنَّ جِذَاذَ عِشْرِين وَسْقًا يَحْتَمِلُ أنَّه أراد به عِشْرِين وَسْقًا مَجْذُوذَةً، فيكونُ مَكِيلًا غيرَ مُعَيَّن، وهذا لابُدَّ فيه مِن القَبْضِ، وإن أراد نَخْلًا يُجَذ عِشْرِين وَسْقًا، فهو أيضًا غيرُ مُعَيَّنٍ، فلا تَصِحُّ الهِبَةُ فيه قبلَ تَعْيِينه، فيكونُ مَعْناه: وَعَدْتُكِ بالنِّحْلَةِ. وقولُ عُمَرَ أراد به النَّهْيَ عن التَّحَيُّلِ بنِحْلَةِ الوالِدِ وَلَدَه نِحْلَةً مَوْقُوفَةً على المَوْتِ، فيُظْهِرُ: إنِّي نَحَلْتُ وَلَدِي شيئًا. ويُمْسِكُه في يَدِه يَسْتَعْمِلُه (1)، فإذا مات أخَذَه وَلَدُه بحُكْمِ النِّحْلَةِ التي أظْهَرَها، وإن مات وَلَدُه أمْسَكَه، ولم يُعْطِ [وَرَثَةَ ولدِه](2) شيئًا. وهذا على هذا الوَجْهِ مُحَرَّمٌ، فنَهاهُم عن هذا حتى يَحُوزَها الوَلَدُ دُونَ والِدِه، فإن مات وَرِثَها
(1) في م: «يستغله» .
(2)
في م: «ورثته» .