الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَنْ أَحْمَدَ فِي الْمَرأَةِ تَهَبُ زَوْجَهَا مَهْرَهَا: إنْ كَانَ سَأَلهَا ذلِكَ رَدَّهُ إِلَيهَا، رَضِيَتْ أَوْ كَرِهَتْ؛ لِأَنَهَا لَا تَهَبُ لَهُ إلَّا مَخَافَةَ غَضَبِهِ أَوْ إِضْرَارٍ بِهَا بِأَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيهَا.
ــ
للمَوْهُوبِ له يَقِينًا، فلا يَزُولُ إلَّا بالصَّرِيحِ. قال شيخُنا (1): ويُمْكِنُ أنَّ يَنْبَنِيَ هذا على نَفْسِ العَقْدِ، فمَن أوْجَبَ الإيجابَ والقَبُولَ فيه، لم يَكْتَفِ ههُنا إلا بلَفْظٍ يَقْتَضِي زَواله، ومَن اكْتَفَى في العَقْدِ بالمُعاطاةِ الدّالَّةِ على الرِّضَا به، فههُنا أوْلَى. فإن نَوَى الرُّجُوعَ مِن غيرِ فِعْلٍ ولا قولٍ، لم يَحْصُلِ الرُّجُوعُ، وَجْهًا واحِدًا؛ لأنَّه إثباتُ المِلْكِ على مالٍ مَمْلُوكٍ لغيرِه، فلم يَحْصُلْ بمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، كسائِرِ العُقُودِ. وإن عَلَّقَ الرُّجُوعَ بشَرْطٍ، فقال: إذا جاء رَأْسُ الشَّهْرِ فقد رَجَعْتُ في الهِبَةِ. لم يَصِحَّ؛ لأن الفَسْخَ للعَقْدِ لا يَقِفُ على شَرْطٍ لا يَقِفُ العَقْدُ عليه.
2624 - مسألة: (وعن أحمدَ، في المرأةِ تَهَبُ زَوْجَها مَهْرَها: إن كان سَألَها ذلك رَدَّه إليها، رَضِيَتْ أو كَرِهَتْ؛ لأنَّها لا تَهَبُه له إلَّا مَخافَةَ غضَبِه أو إضْرارٍ بها بأن يَتَزَوَّجَ عليها)
اخْتَلَفَتِ الرِّوايَةُ عن أحمدَ في هِبَةِ المرأةِ زَوْجَها، فعنه، لا رُجُوعَ لها. وهذا ظاهِرُ كَلامِ الخِرَقِيِّ، واخْتِيارُ أبي بكرٍ. وبه قال عُمَرُ بنُ عبدِ العَزِيزِ، والنَّخَعِيُّ، ورَبِيعَةُ، ومالِكٌ والثَّوْرِيُّ، والشافعيُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْي،
(1) في: المغني 8/ 269.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعَطاءٌ، وقَتادَةُ؛ لقولِ الله تعالى:{إلا أَنْ يَعْفُونَ} (1). وقال تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيءٍ مِنْهُ نَفْسًا} (2). الآية. وعُمُومِ الأحادِيثِ. وعنه رِوايَةٌ ثانيةٌ، لها الرُّجُوعُ. قال الأثْرَمُ: سَمِعْتُ أحمدَ يُسْألُ عن المرأةِ تَهَبُ ثم تَرْجِعُ، فرَأيتُه يَجْعَلُ النِّساءَ غيرَ الرِّجالِ، ثم ذَكَر الحديثَ:«إنَّمَا يَرْجِعُ في المَوَاهِبِ النِّسَاءُ وشِرَارُ النّاسِ» (3). وذَكَر حديثَ عُمَرَ: إنَّ النِّساءَ يُعْطِينَ أزْواجَهُن رَغْبَة ورَهْبَةً، فأيُّما امرأةٍ أعْطَتْ زَوْجَها شيئًا ثم أرادت أنَّ تَعْتَصِرَه فهي أحَقُّ به (4). رَواه الأثْرَمُ (5). وهذا قولُ شرَيحٍ، والشعْبِيِّ. وحَكاه الزُّهْرِيُّ عن القُضاةِ. وعنه رِوايَةٌ ثالثةٌ، نَقَلَها عنه أبو طالِبٍ: إذا وَهَبَتْ له مَهْرَها، فإن كان سألها ذلك رَدَّه إليها، رَضِيَتْ أو كَرِهَتْ؛ لأنها لا تَهَبُ إلَّا مَخافَةَ غَضَبِه أو إضْرارٍ بأن يَتَزَوَّجَ عليها، وإن لم يكنْ سَألها وتَبَرَّعَتْ (6) به، فهو جائِزٌ. فظاهِرُ هذه الرِّوايَةِ، أنَّه متى كانت مع الهِبَةِ قَرِينَةٌ؛ مِن مَسْألَتِه لها، أو غَضَبٍ عليها، أو ما يَدُلُّ على خَوْفِها منه، فلها الرُّجُوعُ؛ لأن شاهِدَ الحالِ يَدُلُّ على أنَّها لم تَطِبْ به نَفْسًا، وإنَّما أباحه اللهُ تعالى عندَ طيبِ نَفْسِها بقَوْلِه تعالى:{فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} . فيكونُ فيها ثلاثُ رِواياتٍ؛
(1) سورة البقرة 237.
(2)
سورة النساء 4.
(3)
أخرجه عبد الرزاق، في: باب العائد في هبته، من كتاب المواهب. المصنف 9/ 111.
(4)
سقط من: الأصل، م.
(5)
وأخرجه عبد الرزاق بنحوه. المصنف 9/ 115.
(6)
في م: «وترغب» .
فَصْلٌ: وَلِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ، وَيَتَمَلَّكَهُ مَعَ حَاجَتِهِ وَعَدَمِهَا، فِي صِغَرِهِ وَكِبَرِهِ، إذَا لَمْ تَتَعَلَّقْ حَاجَةُ الابْنِ بِهِ.
ــ
إحْداها، لَيسَ لها الرُّجُوعُ، كالأجْنَبِيِّ. والثانيةُ، لها الرُّجُوعُ مُطْلَقًا؛ لحديثِ عُمَرَ. والثالثةُ، التَّفْصِيلُ الذي ذَكَرْناه.
فصل: قال، رضي الله عنه:(وللأبِ أنَّ يَأْخُذَ مِن مال وَلَدِه ما شاء، ويتَمَلَّكَه مع حاجَتِه وعَدَمِها، في صِغَرِه وكِبَرِه، ما لم تتَعلَّقْ حاجَةُ الابنِ به) إنَّما يَجُوزُ ذلك بشَرْطَين؛ أحَدُهما أنَّ لا يُجْحِفَ بالابنِ، ولا يَضُرَّ به، ولا يَأْخُذَ شيئًا تَعَلَّقَتْ به حاجَتُه. الثانِي، أنَّ لا يَأْخُذَ مِن مالِ وَلَدٍ فيُعْطِيه الآخَرَ. نَصَّ عليه أحمدُ، في رِوَايَةِ إسماعِيلَ بنِ سعيدٍ؛ لأنَّه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَمْنُوع مِن تَخْصِيصِ بعضِ وَلَدِه بالعَطِيَّةِ مِن مالِ نَفْسِه، فلَأن يُمْنَعَ مِن تَخْصِيصِه بما أخَذَه مِن مالِ وَلَدِه الآخَرِ أوْلَى. وقد رُوِيَ أنَّ مَسْرُوقًا زَوَّجَ ابْنَتَه بصداق عَشَرَةِ آلافٍ فأخَذَها فأنفَقَها في سَبِيلِ اللهِ، وقال للزَّوْج: جَهِّزِ امْرَأتكَ. وقال أبو حنيفةَ، ومالِكٌ، والشافعيُّ: ليس له أنَّ يَأخُذَ مِن مالِ وَلَدِه إلَّا بقَدْرِ حاجَتِه؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
دِمَاءَكُمْ وَأمْوَلُكُمْ عَلَيكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هَذَا، في شَهْرِكُمْ هذا». مُتَّفَقٌ عليه (1). وروَى الحَسَنُ، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:«كُلُّ أحَدٍ أحَقُّ بِكَسْبِه مِنْ وَلَدِه وَوَالِدِه والنَّاسِ أجْمَعِينَ» . رَواه سعيدٌ في «سُنَنِه» (2). ورُوِيَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَحِل مَالُ امْرِئ مُسْلِم إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسِه» . رَواه الدّارَقُطنيُّ (3). ولأن مِلْكَ الابنِ تامٌّ على مالِ نَفْسِه، فلم يَجُزِ انْتِزاعُه منه، كالذي تَعَلَّقَتْ به حاجَتُه. ولَنا، [ما رَوَتْ عائِشَةُ، رضي الله عنها](4)، قالت: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أطْيَبَ مَا أكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وإن أوْلَادَكُم مِنْ كَسْبِكُمْ» . أخْرَجَه سعيدٌ، والتِّرْمِذيُّ (5)، وقال: حديث حسن. وروَى عَمْرُو بنُ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، قال: جاء رجل إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ أبى اجْتاحَ مالي. فقال: «أنْتَ ومَالُكَ لأبِيكَ» . رَواهُ الطَّبرَانِيُّ في
(1) تقدم تخريجه في 8/ 363. من حديث جابر في صفة الحج.
(2)
وأخرجه البيهقي، في: باب من قال يجب على الرجل مكاتبة عبده. . . .، من كتاب المكاتب. السنن الكبرى 10/ 319. عن حبان بن أبي جبلة.
(3)
تقدم تخريجه في 13/ 432.
(4)
سقط من: الأصل، م.
(5)
تقدم تخريجه في صفحة 87.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«مُعْجَمِه» مُطَولًا، ورَواه ابنُ ماجه (1)، ورَوى أبو داودَ نحوَه، ورَواه غيرُه، وزاد:«وإن أوْلَادَكُم مِنْ أطْيَبِ كَسْبِكُمْ، فَكُلُوا مِنْ أمْوالِهِمْ» . وروَى محمدُ بنُ المُنْكَدِرِ، والمُطَّلِبُ بنُ حَنْطَب، قال: جاء رجل إلي النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ لي مالًا وعِيالًا، ولأبي مالٌ وعِيَالٌ، وأبي يُرِيدُ أنْ يَأْخُذَ مالي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«أنْتَ وَمَالُكَ لِأبِيكَ» . رواه سعيدٌ في «سُنَنِه» (2). ولأن الله تعالى جَعَل الوَلَدَ مَوْهُوبًا لأبيه فقال: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} (3). وقال: {وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى} (4). وقال زَكَرِيَّا: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} (5). وقال إبراهيمُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} (6). وما كان مَوْهُوبًا له كان له أخْذُ مالِه، كعَبْدِه. قال. سُفْيانُ بنُ عُيَينَةَ، في قَوْلِه تعالى:{وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} (7). ثم ذَكَر
(1) أخرجه الطبراني، في الكبير 7/ 279 عن سمرة. وفي الصغير 1/ 8 عن عبد الله بن مسعود. وانظره الإرواء 3/ 325.
والحديث تقدم تخريجه في 7/ 94.
(2)
وأخرجه ابن ماجه، في: باب ما للرجل من مال ولده، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 769.
(3)
سورة الأنعام 84، والأنبياء 72، والعنكبوت 27.
(4)
سورة الأنبياء 90.
(5)
سورة مريم 5.
(6)
سورة إبراهيم 39.
(7)
سورة النور 61.